مركز التأصيل للدراسات والبحوث

في متابعة فكرية سالفة تحدثنا عن "الإلحاد الناعم" و"الإلحاد الخشن"، فبينا فيها أن الإلحاد الناعم يرفع لواء التسامح، ويدعي التصالح مع الأديان، والتعايش مع معتنقيها على اختلاف معتقداتهم وأفكارهم، وهو بخلاف الإلحاد الخشن الصريح، الذي يتصادم مع الأديان، بل يتصادم وبشكل مباشر مع فكرة وجود خالق لهذا الكون، وأشرنا في تلك المتابعة إلى أن خطورة الإلحاد الناعم تفوق خطورة الإلحاد الخشن؛ لتصادم الأخير مع الفطرة البشرية، بعكس الأول الذي يكسو نفسه بالتسامح وقبول الآخر.
والأخطر من نوعي الإلحاد السابقين (الناعم والخشن) أن يُروج للإلحاد من قبل من يدعي الإسلام ويتزيي بزي الشيوخ والعلماء، وهو أمر شائع في هذا الزمان، الذي كثر فيه شيوخ الفتنة والضلالة، ممن أغوتهم شياطينهم، فاشتروا الضلالة بالهدى، ومن هؤلاء المدعو محمد عبد الله نصر، الشهير بـ"ميزو"، حيث كثرت فتاويه الشاذة التي تخالف إجماعات علماء الأمة في الأصول والفروع.
فمن فتاويه الشاذة التي تؤسس لتفريغ الدين عن أصوله ادعائه أن ممارسة الشباب للفاحشة قبل الزواج "ليست زنا"، حيث يرى أن الزنا هو أن يقوم رجل مرتبط بزوجته، أو زوجة مرتبطة بزوجها بممارسة الفاحشة، أما لو حدث ذلك بين رجل غير مرتبط وامرأة غير مرتبطة فإنه يدخل في بند البغاء ولا يدخل في الزنا.
ومن فتاويه أيضاً ادعائه أنه لا وجود لما يعرف بعذاب القبر، وأن صيام عاشوراء أكذوبة كبرى، واتهامه لصحيح البخاري، حيث زعم أن هناك أحاديث في صحيح البخاري تحث على القتال والإرهاب، وزعم أن الكتاب نفسه "سب رسول الإسلام وزعم أنه مسحور"، مضيفاً أن "البخاري ادعى على النبي أنه كان يعيش على الغنائم، وتحدث عن إقامة حد الزنا على القرود".
أما آخر فتاويه والتي تؤسس لإلحاد جديد يتستر بستر الشريعة، فادعائه أن الشريعة الإسلامية جاءت لخدمة الإنسان، ولم يأتِ الإنسان ليخدم الشريعة، مضيفاً: "إن الله جاء ليخدم الإنسان ويدافع عنه، ولم يأتِ الإنسان ليدافع عن الله، فهذا منطق معكوس"، وتابع: "لولا الإنسان ما كان لله وجود"- على حد قوله- نعوذ بالله من الخذلان، ومن نُطق الكفر أو الرِضا عنه.
والرد على هذا الكلام ليس محل حديثنا، لأنه كلامفاسد من جهة العقل والمنطق- فضلاً عن فسادة الشرعي-، فكيف يمكن عقلاً أن نقول: إن الخالق لم يكن ليكون لولا خلقه لخلقه؟ أما باقي ضلالاته فهي أيضاً فتاوى مهترئة، وكلام عبثي لا سند له، وفي كتب أهل العلم ما يشفي صدر الباحث عما أثاره هذا الدعي.
أما النقطة التي يحسن الوقوف عندها فهي نقطة الإعلام، وتمكين مثل هؤلاء منه لإثارة الشبة، والعبث بثوابت الأمة ومُسلماتها، والطعن في رموزها وعلمائها، فلولا تمكين الإعلام لهؤلاء من التحدث إلى الناس ما انتشر ضلالهم وما كان لإفكهم أثراً، بل لما سمع الناس عنهم شيئاً.
فالإعلام شريك أصيل في هذه الحملة الشرسة على الدين، بقصد أو بغير قصد، وإن كنا نميل إلى فكرة المؤامرة، فأمثال ميزو بثقافاتهم المنعدمة وبجهلهم البين ما كان لهم أن يصلوا إلى مثل هذه المنابر الإعلامية لولا وقوف جهات كبرى أو شخصيات مؤثرة خلفهم.
ومَنْ غير العلمانيين وحاملي أفكار الإلحاد والتطرف الفكري له القدرة على فرض مثل هؤلاء على الإعلام وتهيئة الأجواء لهم؟ ومَنْ غير العلمانيين وحاملي أفكار الإلحاد والتطرف الفكري له مصلحة في نشر مثل هذه الأفكار