الصيام عبادة قديمة، كانت في الأمم السابقة، وانتقلت من أمة إلى أخرى، وإن اختلفت في كيفيتها، ولهذا قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} (البقرة:183).

فقد كان لليهود صوم فرضه الله عليهم، وهو صوم اليوم العاشر من الشهر السابع من سنتهم، وهو المسمى (تِسْري) يبتدئ الصوم من غروب اليوم التاسع إلى غروب اليوم العاشر، وهو يوم كفارة الخطايا، ويسمونه (كَبُّور)، ثم إن أحبارهم شرعوا صوم أربعة أيام أخرى، وهي الأيام الأول من الأشهر الرابع والخامس والسابع والعاشر من سنتهم تذكاراً لوقائع بيت المقدس.

وصوم يوم (بُوريم) تذكاراً لنجاتهم من غضب ملك الأعاجم (احشويروش) في واقعة (استير).

وعندهم صوم التطوع، ففي الحديث: (إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً) متفق عليه.

وعندهم صوم عاشوراء ففي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء، فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أنتم أحق بموسى منهم، فصوموا) رواه البخاري.

أما النصارى فكانوا يتبعون صوم اليهود، ففي الصحيح عن إسماعيل بن أمية أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري يقول: سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، يقول: (حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى -وفي لفظ أبي داود: تصومه اليهود والنصارى- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإذا كان العام المقبل، إن شاء الله صمنا اليوم التاسع)، قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم)، رواه مسلم.

ثم إن رهبانهم شرعوا لهم صوم أربعين يوماً اقتداء بالمسيح؛ إذ صام أربعين يوماً قبل بعثته، ويُشرع عندهم نذر الصوم عند التوبة وغيرها، إلا أنهم يتوسعون في صفة الصوم، فهو عندهم ترك الأقوات القوية والمشروبات، أو هو تناول طعام واحد في اليوم، يجوز أن تلحقه أكلة خفيفة.

ويروي بعض أصحاب التفسير ك الطبري وابن العربي أن النصارى فُرِض عليهم الصيام، وكتب عليهم أن لا يأكلوا بعد النوم، ولا ينكحوا النساءَ في شهر الصوم، واختلف عليهم الزمان، فكان يأتي في الحر يوماً طويلاً, وفي البرد يوماً قصيراً، واشتد عليهم؛ فارتأوا برأيهم أن يردوه في الزمان المعتدل، فجعلوا صياماً في الفصل بين الشتاء والصيف، وقالوا: نزيد عشرين يوماً، نكفر بها ما صنعنا، فجعلوا صيامهم خمسين.

وكان في الجاهلية قبل البعثة النبوية صيام، كصيام قريش لعاشوراء، ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فُرِض رمضان كان هو الفريضة، وترك عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه) رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني.

وجاء النداء الإلهي للمؤمنين بفرضية الصيام على المسلمين، كما كُتب على السابقين، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} (البقرة:183).

والمراد بـ {الذين من قبلكم}: من كان قبل المسلمين من أهل الشرائع، وهم أهل الكتاب، كاليهود والنصارى.

هكذا -أخي القارئ- نجد أن الصيام له تاريخ قديم، ما يدل على أهميته، فهل يعي الناس ذلك، وخاصة أولئك المفرطون والمتساهلون في أحكام الإسلام؛ إذ لا بد من الانقياد لأوامره عز وجل، حتى يُكتب لهم السلامة في الدنيا والآخرة، والله الهادي إلى سواء السبيل.