هده سلسلة من مناظرات المسلمين لأهل الكتاب وقفت عليها في مصادر تراثية مختلفة فارتأيت أن أجمعها هنا كي يرجع إليها كل من شاء الاطلاع على مستوى الحوار الجدلي الذي كان سائدا بين المسلمين وأهل الكتاب. وإليكم النصوص وهي تدور حول مسائل شتى لا زالت تثار إلى يومنا بين كلا الطرفين .

[1] مناظرة بين فقيه ونصراني

قال التوزري:[[ قدم بعض الفقهاء ممن قدم لتوزر من مصر, قال: حضرت سماعا بمصر وحضره والي البلد وأميرها, وكان مع الأمير نصراني يخدمه, فقال النصراني: يا مولاي أريد أن أناظر رجلا من أعيان هؤلاء الفقهاء وأعلمهم في هذا الموكب العظيم, فإن غلبني أعطيته ثلاثمائة دينار, وإن غلبته دخل في ديني.
فذكر الوالي ذلك لمن حضر.
فخرج له رجل من الفقهاء وقال: أنا أناظرك فيما تريد, فقل ما تشاء.

فقال له النصراني: إنكم تقولون خزائن الله لا تنفذ أبدا, فأريد منك أن تذكر لي مثالا يقرب لي الفهم والمثال, ويزيل عني الإشكال, وأدركه بحسي.

فقال له الفقيه: نعم, هذه مسألةٌ الصبيانُ يغلبون بها عندنا, وقام إلى وسط المسجد وأوقد شمعة بين يدي الوالي ثم قال:" ناد أيها الأمير على من في هذه المدينة كل يوقد شمعته من هذه الشمعة, وإن لم يكفهم فأنا أغرم لهم, وكذلك خزائن الملك تكفي جميع الخلائق ولا ينقص منها شيء, وخزائن الله كل الخلائق تأخذ منها ولا ينقصها شيء".
قال النصراني: وقولكم في الجنة شجرة تظل أهل الجنة كلهم, وما في الجنة بيت إلا دخله غصن منها, فأريد أن تريني مثالا في هذا المعنى, كيف يكون؟

فقال الفقيه:" نعم, ألم تر إلى الشمس إذا طلعت وعلت, تدور على الأرض كلها, ولا يبقى بيت ولا محل إلا وتدخله".

فقال النصراني: إنكم تقولون إن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يتغوطون, فأرني مثالا من ذلك في عالمنا.

فقال الفقيه: نعم, ألم تر إلى الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يتغوط ولا يتبول.
ثم قال له الفقيه: أيها النصراني إنكم تقولون إن الجنة لكم, وإذا كانت كذلك فهي داركم, وكل من له دار فهو عارف بأوصافها, فأريد أن تُعَرفني بما هو مكتوب على باب الجنة.
فأمسك النصراني وانقطع, ولم يجد جوابا, فلما انقطع قال له الفقيه:" أما عليها مكتوب لاإله إلا الله محمد رسول الله(صلى الله عليه وسلم), وطالبه بالدخول في دين الإسلام, فلم يزل النصراني يرغب حتى افتدى بمال كثير.]]

نقلا عن كتاب: التُرجُمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا. تأليف أبي القاسم الزَّيَانِي[ المغربي] (1147- 1249هـ/ 1734- 1809م). صفحات 524- 525.


[2] مناظرات واصل الدمشقي مع بشير البطريق والنصارى

أُسِرَ غلام من بني بطارقة الروم فلما صاروا إلى دار الإسلام وقع إلى الخليفة, وذلك في ولاية بني أمية, فسماه بشيرا, وأمر به الكُتاب, فكتب وقرأ القرآن وروى الشعر وقاس وطلب الأحاديث وحج. فلما بلغ واجتمع هرب مرتدا من الإسلام إلى أرض الروم. فأتي به الملك فسأله عن حاله, وما كان فيه, وما الذي دعاه إلى الدخول في النصرانية؟ فأخبره برغبته فيه. فعظم في عين الملك, فرَأَّسه وصيَّره بطريقا من بطارقته وأقطعه قرى كثيرة.
ثم أُسِرَ ثلاثون رجلا من المسلمين, فلما دخلوا على بشير, سائلهم رجلا رجلا عن دينهم, وكان فيهم شيخ من أهل دمشق يقال له واصل, فسأله بشير, فأبى الشيخ أن يرد عليه شيئا, فقال بشير ما لك لا تجيبني؟
قال الشيخ: لست أجيبك اليوم بشيء.
قال بشير للشيخ: إني سائلك غدا فأعدَّ جوابا, وأمره بالانصراف.
فلما كان من الغد بعث بشير, فأُدخِلَ الشيخ إليه, فقال بشير: الحمد لله الذي كان قبل أن يكون شيء, وخلق سبع سماوات طباقا بلا عون كان معه من خاقه, فعجبا لكم معاشر العرب حين تقولون: (إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون[ سورة آل عمران, الآية 59].
فسكت الشيخ, فقال له بشير: ما لك لا تجيبني؟

فقال: كيف أجيبك وأنا أسير في يدك, فإن أجبتك بما تهوى أسخطتُ عليَّ ربي, وهلكت في ديني, وإن أجبتك بما لا تهوى خفت على نفسي؟
فأعطني عهد الله وميثاقه وما أخذ النبيون على الأمم أنك لا تغدر بي ولا تمحل بي ولا تبغ بي باغية سوء, وأنك إذا سمعت الحق تنقاد له.

فقال بشير: فلك علي عهد الله وميثاقه وما أخذ الله عز وجل على النبيين وما أخذ النبيون على الأمم: أني لا أغدر بك ولا أمحل بك ولا أبغي بك باغية سوء وأني إذا سمعت الحق انقدت إليه.
المناظرة الأولى

قال الشيخ: أما ما وصفتَ من صفة الله عز وجل, فقد أحسنت الصفة. وأما ما لم يبلغ علمُكَ ولم يستحكم عليه رأيك أكثر, والله أعظم وأكبر مما وصفتَ, فلا يصف الواصفون صفته.
وأما ما ذكرت من هاذين الرجلين, فقد أسأت الصفة. ألم يكونا يأكلان الطعام ويشربان ويبولان ويتغوطان وينامان ويستيقظان ويفرحان ويحزنان؟

قال بشير: بلى.
قال الشيخ: فلم فرقتم بينهما؟

قال بشير: لأن عيسى ابن مريم كان له روحان اثنان في جسد واحد: روح يعلم بها الغيوب زما في قعر البحار وما ينحاث من ورق الأشجار. وروح يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي بها الموتى.

قال الشيخ: روحان اثنان في جسد واحد؟

قال بشير: نعم.

قال الشيخ: فهل كانت القوية تعرف موضع الضعيفة منهما أم لا؟

قال بشير: قاتلك الله, ماذا تريد أن تقول إن قلتُ إنها لا تعلم؟ وماذا تريد إن قلتُ إنها تعلم؟

قال الشيخ: إن قلتَ إنها تعلم, قلتُ: فما يغني عنها قوتها حين لا تطرد هذه الآفات عنها؟ وإن قلتَ "إنها لا تعلم, قلتُ: فكيف تعلم الغيوب ولا تعلم موضع روح معها في جسد واحد؟ فسكت بشير.

قال الشيخ: أسألك بالله هل عبدتم الصليب مثلا لعيسى بن مريم أنه صُلب؟

قال بشير: نعم.

قال الشيخ: فبرضىً كان منه أم بسخط؟

قال بشير: هذه أخت تلك, ماذا تريد أن تقول؟
[قال الشيخ] إن قلتَ: برضى منه.
قلتُ: ما نقمتم: أعطوا ما سألوا وأرادوا؟
وإن قلتَ: بسخط.
قلتُ: فلم تعبدون ما لا يمنع نفسه؟
ثم قال الشيخ لبشير: نشدتك بالله, هل كان عيسى يأكل الطعام ويشرب ويصوم ويصلي ويبول ويتغوط وينام ويستيقظ ويفرح ويحزن؟
قال: نعم.

قال الشيخ: نشدتك بالله, لمن كان يصوم ويصلي؟
قال بشير: لله عز وجل, ثم قال بشير: والضار النافع, ما ينبغي لمثلك أن يعيش في النصرانية, أراك رجلا قد تعلمت الكلام, وأنا رجل صاحب سيف, ولكن غدا آتيك بمن يخزيك الله على يديه.
ثم أمره بالانصراف.
المناظرة الثانية
فلما كان من غد, بعث بشير إلى الشيخ, فلما دخل عليه إذا عنده قس عظيم اللحية.
قال بشير للقس: إن هذا الرجل من العرب له علم وعقل وأصل في العرب, وقد أحبَّ الدخول في ديننا, فكلمه حتى تُنَصِّرَه,
فسجد القس لبشير وقال: قديما أتيت إلى الخير وهذا أفضل مما أتيت إلي.
ثم أقبل القس على الشيخ فقال: أيها الشيخ, ما أنت بالكبير الذي ذهب عقله وتفرق عنه حِلمه, ولا أنت بالصغير الذي لم يستكمل عقله ولم يبلغ حلمه, غدا أغطسك في المعمودية غطسة تخرج منها كيوم ولدتك أمك.
قال الشيخ : وما هذه المعمودية؟
قال القس: ماء مقدس.
قال الشيخ: ومن قدسه؟
قال القس: قدسته أنا والأساقفة قبلي.
قال الشيخ: فهل كان لكم ذنوب وخطايا:
قال القس: نعم, غير أنها كثيرة.
قال الشيخ: فهل يُقَدِّسُ الماء من لا يقَدِّسُ نفسه؟
فسكت القس, ثم قال: إني لم أقدسه أنا.
قال الشيخ: فكيف كانت القصة إذن؟
قال القس: إنما كانت سُنَّة من عيسى بن مريم.
قال الشيخ فكيف كان الأمر؟
قال القس: إن يحيى بن زكريا أغطس عيسى بن مريم بنهر الأردن غطسة ومسح برأسه ودعا له بالبركة.
قال الشيخ: فاحتاج عيسى إلى يحيى يمسح رأسه ويدعو له بالبركة؟ فاعبدوا يحيى خير لكم من عيسى إذن؟
فسكت القس, فاستلقى بشير على فراشه وأدخل كمه في فيه وجعل يضحك, وقال للقس: قم أخزاك الله, دعوتك لتُنَصِّرَه فإذا أنت قد أسلمت.
ثم إن أمر الشيخ بلغ الملك؛ فبعث إليه, فقال: ما هذا الذي بلغني عنك وعن تنقصك ديننا ووقيعتك؟
قال الشيخ:إن لي دينا كنت ساكتا عنه, فلما سئلت عنه لم أجد بدا من الذب عنه ذببت عنه.
قال الملك: فهل في يدك حجج؟
قال الشيخ: نعم, ادع إلي من شئت يحاججني؛ فإن كان الحق في يدي؛ فلم تلومني عن الذب عن الحق؟ وإن كان الحق في يديك, رجعت إلى الحق.

المناظرة الثالثة
فدعا الملك بعظيم النصرانية, فلما دخل عليه سجد له الملك ومن عنده أجمعون.
قال الشيخ: أيها الملك, من هذا؟
قال الملك: هذا رأس النصرانية, هذا الذي تأخذ النصرانية دينها عنه.
قال الشيخ: فهل له من ولد أم هل له من امرأة أم هل له من عقب؟
قال الملك: ما لم خزاك الله, هذا أزكى وأطهر أن يدنس بالحيض, هذا أزكى وأطهر من ذلك.
قال الشيخ: فأنتم تكرهون لأدمي يكون منه ما يكون من بني آدم من الغائط والبول والنوم والسهر ولأحدكم من ذكر النساء, وتزعمون أن رب العالمين سكن في ظلمة الأحشاء وضيق الرحم ودُنِّسَ بالحيض؟
قال القس: هذا شيطان من شياطين العرب رمى به البحر إليكم؛ فأخرجوه من حيث جاء.
فأقبل الشيخ على القس, فقال: عبدتم عيسى ابن مريم أنه لا أب له؛ فهذا آدم لا أب له ولا أم, خلقه الله عز وجل بيده وأسجد له ملائكته؛ فضموا آدم مع عيسى حتى يكون لكم إلاهان اثنان.
فإن كنتم إنما عبدتموه لأنه أحيا الموتى؛ فهذا حزقيل تجدونه مكتوبا عنكم في التوراة والإنجيل, ولا ننكره نحن ولا أنتم, مر بميت فدعا الله عز وجل فأحياه حتى كلمه؛ فضُموا حزقيل مع عيسى حتى يكون لكم حزقيل ثالث ثلاثة.
وإن كنم إنما عبدتموه لأنه أراكم العجب, فهذا يوشع بن نون قاتل قومه, حتى غربت الشمس؛ قال لها: ارجعي بإذن الله, فرجعت اثني عشر درجا, فضموا يوشع بن نون مع عيسى يكون لكم رابع أربعة.
وإن كنتم إنما عبدتموه لأنه عرج به إلى السماء, فمن ملائكة الله عز وجل مع كل نفس اثنان بالليل واثنان بالنهار يعرجون إلى السماء, ما لو ذهبنا نعدهم لالتبس علينا عقولنا واختلط علينا ديننا وما ازددنا في ديننا إلا تحيرا.
ثم قال: أيها القس أخبرني عن رجل حل به موت أيكون أهون عليه أو القتل؟
قال القس: القتل.
قال الشيخ: فلم لم يقتل عيسى أمه, عذبها بنزع النفس؟ إن قلت إنه قتلها, فما بر أمه من قتلها, وإن قلت إنه لم يقتلها؛ ما بر أمه من عذبها بنزع النفس.
قال القس اذهبوا به إلى الكنيسة العظمى, فإنه لا يدخلها أحد إلا تنصر.
قال الملك: اذهبوا به.
قال الشيخ: لماذا يُذهب بي ولا حُجة علَيَّ دُحِضَت؟
قال الملك: لن يضرك, إنما هو بيت من بيوت ربك عز وجل, تذكر الله عز وجل فيه.
قال الشيخ: إن كان هكذا فلا بأس.
فذهبوا به, فلما دخل الكنيسة, وضع أصبعيه في أذنيه ورفع صوته بالأذان, فجزعوا لذلك جزعا شديدا وضربوه ولببوه وجاؤوا به إلى الملك, فقالوا أيها الملك أحلَّ بنفسه القتل.
فقال له الملك: لم أحللت بنفسك القتل؟
فقال أيها الملك , أين ذُهب بي؟
(وللمناظرات واصل بقية...)

[3] مناظرة العتابي الشاعر وأبي قرة الملكي النصراني:
التعريف بالعتابي:
قال ابن النديم:" أبو عمرو كلثوم بن عمرو بن أيوب الثعلبي العتابي, شامي ينزل قنسرين. شاعر كاتب حسن الترسل وكان يصحب البرامكة و يختص بهم ثم صحب طاهر بن الحسين وعلي بن هشام, فيقال إن الرشيد لقيه بعد قتل جعفر بن يحيى و زوال نعمة البرامكة فقال: ما أحدثت بعدي يا عتابي؟ فارتجل أبياتا حسنة المعنى(...) وكان أحسن الناس اعتدادا في رسائله و شعره يسلك طريقة النابغة, وتوفي العتابي وله من الكتب: كتاب المنطق, كتاب الآداب, كتاب فنون الحكم, كتاب الخيل, لطيف, كتاب الألفاظ رواه أبو عمرو الزاهد عن المبرد, و هذا طريف, كتاب الأجواد" .
نص المناظرة
قال العتابي لأبي قرة النصراني(ت. 209هـ/825م) عند المأمون:"ما تقول في المسيح؟"
قال:" من الله".
قال:" البعض من الكل على سبيل التجزيء, والولد من الوالد على طريق التناسل, والخل من الخمر على وجه الاستحالة, والخلق من الخالق على جهة الصنعة, فهل من معنى خامس؟"
قال:" لا, ولكن لو قلت بواحد منها ما كنت تقول؟".
قال: " الباري لا يتجزأ, ولو جاز عليه ولد لجاز له ثان وثالث وهلم جرا, ولو استحال فسد, والرابع مذهبنا, وهو الحق."


[4]مناظرة أبي الهذيل العلاف لأحد يهود البصرة

قال المقري:" كان بالبصرة يهودي يقرر المتكلمين على نبوة موسى فإذا أقروا جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم, وقال:" نحن على ما اتفقنا عليه إلى أن نتفق على غيره", فسأل أبا الهذيل عن ذلك فقال:" إن كان موسى هذا الذي أخبر بمحمد صلى الله عليه وسلم وأقر بشرفه وأمر باتباعه فأنا أُقر بنبوته, وإن كان غيره فأنا لا أعرفه, فتحير اليهودي, ثم سأله عن التوراة, فقال: إن كانت التي نزلت على موسى المذكور فهي حق, وإلا فهي باطل" .

[5] مناظرة لإياس بن معاوية (ت122هـ) ويهودي

قال المقري:" سمع إياس يهوديا يقول:" ما أحمق المسلمين, يزعمون أن أهل الجنة يأكلون ويشربون ولا يبولون ولا يتغوطون ".
فقال:" أَ وَ كُلّ ما تأكله تُحْدِثُه؟".
قال:"لا, لأن الله تعالى يجعل أكثره غذاء".
قال:" فما تُنكر أن يجعل [الله] جميع ما يأكل أهل الجنة غذاء" .

[6] مناظرة يهودي وبعض المسلمين
قال القاضي عبد الجبارالأسأبادي:" وقد قيل لبعض مجادلي اليهود ونظارهم ممن قد قرأ الكتب, وأكثر الاختلاف إلى العلماء وكتب كتبهم, وادعى أنه يتقدم على علمائهم من أهل عصره:
أليس إنما يعرف الأخبار من تأخر عمن تقدم؟ فقال بلى , قالوا له: أليس اليهود الذين كانوا مع محمد صلى الله عليه وسلم وفي زمانه قد علموا أن موسى قد قال إن شريعته مؤبدة؟
فقال: بلى, فقيل له: فلم لم يقولوا لمحمد أنت قد زكيت موسى وصدقته ووثقته وهو قد قال ووصى بأن شريعته مؤبدة؟ وفي هذا كفاية في [بيان] كذبك وبطلان قولك, وهذا أمر ظاهر بين يستدركه رُعْنُ النساء فضلا عن عقلاء الرجال, فأين كانوا عنه؟ وقد خرجوا معه في عداوته إلى شدائد الأمور, من شتمه وهجوه والغدر به ومساعدة قريش في محاربته وبذل الأموال والمهج في مكارهه.
فقال: قد قالوا ذلك له وأقاموا الحجة به عليه.
فقيل له: فلم لم يعلمه خصومك كما علمته؟ فقال. مجته الأسماع.
فقيل له: ما تزيد على الدعاوى: فإنك ادعيت أن ذلك قد كان, فقيل لك من أين لك العلم به ولم لا علمه خصومك؟ فادعيت أن الأسماع مجته, فانتقلت من الدعوى إلى دعوى, وقرنت الدعوى بدعوى, ولا فرق بين دعواك هذه وبين دعوى من ادعى أن اليهود حين قالوا هذا له أحيا الله موسى وهارون و أظهر على أيديهما المعجزات فكاشفا محمدا وشافهاه وأقاما الحجة عليه بمشهد من اليهود ومن أصحابه, وأن ذلك قد كان وعُلم ولكن مجته الأسماع, فما أتى بشيء" . نقلا عن تثبيث دلائل النبوة للقاضي عبد الجبار ص132..

[7] مناظرة أبي بكر الفهري الطرطوشي للتستري اليهودي ببيت المقدس:
قال القاضي أبو بكر ابن العربي في رحلته الصغرى: " وكنا نفاوض الكرامية, والمعتزلة, والمشبهة, واليهود. وكان لليهود بها(يعني بيت المقدس) حبر منهم يقال له التستري, لقنا فيهم, (...) وقد حضرنا يوما مجلسا عظيما فيه الطوائف, وتكلم التستري الحبر اليهودي على دينه, فقال: اتفقنا على أن موسى نبي مؤيد بالمعجزات, معلم بالكلمات, فمن ادعى أن غيره نبي, فعليه الدليل. وأراد[اليهودي] من طريق الجدل أن يرد الدليل في جهتنا حتى يطرد له المرام, وتمتد أطناب الكلام.
فقال له الفهري: إن أردت به موسى الذي أيد بالمعجزات وعلم الكلمات, وبشر بمحمد, فقد اتفقنا عليه معكم, وآمنا به وصدقناه, وإن أردت به موسى آخر, فلا نعلم من هو؟
فاستحسن ذلك الحاضرون, وأطنبوا بالثناء عليه, وكانت نكتة جدلية عقلية قوية, فبهت الخصم, وانقضى الحكم" .

[8] مناظرة أحمد بن عبد الصمد الخزرجي لأحد علماء اليهود
قال الخزرجي:" في المصحف الخامس من التوراة الذي بأيديكم إلى اليوم قال الله لموسى بن عمران:"إني أقيم ابني إسرائيل من إخوتهم نبيا مثلك, أجعل كلامي على فيه, فمن عصاه انتقمت منه" .
فإن قلت: أن ذلك هو يوشع بن نون. قيل لك: قال الله في آخر التوراة, أنه لا يخلف من بني إسرائيل نبيا مثل موسى . فلا محالة أن الذي بشرت به التوراة لا يكون من بني إسرائيل, لكن من
إخوة بني إسرائيل, ولا محالة أنهم العرب و الروم, فأما الروم فلم يكن منهم نبي سوى أيوب, وكان قبل موسى بزمان, فلا يجوز أن يكون هو الذي بشرت به التوراة, فلم يبق إلا العرب, فهو إذن محمد صلى الله عليه وسلم. وقد قال الله في التوراة, حين ذكر إسماعيل جد العرب, أنه يضع فسطاطه في وسط بلاد إخوته. فكنى عن بني إسرائيل بإخوة إسماعيل, كما كنى عن العرب بإخوة بني إسرائيل في قوله:" سأقيم لبني إسرائيل من إخوتهم مثلك".
وقد ناظرني يوما أحد أحبار اليهود, وأهل الذكاء منهم في هذا فقال:" هذا كله صحيح لا أجد اعتراضا عليه, غير أنه قال: سأقيم لبني إسرائيل, ولم يكن محمد[نبيا] إلا للعرب".
فقلت له: ما على الأرض أحد يجهل أن محمدا صلى الله عليه وسلم قال:" بعثت إلى الأبيض والأسود, والعبد والحر, و الذكر و الأنثى". وهذا كتابه ينطق أنه مبعوث إلى الخلق كافة, فلو أمكنك أن تقول:"إنه ادعى أنه مبعوث إلى العرب خاصة, لكانت لك حجة".
فقال:" لا يمكنني ولا غيري دفع ذلك, وبذلك أخبرنا أسلافنا من اليهود عنه أنه قال: بعثت إلى الخلق كافة. إلا فرقة من فرق اليهود يقال لها العيسوية تقول بنبوته ومعجزاته, وتنكر أنه بعث إلى غير العرب, ولسنا على شيء مما هم عليه. ثم عطف على يهودي إلى جنبه وقال له: نحن قد جرى نشؤنا على اليهودية, وبالله ما أدري كيف نتخلص من هذا العربي؟ إلا أنه أقل ما يجب علينا أن نأخذ به أنفسنا النهي عن ذكره بسوء" .

[8] مناظرة ابن قيم الجوزية لكبير الأحبار بمصر

قال ابن قيم الجوزية:" وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرئاسة, فقلت له في أثناء الكلام: أنتم بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه و سلم قد شتمتم الله أعظم شتيمة. فعجب من ذلك, وقال: مثلك يقول هذا الكلام. فقلت له: اسمع الآن تقريره, إذا قلتم: إن محمدا ملك ظالم قهر الناس بسيفه وليس برسول من عند الله وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة, ويقول: أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا وأوحى إلي كذا, ولم يكن من ذلك شيء, ويقول: أنه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني ونساءهم وغنيمة أموالهم وقتل رجالهم, ولم يكن من ذلك شيء, وهو يدأب في تغيير دين الأنبياء ومعاداة أممهم ونسخ شرائعهم, فلا يخلو إما أن تقولوا أن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه, أو تقولوا إنه خفي عنه ولم يعلم به, فإن قلتم لم يعلم به نسبتموه إلى أقبح الجهل وكان من علم ذلك أعلم منه, وإن قلتم بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته وإطلاعه عليه فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره والأخذ على يديه ومنعه من ذلك, أولا, فإن لم يكن قادرا فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي للربوبية, وإن كان قادرا وهو مع ذلك يعزه وينصره ويؤيده ويعليه ويعلي كلمته, ويجيب دعاءه ويمكنه من أعدائه ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به ولا يدعو بدعوة إلا استجابها له فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء فضلا عن رب الأرض والسماء, فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه وهذه عندكم شهادة زور وكذب.
فلما سمع ذاك قال: معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق من اتبعه أفلح وسعد.
قلت: فما لك لا تدخل في دينه؟
قال: إنما بعث إلى الأميين الذين لا كتاب لهم, وأما نحن فعندنا كتاب نتبعه.

[9] جواب ابن حزم على اعتراض لنصراني على مسألة الأكل والشرب في الجنة

قال أبو محمد: وعارضني يوما نصراني كان قاضيا على نصارى قرطبة في هذا وكان يتكرر على مجلسي فقلت له أو ليس فيما عندكم في الإنجيل أن المسيح عليه السلام قال لتلاميذه ليلة أكل معهم الفصح- وفيها أُخِذَ بزعمهم- وقد سقاهم كأسا من خمر وقال إني لا أشربها معكم أبدا حتى تشربوها معي في الملكوت عن يمين الله تعالى, وقال في قصة الفقير المسمى العازار الذي كان مطرحا على باب الغني تلحس الكلاب جراح قروحه وأن ذلك الغني نظر إليه في الجنة متكئا في حجر إبراهيم عليه السلام فناداه وهو في النار يا أبى يا إبراهيم ابعث إلي العازار بشيء من ماء يبل به لساني, وهذا نص على أن في الجنة شرابا من ماء وخمر فسكت النصراني وانقطع .


ما مناظرة الطرطوشي تجدونها عند:
سعيد أعراب, في كتابه: مع القاضي أبي بكر بن العربي, طبع دار الغرب الإسلامي 1985م ص, 206- 207.

وقد نقل عبد الرحمن بن محمد الأنباري هذه المناظرة ملخصة في كتابه, الداعي إلى الإسلام, ص, 336, قال: "ويحكى عن بعض الأئمة أنه ناظر بعض علماء اليهود, فقال له اليهودي: أنا لا أوافقك على نبوة محمد و أنت توافقني على نبوة موسى, فقال له الإمام: إن كان موسى الذي أقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم, وبشر به فأنا أوافقك على نبوته, وإن كان الذي ما أقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلا أوافقك على نبوته, فانقطع".

[2]مناظرة علي بن أبي طالب ليهودي:

قال يهودي لعلي رضي الله عنه: "ما نفضتم أيديكم من تراب نبيكم حتى قلتم" منا أمير ومنكم أمير".
فقال له علي: ما جفت أقدامكم من (فلق) البحر حتى قلتم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. فانقطع اليهودي ولم يجد جوابا لأن " منا أمير ومنكم أمير" ليس فيه ما يهدم الدين وإنما الطامة العظمى ما أتى به اليهود من الكفر إذ عبدوا العجل بإثر ذلك.
نقلا عن كتاب: عيون المناظرات لأبي علي السكوني, تحقيق سعد غراب, تونس 1976م, المناظرة 49- ص 167.

[3]مناظرة حاطب بن أبي بلتعة للمقوقس النصراني:
ورد عن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لما دخل على المقوقس النصراني ملك الإسكندرية رسولا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فسأله المقوقس عن الحرب بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومه فأخبره أنها بينهم سجال.
فقال المقوقس يخاطب ابن أبي بلتعة: " أَنَبِيُّ الله يُغلَب؟ ".
قال له حاطب: " أَوَلَدُ الله يُصلب؟ ".= المناظرة 60 من نفس الكتاب- ص 185.

[4]مناظرة كانت سببا في كتاب النظائر في القرآن لعلي بن وافد:
روي أن هارون الرشيد كان له علج طبي, له فطنة وأدب, فود الرشيد أن لو أسلم فقال له يوما: " ما يمنعك عن الإسلام؟"
فقال: آية في كتابكم حجة على ما أَنْتَحِلُه".
قال: وما هي؟
قال: قوله تعالى عن عيسى(( وروح منه)) [ النساء 171] وهو الذي نحن عليه.
فعظم ذلك على الرشيد وجمع له العلماء فلم يحضرهم جواب ذلك حتى ورد قوم من خراسان فيهم علي بن وافد من أهل علم القرآن, فأخبره الرشيد بالمسألة فاستعجم عليه الجواب ثم خلا بنفسه وقال " ما أجد المطلوب إلا في كتاب الله".
فابتدأ القرآن من أوله وقرأ حتى بلغ سورة الجاثية إلى قوله تعالى:(( وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه)) [ الجاثية 13]. فخرج إلى الرشيد وأحضر العلج فقرأها عليه وقال له: إن كان قوله تعالى ((روح منه)) يوجب أن يكون عيسى بعضا منه تعالى وجب ذلك في السموات والأرض.
فانقطع النصراني ولم يجد جوابا, فأسلم النصراني وسر الرشيد بذلك وأجزل صلة ابن وافد. فلما رجع ابن وافد إلى بلده صنف كتاب النظائر في القرآن.
المصدر نفسه- 207- 208.