مآل الإسلام في القراءات العلمانية (2)

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

مآل الإسلام في القراءات العلمانية (2)

النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: مآل الإسلام في القراءات العلمانية (2)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2010
    المشاركات
    2,494
    آخر نشاط
    23-11-2015
    على الساعة
    05:28 PM

    افتراضي مآل الإسلام في القراءات العلمانية (2)

    [
    بقلم : د. أحمد إدريس الطعان

    ترويج الإسلام العلماني الجديد

    لا أعتقد أننا بحاجة إلى التذكير بأن ما يتحكم بالموقف العلماني الذي عرضناه آنفاً بشكل مكثف هو معيار مادي فلسفي غربي اعترف العلمانيون بذلك أم لم يعترفوا، وأن الخلفية الإلحادية أو الشكية أو اللاأدرية هي التي يستبطنها أغلب العلمانيين في تناولهم للإسلام.


    وأنه حتى الذين لم يصرحوا برفض الإسلام، ولم يجاهروا بإلحادهم وتحدثوا عن إمكانية وجود ما للإسلام، فإن الإسلام الذي يتحدثون عنه، ليس هو الإسلام الذي أنزله الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وسلم وقال عنه {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}(1). {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ}(2).

    وإنما إسلام جديد يخترعونه منفتح - كما رأينا - وغير مغلق، وغير مكتمل، بعكس ما أراده الباري عز وجل: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا}(3). إنه امتداد لما سمي بدين العقل أو الدين الطبيعي كما طرحه فلاسفة النهضة الأوربيين واستعاضوا به عن المسيحية، وهكذا يسلك العلمانيون العرب درب أساتذتهم فيما يخص علاقتهم بالإسلام، فالإسلام الجديد العصري المستنير ليس من الضروري أن يقوم على خمسة أركان هي «شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً».

    فالشهادتان في الدين العلماني الجديد ليس لهما مدلول إيماني لأنه "في حقيقة الأمر وطبقاً لمقتضيات العصر لا تعني الشهادة التلفظ بهما أو كتابتهما، إنما تعني الشهادة على العصر... ليست الشهادتان إذن إعلاناً لفظياً عن الألوهية والنبوة، بل الشهادة النظرية والشهادة العملية على قضايا العصر وحوادث التاريخ"(4).


    أما الجزء الثاني من الشهادة فليس من الإسلام لأنه أضيف إلى الأذان فيما بعد إذ كان الإسلام في البداية دعوة إلى لقاء لكل الأديان(5).

    - والصلاة مسألة شخصية(6)، وليست واجبة(7)، وفرضت أصلاً لتليين عريكة العربي، وتعويده على الطاعة للقائد(8)، وتغني عنها رياضة اليوغا وهو ما غفل عنه الفقهاء(9)

    - والزكاة أيضاً ليست واجبة وإنما هي اختيارية(10)، كما أنها لا تؤدي الغرض لأنها تراعي معهود العرب في حياتهم التي كانوا عليها "فهي تمس الثروات الصغيرة والمتوسطة أكثر مما تمس الثروات الضخمة... ولم توضع للحد من الثروات الكبيرة القائمة على الربح المرتفع، فهذه لم تكن معهود العرب زمن النبوة... ولذلك فالزكاة وحدها لا يمكن أن تنال شيئاً من الفوارق الطبقية الكبيرة لأنها وضعت أصلاً لمجتمع ليس فيه مثل هذه الفوارق الطبقية الكبيرة"(11). إن الزكاة مقدمة يحثنا فيها الإسلام على الوصول إلى الشيوعية المطلقة(12).

    - والصوم كذلك ليس فرضاً وإنما هو للتخيير(13)، وهو مفروض على العربي فقط، لأنه مشروط بالبيئة العربية ولذلك فالصوم بالنسبة للمسلم غير العربي مجرد دلالة وعبرة دينية(14). بل إن الصوم يحرم على المسلمين في العصر الحاضر لأنه يقلل الإنتاج(15).

    - أما الحج كذلك فهو من الطقوس الوثنية الميثية العربية القديمة التي أقرها الإسلام مراعاة لحال العرب(16) وما هو إلا تعبير عن الحنين إلى أسطورة العود الأبدي(17)، وإعادة إحياء لتلك التجربة الجنسية الدينية المقدسة التي تمت بين آدم وحواء، والحج العربي العاري في الجاهلية يؤكد المشاركة في الجنس بين الألوهية والبشر(18). كما أن تحويل القبلة والحج تعبير عن الرغبة في تعريب الإسلام وتأكيد عروبيته(19). وليس من الضروري أن يقام بطقوسه المعروفة إذ يغني عنه الحج العقلي أو الحج الروحي(20).

    وهكذا تُميَّع كل الشعائر الإسلامية وتعتبر طقوساً وثنية تحدرت إلى القرآن من البيئات والأمم السابقة والجاهلية(21)، وقد مارس الفقهاء دورهم في تقنينها(22) بعكس الرسالة التي تميزت في هذا الشأن بمرونة ولكن الفقهاء ألغو هذه المرونة(23). إن تحقيق الإسلام لمهمته الروحية قد يحصل دون أن تؤدى الطقوس والشعائر بالضرورة(24) فقد أصبحت المساجد أوكار الإرهاب(25)، وبرزت معالم التخلف ومظاهره في تنامي التدين الشخصي كما هو واضح في صفوف المصلين، والحجاب واللحى(26).

    إن علامات الاستسلام تتجلى في ممارسة الشخص للصلاة والزكاة وهما عملان يقدمهما القرآن على أساس أنهما محض دينيين، ولكن لا يغيب عن أنظارنا أن لهما وظيفة حاسمة من حيث الدمج الاجتماعي والسياسي للفرد، ولهما وظيفة في كسر العصبيات والتضامنات التقليدية(27)، ونحن اليوم مدعوون لإعادة النظر في الفرائض والعبادات وسؤال أهل الخبرة والاختصاص عن فوائد الصيام وأضراره اقتصادياً وصحياً(28).

    وهكذا يُطمس الإسلام الرباني الذي أُرسل به محمد صلى الله عليه وسلم، ويبرز الإسلام العلماني المخترع بأركانه الجديدة العصرية المفتوحة، والقابلة لكل الأفهام والتأويلات، والتي لم تتوقف عند هذا الحد، لأنه لا حدود يمكن الوقوف عندها في الخطاب العلماني.


    ثانياً: الإيمان العلماني الجديد

    والإيمان أيضاً ليس هو الإيمان المحمدي الذي يقوم على ستة أركان «الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره» وإنما "هناك تغيُّر جذري في المفهوم الإيماني نفسه، وفي وسائل تحققه اليقينية، ليست القضية الآن في السجود لصنم أو اتخاذ أرباب أو ممارسة علاقات فلكية أو أبراجية معينة … المشكلة الإيمانية الآن في توجه الإنسان كلياُ نحو الاتحاد بالطبيعة عبر منهجية العلم بديلاً عن التوجه إلى الله كونياً عبر منهجية الخلق … فالإيمان في عصرنا يعني الانتقال إلى إدراك عميق لمنهجية الخلق والتكوين كما يوضحها الله في القرآن، وهي مرحلة إيمانية لم يصلها من قبل إلا من الذين اصطفاهم الله"(29).

    وأصبحت الحداثة تفرق بين إيمان جديد وإيمان تقليدي فالإيمان الحديث "يقبل إعادة النظر حتى في الأصول الأولى من أجل انتهاكها وإعادتها إلى المشروطيات المشتركة للجدلية الاجتماعية، وهو ما ندعوه بأرخنة الأصول الأولى للأديان التوحيدية، أي الكشف عن تاريخيتها المحجوبة أو المغطاة بستار كثيف من التقديس والتعالي"(30).

    إن الإيمان بالمعنى الحديث يقبل حتى فكرة موت الله وغياب الله عن العالم، وإن كانت هذه الفكرة تصدم الشرائح الكبيرة المؤمنة بالمعنى التقليدي(31). وبناءً على هذا المفهوم الجديد للإيمان الأركوني فإن كل الذين اعتُبروا ملحدين في التاريخ الإسلامي أو الغربي يمكن اعتبارهم مؤمنين لأنهم لهم إيمانهم الخاص، وهم لا يمكن أن يخرجوا عن الإسلام وإنما عن فهم ضيق قسري له، وقد كانت لهم طقوسهم وشعائرهم الخاصة(32).



    ومن هنا يكفي أن يتحقق في الإيمان المعاصر عند طائفة من العلمانيين ركنان فقط هما الإيمان بالله واليوم الآخر(33)، وعند آخرين "الإيمان بالله والاستقامة"(34)، والقصد من ذلك هو إدخال النصارى واليهود في مفهوم الإيمان والإسلام، واعتبارهم ناجين يوم القيامة، ويُستدل لذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}(35) (36).

    وعند طائفة ثالثة يُفتح المجال للكونفوشيوسية، والبوذية وكل الأديان الوضعية للدخول في سفينة النجاة العلمانية(37)، لأنه يعسر على المؤمن في عالم اليوم أن يهمل التحديات التي تمثلها الأديان الأخرى المخالفة لدينه الموروث، فليس من الحكمة الإلهية أن أحكم أنا المسلم على ثلاثة أرباع البشرية من معاصري غير المسلمين بالذهاب إلى الجحيم، وبالتالي أليست الحقيقة التي أؤمن بها نسبية؟!(38).

    وهكذا بالتوازي مع تغير مفهوم الإيمان يتغير معه مفهوم الإلحاد أو الشرك فكما أصبح الإلحاد عند نيتشة وماركس وفيورباخ نظرية للتحرير(39) يصبح كذلك عند المفكرين العرب "الإلحاد هو التجديد لأنه يطابق الواقع ووعي بالحاضر ودرء للأخطار ومرونة في الفكر … إن الإلحاد هو المعنى الأصلي للإيمان لا المعنى المضاد، والإيمان هو المعنى الذي توارده العرف حتى أصبح بعيداً للغاية عن المعنى الأصلي، إن لم يكن فقداً له … لأن الإيمان تغطية وتعمية عن شيءٍ آخر مخالف لمضمون الإيمان، والإلحاد هو كشف القناع وفضح النفاق"(40). والشرك بالله عز وجل لم يعد هو التوجه بالعبادة إلى غير الله عز وجل، وإنما أصبح يعني الثبات في هذا الكون المتحرك، وعدم التطور بما يتناسب مع الشروط الموضوعية المتطورة دائماً، فالتخلف شرك والتقدم توحيد(41).



    إن التوحيد هو توحيد الأمة والفكر وليس توحيد الآلهة {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}(42) (43).

    ولكن لا يجب أن نفهم أن الله عز وجل في الإيمان الجديد هو الله الذي يؤمن به المسلمون والموصوف في القرآن الكريم بكل صفات الكمال وإنما الله يعني الإنسان، وصفاته جميعها حتى صفة الوجود تعني الوجود الإنساني(44). الله الجديد [سبحانه وتعالى] هو: الدافع الحيوي، التقدم، الحرية، الطبيعة، الخبز، الحب(45) أو هو الأمل بالعدالة والحرية والمساواة(46).

    كذلك لا يجب أن نفهم أن اليوم الآخر في الدين العلماني الجديد هو نفسه الذي تؤمن به الأمة فإن الغيبيات عموماً كالعرش والكرسي والملائكة والجن والشياطين والصراط والسجلات وغير ذلك ليست إلا تصورات أسطورية(47). وإن فكرة اليوم الآخر في أساسها نشأت في منظور بعض العلمانيين مع عبادة الشمس لدى المصريين، ونشأت فكرة الخلود مع الدين الرسمي أو دين الدولة(48) أي أن العالم الآخر أسطورة ولدها الكهنة ليسيطروا على الناس ويحكموهم(49).

    والكتب المقدسة بما فيها القرآن تنكر العالم الغيبي لأن الغيب في القرآن هو المستقبل فهو الوحيد الغائب، وأصبح من الممكن أن يُوصَل إليه بقليل من المنطق والحساب(50). إن عالم الغيب الجديد لم يعد رهناً بما يقوله الكهنة، ولم يعد خارجاً عن سنن الطبيعة، وصار قابلاً للتفسير العلمي(51).

    إن البعث ليس في السماء، إنه في المستقبل على الأرض، ولا يحتاج إلى دليل مشاهد ملموس، إن الدين لا يتحدث عن الموتى ولا يُكلم الناس الحاضرين عن عالم غير حاضر(52).



    البعث الذي يريده القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ليس هو البعث بعد الموت، وإنما هو البعث من عالم الطفولة والتخلف إلى عالم التقدم والوعي، البعث من الحياة الغريزية الطفولية الغائبة في ظلام الوعي إلى عالم العقل الحاضر في ضوء الصحوة واليقين. إن العرب أساءوا الفهم فحولوا الجدال إلى عالم الأموات، وتحدوا الرسول لكي يحيي أمامهم رجلاً ميتاً، ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد من العرب أن يؤمنوا بالبعث بعد الموت فقط لقبل هذا التحدي وسكت، لكن الرسول كان يدعو العرب إلى الإيمان بالبعث في هذه الحياة، بإعادة الوعي إلى جيل غائب عن عالم الوعي(53).

    إن المرء لكي يكون مسلماً لا يحتاج إلى الإيمان بالجن والملائكة، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل(54). ولا يحتاج للفرائض الشعائرية أو القبول الساذج للحياة الآخرة(55).

    "قد لا يكون البعث واقعة مادية تتحرك فيها الجبال وتخرج لها الأجساد بل يكون البعث هو بعث الحزب وبعث الأمة وبعث الروح فهو واقعة شعورية تمثل لحظة اليقظة في الحياة في مقابل لحظة الموت والسكون"(56) "إن أمور المعاد في نهاية الأمر ما هي إلا عالم بالتمني عندما يعجز الإنسان عن عيشه بالفعل في عالم يحكمه القانون ويسوده العدل، لذلك تظهر باستمرار في فترات الاضطهاد وفي لحظات العجز وحين يسود الظلم ويعم القهر كتعويض عن عالم مثالي يأخذ فيه الإنسان حقه... أمور المعاد في أحسن الأحوال تصوير فني يقوم به الخيال تعويضاً عن حرمان في الخبز أو الحرية، في القوت أو الكرامة.." (57)

    إن "الجنة والنار هما النعيم والعذاب في هذه الدنيا وليس في عالم آخر يحشر فيه الإنسان بعد الموت، الدنيا هي الأرض، والعالم الآخر هو الأرض، الجنة ما يصيب الإنسان من خير في الدنيا، والنار ما يصيب الإنسان من شر فيها"(58)، "أمور المعاد هي الدراسات المستقبلية بلغة العصر والكشف عن نتائج المستقبل ابتداء من حسابات الحاضر"(59). أما الحور العين والملذات فهي تعبير عن الفن والحياة بدون قلق(60) وأما الوطء فهو تعبير عن عقلية ذكورية جامحة إلى السيطرة(61).

    إذا كان العلمانيون حريصون فعلاً على نهضة الأمة وتقدمها ورقيها كما يعلنون وليس على مصالحهم الشخصية من شهرة ومجد ونجومية، فهل يعتقدون حقاً أن أطروحاتهم العجيبة والغريبة بشأن الإسلام والقرآن - كما رأينا - ستحقق هذه النهضة وهذا التقدم والرقي؟

    وهل وقف الإسلام "القرآني" وليس العلماني في تاريخه عائقاً أمام ازدهار الأمة، وازدهار حضارتها وثقافتها ومجتمعاتها؟ حتى يحتاج الإسلام إلى مسخ أو طمس أو تشويه؟ أم أن الإنسان هو الذي يحتاج إلى إصلاح وتمثل حقيقي لدين الله عز وجل، وتفاعل حقيقي مع كلمات الله جل وعلا؟ ألا يشعر العلمانيون أنهم يتلاعبون بالعقول ويعبثون بالفكر، وأن هذا التلاعب والعبث إذا انطلى على فئة من الناس أو جيل من الأجيال، فإن الزيف لا بد أن يظهر، والخداع لا بد أن ينكشف؟



    أي مسلم يمكنه أن يقبل هذا المسخ والتشويه للإسلام باسم الإسلام، بل أي عاقل حتى ولو لم يكن مسلما يمكنه أن يقتنع بأن هذه الأفهام التي تُطرح، والأفكار التي تُعرض موصولة بالإسلام، ومستندةً على نصوصه؟ إن الإسلام بطبيعته وتكوينه لا يقبل العبث، وهذا ما لاحظه المستشرقون لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كمثل المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، إنه واضح ليس فيه غموض ويسر ليس فيه عسر، ورحب ليس فيه حرج، وهذا مكمن قوته، وسر خلوده، ومظهر عالميته وشموليته، وسبب انتشاره وإقبال الناس عليه.

    إن تضييع الوقت في تأويل الإسلام وتحريفه لن يجدي شيئاً، وسوف يزيد من مآسي الأمة وتأخر نهضتها، وخيرٌ منه أن نتوجه إلى العمل الصالح والبناء المثمر، لأن أمتنا ليست بحاجة إلى هدم، فليس لدينا ما يهدم، إن لدينا قواعد متينة، وأعمدة راسخة، وحصون منيعة، وتحتاج إلى بناء وبناءين، وأدوات وعاملين، أكثر من حاجتها إلى خطط ومشاريع ومهندسين.

    إن مصيبة الأمة ومآسيها منذ قرون طويلة لا تتمثل في النصوص وإنما في اللصوص، إنهم الحكام الذين يحولون بينها وبين أي تقدم أو نهوض، لأن ذلك يُفوِّت عليهم كل ألوان الابتزاز والامتصاص والفرعنة التي يمارسونها، والاستبداد الذي يقارفونه.

    لا يوجد من هؤلاء من يفكر بمستقبل الأمة أو بحاضرها، بل يوجد من يفكر بنفسه، وعرشه وولي عهده، لا يوجد من يفكر بتهيئة وسائل القوة والتمكن، ولا يوجد من يفكر بتهيئة وسائل العيش الكريم للناس، ولا يوجد من يفكر بالعلم والصناعة والاختراع والابتكار، ولا يوجد من يفكر بحراسة العدل والأمن والحق وتوفير ذلك لكل الناس، وحماية المجتمع من الفساد الخلقي والانحلال الاجتماعي والرشوة والظلم والفقر والمرض، ومن هنا فنحن لسنا بحاجة إلى المشاريع العلمانية التي تطمس الإسلام، لأنه لم يكن عقبة في وجه التقدم، بل إننا بحاجة إلى ثورة إسلامية تعيد الإسلام إلى مقر القيادة والفاعلية، وتزيح عن طريقة اللصوص والفراعنة والمنافقين، ليمارس دوره في ازدهار الأمة وحضارتها كما فعل ذلك من قبل.




    -------------------------------------------------------

    (1) سورة آل عمران آية 19.
    (2) سورة آل عمران آية 85.
    (3) سورة المائدة آية 3.
    (4) انظر: د.حسن حنفي "من العقيدة إلى الثورة" 1/17 وانظر: أبو طالب حسنين "التأويل في مصر" ص 339.
    (5) انظر: الصادق النيهوم "صوت الناس، محنة ثقافة مزورة" ص 25.
    (6) انظر: عبد الرزاق هوماس "القراءة الجديدة" ص 129، 169 ينقل عن أركون في مصدر أجنبي له.
    (7) انظر:د. عبد المجيد الشرفي "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" ص 63.
    (8) انظر: د. عبد الهادي عبد الرحمن "سلطة النص" ص 110، 111.
    (9) انظر: الصادق النيهوم "الإسلام في الأسر" ص 127، 134.
    (10) انظر: د. عبد المجيد الشرفي "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" ص 63 وانظر: العشماوي "جوهر الإسلام" ص 7، 8 79، 80.
    (11) د. الجابري "وجهة نظر" ص 150 – 151.
    (12) انظر: محمد محمود طه "الرسالة الثانية" ص 155، 164.
    (13) انظر: د. الشرفي "لبنات" ص 173 فما بعد وانظر للشرفي "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" ص63، 64.
    (14) انظر: د. عبد الهادي عبد الرحمن "سلطة النص" ص 109.
    (15) هذا ما أعلنه الرئيس التونسي الأسبق "بورقيبة" وألزم به الشعب التونسي انظر "تونس الإسلام الجريح" لمحمد الهادي مصطفى الزمزمي ص 48، 49 نقلاً عن الدكتور القرضاوي "التطرف العلماني في مواجهة الإسلام" ص 144.
    (16) انظر: د. الشرفي "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" ص 65 وانظر: طيب تيزيني "النص القرآني" ص 154، 155 وانظر: تركي علي الربيعو "العنف والمقدس والجنس" ص 89.
    (17) انظر: الربيعو "العنف والمقدس والجنس" ص 89.
    (18) انظر: الربيعو "السابق" ص 89 وانظر: القمني "الأسطورة والتراث" ص 165.
    (19) انظر: عبد الهادي عبد الرحمن "سلطة النص" ص 106.
    (20) انظر: أركون "مجلة الكرمل" العدد 34/1989 جزء 1 ص 23 فصيلة تصدر عن الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين مؤسسة بيسان للصحافة والنشر والتوزيع – قبرص – وانظر: خالد السعيداني "إشكالية القراءة" ص 37 وانظر: رمضان بن رمضان "خصائص التراث" ص 108، 109، 124 يعتبر أركون الحج العقلي ينتمي إلى القرآن الكريم أو على حد تعبيره إلى "الحدث القرآني" أما الحج الشرعي فينتمي إلى تأطيرات الفقهاء المغلقة الأرثوذكسية أو ما يسميه "الحدث الإسلامي" وهو يستعير المصطلح من التوحيدي الذي ألف كتاباً بعنوان "الحج العقلي إذ ضاق الفضاء عن الحج الشرعي" كما يذكر أركون نفسه. راجع "المصادر السابقة".
    (21) انظر: طيب تيزيني "النص القرآني" ص 154، 155.
    (22) انظر: أركون "تاريخية الفكر" ص 81.
    (23) انظر: الشرفي "الإسلام بين الرسالة والتاريخ" ص 121.
    (24) انظر: أركون "قضايا في نقد العقل الديني" 36.
    (25) انظر: "الفاشيون والوطن" ص 200.
    (26) انظر: العظمة "العلمانية تحت المجهر" ص 181.
    (27) انظر: أركون "القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني" ص 17.
    (28) انظر: حسين أحمد أمين "الاجتهاد في الإسلام" ص 23 نقلاً عن د. عمارة "الإسلام بين التزوير والتنوير" ص 218.
    (29) انظر: أبو القاسم حاج حمد "العالمية الإسلامية الثانية" 2/497، 498 وانظر: "البعد الزماني والمكاني وأثرهما في التعامل مع النص البشري" 116
    (30) انظر: أركون "من القرآن إلى التفسير الموروث" ص 83، 84.
    (31) أركون "قضايا في نقد العقل الديني" ص 207. يميز أركون أيضاً بين ثلاثة أنواع من الإيمان: الإيمان التقليدي البسيط والإيمان الواعي التاريخي، والإيمان الأسطوري العاطفي، أو الإيمان الحق والإيمان الباطل الزائف انظر: أركون "من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي" 50 – 51.
    (32) انظر: أركون "مجلة الكرمل" ص 39 عدد 34/1989 م.. وانظر: "من فيصل التفرقة إلى فصل المقال"، ص 9.
    (33) انظر: محمد شحرور "نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي" ص 31 والدكتور حامد طاهر يكرر ذلك كثيراً في كلية دار العلوم.
    (34) انظر: العشماوي "جوهر الإسلام" ص 109، 121.
    (35) سورة البقرة آية 62.
    (36) انظر: السابق ص 127 ووله: "أصول الشريعة" ص 100.
    (37) انظر: د. أركون "نافذة على الإسلام" ص 60 وله أيضاً "الفكر الإسلامي: نقد واجتهاد" ص 84.
    (38) انظر: د. عبد المجيد الشرفي "لبنات" ص 101.
    (39) انظر: كوليز "الله في الفلسفة الحديثة" ص 333، 334.
    (40) د. حسن حنفي "التراث التجديد" ص 54.
    (41) انظر: د. شحرور "الكتاب والقرآن" ص 496 وانظر: الشيخ عبد الرحمن حنبكة الميداني و"التحريف المعاصر في الدين" ص 202.
    (42) سورة ص آية 5.
    (43) انظر: د. حسن حنفي "حوار المشرق والمغرب" ص 54 – 57 والاستشهاد بالآية منه طبعاً.
    (44) انظر: د. حسن حنفي "من العقيدة إلى الثورة" 2/92 – 93، 112 –113. "الصفات في الإنسان على الحقيقة وفي الله على المجاز" 2/602 وانظر 2/604 2/112 – 113، 114، 630 أما أن تكون الصفات في الله على الحقيقة وفي الإنسان على الحقيقة فهو مستحيل بنظر د. حنفي. انظر: السابق 2/601 وانظر: التأويل في مصر ص 347 فما بعد.
    (45) انظر: حسن حنفي "حوار المشرق والمغرب" ص 72،
    (46) انظر: أركون "قضايا في نقد العقل الديني" ص 282 وانظر: نوال السعداوي "المرأة والدين والأخلاق" ص 50.
    (47) انظر: نصر حامد أبو زيد "النص، السلطة، الحقيقة" ص 135.
    (48) انظر: مراد وهبة "ملاك الحقيقة" ص 299.
    (49) انظر: الصادق النيهوم "الإسلام في الأسر" ص 82.
    (50) انظر: السابق ص 81.
    (51) انظر: السابق ص 82.
    (52) انظر: السابق نفسه.
    (53) انظر: النيهوم "السابق" ص 106، 107.
    (54) انظر: حنفي "في فكرنا المعاصر" ص 93.
    (55) انظر: أركون ص 81.
    (56) د. حنفي "من العقيدة إلى الثورة" 4/508.وانظر أبو طالب حسنين "التأويل في مصر" ص 374.
    (57) د. حنفي "من العقيدة إلى الثورة" 4/600.
    (58) د. حنفي "من العقيدة إلى الثورة" 4/601.
    (59) د. حنفي "من العقيدة إلى الثورة" 4/605.
    (60) انظر: تركي علي الربيعو "العنف والمقدس والجنس" ص 140 – 141.
    (61) انظر: السابق ص 132، 138.
    التعديل الأخير تم بواسطة ابوغسان ; 17-04-2015 الساعة 07:20 PM

مآل الإسلام في القراءات العلمانية (2)

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. العلمانية ... وخدعة عدم تعارضها مع الإسلام
    بواسطة عابدة في المنتدى المنتدى الإسلامي
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 26-06-2016, 05:12 PM
  2. مآل الإسلام في القراءات العلمانية (1)
    بواسطة ابوغسان في المنتدى شبهات حول العقيدة الإسلامية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 17-04-2015, 07:06 PM
  3. العلمانية رِدّة عن الإسلام
    بواسطة ابوغسان في المنتدى منتديات الدعاة العامة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-11-2014, 04:41 PM
  4. سفير فرنسا بالجزائر: انتشار الإسلام خطر على العلمانية
    بواسطة المهتدي بالله في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 20-09-2011, 10:52 PM
  5. العلمانية
    بواسطة الشرقاوى في المنتدى المنتدى العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 21-11-2005, 09:00 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

مآل الإسلام في القراءات العلمانية (2)

مآل الإسلام في القراءات العلمانية (2)