دراسة لحديث الجساسة وبيان ما فيه من العلل في الإسناد والمتن

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

الرد على مقطع خالد بلكين : الوحي المكتوم المنهج و النظرية ج 29 (اشاعة حول النبي محمد) » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | الإعجاز في القول بطلوع الشمس من مغربها » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لمسات بيانية الجديد 8 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنهما بعمر السادسة و دخوله عليها في التاسعة » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | المصلوب بذرة ( الله ) ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | كاهن يعلنها بصدق من داخل الكنيسة : الإسلام أكثر منطقية من المسيحيّة ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | إجابة عن سؤال : من نسب لله الصّاحبة و الولد ؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | Moses PBUH in the river » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | قـُــرّة العُــيون : حلقة 01 » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

دراسة لحديث الجساسة وبيان ما فيه من العلل في الإسناد والمتن

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: دراسة لحديث الجساسة وبيان ما فيه من العلل في الإسناد والمتن

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,494
    آخر نشاط
    23-11-2015
    على الساعة
    06:28 PM

    افتراضي دراسة لحديث الجساسة وبيان ما فيه من العلل في الإسناد والمتن

    بقلم د. حاكم المطيري
    كلية الشريعة
    جامعة الكويت
    2009
    ملخص البحث
    البحث دراسة في حديث فاطمة بنت قيس في قصة الجساسة، وبيان ما فيه من العلل في الإسناد والمتن، التي دعت البخاري إلى تركه وعدم تخريجه له في صحيحه، وتخريج ما يعارضه وهو حديث ابن صياد، ودراسة متابعاته وشواهده، وبيان الأدلة النقلية والعقلية التي تعارضه، حتى حكم بعض المتقدمين وبعض المعاصرين بغرابة إسناده، ونكارة متنه.
    وقد كنت سمعت الشيخ ابن عثيمين في بعض دروسه ينكر متنه دون التعرض لإسناده، فعزمت على دراسته دراسة حديثية، فكتبت هذا البحث في حدود سنة 1997م ثم أجلت نشره إلى ما بعد الدكتوراه ثم بعثته بعد سنة 2000م للتحكيم في مجلة كلية الشريعة بجامعة الكويت فاعتذرت بعدم النشر لطول البحث فاختصرته كثيرا ـ وهذه هي النسخة المختصرة ـ وأرسلته إلى عدد من المجلات العلمية لتحكيمه في المملكة العربية السعودية وفي مصر فاعتذرت كلها مع اعتراف بعض المحكمين في تقاريرهم بأن البحث يدل على أن من كتبه عالم ضليع في علم علل الحديث! إلا أن جلالة صحيح مسلم تمنع من نشره!
    وهذا هو البحث أقدمه للمتخصصين في علم الحديث فعسى أن يجدوا فيه جوابا عن سؤال وجدال طالما دار حول هذا الحديث والله ولي التوفيق!
    الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد:
    فهذه دراسة حديثية نقدية لإسناد حديث فاطمة بنت قيس ومتنه، وهو حديثها في شأن الدجال وقصة الجساسة، وقد أنكر متنه بعض العلماء المعاصرين[1]، واحتج بعدم تخريج البخاري له، وقد وصفه بالغرابة بعض المتقدمين، ولعله لهذا السبب لم يخرج البخاري حديث فاطمة هذا في صحيحه قال ابن حجر:(سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم، وقد توهم بعضهم أنه غريب فرد، وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر).[2]
    فناسب ذلك جمع طرقه، وتخريجها ودراسة إسناده ومتنه، وبيان ما في ألفاظه من اختلاف، وبيان وجه النكارة فيها إن كان ثمة نكارة، وذكر الأدلة التي تعارضه، وكشف علله التي حدت البخاري لعدم تخريجه وعدم التبويب له في صحيحه.
    هذا وقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى:-
    1- المبحث الأول: تخريج روايات حديث الشعبي عن فاطمة.
    2- المبحث الثاني: دراسة طرق حديث الشعبي بحسب شهرتها.
    3- المبحث الثالث: في بيان طبقات أصحاب الشعبي.
    4- المبحث الرابع: في المتابعات لرواية الشعبي.
    5- المبحث الخامس: في ذكر الشواهد لحديث فاطمة.
    6- المبحث السادس: في بيان ما في ألفاظه من اختلاف.
    7- المبحث السابع: ذكر الأدلة التي تعارضه.
    ثم خاتمة البحث والنتائج
    المبحث الأول: تخريج روايات حديث الشعبي عن فاطمة:
    سياق الإمام مسلم لحديث فاطمة في صحيحه: قال (حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، وحجاج بن الشاعر كلاهما عن عبد الصمد (واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد)، حدثنا أبي عن جدي، عن الحسين بن ذكوان، حدثنا ابن بريدة، حدثني عامر بن شراحيل الشعبي، شعب همدان، أنه سأل فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، فقال: حدثيني حديثاً سمعتيه من رسول الله e لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن، فقال لها: أجل حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة، وهو من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله e فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب رسول الله e، وخطبني رسول الله e على مولاه أسامة بن زيد، وكنت قد حدثت أن رسول الله e قال: ((من أحبني فليحب أسامة)) فلما كلمني رسول الله e قلت: أمري بيدك. فأنكحني من شئت. فقال: ((انتقلي إلى أم شريك)) وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان، فقلت: سأفعل. فقال: ((لا تفعلي. إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمر بن مكتوم)) (وهو رجل من بني فهر، فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه) فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله e ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله e فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله e صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ((ليلزم كل إنسان مصلاه))، ثم قال: ((أتدرون لم جمعتكم؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ((إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال. حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفؤا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ؟ قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر ؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبرني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر ؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر. قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا له: نعم. هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب ؟ قال: نعم. قال: كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك ؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وأني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة. فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحداً منها استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله e وطعن بمخصرته في المنبر ((هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة )) يعني المدينة ((ألا هل كنت حدثتكم ذلك )) فقال الناس: نعم. ((فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو. من قبل المشرق ما هو. من قبل المشرق ما هو )) وأومأ بيده إلى المشرق. قالت فحفظت هذا من رسول الله e.
    ـ حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد بن الحارث الهجيمي، أبو عثمان حدثنا قرة، حدثنا سيار أبو الحكم، حدثنا الشعبي قال: دخلنا على فاطمة بنت قيس فأتحفتنا برطب يقال له رطب ابن طاب، وأسقتنا سويق سلت، فسألتها عن المطلقة ثلاثاً أين تعتد ؟ قالت: طلقني بعلي ثلاثاً، فأذن لي النبي e أن اعتد في أهلي. قالت فنودي في الناس: إن الصلاة جامعة، قالت: فانطلقت فيمن انطلق من الناس، قالت: فكنت في الصف المقدم من النساء وهو يلي المؤخر من الرجال، قالت: فسمعت النبي e وهو على المنبر يخطب فقال: ((إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر)) وساق الحديث وزاد فيه: قالت: كأنما انظر إلى النبي e، وأهوى بمخصرته إلى الأرض، وقال: ((هذه طيبة)) يعن المدينة.
    ـ وحدثنا الحسن بن علي الحلواني وأحمد بن عثمان النوفلي. قالا: حدثنا وهب بن جرير. حدثنا أبي. قال: سمعت غيلان بن جرير يحدث عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، قالت: قدم على رسول الله e تميم الداري فأخبر رسول الله e أنه ركب البحر، فتاهت به سفينته فسقط إلى جزيرة، فخرج إليها يلتمس الماء، فالتقى إنساناً يجره شعره، واقتص الحديث. وقال فيه، ثم قال: أما إنه لو قد أذن لي في الخروج قد وطئت البلاد كلها غير طيبة، فأخرجه رسول الله e إلى الناس فحدثهم قال: ((هذه طيبة وذاك الدجال)).
    ـ حدثني أبو بكر ابن إسحاق، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا المغيرة (يعني الحزامي ) عن أبي الزناد، عن الشعبي عن فاطمة بن قيس، أن رسول الله e قعد على المنبر فقال: ((يا أيها الناس حدثني تميم الداري أن أناساً من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم فانكسرت بهم، فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة فخرجوا إلى جزيرة في البحر)) وساق الحديث.[3]
    تخريج طرق الحديث عن الشعبي : وقد رواه عن الشعبي كل من :
    أولا : مجالد بن سعيد عن الشعبي: وقد رواه عنه كل من :
    1 ـ سفيان بن عيينة : رواه عنه الحميدي[4] ، والطبراني.[5]
    2 ـ يحيى بن سعيد القطان : رواه عنه أحمد[6]، والطبراني.[7]
    3 ـ حماد بن أسامة : رواه عنه إسحاق وابن أبي شيبة.[8]
    4 ـ علي بن مسهر : رواه عنه ابن أبي شيبة.[9]
    5 ـ إسماعيل بن أبي خالد : رواه أبو داود[10] ، وابن ماجه[11]، والآجري من طرق عنه.[12]
    6 ـ زيد بن أبي أنيسة : رواه الطبراني.[13]
    ثانيا : داود بن أبي هند عن الشعبي :
    رواه أحمد[14]، والنسائي[15] ، وابن حبان[16]، والطبراني[17] كلهم من طرق عن حماد بن سلمة عنه.
    ثالثا : عبد الله بن بريدة عن الشعبي:
    رواه مسلم[18] وأبو داود[19]، كلاهما من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريده.
    رابعا : قتادة عن الشعبي :
    رواه إسحاق بن راهويه والترمذي[20]، كلاهما من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة به.
    خامسا : عمران بن سليمان عن الشعبي:
    رواه ابن حبان[21]، من طريق عبد الملك بن سليمان القرقساني عن عيسى بن يونس عن عمران به.
    سادسا : أبو الزناد عبد الله بن ذكوان :
    رواه مسلم[22]، والطبراني[23]، من طريق يحيى بن بكير عن المغيرة الحزامي عن أبي الزناد به.
    سابعا : غيلان بن جرير عن الشعبي :
    رواه مسلم[24]، والطبراني[25]، كلاهما من طريق وهب بن جرير عن أبيه جرير بن حازم عن غيلان به.
    ثامنا : سيار العنزي عن الشعبي :
    رواه مسلم[26]، والطبراني[27]، من طريق خالد بن قرة عن سيار به.
    ومن خلال تخريج الحديث يظهر مدى شهرته عن مجالد بن سعيد حيث رواه عنه ستة من الحفاظ الأثبات الثقات، بينما الروايات عن غيره لم تشتهر عمن رووها بل عامتها غرائب كما سيأتي بيانه!

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,494
    آخر نشاط
    23-11-2015
    على الساعة
    06:28 PM

    افتراضي

    - ضعف في سعد بن زياد كما قال أبو حاتم عنه (ليس بالمتين).
    2- جهالة في نافع إذ لا يكاد يعرف إلا من رواية سعد عنه.
    3- غرابة في حديثه عن أبي هريرة كما قال ابن كثير.
    ثم إن سعداً إنما يروي عنه أهل العراق، والبصريون[226] على وجه الخصوص فعاد الحديث من حيث خرج؟!
    وأما طريق عائشة فلم يجد له الحافظ ابن حجر متابعاً فلم يزد على قوله: (أما حديث عائشة فهو في الرواية المذكورة عن الشعبي)[227] ولم يروه إلا مجالد بن سعيد على الصحيح، ولهذا تنكب أصحاب السنن الأربعة ومسلم عن تخريج هذه الزيادة مع نفاستها، ومع تخريج مسلم للحديث من أربعة طرق غريبة عن الشعبي إلا أنه لم يخرج هذه الزيادة لأنها لا تروى إلا عن مجالد، ولو صحت عن غيره ـ خاصة الشيباني ـ لخرجها مسلم في صحيحه أو ابن حبان أو لاستدركها الحاكم إذ فيها شاهدان عن صحابيين لحديث فاطمة فثبت يقيناً أنها لا تعرف إلا من حديث مجالد.
    ثم على فرض صحة هذه الزيادة الإسنادية، فإنه لم يسق أحد لفظ حديث عائشة أو لفظ حديث أبي هريرة لمعرفة ما الذي تابعوا عليه فاطمة أهو حديثها في قصة تميم الداري أم ما روته من قول النبي e بعد ذلك: (إن طيبة المدينة ما لها طريق ضيق ولا واسع في سهل ولا جبل إلا عليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة ما يستطيع الدجال أن يدخلها)[228]؟
    فالظاهر أن الشعبي إنما حدث المحرر بما حدثته فاطمة عن النبي e أن الدجال لا يدخل المدينة فقال المحرر أنه سمع من أبيه مثل ذلك وزاد: (نحو المشرق) ثم حدث الشعبي محمد بن القاسم فحدثه عن عائشة مثل ذلك وزاد :(الحرمان عليه حرام مكة والمدينة).
    ومما يؤكد ذلك:
    1ـ ما رواه ابن الأعرابي[229] من طريق موسى بن إسماعيل الحافظ عن الحسن بن أبي جعفر عن مجالد عن الشعبي عن المحرر عن أبيه قال: قال e: [لا يأتي الدجال المدينة إلا وجد عند كل نقب من نقابها ملكاً مصلتاً بالسيف] والحسن بن أبي جعفر قال عنه ابن حجر: (ضعيف الحديث مع عبادته وفضله).[230]
    فكشفت هذه الرواية وميزت حديث أبي هريرة عن حديث فاطمة وأن المتابعة إنما هي في هذا القدر فقط.
    2ـ ما رواه الحاكم[231] وتمام الرازي[232] من طريق عمرو بن أبي قيس، عن مطرف، عن الشعبي، عن ابن أبي هريرة، عن أبيه قال: قال النبي e: ((يخرج الدجال من ها هنا أو من ها هنا بل يخرج ها هنا يعني المشرق)) قال الحاكم: (صحيح الإسناد).
    3ـ ما رواه أحمد[233]، والنسائي[234]، من طريق محمد بن أبي عدي، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي، عن عائشة قالت: قال النبي e: ((لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة)).
    وهذا إسناد رجاله ثقات، وفيه كشف داود بن أبي هند عن لفظ حديث عائشة، إلا أنه سقط من الإسناد الواسطة بين الشعبي، وعائشة ويبدو أن الذي أسقطه هو الشعبي نفسه فإنه كان يرسل عن عائشة.[235]
    وقد قال المزي عن هذه الرواية: (كذا وقع في هذه الرواية والمحفوظ رواية الشعبي عن فاطمة).
    وهذا دليل على أن المزي لا يرى رواية من رواه عن الشعبي من حديث عائشة محفوظة، والصحيح أن غير المحفوظ ما رواه مجالد عن الشعبي عن عائشة نحو حديث فاطمة عن تميم الداري وقصته، أما من رواه عن الشعبي عن عائشة نحو حديث فاطمة عن النبي e في أن الدجال لا يدخل المدينة فلا يبعد أن يكون محفوظاً عن الشعبي إذ هو ثابت عن عائشة من طرق أخرى كما سيأتي.
    وقد سئل الدارقطني عن حديث مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة) فقال (اختلف فيه على الشعبي :فرواه محبوب بن الحسن عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة.ورواه مسلمة بن علقمة عن داود عن الشعبي عن عائشة لم يذكر بينهما أحدا.ورواه الشيباني عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عائشة. وقال مجالد : عن الشعبي عن القاسم عن عائشة. وقال السري بن إسماعيل:عن الشعبي عن مسروق مثل قول محبوب بن الحسن عن داود وهو مختصر من حديث ... الجساسة الذي يرويه الشعبي عن فاطمة بنت قيس).[236]
    4ـ أن هذا القدر هو المحفوظ عن أبي هريرة وعن عائشة.
    فقد روى البخاري[237] ومسلم[238]من حديث أبي هريرة: ((على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الدجال)) وفي رواية لمسلم: ((يأتي المسيح (أي الدجال) من قبل المشرق همته المدينة حتى ينـزل دبر أحد ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهنالك يهلك)) فقوله: [من قبل المشرق] هو مقصود المحرر: [إنه نحو المشرق] أي يأتي من تلك الجهة.
    كما روى أحمد[239] وابن حبان[240] من حديث عائشة: ((فيسير [أي الدجال] حتى ينـزل بناحية المدينة وهي يومئذ لها سبعة أبواب على كل باب ملكان.. )).
    وبهذه الأدلة يتضح صواب قول من قال بأن حديث فاطمة حديث فرد غريب وبان خطأ استدراك ابن حجر عندما قال: (توهم بعضهم أنه غريب فرد وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس: أبو هريرة وعائشة وجابر).
    فقد ثبت أن حديث جابر لا أصل له، وأنه من أوهام ومناكير الوليد بن جميع وتخاليطه كما نص عليه العقيلي وابن عدي، وأن حديث أبي هريرة وعائشة لم تذكر الروايات ـ التي أحالت على حديث فاطمة ـ لفظه وقد جاءت روايات عن مجالد نفسه ومن طريق آخر عن الشعبي فكشفت لفظ كل من أبي هريرة وعائشة وأنهما تابعا فاطمة على حديثها عن النبي e في أن الدجال لا يدخل المدينة فقط لا على كل حديثها في شأن الدجال وقصة تميم والجساسة.
    فإذا ثبت ذلك وأن ما ظنه ابن حجر شواهد هي لا أصل لها، وإذا ثبت أن حديث فاطمة بنت قيس لا يثبت عن أبي سلمة عنها، ولا عن يحيى بن يعمر عنها، وأنه لا يثبت إلا من طريق مجالد ـ وحده ـ عن الشعبي عنها، فإن له عللاً أخرى على فرض ثبوته عنها منها:-
    5ـ أن فاطمة صحابية مشهورة وليس لها سوى حديثين اثنين فقط:
    الأول: حديث طلاقها وقول النبي e لها ((لا نفقة لك ولا سكنى)) لأنه لا رجعة لزوجها عليها، وخطبة النبي e إياها لأسامة بن زيد وهو حديث مشهور عنها، فقد رواه علماء الحجاز والعراق وعلى رأسهم فقهاء المدينة سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.
    ورواه أيضاً الأسود بن يزيد النخعي، والشعبي، وعبد الله بن البهي، وعبد الرحمن بن عاصم بن ثابت، وتميم أبو سلمة.[241]
    وقد اشتهر عنها هذا الحديث منذ عهد عمر رضي الله عنها، وشغلت الناس به حتى قال ابن المسيب (تلك امرأة فتنت الناس)[242] وظلت تحدث به الناس إلى زمن عبد الله بن الزبير وكتبه عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن في تلك الفترة[243]، أي أنها حدثت الناس بهذا الحديث منذ سنة 13هـ إلى سنة 73هـ تقريباً أي مدة ستين سنة ومع هذا كله لم يرو عنها أهل المدينة إلا هذا الحديث في شأن طلاقها، ولم يشتهر عنها سواه، وقد روى هذا الحديث من أصحاب الشعبي كبار أصحابه الحفاظ منهم إسماعيل بن أبي خالد، والشيباني، ومطرف، وسلمة بن كهيل، وأبو حصين، وابن أبي زائدة، والأعمش، وحماد بن أبي سليمان، ويونس بن إسحاق، وداود بن أبي هند، ومغيرة، وحصين، ومجالد، وأشعث، وغيرهم.
    الثاني: حديث الشعبي عنها في قصة تميم والجساسة ولم يشتهر عنها إلا من طريق الشعبي، ولا عن الشعبي إلا من طريق مجالد!
    وقد قال ابن حجر[244] عن حديثها الأول: (وهي قصة مشهورة) بينما قال عن حديثها الثاني: (وهي التي روت قصة الجساسة بطولها فانفردت بها مطولة رواها عنها الشعبي لما قدمت الكوفة على أخيها وهو أميرها) وذكر أن فاطمة من المهاجرات الأول وأنها كانت أكبر من أخيها الضحاك أمير الكوفة بعشر سنين.
    لكن يشكل على هذا ما جاء في بعض روايات هذا الحديث كرواية مسلم[245]: (دخلنا على فاطمة بنت قيس فأتحفتنا برطب يقال له رطب بن طاب) وهو رطب المدينة المشهور، وفي رواية عند الطبراني[246] من طريق حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي قال (خالفنا أهل المدينة في سكنى المطلقة ونفقتها فقالوا لي: بيننا وبينك حديث فاطمة بنت قيس فأتيتها…) وهذا يؤيد أنه سمع منها في المدينة. وفي رواية عند الطبراني[247]: (لقيت فاطمة بنت قيس بالحرة…) وهي رواية ضعيفة إلا أنها يستأنس بها وعند الطبراني أيضاً[248]: (دخلت المدينة فجلست عند المنبر…) وهي ضعيفة إلا أنها ترجح أن سماع الشعبي منها كان في المدينة ولم أجد ما يؤيد قول الحافظ ابن حجر أنه سمع منها عندما قدمت على أخيها الضحاك الكوفة وهو أمير عليها إلا ما رواه البسوي في المعرفة والتاريخ[249] من طريق مجالد عن الشعبي قال قدمت فاطمة ابنة قيس على أخيها الضحاك بن قيس وكان عاملاً عليها فأتيتها فسألناها، فإن ثبت ما قاله الحافظ فيكون سماعه منها ما بين سنة 53هـ ـ 57هـ وهي المدة التي كان فيها الضحاك أميراً على الكوفة كما ذكره خليفة بن خياط في تاريخه.[250]
    ويكون سنها آنذاك قد تجاوز السبعين سنة إذا افترضنا أن لها عندما هاجرت عشرين سنة على الأقل وقد كانت من أوائل المهاجرات في سبيل الله.
    وإن لم يثبت قول الحافظ فيحتمل أن سماع الشعبي منها كان بعد ذلك في المدينة في زمن ابن الزبير إذ أن الشعبي ولد في حدود سنة 20هـ ـ كما في تهذيب التهذيب[251] ـ فيحتمل أنه سألها بعد أن أصبح فقيهاً يجادل فقهاء المدينة في مسألة فقهية كهذه المسألة فيحتجون عليه بحديث فاطمة ويحتكمون إليها ـ كما تدل عليه رواية مجالد عنه ـ وهذا يقتضي أن يكون قد بلغ من السن والعلم الدرجة التي تؤهله بلوغ هذه المنـزلة الرفيعة في نظر أهل المدينة.
    وعلى كل حال فسماع الشعبي منها إنما كان بعد أن بلغ سنها السبعين سنة ـ على أقل تقدير ـ إن لم تكن بلغت الثمانين سنة أو أكثر.
    وقد تكلم الصحابة رضي الله عنهم في حديث فاطمة الأول وردوا عليها روايتها وأنكروها وهو قولها أن النبي e لم يجعل للمطلقة ثلاثاً نفقة ولا سكنى حتى قال عمر: (لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت)[252] كما أنكرت عليها ذلك عائشة رضي الله عنها[253]، وقد أخذ أكثر العلماء بقول عمر وعائشة في قدحهما في صحة روايتها قال الطحاوي: (فهذا أبو سلمة يخبر أيضاً أن الناس قد أنكروا ذلك على فاطمة وفيهم أصحاب رسول الله e ومن لحق بهم من التابعين فقد أنكره عمر وعائشة وأسامة وسعيد بن المسيب مع من سمينا معهم ولم يعملوا به، وذلك من عمر بن الخطاب بحضرة أصحاب رسول الله e فلم ينكره عليه منهم منكر).[254]
    وقال ابن عبد البر: (عمر وعائشة وابن عمر ينكرون على فاطمة أمر السكنى ويخالفونها في ذلك ومال إلى قولهم فقهاء التابعين بالمدينة)[255] وقال أيضاً: (أما الشافعي ومالك فإنه لم يثبت عندهما عن النبي e أنه قال لفاطمة لا سكنى لك ولا نفقة مع ما رأوا من معارضة العلماء الجلة لها في ذلك).[256]
    وما كان للصحابة أن يقدحوا في روايتها ويردوها وهي تخبر عن رسول الله e أنه قضى في شأنها قضاءً، لولا أنه ثبت عندهم ما يقدح في حفظها وضبطها قال ابن حجر[257]: (لقد كان الحق ينطق على لسان عمر فإن قوله (حفظت أو نسيت) قد ظهر مصداقية في أنها أطلقت في موضع التقييد أو عمت في موضع التخصيص…) وقد قال إسماعيل القاضي: (وإذا كان هذا الإنكار كله وقع في حديث فاطمة فكيف يجعل أصلاً).[258]
    6ـ أن في حديث فاطمة أن النبي e نادى في الناس: ((الصلاة جامعة)) وأنها كانت في الصفوف الخلفية مع النساء عندما قام النبي e خطيباً … إلخ ويستحيل عادة وقوع هذا الأمر الجامع للناس ثم لا يرويه ولا يخبر به إلا امرأة واحدة في الصفوف الخلفية؟!
    بل جرت العادة أن تتوافر الهمم على رواية مثل هذا الحدث عند وقوعه وقد ذكر أبو يعلى ما يرد به خبر الواحد فقال: (أن ينفرد بما جرت العادة في نقله بالتواتر مثل أن ينفرد بنقل أن الخطيب سقط يوم الجمعة من المنبر فالعادة جرت بأن الواحد لا ينفرد بنقله فإذا انفرد به علمناه بخلاف العادة فرددناه).[259]
    7 ـ ثم إن صاحب القصة نفسها وهو تميم الداري عاش في المدينة إلى سنة 35هـ ثم تحول إلى الشام وهي بلده وتوفي سنة 40هـ وكان أول واعظ وقاص في الإسلام، وعظ وقص في عهد عمر رضي الله عنه وقد روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين[260] ، فلم يرو أحد منهم عنه هذه القصة مع ما فيها من غرابة ومنقبة له، إذ حدث عنه النبي e بهذه القصة فكيف تتفرد فاطمة برواية هذه القصة عن النبي e من دون الصحابة ثم تتفرد بها عن تميم أيضاً؟!
    ولا يرويها عنه أحد من الصحابة، ولا أحد من أصحابه وتلاميذه ـ الذين رووا عنه حديثه ـ من أهل المدينة أو أهل الشام، وقد قال ابن القيم[261] في ما يستدل به على بطلان الخبر: (ومنها أن يدّعى على النبي e أنه فعل أمراً ظاهراً بمحضر من الصحابة كلهم وأنهم اتفقوا على كتمانه ولم ينقلوه… وكذلك رواية (أن الشمس ردت لعلي بعد العصر) والناس يشاهدونها ولا يشتهر هذا أعظم اشتهار ولا يعرفه إلا أسماء بنت عميس).
    وهذا شبيه بخبر فاطمة بنت قيس.
    8ـ ومما يزيد الشك في خبرها أن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا في شأن الدجال اختلافاً شديداً حتى كان جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد هو الدجال ويخبر أن عمر كان يحلف على ذلك عند النبي e فلا ينكر عليه.
    وحديثه عند البخاري[262] ومسلم[263] وإنما كان جابر يحلف على ذلك بعد وفاة النبي e كما هو ظاهر الرواية إذ فيها أن محمد بن المنكدر ـ وهو تابعي ـ رآه يحلف على ذلك. كما روى مسلم أيضاً في صحيحه[264] من حديث أبي سعيد الخدري قال: (صحبت ابن صائد إلى مكة فقال لي: أما قد لقيت من الناس يزعمون أني الدجال…).
    وفي رواية له: (مالي ولكم يا أصحاب محمد! ألم يقل نبي الله e ((إنه (أي الدجال) يهودي)) وقد أسلمت، قال: (ولا يولد له) وقد ولد لي، وقال: ((إن الله حرم عليه مكة)) وقد حججت. قال أبو سعيد: فما زال حتى كاد أن يأخذ فيّ قوله…).
    وفي رواية لمسلم أيضاً أن ابن صائد قال: (يا أبا سعيد! لقد هممت أن آخذ حبلاً فأعلقه بشجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد! من خفي عليه حديث رسول الله e ما خفي عليكم معشر الأنصار! ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله e؟ أليس قد قال رسول الله e: ((هو كافر)) وأنا مسلم، أو ليس قد قال رسول: ((هو عقيم لا يولد له)) وقد تركت ولدي بالمدينة، أو ليس قال رسول الله e: ((لا يدخل المدنية ولا مكة)) وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟…).
    وفي رواية لمسلم أن أبا سعيد كان يجيبه بقوله (بلى).
    كما روى مسلم في صحيحه[265] من حديث ابن عمر أنه كان يظن ابن صياد هو الدجال حتى أن حفصة كانت تحذره من إغضابه لأن النبي e كان يخبر عن الدجال أنه يخرج من غضبة يغضبها.
    وروى أبو داود[266] بسند صحيح ـ كما قال ابن حجر[267] ـ أن ابن عمر كان يحلف أنه الدجال وروى أحمد[268] أن أبا ذر رضي الله عنه كان يقول: (لأن أحلف عشر مرار أن ابن صائد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس به…) قال في الفتح: (سنده صحيح). [269]
    وروى أبو يعلى والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لأن أحلف بالله تسعاً أن ابن صياد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف واحدة…). قال الهيثمي: (رجال أبي يعلى رجال الصحيح). [270]
    فإذا كان عمر وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وابن عمر وحفصة وأبو ذر وابن مسعود، بل والناس عامة، والأنصار خاصة، يتحدثون أن ابن صياد اليهودي هو الدجال وكان بعضهم يحلف على ذلك ـ وهذا كله بعد وفاة النبي e ـ فكيف يمكن التوفيق بين هذا وقول فاطمة أن النبي e جمع الناس وقص عليهم خبر تميم الداري الذي فيه خبر الدجال وأنه مسجون في جزيرة في عرض البحر؟!
    ولهذا استشكل الطحاوي ذلك فقال( فإن قال قائل فكيف بقي ابن مسعود وأبو ذر وجابر على ما كانوا عليه فيه مما قد رويته عنهم في هذا الباب مما قالوه فيه بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أنه قد يحتمل أن ذلك كان منهم لأنهم لم يعلموا بما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث به الناس عن تميم الداري ولا من سروره به فقالوا في ذلك ما قالوا).[271]
    وذكر ابن حجر قول البيهقي: (كأن الذين يجزمون بابن صياد هو الدجال لم يسمعوا بقصة تميم وإلا فالجمع بينهما بعيدٌ جداً إذ كيف يلتئم أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي e ويسأله، أن يكون هو في آخرها شيخاً كبيراً مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر موثوقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي e هل خرج أولاً؟ فالأولى أن يحمل على عدم الإطلاع…).[272]
    بل هذا الذي يجب، إذ لا يتصور أن يكون هؤلاء الصحابة قد اطلعوا أو سمعوا بخبر تميم الداري ثم يحلفون بعد ذلك أن ابن صياد ـ اليهودي الذي كان يعيش في المدينة في حياة النبي e ثم أسلم بعد ذلك ـ هو نفسه الدجال الذي كان موثوقاً في جزيرة من الجزر. قال المزي[273]: (عمارة بن عبد الله بن صياد الأنصاري ـ ولاءً ـ وأبوه الذي قيل عنه أنه الدجال… وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه ـ أي على عمارة ـ في الفضل أحداً) وقال أيضاً عن أبي عمارة: (وهو الذي قيل إنه الدجال لأمور كان يفعلها وقد أسلم عبد الله بن صياد وحج وغزا مع المسلمين وأقام بالمدينة) وقد كان ولده عمارة من سادات التابعين وثقاتهم. ومع ذلك كان أهل المدينة يظنون أن أباه هو الدجال لموافقة صفته صفة الدجال التي كان النبي e قد أخبرهم بها[274] إلى أن توفي في المدينة بعد ذلك فثبت أنه ليس هو.
    فإذا ثبت ذلك فمن هم الناس الذين خطب بهم النبي e ونادى فيهم (أن الصلاة جامعة) وقص عليهم خبر تميم الداري ـ وكان ذلك سنة 9هـ ـ عندما جاء تميم مهاجراً مسلماً؟!
    فهؤلاء الصحابة :عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبو ذر وأبو سعيد الخدري وحفصة بنت عمر هم حفاظ السنة وعلماء الصحابة وأعلم الناس بالأخبار والآثار النبوية فإذا كانوا لم يحضروا قصة تميم عن الدجال بل ولا سمعوا عنها ـ وإلا لما ظنوه ابن صياد ولا حلفوا على ذلك ـ فمن الذي حضر هذه الخطبة؟! وكيف يتحدث الناس والأنصار عامة ـ كما في صحيح مسلم ـ أن ابن صياد هو الدجال دون أن يتذكروا أو يذكرهم أحد بخطبة النبي e التي جمعهم فيها وقص عليهم خبر تميم الداري؟!
    بل إنه مع كل هذا الخلاف في شأن ابن صياد بين الصحابة إلا أنه لم يثبت قط عن أحد منهم القول بأن الدجال موجود موثوق في جزيرة في عرض البحر!!
    وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحلف على أن ابن صياد هو الدجال عند النبي e ـ كما روى ذلك جابر عنه ـ فإنه أيضاً لم يثبت عنه خلاف هذا القول بعد ذلك ولا دليل على أنه سمع بخبر تميم الداري فرجع عن اعتقاده في ابن صياد.
    نعم كان بالإمكان قبول خبر فاطمة لو أنها روته عن النبي e دون أن تقول إن النبي e نادى في الناس ((الصلاة جامعة)) وأنها حضرت الخطبة وكانت في صفوف النساء خلف الرجال … إلخ إذ يمكن القول حينئذ أنها سمعت من النبي e حديثاً لم يسمعه الصحابة الآخرون، أما والحال ما ذكرت في حديثها، فإن ذلك يوجب التوقف في قبول مثل هذا الخبر خاصة وأنه ثبت عن علماء الصحابة وحفاظهم الملازمين لرسول الله e سفراً وحضراً أنهم لم يسمعوا بمثل هذا الخبر بل ولا سمع به الأنصار، بل ولا أهل المدينة مهاجروهم وأنصارهم، بل ولم يسمع به أحد من غيرهم حتى خرج مجالد يروي عن الشعبي ويحدث الناس بهذا الحديث في الكوفة عن امرأة من أهل المدينة أنها شهدت خطبة لم يسمع بها عمر ولا عبد الله بن عمر ولا حفصة ولا ابن مسعود ولا جابر بن عبد الله ولا أبو ذر الغفاري ولا أبو سعيد الخدري ولا أهل المدينة ولا الأنصار الذين ظلوا يعتقون أن ابن صياد هو الدجال؟!
    ولو لم يرو عن هؤلاء الصحابة مثل هذا الرأي في ابن صياد لكان بالإمكان القول بأنه لا دليل ينافي دعواها أن الناس حضروا هذه الخطبة الجامعة وليس بالضرورة أن تتوافر الهمم على رواية هذه الخطبة بل يكفي أن يحدث بها راو واحد إلا أن ثبوت هذه الروايات الصحيحة عن هؤلاء الصحابة التي تثبت خلاف حديث فاطمة يقدح في صحة هذه الدعوى من أصلها ويثبت ضدها.
    9ـ وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم لم يقبلوا حديثها الأول المشهور عنها الخاص بها وهي شابة خشية النسيان والغلط والوهم، فكيف بحديثها الغريب الذي لم يسمع منها إلا بعد أن جاوزت سبعين سنة، ولم يروه عنها إلا رجل واحد من أهل الكوفة في قضية طال حولها الجدل بين أهل المدينة أنفسهم في شأن ابن صياد ووجود الدجال، ثم لا يجدون عند فاطمة التي عاشت بين ظهرانيهم سبعين سنة ما يشفي غليلهم ويحسم الخلاف بينهم؟!
    وإذا لم يكن لها إلا حديثان وكان المشهور منهما المتواتر عنها مشكوكاً في صحته حتى رده عمر وعائشة خشية غلطها، فالغريب أحق بالشك والرد من باب أولى.
    فيحتمل على فرض صحة الحديث أن فاطمة رضي الله عنها خلطت بين خطبة النبي e المشهورة عن الدجال وبين ما كان يقصه تميم الداري على الناس، فقد روى حادثة الخطبة في شأن الدجال :
    أـ ابن عمر: فقد روى البخاري[275] ومسلم[276] من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: (قام رسول الله e في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه، ما من نبي إلا وقد أنذر قومه، لقد أنذره نوح قومه…)).
    ب ـ وأبو سعيد الخدري: فقد روى البخاري[277] ومسلم[278] كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري قال: (حدثنا رسول الله e حديثاً طويلاً عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: ((يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة…)).
    ج ـ وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: ((خطبنا رسول الله e فقال: ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر الدجال أمته…)).[279]
    د ـ سمرة بن جندب : قال إن الشمس كسفت على عهد النبي e فصلى بالناس صلاة الكسوف ثم قام بالناس خطيباً فذكر خطبة طويلة وفيها حذر من الدجال ووصفه وذكر فتنته. كما عند أحمد[280]وابن خزيمة.[281]
    هـ ـ وأبو أمامة الباهلي: قال: ((خطبنا رسول الله e فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال وحذرناه…)). عند ابن ماجه.[282]
    و ـ جنادة بن أبي أمية : قال ذهبت أنا ورجل من الأنصار إلى رجل من أصحاب النبي e فقلنا حدثنا ما سمعت من رسول الله e يذكر الدجال قال: ((خطبنا رسول الله e فقال أنذركم الدجال – ثلاثاً – فإنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد أنذر أمته وإنه فيكم أيتها الأمة…)) وإسناده مسلسل بالأئمة. كما عند أحمد[283] قال الهيثمي: (رجاله رجال الصحيح).[284]
    ورواه الطحاوي[285] وفي أوله: (قلنا له حدثنا في الدجال حديثاً سمعته من رسول الله e فإنه قد اختلف علينا فيه…).
    زـ وروى عبد الرزاق[286] عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر في خطبة النبي e في شأن الدجال ثم قال الزهري: (وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب النبي e أن رسول الله e قال يومئذ للناس وهو يحذرهم الدجال…).
    وهذا نص على شهرة تلك الخطبة عند الصحابة وأنها خطبة واحدة معلومة.
    والمقصود أن هذه الخطبة تكاد تكون متواترة عن النبي e ومع ذلك لم يذكر أحد من الصحابة الذين رووا هذه الخطبة شيئاً مما ذكرته فاطمة بنت قيس وألفاظ أحاديثهم تتفق على التحذير من الدجال ووصفه وفتنته وأنه ما من نبي إلا وحذر منه أمته، ثم يزيد بعضهم في حديثه على بعض، إلا أنه لا تعارض بين ألفاظ أحاديثهم الصحيحة عنهم. ومما يؤكد أن فاطمة سمعت هذه الخطبة التي سمعها هؤلاء الصحابة ما جاء في رواية الطبراني[287] وابـن حبـان في صحيـحه[288] من طريق عيسى بن يونس عن عمران بن سليمان عن الشعبي عن فاطمة قالت: (صعد رسول الله e المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أنذركم الدجال فإنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد أنذره أمته وهو كائن فيكم أيتها الأمة إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم…)).
    وهذا مطابق تمام المطابقة لما ثبت عن رسول الله e في خطبته عن الدجال التي رواها كثير من الصحابة مما يدل على أن فاطمة قد سمعت هذه الخطبة بعينها ومع ذلك لم يذكر أحد ما ذكرته فاطمة عن تميم وقصته؟!
    كما روى النسائي[289] من طريق جرير بن عبد الحميد عن مغيرة بن مقسم عن الشعبي عن فاطمة مرفوعاً: (إنه لم يكن نبي قبلي إلا حذر أمته الدجال وإنه فيكم أيتها الأمة وإنه يطأ الأرض كلها غير طيبة وهذه طيبة) هكذا مختصراً ولم يذكر قصة تميم الداري.
    وهذا هو الحديث الذي صححه البخاري لها، قال الترمذي (سألت محمدا عن هذا الحديث يعني حديث الجساسة ؟ فقال يرويه الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة ابنة قيس. قال محمد وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال هو حديث صحيح).[290]
    فقد صحح حديثها في شأن الدجال وتوقف في حديث الزهري عن أبي سلمة حديث الجساسة، والعبارة مختصرة وموهمة!
    وعلى كل فهذا يكشف أن في حديث فاطمة خللاً وأن في ضبطها ضعفاً،إن ثبت الحديث هذا عنها، ويؤكد صحة رأي عمر الفاروق وعائشة الصديقة فيها وأنهما ما أنكرا عليها حديثها إلا لما علما من ضعف حفظها، ولا أدل على ذلك من كونها لم تحفظ عن النبي e إلا حديثين اثنين فقط مع أنها من أوائل المهاجرات وعمرت طويلاً وحدثت الناس بما عندها، وفتنت الناس فيهما في حديث الطلاق وفي حديث الدجال؟!
    فلعلها أخطأت وخلطت بين ما سمعته من النبي e في هذه الخطبة عن الدجال وتحذيره منه وإخباره أنه لا يدخل المدينة وأن عليها ملائكة يحمونها منه وما سمعته بعد ذلك من تميم الداري الذي كان نصرانياً من أهل الشام ثم أسلم في آخر حياة النبي e واستأذن عمر في أن يعظ الناس ويقص عليهم فأذن له واستمر كذلك حتى خرج من المدينة بعد قتل عثمان رضي الله عنه وسكن الشام حتى توفي فيها سنة 40هـ[291]

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,494
    آخر نشاط
    23-11-2015
    على الساعة
    06:28 PM

    افتراضي

    ، ومما يعضد ذلك أن نعيم بن حماد قد روى في كتاب الفتن من طريق يزيد بن حمير ويزيد بن شريح وجبير بن نفير وشريح بن عبيد والمقدام بن معد كرب وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة قالوا جميعا: (الدجال ليس هو إنسان وإنما هو شيطان في بعض جزائر البحر موثوق بسبعين حلقة …).[292]
    قال ابن حجر: (لعل هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب).[293]
    وهؤلاء من علماء الشام وروايتهم هذه تشبه ما جاء في حديث فاطمة فيما سمعته من تميم الداري فإما أنهم أخذوا هذا من جهة تميم الذي سكن الشام وتوفي بها أو يكون مما هو شائع بين أهل الشام عن أهل الكتاب ويكون تميم قد حدث به في مواعظه وقصصه في المدينة وسمعته فاطمة منه فاختلط عليها بما كانت قد سمعته في خطبة النبي e المشهورة عن الدجال.
    ومما يثبت معرفة أهل الكتاب بالدجال ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن عمر سأل رجلاً من اليهود عن شيء فحدثه، فصدقه عمر، فقال له عمر: قد بلوت صدقك فأخبرني عن الدجال، قال: وإله يهود ليقتلنه ابن مريم بفناء لدّ. [294]
    ولعله لهذا السبب لم يخرج البخاري حديث فاطمة هذا في صحيحه قال ابن حجر: (سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم وقد توهم بعضهم انه غريب فرد وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر).[295]
    فاستظهر ابن حجر أن البخاري ترك تخريج حديث فاطمة ترجيحاً منه لحديث جابر أن ابن صياد هو الدجال على حديثها الذي فيه ما يناقض ذلك، وهذا الصنيع دليل على دقة نظره وثقوب بصره رحمه الله إذ أن التعارض بين الحديثين ظاهر ولا يمكن معه الجمع بينهما إلا على وجه من التكلف الذي لا يسوغ.
    وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (ولا يبلغ تصحيح مسلم تصحيح البخاري، بل كتاب البخاري أجل ما صنف في هذا الباب والبخاري من أعرف خلق الله بالحديث وعلله مع فقهه فيه… ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه بخلاف مسلم بن الحجاج فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها وكان الصواب فيها مع من نازعه…).[296]
    وقال أيضاً: (والبخاري أحذق وأخبر بهذا الفن من مسلم ولهذا لا يتفقان على حديث إلا ويكون صحيحاً لا ريب فيه قد اتفق أهل العلم على صحته ثم ينفرد مسلم فيه بألفاظ يعرض عنها البخاري…)[297] وقد ذكر قبل ذلك أحاديث خرجها مسلم وهي غير صحيحه حيث ذكر حديث مسلم[298]: (إن الله خلق التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة) ثم قال: (فإن هذا طعن فيه من هو أعلم من مسلم مثل يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما وذكر البخاري أن هذا من كلام كعب الأحبار… وهذا هو الصواب لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام…)[299] وكذا قال نحو هذا في مجموع الفتاوى[300] عن حذق البخاري وقصور مسلم عن درجته.
    والمقصود أن ما استظهره الحافظ ابن حجر ـ من أن تنكب البخاري عن إخراج حديث فاطمة بنت قيس مع شهرته إنما هو ترجيح منه للأحاديث الأخرى ـ هو استظهار صحيح لأن صحة الإسناد لا تكفي لإخراجه ما دام معارضاً بأحاديث أصح ولا يمكن الجمع بينها.
    المبحث السادس : في ما في ألفاظ الحديث من الاختلاف:
    ثم إنه على فرض ثبوت هذا الحديث وأن فاطمة لم تهم فيه ولم تخلط بين ما سمعته من النبي e وما سمعته بعد ذلك من قصص تميم فإن في اللفظ نفسه اختلافاً شديداً ومن ذلك:
    أولا : الاختلاف في صاحب القصة ومن لقي الجساسة والدجال:
    ففي رواية ابن بريدة عند مسلم: أن تميماً كان مع قومه ثلاثين رجلاً من لخم وجذام في سفينة فلعب بهم الموج شهراً…إلخ.
    وفي رواية سيّار العنزي عند مسلم: إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر…إلخ.
    وفي رواية غيلان عند مسلم: أن تميماً ركب البحر فتاهت به سفينته … إلخ.
    وفي رواية محمد بن أبي أيوب عند الطبراني أن النبي e قال: ((أن تميم الداري أخبرني أن بني عم له ألقتهم سفينة في البحر …إلخ)) وكذا في رواية محمد بن فضيل عن الشيباني ورواية مجالد وأبي الزناد.
    وفي رواية داود بن أبي هند: ((لكن تميم الداري أخبرني أن قوماً من أهل فلسطين ركبوا البحر…إلخ)).
    وهذا اختلاف شديد فتارة: تميم هو صاحب القصة، وتارة: هو وقومه، وتارة: قومه، وتارة: قوم من أهل فلسطين.
    والظاهر من مجموع الروايات أن تميماً إنما يحكي قصة عن جماعة من أهل الشام، ولم يكن هو معهم ويحتمل أنهم من قومه الذين عاصرهم وأدركهم، أو من قومه الذين لم يعاصرهم وإنما بلغه خبرهم وقصتهم.
    هذا ويحتمل أنهم ليسوا من بني عمه على الحقيقة بل على سبيل المجاز والاتساع لأنهم من قبيلته، فيصدق عليهم أنهم من بني عمه، ويحتمل أن المقصود بقومه أي أهل الشام إذ أنه من عرب الشام فيصدق على من كان فيها من العرب أنهم قومه.
    وعلى كل فتميم إنما يحكي قصة قوم من العرب النصارى من أهل فلسطين.
    ثانيا: الاختلاف في وصف ما رأى أهل السفينة:-
    ففي رواية ابن بريدة: ((فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر)) وأنها قالت لهم: ((انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير… فإذا فيه أعظم إنسان)).
    وفي رواية غيلان: ((فلقي إنساناً يجر شعره)).
    وفي رواية ابن أبي أيوب: ((فلقوا شيئاً لا يدرون رجلاً هو أو امرأة.. وأشارت إلى دير في الجزيرة غير بعيد… فإذا برجل موثوق)).
    وفي رواية أبي الزناد كما عند الطبراني ((فإذا هم بامرأة شعثة سوداء لها شعر منكر قالت فادخلوا القصر فدخلوا فإذا شيخ مربوط )).
    وفي رواية ابن بريدة عند ابن حبان: ((فلقيتنا جارية تجر شعرها)).
    ففي بعض هذه الروايات أنهم رأوا دابة، وفي بعضها أنهم رأوا إنساناً، وفي بعضها أنها كانت امرأة أو جارية.
    ثم إنها أشارت عليهم أن يذهبوا إلى دير أو قصر. والراجح أنه دير كما في أكثر الروايات.
    ثم إنهم وجدوا في الدير رجلاً أو شيخاً كبيراً موثق بالحديد، والظاهر أنه كاهن مشعوذ محبوس في دير نصراني لتجديفه وكهانته، إلا أن أسئلته التي وجهها لهم تدل على أن عنده علم من الكتاب ومن ذلك قوله: (أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا قد خرج من مكة ونزل يثرب… فقال: أما إنه خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني إني أنا المسيح وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض … إلخ) وفي رواية داود بن أبي هند أنه قال: (أنا الدجال).
    فيبدوا أنه كاهن يخيل إليه أنه المسيح فلذا حبسه النصارى في دير ناء في جزيرة بعيدة لتجديفه.
    ثالثا: الاختلاف في ما قاله النبي e بعدما سمع هذه القصة:
    ففي رواية ابن بريدة عند مسلم أن النبي e قال: ((هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة)) يعني المدينة ثم قال: ((ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟)) فقال الناس نعم فقال: ((فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت حدثتكم عنه وعن المدينة ومكة.. )).
    قال النبي e ذلك بعد أن سمع ما رواه تميم عن الرجل أنه قال: ((فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما كلما أردت أن أدخل واحدة استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها)) عندها قال النبي e: ((هذه طيبة… إلخ)).
    وفي رواية غيلان بن جرير أن النبي e قال بعد سماع هذه القصة قال: ((هذه طيبة، وذاك الدجال)).
    وفي رواية محمد بن أبي أيوب: ((وكأنه سر رسول الله e من ذلك قوله: مكة وطيبة. فقال رسول الله e: طيبة، طيبة لا يدخلها الدجال…)).
    وفي رواية مجالد: ((فقال رسول الله e: إن هذا مما أفرحني إن طيبة هي المدينة إن الله حرم حرمي على الدجال…)).
    وفي رواية أبي الزناد كما عند الطبراني أن النبي e لم يقل سوى ((هذه طيبة)) وهكذا رواه سيار العنزي عند مسلم.
    وفي رواية داود بن أبي هند أن النبي e قال بعد قصة تميم: ((أبشروا هذه طيبة لا يدخلها الدجال)).
    وكل الروايات متفقة على نحو هذا اللفظ ولم يقل أحد كما قال غيلان في روايته: ((ذاك الدجال)) ولم أجد من تابعه على هذا اللفظ.
    وليس في الروايات إلا أن النبي e فرح لأن ما ذكره تميم الداري ـ وهو رجل نصراني ثم أسلم ـ في هذه القصة يوافق ما كان النبي e يحدث به الصحابة من أن الدجال لا يدخل طيبة وأن على كل طريق منها ملكاً يحميها منه، ولم يقل e بأن هذه القصة التي قصها تميم هي صدق بل قال لهم: ((أخبرني تميم)) ولم يعلق على ما قاله تميم إلا في هذا الموضع عندما ذكر طيبة.
    فزيادة ((ذاك الدجال)) وهمٌ من وهب بن جرير الراوي لهذا الحديث بهذا اللفظ عن أبيه عن غيلان بن جرير فقد ذكره ابن عدي[301] وذكر كلام ابن مهدي وعفان بن مسلم فيه وساق له حديثين أنكرهما، وكذا ذكره العقيلي[302] أو يكون الوهم من أبيه جرير بن حازم فقد قال عنه ابن حبان: (كان يخطىء لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه).[303]
    وقال عنه أحمد : (كثير الغلط) [304] وتكلم في حفظه مسلم في التمييز[305] ولم يقبل منه رفع حديث رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، لأنه إذا حدث عنه لا يكاد يأتي به على التقويم والاستقامة.
    ومما يؤكد ذلك أن الصحابة ـ على فرض صحة هذا الحديث ـ لم يشكل على أحد منهم أن ذلك الرجل الذي في الدير ليس هو الدجال المعروف، وإلا لما ظنوا أن ابن صياد هو الدجال، فيكون قد ظهر لهم أن هذا الذي كان في الدير ما هو إلا دجال وواحد من الدجاجلة الذين يتكهنون ويشعوذون ويدعون ما لا يكون، إلا أنه عنده علم من الكتاب، ولهذا علم أن الدجال لا يدخل طيبة فأخبر القوم بذلك.
    فلو كان لفظ رواية غيلان: (وذلك الدجال) صحيحاً لما اختلف الصحابة في شأن ابن صياد إذ أن هذا اللفظ نص في محل الخلاف فكيف يخفى على الصحابة الذين حضروا هذه الخطبة؟!
    المبحث السابع: الأدلة النقلية والعقلية المعارضة لحديث فاطمة:
    إذا كان ما سبق بيانه مشكلات تثير الشك حول ثبوت الحديث سنداً فإن في المتن ما هو أشد إشكالاً وإثارة للشك ومن ذلك:-
    أولا : أن فيه ما يصادم قطعي القرآن وصحيح السنة وصريح العقل والحس من أن بشراً من ذرية آدم يظل موجوداً من قبل بعثة النبي e إلى آخر الدنيا وقبل يوم القيامة.
    أما القرآن فقوله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون}.[306]
    ففي الآية دليل قطعي على أن الله عز وجل لم يجعل الخلد لبشر سواء كان قبل النبي e أو بعده والخلود هو اللبث الطويل وكل لبث تجاوز المعهود فهو خلود قال الراغب: (كقولهم للأثافي خوالد، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها) [307] ولا ريب أن بقاء الدجال ـ وهو من ذرية آدم ـ في الحياة طوال هذه المدة وإلى ما قبل قيام الساعة هو من الخلود الذي نفاه القرآن.
    وأما السنة فكحديث ابن عمر عند البخاري[308] ومسلم[309] أن النبي e قال: ((أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد)) وفي رواية لهما قال ابن عمر: ((إنما قال رسول الله e لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد: أن ينخرم ذلك القرن)).
    وكحديث جابر بن عبد الله عند مسلم[310] أن النبي e قال قبل موته بشهر: ((ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ)) وكحديث أبي سعيد الخدري عند مسلم: ((لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم)). [311]
    وحديث أنس عند ابن حبان[312] وحديث عقبة بن مسعود الأنصاري عند أحمد[313] وحديث سفيان بن وهب عند الحاكم[314] قال الحاكم: (إنما أراد ما على الأرض ذلك اليوم مولود قد ولد يأتي عليه مائة عام من ذلك الوقت الذي خاطبهم النبي e بهذا الخطاب لا أن من يولد بعد ذلك لا يعيش مائة سنة) وفي الباب عن جماعة آخرين من الصحابة.[315]
    فهذا الحديث الذي كاد يبلغ حد التواتر جاء بلفظ عام فالنكرة في سياق النفي تفيد العموم. قال ابن حجر: (الحق أنها للعموم وتتناول جميع بني آدم) [316] أي ممن كانوا مولودين يوم قال النبي e ذلك القول لا من ولد بعد ذلك، إذ وجد من عاش أكثر من مائة سنة ولا يعلم أن أحداً ممن كان مولوداً حينها عاش أكثر من مائة عام فيظل الخبر على عمومه.
    ثانيا: أنه مصادم لأدلة العقل والحس، لأنه يمتنع ويستحيل ـ عادة ـ أن يعيش إنسان طوال مدة ألفي عام أو أكثر على هذه الأرض لا يموت ولا يطلع عليه أحد إلا قوم تميم الداري وحدهم دون أهل الأرض قاطبة؟!
    وإذا كان هؤلاء النصارى قد رأوا الدجال حقاً وحدثهم وحدثوه فما هو الدليل الحسي أو العقلي أو الشرعي الذي يمنع حصول ذلك لغيرهم؟! وإذا كان الوقوع دليل الإمكان ففي مشاهدتهم له ـ لو صح ـ دليل على إمكانية مشاهدة غيرهم له ومخاطبته كما خاطبوه وشاهدوه، وإذا كان وجوده في تلك الجزيرة والسجن لم يمنع من وصول هؤلاء النصارى له بسفينتهم البحرية الشراعية، فما الذي يحول دون وصول أهل هذا العصر خاصة لهذه الجزيرة وذلك السجن بعد تطور وسائل المواصلات والاتصالات؟!
    ثم كيف يعيش ويقتات طوال هذه المدة في سجنه وقيوده ومن الذي يقوم على رعايته؟!
    وقد ذكر ابن القيم[317] الضوابط الذي يمكن بها معرفة كون الحديث موضوعاً فقال: (ومنها تكذيب الحس له) وذكر أيضاً: (ومنها أن يكون الحديث مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه) [318] فذكر الشواهد الحسية.
    ثم ذكر في[319] بطلان حديث حياة الخضر ونقل عن البخاري احتجاجه بالأحاديث الصحيحة السابقة على نفي حياته كما نقل عن الأئمة احتجاجهم بالآية القرآنية على نفي حياة الخضر ثم نقل عن ابن الجوزي قوله: (الدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء: القرآن والسنة وإجماع المحققين والمعقول..).[320]
    أما المعقول فمن عشرة وجوه:
    الوجه الأول: أن الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد وذلك أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر…
    والوجه الخامس: أن هذا لو كان صحيحاً أن بشراً من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب وكان خبره في القرآن مذكوراً في غير موضع، لأنه من أعظم آيات الربوبية وقد ذكر الله من أحياه ألف سنة إلا خمسين سنة وجعله آية فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر…).
    وهذه الأدلة نفسها التي يحتج بها على نفي حياة المهدي ووجوده الآن لما في ادعاء وجوده من مكابرة للحس والعقل، وقد جاء القرآن بالدعوة إلى إعمال العقل والنظر والفكر وفي ادعاء مثل هذه الدعوى تعطيل لما أمر الله عز وجل بإعماله وما أنعم الله عز وجل به على الإنسان من نعمة العقل، وليست هذه القضايا من قضايا الغيب التي لا يمكن الإطلاع عليها، لأنها لم تعد كذلك بعد الإدعاء بأن من البشر من اطلع عليها في هذه الدنيا وشاهدها مشاهدة حسية حقيقية كما حدث مع قوم تميم الداري ـ دون أمر خارق ولا كرامة ظاهرة ـ إذ الوقوع دليل الإمكان.
    كما أن خبر الواحد إنما يقبل بشروطه كما قال الخطيب البغدادي: (ولا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل وحكم القرآن الثابت المحكم والسنة المعلومة والفعل الجاري مجرى السنة وكل دليل مقطوع به…).[321]
    وعلى كل فالحديث غريب لا يثبت إلا من طريق مجالد عن الشعبي وهذا إسناد ضعيف، وإنما الذي يثبت عن الشعبي هو ما رواه النسائي[322] عن محمد بن قدامة ثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال قالت فاطمة بنت قيس قال النبي e: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا حذر أمته الدجال وإنه فيكم أيتها الأمة وإنه يطأ الأرض كلها غير طيبة هذه طيبة)) هكذا مختصرا.
    وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي ومغيرة هو ابن مقسم من ثقات أصحاب الشعبي وهذا إسناد على شرط البخاري ومسلم.
    وتابعه على روايته هذه ابن أبي خيثمة الحافظ[323] عن أبي نعيم الفضل بن دكين الحافظ قال ثنا محمد بن أبي أيوب ثنا الشعبي عن فاطمة قالت: خرج رسول الله e يوماً فجلس على المنبر فقال: ((هذه طيبة ـ يعني المدينة ـ لا يدخلها الدجال ليس منها نقب إلا عليه ملك شاهر السيف)).
    وهذا هو الحديث الذي صححه البخاري لها، قال الترمذي (سألت محمدا عن هذا الحديث يعني حديث الجساسة ؟ فقال يرويه الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة ابنة قيس. قال محمد وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال هو حديث صحيح).[324]
    فهذا القدر من حديثها هو المحفوظ وله شواهد كثيرة عن الصحابة وهذا هو الذي قاله e في خطبته المشهورة، وأما قصة تميم الداري فلا تثبت إلا من طريق مجالد ويحتمل أنه سمعها من الشعبي يحدث بها عن تميم ـ كما يتحدث بها أهل الشام ـ بعد أن ذكر حديث فاطمة فظن مجالد أنهما حديثاً واحداً أو يحتمل أن فاطمة قصت على الشعبي ما سمعته من تميم يعظ الناس به بعد وفاة النبي e فأخطأ مجالد، وظن أن ذلك حدث في حياة النبي e. والله تعالى أعلم.
    نتائج البحث
    وهي تتلخص في :
    1ـ حديث الجساسة هو حديث مجالد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، وهو أشهر من رواه عن الشعبي، حيث رواه عنه أئمة الأمصار في العراق والحجاز قبل أن يعرف عن غيره، حتى رواه عنه أعلم الناس بحديث الشعبي وأثبتهم وأحفظهم له وهو إسماعيل بن أبي خالد، ولهذا لم يخرجه ابن أبي شيبة في المصنف إلا من طريقه، مع أنه أوسع كتاب حديثي كوفي وصل إلينا، وابن أبي شيبة كوفي والشعبي كوفي! ومجالد ضعيف جدا وقد كان يرفع أحاديث كثيرة لا يرفعها غيره حتى بطل الاحتجاج به، وهذا الحديث الذي اشتهر عنه ودلسه عنه الآخرون لا يبعد أن يكون سمعه من الشعبي موقوفا من قصص تميم الداري فوهم ورفعها.
    2 ـ أنه ومن خلال استعراض طبقات أصحاب الشعبي لم يروه منهم على الصحيح إلا مجالد وداود بن أبي هند، ولهذا لم يجد أحمد حين خرجه في مسنده ـ الذي انتقاه من سبعمائة ألف رواية ـ إلا طريق مجالد بن سعيد وداود بن أبي هند، ورواه النسائي في الكبرى من طريق داود فقط، ورواه ابن ماجه من طريق مجالد فقط، ورواه أبو داود من طريق مجالد وابن بريدة، ورواه الترمذي من طريق قتادة فقط وقال غريب من حديث قتادة عن الشعبي، وأراد مسلم تخريجه في صحيحه فلم يجده عند أحد من أصحاب الشعبي إلا عند مجالد وهو متروك، وعند داود إلا أنه عن حماد بن سلمة عنه، ولم يخرج بهذا الإسناد إلا ما توبع عليه حماد لضعف حديثه عن داود، فلما لم يجد له متابعا تركه، ثم أخرج الحديث من أربعة طرق أخرى ثلاثة بصرية وواحد مدني ليس أحد من رواتها كوفي ولا من طبقات أصحاب الشعبي!
    3 ـ أنه ثبت أن داود رواه بالعنعنة وهو مدلس كما أن المشهور عنه رواية حماد بن سلمة وهي ضعيفة، كما أن رواية قتادة منقطعة إذ لم يسمع قتادة من الشعبي شيئا أصلا وكذلك لم يصرح بالسماع وهو مشهور بالتدليس، وأن رواية عبد الله بن بريدة التي جعلها مسلم أصلا في الباب ضعيفة لضعف عبد الله واضطرابه في روايته تارة يرويه عن يحيى بن يعمر عن فاطمة وتارة عن الشعبي عن فاطمة وتارة عن أبيه، وهو مدلس أيضا، وأما باقي المتابعات التي أخرجها مسلم فهي أشد ضعفا وكلها غرائب ومناكير تفرد بها رواتها، فرواية أبي الزناد لم يروها غير ابن بكير عن الحزامي عن أبي الزناد وهذا إسناد فيه ضعف مع غرابته، وكذا رواية قرة بن خالد عن سيار عن الشعبي لا يثبت فيها السماع بين سيار والشعبي، ورواية غيلان لم يروها عنه غير جرير بن حازم وعنه ابنه وهب فهي غريبة مع ضعف في جرير لكثرة خطئه وقد قال في روايته( سمعت غيلان يحدث عن الشعبي) فليس فيها تصريح بالسماع.
    4 ـ أن البخاري ترك حديث الجساسة، حيث لم يجده عند ثقات أصحاب الشعبي لا الطبقة الأولى ولا الثانية ممن هو على شرطه، فتركه وأخرج ما يعارضه وهو حديث ابن صياد، وهو ترجيح منه لهذا الحديث على حديث الجساسة كما قال ابن حجر.
    5 ـ أن متن هذا الحديث يعارض نصوص قرآنية وأحاديث أصح منه إسناد كما يعارض الأدلة العقلية، إذ بقاء أحد من ذرية آدم طول هذه المدة خارج عن العادة المستقرة وهو من الخلد واللبث الطويل الذي نفاه القرآن عن كل أحد من البشر، ولا يقال بأنه من قضايا الغيب لأن حديث تميم يثبت أن جماعته رأوه فصار من قضايا الشهادة، ولم يثبت بنص صحيح لا مطعن فيه حتى يم التكلف في الجمع بين النصوص، ولهذا رجح البخاري حديث ابن صياد.
    6 ـ أن حديث فاطمة اشتمل على أمرين الأول خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره أمته من الدجال وأنه لا يدخل مكة والمدينة، وهذا القدر المختصر رواه ثقات أصحاب الشعبي عن فاطمة، وصححه البخاري كما نقله الترمذي، وقد تواترت هذه الخطبة عن كثير من الصحابة، والثاني قصة الجساسة وكون الدجال في جزيرة الآن وأنه مسجون ..الخ وهذا القدر لا يثبت إلا من حديث مجالد عن الشعبي، ولا يثبت عن جابر ولا عن أبي هريرة ولا عن عائشة، وهذه قصة مشهورة عند أهل الشام عن أهل الكتاب منذ عصر التابعين، وتميم الداري شامي وهو مشهور بالوعظ والقصص منذ عهد عمر، فلا يبعد أن يكون الشعبي روى عن فاطمة عن تميم القصة موقوفة على تميم مما كان يحكيه من قصص أهل الكتاب، ورفعها مجالد كما هي عادته في رفع الموقوفات.
    7 ـ أن عامة الصحابة ثبت عنهم خلاف ما جاء في حديث فاطمة حيث كانوا يقسمون على أن ابن صياد الذي في المدينة هو الدجال، وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان هذا رأي عمر وابنه عبد الله وحفصة وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبي ذر، وعامة الأنصار، ويستحيل عادة أن يخطب النبي فيهم خطبة يجتمع الناس فيها، ويبين لهم أن الدجال محبوس في جزيرة في عرض البحر، ثم لا يسمع به أحد من هؤلاء، ويظلون يعتقدون أن ابن صياد الذي في المدينة هو الدجال! وهو ما يؤكد عدم ثبوت حديث فاطمة عن تميم الداري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الراجح كونه من قصص تميم الداري ومواعظه.

دراسة لحديث الجساسة وبيان ما فيه من العلل في الإسناد والمتن

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. وقفة تصحيحية لحديث علماني مغرض
    بواسطة ابوغسان في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28-05-2015, 06:57 PM
  2. صفع نصرانى يدعى تناقض لحديث
    بواسطة قلم من نار في المنتدى مشروع كشف تدليس مواقع النصارى
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 09-04-2010, 08:36 PM
  3. عندما يشهد العلم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم
    بواسطة nohataha في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 01-12-2009, 09:07 PM
  4. كتاب العلل للدارقطنى
    بواسطة 3abd Arahman في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 07-11-2009, 12:16 AM
  5. توضيح الشبهة فى حديث الجساسة
    بواسطة المهتدي بالله في المنتدى شبهات حول السيرة والأحاديث والسنة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 21-02-2008, 09:33 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

دراسة لحديث الجساسة وبيان ما فيه من العلل في الإسناد والمتن

دراسة لحديث الجساسة وبيان ما فيه من العلل في الإسناد والمتن