المبحث الأول: الكتاب المقدس عند المسلمين
القرآن الكريم أنـزله تعالى بالحق و معياراً لبيان الحق من الباطل فيما بين يدي أهل الكتاب من الوحي السماوي)وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين( .والقرآن الكريم لا يقتصر على تصديق الوحي الصحيح المتبقي في كتاب اليهود والنصارى (التوراة والإنجيل) بل يتجاوز ذلك إلى تفصيله، ومن صفات القرآن الكريم:)لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد(.بمعنى أنه يستحيل حذف شيء منه أو إضافة شيء أو إدخال التعديل عليه سواء بشكل سافر من أعدائه الذين يتعمدون الإساءة، أو بشكل خفي بإدخال الالتباس عليه وتشويه معانيه.وعند المقارنة مع الكتب السماوية الأخرى نجد تميز القرآن عنها تميزاً واضحاً وجليلاً، وما ذلك إلا مصداقاً لقوله تعالى)إنا نحن نـزلنا الذكر وأنا له لحافظون(. فهذا الكتاب الكريم الذي أنـزل الله تعالى على نبي أمي ليكون دليلاً مع أدلة أخرى على أن هذا القرآن هو من عند الله وكلامه حقيقة وليس كلاماً لأحد غيرة. ووصف رسولنا الكريم بالرسول الأمي مذكور بتوراة اليهود وأنجيل النصارى قال تعالى:)الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل(.وكان جبريل يأتي رسولنا محمد r فيلقي عليه الوحي ولا يتركه إلا وقد حفّظه الآيات عن ظهر قلب:)لا تحرك به لسانك لتعجل به، أن علينا جمعه وقرأنه فإذا قراناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه(.ثم كان الوحي يأتيه كل عام ليراجع معه القرآن وكان ذلك في رمضان وقد راجع الرسول r القرآن في آخر رمضان مرتين مع الوحي وهكذا كان حفظاً قوياً لما يوحى إليه.

المطلب الأول:كتابة القرآن

تختلف كتابة القرآن عن كتابة بقية كتب اليهود والنصارى من العهد القديم والجديد .
لقد كان النبي محمد r يأمر كتاب الوحي بكتابة ما ينـزل من القرآن وقت نـزوله، ومن هؤلاء الكتاب زيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان t فكان القرآن مفرقاً بينهم مع غيرهم في قطع من الجلود "ولعل قصة عمر بن الخطاب وآيات أول سورة طه التي وجدها مكتوبة مع أخته تشهد بأن كتابة القرآن كانت معروفه في مكة مشهورة بين المسلمين"،وهكذا كتب القرآن كله في حياة الرسول r على ما عارضه به جبريل في العام الذي توفي فيه وقراء الرسول r القرآن على الترتيب الذي علمه جبريل وكان يوقف أصحابه على هذا الترتيب الذي كتبت به المصاحف فلم ينتقل رسول الله r إلى جوار ربه حتى كان القرآن كله مكتوباً . ومحفوظاً يحفظه عدد كبير من الصحابة .

توثيق الكتابة والجمع في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

عن زيد بن ثابت y قال:" أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر y : إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استمحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن وإني قد اخترتك مع نفر معك لتقوم بهذه المهمة ، وهكذا تم جمع القرآن في زمن أبي بكر ، وكانت الصحف التي كتب فيها القرآن عند أبي بكر ، حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما".
منهج زيد بن ثابت في تدوين القرآن الكريم:

انتهج زيد بن ثابت yأسلوباً دقيقاً محكماً في تدوين القرآن الكريم ، وكان هذا المنهج قد وضعه له أبو بكر وعمر رضي الله عنهما –وهذا المنهج يعتمد على مصدرين في جمع القرآن الكريم :

1) ما كتب بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم .

2) ما كان محفوظاً في صدور الصحابة رضوان الله عليهم فلم يكتفِ زيد بما حفظه وكتبه هو بنفسه بل جعل يتتبع ويستقصي ما كان عند غيره، ولم يكن يقبل شيئاً من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدلان على أنه كتب بين يدي رسول الله r فلم يعتمد على الحفظ وحسب بل جمع بين المكتوب والمحفوظ زيادةً في التوثق. وهكذا جُمع القرآن بين دفتي كتاب تحت إشراف أبي بكر وعمر وكثير من أكابر الصحابة، وإجماع الأمة على ذلك.

كتابة القرآن من مصحف أبي بكر الصديق في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنهما:

روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان:" يا أمير المؤمنين : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة، أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها إلى مصاحف، ثم نرد إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان رضي الله عنهما ، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام رضي الله عنهم فنسخوها في المصاحف…" وأرسل عثمان بن عفان إلى كل مصر مصحفاً؛ فأرسل إلى مكة والكوفة والبصرة ودمشق، وأبقى مصحفاً في المدينة، فوصلت إلينا وانتشرت كما هو مدون في تلك المصاحف، وهناك كثير من المخطوطات التي تشهد على ذلك .

المطلب الثاني :المخطوطات القرآنية

هناك العديد من المخطوطات القديمة للقرآن الكريم تنتشر في أماكن مختلفة من متاحف مكتبات العالم . والشيء العجيب هو تطابق هذه المخطوطات مع مطبوعات القرآن الكريم الحديثة في العالم كله، يتحدث الكاتب الفرنسي (موريس بوكاي) مبيناً الأمر فيما يخص المخطوطات القرآنية الموجودة في المكتبة الوطنية في باريس فيقول:" فإنا نرى إن أقدم المخطوطات المعروفة في أيامنا والموجودة في العالم الإسلامي كله واحدة".

ومن أهم المخطوطات القرآنية القديمة المكتشفة مصاحف صنعاء فقد اكتشف(40000)رق هي صفحات لمصاحف كريمة وجدت في سقف الجامع الكبير في صنعاء، وذلك عام 1385هـ الموافق 1965م وهي من القرن الهجري الأول والثاني والثالث .
فتمثل هذه المخطوطات أصالة القرآن وتشهد أنه هو لم يتبدل عبر القرون "فأنت ترى المصحف الذي يقرؤه الصيني أو الروسي أو الأمريكي أو الأوروبي أو الفارسي أو التركي أو الأفريقي أو العربي…الخ هو نفسه المصحف الذي تذيعه إذاعة لندن أو أي إذاعة أو محطة تلفزيون في العالم، ولا يزال الملايين من أبناء المسلمين يتلقون القرآن مشافهة وقراءه بسند متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن أمين الوحي جبريل uعن رب العالمين سبحانه وتعالى. وفيما يلي نص لسند شيخي، الشيخ إسماعيل عبد العال:
يقول الشيخ المقرىء إسماعيل عبد العال في سنده للقراءات السبع ""لقد تلقيت أولاً القراءات السبع عن شيخي الشيخ(جوده محمد سليمان(وهو عن شيخه الشيخ )عطية إبراهيم خلف( و هو عن شيخه الشيخ ) غنيم محمد غنيم) وأخبرني أنه تلقى ذلك عن الأستاذ الشيخ )حسن الجريسي) و هو أخبره أنه تلقى ذلك عن الأستاذ الشيخ ( محمد المتولي(شيخ المقارئ المصرية المتوفى سنة1313هـ وأخبرني أنه تلقى ذلك عن الأستاذ الشيخ )أحمد التهامي(وأخبره أنه تلقى ذلك عن الشيخ)أحمد سلمونة) رضي الله عنه-عن السيد( إبراهيم العبيدي( عن مشايخه ومنهم الشيخ،عبد الرحمن الأجهوري، وفريد العصر)السيد البدري والأزهري( والمعمد الفاضل الشيخ(مصطفى العزيزي) فأما الشيخ(عبد الرحمن الأجهوري(قد قرأ على الشيخ)عبده السجاعي(وقرأ على الشيخ)أحمد البقري
(و الشيخ)أحمد الأسقاطي( وكذا (يوسف أفندي زاده( شيخ القراءات بالديار القسطنطينية وكذا الشيخ(محمد الأزبكاوي) الشهير بالجامع الأزهري وكذا على الشيخ (عبد الله السنباطي)وأما ( السيد علي البدري) فقد قرأ على الشيخ(أحمد الإسقاطي) وكذا (يوسف أفندي زاده) وكذا الشيخ (محمد الأزبكاوي)وكذا على الشيخ(محفوظ)وكذا على الشيخ(عبد الله المغربي)فأما الشيخ (عبده السجاعي)فقد قرأ على (ابن الدمياطي)وعلى كل من المحقق الشيخ(أحمد سلطان)صاحب المزاحي محرر الفن، وقرأ الشيخ (أحمد سلطان)على( يوسف الداني البصيري) ،وأما (يوسف أفندي زاده)فقد قرأ على مولانا الشيخ ( علي المنصوري) بالديار القسطنطينية، وقرأ (المنضوري) على الشيخ(سلطان)
وقرأ صاحب الإتحاف على الشيخ(أحمد سلطان) قرأ على الشيخ(الشبراملسي) وقرأ على الشيخ(أحمد البقري) على الشيخ (عبد الرحمن اليمني)على الشيخ (شحاته اليمني)على الشيخ (عبد الحق السنباطي)وكذا قرأ الشيخ (الشبراملسي)على الشيخ(عبد الرحمن اليمني)وقرأ (يوسف الداني)البصيري على (السنباطي)وقرأ على الشيخ (الأزبكاوي)على الشيخ(محمد البقري)وقرأ الشيخ (محفوظ)على الشيخ(علي الرملي)وقرأ الشيخ(الرملي)على الشيخ(محمد البقري)
وقرأ للشيخ(عبد الله السنباطي)رجال كثيرين منهم الشيخ(عبد الخالق الشماطي)المتصل سنده لشيخ الإسلام(عبد الله الرسطي)وقرأ الشيخ(شحاذه اليمني) أيضاً على الشيخ(الناصر الطبلاوي)وقرأ (السنباطي والطبلاوي)على شيخ الإسلام (زكريا الأنصاري)على شيخه (رضوان العقبي)
والشيخ(محمد النويري)شارح الشاطبية والشيخ(محمد)عن شيخهم(محمد بن محمد بن مجمد الجزري)محرر الفن وهو عن شيخه (أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن المبارك)الواسطي المصري وهو عن شيخ قراء مصر(أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الخالق) المعروف بالصايغ وهو عن شيخ قراء مصر أيضاً(أبي الحسن علي بن شجاع)صهر الشاطبي وهو عن الناظم(الشاطبي)، وهو عن (محمد بن هزيل) عن (سليم بن نجاح)عن(أبي عمر عثمان بن سعيد الداني) مؤلف التيسير قاله(ابن الجزري)في التشحيذ.
وأما{رواية حفص}فحدثنا بها(أبو الحسن الطاهر بن غلبون المقرىء قال:نبئنا بها(أبو الحسن علي بن محمد بن صالح)الهاشمي القدير المقرىء بالبصرة وقال: حدثنا(أبو عباس أحمد بن سهل الإشناني)قال: قرأت بها على(أبي محمد عبيد بن الصباح)وقال قرأت على(حفص)وقال قرأت على(عاصم)قال:(أبو عمرو):قرأت بها القرآن كله على شيخنا(أبو الحسن)
وقال قرأت بها على(الهاشمي على الإشناني)عن(عبيد)عن(حفص)عن(عاصم)هو عاصم ابن أبي النجود وكنيته أبو بكر تابعي قرأ على(عبد الله ابن حبيب السلمي) و(زر ابن حبيب الأسنوي) على (عثمان بن عفان)رضي الله عنه و(علي بن أبي طالب)رضي الله عنه و(عبد الله ابن مسعود)رضي الله عنه و(أبي ابن كعب)رضي الله عنه و(زيد بن ثابت)رضي الله تعالى عنهم أجمعين عن {النبي r}عن {جبريل عليه السلام}عن {اللوح المحفوظ}عن {رب العزة جل جلاله وتقدست أسماؤه}.وصدق الله العظيم القائل:)إنا نحن نـزلنا الذكر وإنا له لحافظون(.

المطلب الثالث :محضر الخارقة

لو فتحت أي مصحف على وجه الأرض سواء كان من المطبوع حديثاً أو من المخطوط قديماً وفتحت سورة القمر، لوجدت الآية الأولى منه تقول:) اقتربت الساعة وانشق القمر(،فقد سجل القرآن هذه الحادثة التي وقعت في مكة المكرمة حيث طلب كفار قريش من النبي r أن يريهم آية(علامة على نبوته)فشق الله له القمر نصفين، وقد رأى تلك الآية المؤمنون والكافرون معاً ، فلو أن تلك الحادثة لم تحدث لتشكك المسلمون في دينهم وخرجوا منه ولقال الكفار: إن محمداً يكذب علينا فما انشق القمر ولا رأينا شيئاً من ذلك ، ولكن الذي حدث أن زاد المؤمنون إيماناً وتحير الكافرون أمام هذه المعجزة وتحول فيما بعد كثيراً منهم إلى الإيمان، فكان ثبات المؤمنين على إيمانهم وتحول الكفار إلى الإسلام وعدم معارضتهم لما سجل القرآن، كان هذا كله بمثابة التوقيع على مطابقة القرآن لما شاهدوه".

المطلب الرابع :التحدي القرآني والعلم

إحدى المتطلبات الحتمية لحفظ القرآن عبر الزمن وجوب توافقه الكامل مع حقائق العلم وتطور النظريات العلمية والعلوم منذ نـزوله على النبي محمد r وحتى العصر الحاضر وفي المستقبل، مما يعتبر في نفس الوقت شهادة عملية على كونه وحياً إلهياً لخلوه من التناقض والتفاوت على مر الزمن حتى أن القرآن نفسه يحث على التفكر في هذه النقطة )أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً(،وهذا الموضوع بدوره يحتم استحالة أن يكون القرآن إلا من عند الله".