آل عمرانمن الاية 117 الى الاية 117مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِـذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)
مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر , أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته . وما ظلمهم الله , ولكن أنفسهم يظلمون). .وهكذا ترتسم هذه الحقيقة في مشهد ينبض بالحركة ويفيض بالحياة على طريقة التعبير القرآني الجميل . .إن أموالهم وأولادهم ليست بمانعتهم من الله , ولا تصلح فدية لهم من العذاب , ولا تنجيهم من النار . . وهم أصحاب النار وكل ما ينفقونه من أموالهم فهو ذاهب هالك , حتى ولو أنفقوه فيما يظنونه خيرا . فلا خير إلا أن يكون موصولا بالإيمان , ونابعا من الإيمان . ولكن القرآن لا يعبر هكذا كما نعبر . إنما يرسم مشهدا حيا نابضا بالحياة . . .إننا ننظر فإذا نحن أمام حقل قد تهيأ للإخصاب . فهو حرث . ثم إذا العاصفة تهب . إنها عاصفة باردة ثلجية محرقة ! تحرق هذا الحرث بما فيها من صر . واللفظة ذاتها كأنها مقذوف يلقى بعنف , فيصور معناه بجرسه النفاذ . وإذا الحرث كله مدمر خراب !إنها لحظة يتم فيها كل شيء . يتم فيها الدمار والهلاك . وإذا الحرث كله يباب ! ذلك مثل ما ينفق الذين كفروا في هذه الدنيا - ولو كان ينفق فيما ظاهره الخير والبر - ومثل ما بأيديهم من نعم الأولاد والأموال . . كلها إلى هلاك وفناء . . دون ما متاع حقيقي ودون ما جزاء . .(وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون).فهم الذين تنكبوا المنهج الذي يجمع مفردات الخير والبر , فيجعلها خطا مستقيما ثابتا وأصلا . له هدف مرسوم , وله دافع مفهوم , وله طريق معلوم . . فلا يترك للنزوة العارضة , والرغبة الغامضة , والفلتة التي لا ترجع إلى منهج ثابت مستقيم . .هم الذين اختاروا لأنفسهم الشرود والضلال والانفلات من عصمة الحبل الممدود . فإذا ذهب عملهم كله هباء - حتى ما ينفقونه فيما ظاهره الخير - وإذا أصاب حرثهم كله الدمار , فلم يغن عنهم مال ولا ولد . . فما في هذا ظلم من الله - تعالى - لهم . إنما هو ظلمهم لأنفسهم , بما اختاروه لأنفسهم من تنكب وشرود .وهكذا يتقرر أن لا جزاء على بذل وأن لا قيمة لعمل إلا أن يرتبط بمنهج الإيمان وإلا أن يكون باعثه الإيمان . . يقول الله هذا ويقرره فلا تبقى بعده كلمة لإنسان ; ولا يجادل في هذا القرار إلا الذين يجادلون في آيات الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير . .الدرس السابع:118 - 120 تحذير الأمة من موالاة الأعداءوفي نهاية الدرس الذي ابتدأ بيانا لما في سلوك أهل الكتاب من انحراف , وكشفا لما في جدالهم من مغالطة , وفضحا لما يريدونه بالمسلمين من سوء , وتوجيها للجماعة المسلمة لتنهض بتكاليفها , دون أن تلقي بالا إلى المجادلين المنحرفين الفاسقين . . في نهاية هذا الدرس , ونهاية هذا المقطع الطويل من السورة كلها يجيء التحذير للجماعة المسلمة من أن تتخذ من أعدائها الطبيعيين بطانة , وأن تجعل منهم أمناء على أسرارها ومصالحها , وهم للذين آمنوا عدو . . يجيء هذا التحذير في صورة شاملة خالدة , ما نزال نرى مصداقها في كل وقت , وفي كل أرض . صورة رسمها هذا القرآن الحي , فغفل عنها أهل هذا القرآن . فأصابهم من غفلتهم وما يزال يصيبهم الشر والأذى والمهانة:(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا . ودوا ما عنتم . قد بدت البغضاء من أفواههم , وما تخفي صدورهم أكبر . قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون . ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم , وتؤمنون بالكتاب كله , وإذا لقوكم قالوا:آمنا , وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ . قل:موتوا بغيظكم , إن الله عليم بذات الصدور . أن تمسسكم حسنة تسؤهم , وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها . وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا . إن الله بما يعملون محيط). .


ظلال القرآن