بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
فلربما يتعجب كثير من المسلمين إن لم يكن جميعهم من وجود دولة اسمها 'سورينام' فضلاً عن أن يكون بها مسلمون، وهكذا تكون نكبة المسلمين المنسيين من قبل إخوانهم.

أين تقع سورينام؟
تقع دولة سورينام شمال قارة أمريكا الجنوبية، على ساحل المحيط الأطلنطي، تحدها من الشرق غويانا الفرنسية, ومن الغرب غويانا الأسبانية، ومن الجنوب البرازيل، ومن الشمال المحيط الأطلنطي، وتبلغ مساحتها 163.265 كيلومتراً مربعاً وعاصمتها مدينة 'باراماريو', عرفها الأسبان سنة 898هـ أي بعد سقوط الأندلس [ ] بعام واحد, وادعوا ملكيتها لأن من سياستهم تملك أي أرض ينزلون بها، وإدعاء أنها أرض نصرانية, وقد نازعهم الإنجليز والهولنديون فيها حتى تمكن الهولنديون منها سنة 1078هـ بعد أن احتلها الإنجليز عدة مرات, وقد حصلت سورينام على استقلالها الداخلي سنة 1374هـ، ثم شكلت مع هولندا اتحاداً إضافة لجزر الأنتيل الهولندية.

المسلمون في سورينام:
جلب الهولنديون الرقيق من أفريقيا لتعمير البلاد، ونتيجة لسياسة الاستعباد والظلم [ ] ثار الأفارقة بقيادة أحد المسلمين، والتجؤوا إلى الغابات، وبدؤوا بصراع مع الهولنديين الذين أرغموا تحت قوة وصلابة المقاومة للتفاوض مع المسلمين الأفارقة الذين عرفوا باسم 'جيوكا' أي زنوج الغابة، وذلك سنة 1172هـ, وعندما هدأت الثورة بدأ الهولنديون في استقطاب العمال من مستعمراتهم في الهند والصين وإندونسيا، ثم هاجر إلى البلاد بعض الشوام، وزاد حجم المسلمين بالبلاد.
تبلغ نسبة المسلمين من إجمالي السكان ولا تتعجبوا من الرقم 40% من إجمالي السكان، وهي نسبة كبيرة جداً بالنسبة لكونهم أقلية، وترجع أسباب زيادة نسبة المسلمين لعدة أسباب منها:
1- إقبال أعداد جديدة كل سنة على الدخول في الإسلام.
2- هجرة جماعات من السكان من البلاد، وغالباً ما تكون هذه الجماعات غير مسلمة.
3- زيادة نسبة المواليد عند المسلمين عن غيرهم، وبذلك تكون سورينام أعلى البلدان الأجنبية نسبة في المسلمين، وربما تصبح بعد قليل من جملة أمصار العالم الإسلامي، وتنضم لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

أوضاع مسلمي سورينام:
يعد الأفارقة الذين جلبوا كرقيق هم أول المسلمين وصولاً إلى سورينام، غير أن الظلم [ ] وتفكك الأسرة والجهل والأشغال الشاقة ونشأة الأجيال في مجتمع بعيد عن الإسلام كل تلك العوامل جعلت هؤلاء المسلمين ينقرضون، ويذوبون في المجتمع، حتى جاء العمال الأندونيسيين وكانوا كلهم لحسن الطالع من المسلمين، ثم جاء عمال من الهند كان أغلبهم مسلمين، وكان مجيء المسلمين للبلاد فاتحة خير عليها، فعاد الإسلام للظهور، وأقيمت المساجد، ورفع الآذان، وأقيمت الشعائر بحرية، مما جعل كثير من الأفارقة يعودون إلى الإسلام مرة أخرى، وأسس المسلمون الهنود جمعية لهم باسم جمعية المسلمين السورينامية 'أهل السنة والجماعة على المذهب الحنفي' سنة 1375هـ عقب الاستقلال مباشرة، وبنوا عدة مساجد، وجوامع كبيرة، وشيدوا عدة مدارس ابتدائية وثانوية، ولهم منظمة جامعة العلماء [ ] التي تضم أئمة المساجد، ويصدرون مجلة الإسلام باللغة الهندية، ويعتبر الهنود أكثر المسلمين نشاطاً في مجال الدعوة [ ] والعمل الإسلامي.
وفي المقابل أسس أهل جاوة الأندونيسيون الاتحاد الإسلامي السورينامي على المذهب الشافعي، وهذا الأمر يعتبر في حد ذاته أكبر عائق يواجه المسلمون هناك، حيث أن مشكلة التعصب والمذهبية تعيق كثيراً من جهود الدعوة، وإنشاء أمثال تلك الجمعيات على أساس مذهبي يولد العصبية والفرقة والخلاف، ولربما النزاع مثال ما يحدث عند تحديد اتجاه القبلة، إذ يمكن تبعاً لموقع البلاد الجغرافي التوجه شرقاً والتوجه غرباً بسبب أن البعد يصبح واحداً تقريباً عن مكة لكروية الأرض، فالهنود يبنون مساجدهم يجعلون القبلة شرقاً على حين أن الأندونيسيين يتجهون غرباً، وهكذا يتفرق المسلمون في أمر شرع أصلاً لاتحادهم.
ويجد المسلمون عقبة أخرى كؤود في طريقهم وهم القاديانيون الضالون الذين يقدر تعدادهم بعشرة آلاف ضال، وهم إضافة لبدعتهم الكفرية، ودينهم الباطلº وقفوا حائلاً دون توحيد المسلمين، وذلك عندما تشكلت جمعية سورينام الإسلامية سنة 1367هـ، وكانت تهدف للقضاء على التعصب المذهبي بين الأحناف والشافعية، غير أن القاديانيين قد تسللوا إلى هذه الجمعية، وبدؤوا بالدس والتآمر حتى فشلت تلك الجمعية، وفشل معها مشروع الوحدة التي تمثل أكبر مشكلة يتعرض لها المسلمون بتلك البلاد النائية.