الكاتبة والشاعرة اليابانية 'سوي أورا' عضو نادي الكتابة الدولي، وعضو النادي الثقافي الدولي لوزارة الخارجية اليابانية، تزور مصر [ ] الآن بعد أن أعلنت إسلامها بعد رحلة طويلة في البحث عن خالق الكون، وبعدما أسلمت أصبح اسمها 'خديجة'، وفي هذا الحوار تحكي عن شخصيتها ورحلتها الإيمانية، وعن الإسلام والمسلمين في اليابان.

أين نشأت وكيف كانت طفولتك؟
ولدت في تايوان، عندما كانت إحدى المستعمرات اليابانية، وكان والدي مدرساً للطب، ولأن عائلتي تنحدر من طبقة الساموراي أي طبقة المحاربين القدماء فقد تربيت في بيت يتميز بالشدة والصرامة من ناحية الاهتمام بالآداب العامة والأخلاق [ ] الفاضلة، ومع ذلك فقد كانت مشاعر الحب [ ] والألفة تجمع بين جميع أفراد الأسرة.
وفي سن الثالثة عشر عدت إلى اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، حيث استقر بي الحال مع أسرتي في مدينة نيهاما في جزيرة شيكوكو، وهناك تخرجت من المدرسة الثانوية، وعملت كسكرتيرة في شركة سوميتومو للكيماويات، ولم يستمر هذا العمل طويلاً، وعندما بلغت الثالثة والعشرين من عمري تزوجت من زوجي الذي كان يعمل في بنك، وقد توفى منذ فترة، ولدى ولدان، وكل منهما متزوج وله أسرته، ابني الأكبر يعمل مدير المدرسة التمهيدية للالتحاق بكلية الطب، والابن الثاني يشغل منصباً مرموقاً في شركة أريكو الأمريكية، وفيما بعد درست الفلسفة في كلية الآداب جامعة 'كي أو'.
وعملت مديرة للشركة المساعدة للتنظيم الديني، وقد قمت بتقديم فلسفتي من خلال مجموعة من الكتب عن عالم الغيبيات، ودعيت من جهات عديدة لإلقاء محاضرات عنها.

كيف كانت رحلتك في البحث عن خالق الكون؟
بدأت رحلتي في البحث عن الحقيقة مبكرة جداً، فعندما تفتحت مداركي عند بلوغ سن الرابعة عشر بدأت أتساءل عن ماهية النفس، وماهية الحياة، وماهية هذه الدنيا، إلى غير ذلك من التساؤلات التي كانت تحيرني، والتي كنت تواقة لأن أجد لها إجابة، ولكن مع هذا كان لا بد من الاستمرار في الحياة مع عدم فهم أسس ومكونات تلك الحياة، ولكنه شيء صعب جداً، فكيف يستطيع الإنسان أن يمضي في الحياة دون أن يعرف، فالطفل الذي ترسله أمه لشراء شيء ما لا بد أن يسأل أين يذهب ولماذا؟ فحتى الطفل لا يوافق دون أن يفهم، ولكن بالرغم من عدم فهم الإنسان أين يتجه في هذه الحياة فإنه يستمر في التقدم، وبالنسبة لي فقد كنت أريد أن أفهم فلا يوجد مبرر للاستمرار في الحياة دون فهم، ولا داعي للموت ما دمنا غير مدركين لمعنى الحياة.
لذلك كله عشت فترة طويلة أعتقد أن الحياة غير ذات قيمة، وفي سن الثامنة والثلاثين سمعت صوتاً يناديني يقول لي: إن كل المخلوقات عنده سواء، وأنه والد المخلوقات جميعاً [أنا والدك، بل أنا أيضاً والد أبوك وجدك، ووالد الكون كله، الكل عندي سواء، فاستمري في حياتك، واستمري في طريقك كما أنت]، وهكذا فهمت وأدركت الإجابة على تساؤلاتي التي لم يكن لها عندي إجابة حتى ذلك الحين، وفهمت أن الإنسان مخلوق من مخلوقات الله، وأن النفس [ ] التي يعتقد الإنسان أنها ملك له هي في الحقيقة من صنع خالق الكون، وهذا ما يفسر عجز الإنسان عن السيطرة بصورة كاملة على مقدرات نفسه المفتقرة إلى المعرفة، وبعد ذلك وجدت في نفسي رغبة شديدة في معرفة الله.

لكن هل هناك قراءات لك في مجال الأديان سعياً وراء الإجابة على الأسئلة التي كانت تؤرقك؟
في اليابان كما في المجتمعات الغربية المتقدمة اعتقاد راسخ بالقدرة المطلقة للعلم، لذلك أردت البحث بطريقة علمية موضوعية عن الله.
فدرست العديد من العلوم الصعبة بنهم شديد مثل: الفيزياء الحيوية، والفيزياء الكهربائية، والفيزياء الكونية، واكتشفت أن العلم [ ] الحديث توصل لأعلى درجات التطور فيما يتعلق بالعالم المادي، كما أنني درست علم النفس، وتبحرت فيه سعياً إلى معرفة ذلك الشيء العجيب وهو الإدراك البشري، وقد درست الديانة الشنتاوية، والديانة البوذية، والديانة المسيحية، كما درست فلسفة ودين الهند، والأساطير اليونانية، ثم ذهبت للهند بحثاً عما في الأديان من هدى يهدي الحائرين.
ثم قررت الذهاب إلى مصر [ ] لمزيد من الدراسة عن الله من خلال الآثار المصرية القديمة، وقبل توجهي إلى مصر [ ] بثلاثة أيام وجدت بمحض الصدفة مجلة منشور فيها أحد المقالات التي كتبتها، وبعد مقالي مقال عن الإسلام في اليابان كتبه ياباني مسلم اسمه 'سودا صفا'، فقلت في نفسي بما أنني متجهة إلى مصر [ ] وهي مجتمع إسلامي فمن المفيد أن استمع عن طبيعة مثل هذا المجتمع، فاتصلت بالسيد سودا صفا، وطلبت منه اللقاء، وبعد حديث طويل معه قال لي: رددي ورائي 'أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله' وكان معه اثنان من أصدقائه المسلمين، فقالوا: نحن شهود على ذلك.

ماذا كان شعورك عندما حضرت إلى مصر [ ] وكيف كان إشهار إسلامك؟
عندما جئت إلى مصر [ ] اندهشت عندما عرفت أنه يوجد بالفعل في هذا العالم من يعتنق فلسفة أورا [تقصد فلسفتها الخاصة]، وعندما عشت في مصر، واقتربت من المجتمع الإسلامي أثار دهشتي العديد من الأشياء منها عندما يرتفع صوت الآذان في المسجد يذهب الرجال للمساجد مهما كانت الظروف، ويصطف الجميع في صف واحد، حيث تلتقي الأرجل بالأرجل، والأكتاف بالأكتاف، ولا أحد يعترض عمن يقف بجواره سواء كان يرتدي ملابس جميلة أو عير ذلك، وسواء كان هذا الشخص عظيماً أم فقيراً، كبيراً أم صغيراً فالكل سواء.
والناس يذهبون إلى الصلاة دون أن يكون ذلك إجباراً لهم من أحد، أو للحصول على أي مال أو منصب، وحين عرفت ذلك لم أجد صعوبة في الذهاب إلى الأزهر الشريف، وفي إشهار إسلامي الذي كنت أحيا به طوال حياتي دون أعي أو أعرف.

ما هو الفكر المسيطر الآن على العقلية اليابانية؟
ما يدركه اليابانيون اليوم وما يعتنقونه هو العلم أي المنطق والحقائق العلمية، فلا يؤمنون بما هو غامض علمياً، وقد بدءوا يولون الاقتصاد أكبر اهتماماتهم، فاتبعوا الرأسمالية الأوروبية التي نقلوها بطريقة إيجابية، لقد كان اليابانيون يهدفون إلى إحياء الاقتصاد الياباني وتطويره تبعاً لنظريات الرأسمالية، وبتبجيل العلم، ونبذ كل ما هو غير متفق مع المنطق، إن العلم [ ] والرأسمالية الأوروبية ليست عقيدة دينية، ولكنها أيدلوجيات تنحي جانباً وجود الله، وكما جعلت اليابان منذ تاريخها القديم العقائد الأجنبية تزدهرº كذلك فقد سمحت للرأسمالية والعلم [ ] بالازدهار بشكل مذهل.

وهنا تساؤل مثار وهو: ما هي القدرة التي تجعل العقائد والأيدلوجيات الأجنبية تزدهر في اليابان بهذا الشكل المدهش؟
وتفسيري لذلك أنه لا يرجع فقط إلى الطبيعة الروحية والفكرية التي غرست في نفوس اليابانيين عبر التاريخ الطويل، ولن يرجع أيضاً إلى ارتفاع المستوى الثقافي بدرجة عالية، ومن الطريف أن تتحول الأشياء التي من المفترض أن تكون كوارث إلى عوامل تجلب السعادة، وتساعد في إحياء الاقتصاد الياباني.
إن اليابان بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية لم يكن أمامها بد من الخضوع للسياسة الاستعمارية للولايات المتحدة الدولة المحتلة، وقد سمحت بحرية الدين والفكر والجدال، ولكنها منعت تدريس تاريخ اليابان، أو تدريس العلوم الأخلاقية، لذلك فقد تحررت العقيدة [ ] والفكر من كافة القيود، واتجهت اليابان مباشرة نحو الرأسمالية، ونظرية القدرة الكلية للعلم.

كثير من الدول النامية بدأت رحلتها نحو التطور والتحديث في نفس الفترة التي بدأت فيها اليابان بعد خروجها مهزومة في الحرب العالمية الثانية، إلا أن اليابان نجحت وفشلت هذه الدول.. لماذا؟
ليس معنى أن اليابانيين قد ابتعدوا عن الدين أنهم قد أصبحوا يلهثون وراء المال بغض النظر عن طريقة الحصول عليه، فهناك قانون خفي يكبح جماحهم وهو ما يسمى روح ياماتو، واليابان لديها منذ القدم هذا الميراث الروحي الذي ينصهر داخل الجسد حتى يصبح أحد مكوناته، وهذا الميراث الروحي شيء مشترك بين اليابانيين جميعاً، وهم يلتزمون به أكثر ما يلتزمون بالقانون الظاهري، وهذا الميراث يعبر عنه بالخلق الحسن، والصراحة، والإخلاص، والشفقة، والاجتهاد وغير ذلك، وبفضل هذا الميراث [ ] الروحي فما زالت اليابان تتميز بأنه يمكن أن يعتمد أفرادها بعضهم على بعض.
ففي اليابان لا يوجد أصلاً ما يسمى بالعقد لأنه لا توجد النوايا السيئة، وهذا يرجع لوجود ذلك الميراث [ ] الروحي والقانون الخفي، فتكفي عبارة 'أرجو منك ذلك' فلا توجد ضرورة للتأكد من الوعد عن طريق الرجوع للعقد.

لكن ماذا عن الدين عموماً والتدين عند اليابانيين؟
حب التدين غرس في نفوس اليابانيين على مدى التاريخ الطويل، ولذلك فالأمر الشاذ وغير المتوقع هو أن نرى غالبية اليابانيين اليوم بلا عقيدة محددة، فاليابانيون شعب يمتلك تاريخاً عقائدياً عريقاً، وكثير من الأسر تؤمن بما يسمى عقيدة الأسلاف المتوارثة، لكن تأثيرها في الحياة يقتصر على أوقات معينة فقط، وفي معظم الأحوال تكون مرتبطة بالجنازات وما يقام بعدها من طقوس بوذية لاستقرار روح المتوفى في سلام، وكما توجد أسر بوذية توجد أيضاً أسر شنتوية، فالبوذية والشنتوية موجودتان في اليابان ومعروفتان، وفي ديانة الشنتو فإنهم يأنفون من جثمان المتوفى باعتباره شيئاً دنساً غير طاهر، لهذا فلا توجد مقابر في المعابد الشنتوية، لكن في البوذية تقام المقابر في المعابد، ويمكن إدراك السبب في بقاء الطقوس البوذية المتعلقة بالموتى في هذا العصر الحديث الذي ابتعد فيه الجميع عن الدين في أننا ما زلنا أحياء لم نجرب عالم ما بعد الموت [ ] ولا نفهمه، وحتى لا نخطئ بشأن طقوسه نسلم الأمر للكاهن ليتولاه، واليابانيون يعتقدون كذلك أنه مهما تغيرت العصور، وابتعد الناس عن الدين فإن الصلاة على أرواح الأسلاف يجب أن تستمر لفترة طويلة تمتد إلى خمسين عاماً بعد الوفاة.
أما مؤخراً فإن الأسر الشابة وصغار السن كثيراً ما يتجاهلون تلك الطقوس البسيطة، فالناس لديها العديد من طرق التفكير المتعلقة بالموت [ ] وما بعد الموت، ويعتنقونها بحرية، كما أنهم في ظل ظروف معينة يؤدون بحرية مطلقة الطقوس المتعلقة بالموت [ ] وما بعد الموت [ ] بشكل يختلف تمام الاختلاف عن أي شكل كان يمارس من قبل، وعند ميلاد الأطفال [ ] وتبعاً للعادات يذهب الناس إلى المعابد الشنتوية، ويصلون للإله، حيث يحمدون الله على منحهم الطفل، ويدعون له بالسلامة وطول العمر، كذلك تقام حفلات الزواج [ ] في معابد الشنتو، كما يوجد الكثيرون ممن يقيمون مراسم الزواج [ ] في الكنائس المسيحية ذات الطابع المحبب لهم، ولكن الطقوس المتعلقة بالموت [ ] تقام في معابد بوذية، وهكذا فإن الطقوس المتعلقة بالأحداث السعيدة تقام في معابد الشنتو، أما الطقوس المتعلقة بالموت [ ] فتقام في المعابد البوذية.

ماذا عن الإسلام في اليابان؟
المسلمون قليلو العدد جداً في اليابان، ولا يكاد يصل عددهم إلى واحد بالمئة من عدد اليابانيين، وصورة الإسلام في اليابان مشوهة وغير واضحة، لأن اليابانيين لا يتقنون سوى اليابانية، وحتى اللغة الإنجليزية فهي تدرس على المستوى التعليمي فقط لكنها غير منتشرة ولا يتقنها إلا القليل، فاليابان بلد مغلق من ناحية اللغات، وصورة الإسلام تقدم لليابانيين عبر وسائل الإعلام الغربية بصورة مشوهة، لأن تلك الأجهزة تجيد تشويه الإسلام وتتفنن في ذلك.

هل حاولت الولايات المتحدة والغرب فرض النمط الغربي للحياة على اليابان كما يفعلون مع معظم دول العالم؟
بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية تم منعها من تدريس تاريخها وخصوصياتها، كما تم منعها من تدريس القدرة على التعقل والذكاء، وبالرغم من استخدام أقصى حد للحرية والسماح بها فقد سلب من اليابانيين الحرية في الحكم على الأشياء، فسلب منهم المعيار الصحيح لقياس ما هو الصواب وما هو الخطأ، وسمح لهم فقط بحرية الفكر والنقاش.
لقد استمرت اليابان لمدة خمسين عاماً بدون تعليم روحي وأخلاقي، لذلك يبدو أن الميراث [ ] الروحي هو الآخر قد بدأ يخبو تدريجياً.
إن التركيب الاجتماعي الخاص باليابان، والذي أنتج روح ياماتو تحاول الدول الغربية الآن أن تدمره، وبدأ الغزو الأمريكي يتغلغل تدريجياً في حياة اليابان الاجتماعية والثقافية، ونتيجة لهذا فقد عدد كبير من الناس طابعهم الياباني، وبدأت تخبو السعادة [ ] التي يصنعها التعاون فيما بين اليابانيين، وأصبح كل إنسان يبحث عن سعادته الشخصية، حتى بدأت مفاهيم الصراع والمنافسة تقتحم المجتمع الياباني، وساد الشعور بالوحدة.
هل مازالت المرأة [ ] اليابانية تهتم بالأسرة وتقدس زوجها؟ أم أن هذه المفاهيم اضطربت وتغيرت؟
فعلاً حدث تغير كبير للمرأة اليابانية في السنوات الأخيرة، وبالتحديد منذ زادت حدة الهيمنة الثقافية الأمريكية، فالمرأة [ ] اليابانية في الماضي كانت تهتم بالأسرة والأولاد، وتطيع الزوج، وكان المجتمع يقدر لها ذلك، لكنها صارت الآن تهتم بالزينة وخطوط الموضة، وانتشرت في أوساط المرأة [ ] اليابانية دعاوى مثل تحرير المرأة [ ] من الرجل، ومساواتها به، بل إنه تم الترويج لدعاوى غربية تقول: إن المرأة [ ] أكثر قوة من الرجل، وتتفوق عليه، وحينما جئت إلى مصر [ ] عرفت أن هذه الأفكار تروج على نطاق واسع بين المتعلمات اللاتي يطالبن بالمساواة مع الرجل، لكنهن يعتمدن دائماً على الرجال في الإنفاق عليهن.
والمرأة [ ] الآن تعاني من الاستقلالية لأنها مهما حققت من مكاسب ظاهرية فلن تجد سعادتها إلا في ظل التماسك الأسري، لأن الله فطرها على ذلك، كما انتشرت العنوسة بين اليابانيات نظراً لإحجام الشباب [ ] عن الزواج [ ] نتيجة لتمرد المرأة، كما زادت نسبة الطلاق.
وقد ساهمت قوانين الأسرة الجديدة في هذه العنوسة، لأن المرأة [ ] المطلقة في اليابان تتقاضى راتباً كبيراً من الحكومة لرعاية أطفالها، ولذلك فعندما يكون الزوج [ ] فقيراً عند أول خلاف تفضل الطلاق.

المجتمع الياباني يعيش ذروة التقدم والرفاهية، فهل يواكب هذا التقدم استقرار اجتماعي ونفسي؟
لا أعتقد أن هذا الاستقرار النفسي والاجتماعي موجود الآن بين اليابانيين، فقد تزايدت حوادث القتل والانتحار، ولم تكن موجودة قبل ذلك، هذا إلى جانب الفراغ الروحي، وتغريب القوانين الاجتماعية بفعل الهيمنة الأمريكية، كما أن العلم [ ] والرأسمالية الأوروبية ليسا عقيدة دينية ولكنهما أيدلوجيتان تنحيان جانباً وجود الإله، إن الاستقرار النفسي والاجتماعي كان موجوداً قبل أن تتدخل أمريكا في شئون اليابان لتصوغ شخصيتها كما تريد وليس كما يريد اليابانيون، والحضارة الغربية بمقدار ما فيها من رفاهية مادية ومخترعات بقدر ما فيها من تعاسة وشقاء وحيرة، وكل ذلك يتنافى مع الاستقرار النفسي والاجتماعي.
إن نمط الأسرة الغربية لا يمكن اعتباره مثالاً يحتذى، فهي أسرة مفككة غير مترابطة، لا تحترم القيمالأخلاقية، وليس هناك تعاون وحب وود بين أبنائها، وكل إنسان يعيش في واد خاص به، والأمراض النفسية منتشرة بصورة كبيرة في المجتمعات الغربية، كما تزيد أعداد المنتحرين، وللأسف كل هذه الأمور تم تصديرها لليابان بصورة تدريجية، وإن كان بمقدار أقل مما هو في الغرب.
أشرت إلى أنه من الأشياء الخاصة باليابانيين ما يسمى بروح 'ياماتو'، وأن هذا سر من أسرار تقدم اليابان، نريد تفصيلاً لهذا السر وهذه الخصوصية اليابانية؟
كلمة 'ياماتو' تعني الاتساق العام أي أن ينخرط الجميع في نظام منسق، ويحيون تحت مظلة الفكر الواحد، قبل ماركو بولو بزمن طويل، وفي حوالي القرن التاسع الميلادي كان العرب يطلقون على اليابان بلاد 'واق الواق'، ويقال: إن هذه التسمية هي تحريف لكلمة 'واكوكو' باللغة اليابانية التي تعني المعني السابق ذكره، فاليابانيون أصبحوا قلباً واحداً يقومون بعمل جماعي موحد، ويشبه ذلك ما نراه في عالم الطبيعة من عادات الكائنات الحية، واعتقد أن مثل ذلك المجتمع الإنساني الذي أصبح بطريقة تدريجية يشبه الطبيعة إلى حد بعيد هو النموذج الصحيح لما يجب أن يكون عليه المجتمع الإنساني، ومما جعل اليابان تشكل مجتمعاً إنسانياً يشبه الطبيعة الأم بهذه الكيفية هو حياة اليابانيين واستقرارهم في دولة جزرية، أراضيها ذات طبيعة استقلالية مما يجعلهم يماثلون الطبيعة الأم، وهنا يتشابه المجتمع الياباني مع المجتمع الإسلامي، إن الآلية التي يصنعها الاتحاد للجماعة لها قواعد صامتة مشتركة بصفة عامة بين اليابانيين، وتلك القواعد تتحرك ويشكلها هذا الاتساق العام بطريقة آلية لا شعورية، فهو قانون غير ظاهري ليس له قواعد محددة، وهو قانون أخلاقي وديني، وهذا القانون الخفي يعمل باستمرار كنظام تحكم أوتوماتيكي يحكم به اليابانيون على أنفسهم، ويلاحظون تصرفات الآخرين، وهذا القانون متأصل داخل اليابانيين لدرجة أنه يمكننا القول أنهم يولدون به، والخارجون عن هذا القانون لا يحترمهم أحد، ومن يحافظون على هذا القانون الخفي يقال عنهم ذوو أخلاق كريمة، وينالون احترام الآخرين، ويشبهون في ذلك المجتمع الإسلامي حيث الإنسان الملتزم بتعاليم القرآن الكريم [ ] يقال عنه إنه مسلم صحيح الإسلام، محبوب من الله، وينال حب واحترام الآخرين.
نحن في العالم العربي ننظر إلى اليابان على أنها دولة متقدمة، وكذلك ننظر إلى أمريكا وبقية الدول الأوروبية، ولكن من وجهة نظرك كيابانية ما هو الفرق الجوهري بين اليابان والدول الغربية المتحضرة؟
نعم هناك فارق أساسي وهو في التكوين الاجتماعي والنفسي للإنسان الياباني وللشعب الياباني، وهو ما سيجعلنا نعود مرة أخرى إلى 'روح ياماتو' التي ذكرتها من قبل، إن الشركات المساهمة في اليابان تختلف عن الشركات الأوروبية والأمريكية وتتميز عنها، فالشركات اليابانية تتبع أسلوب الأقدمية في العمل، والتعيين مدى الحياة، وهذا أفضل ما أنتجته روح ياماتو، فهو نظام يكفل لكافة الأفراد الذين تضمهم الأسرة المتحدة المسماة بالشركة المساهمة الاطمئنان والسعادة [ ] والتقدم، فالعاملون بالشركات يعملون بأقصى جهدهم، وبإخلاص كامل لتحقيق الربح للشركة، وفي مقابل ذلك تتكفل الشركة بالرعاية المادية لهم مدى الحياة، كما أنه لا يتم تقدير مرتبات العاملين تبعاً للمقدرة على العمل في سن معينة، ولكن بحساب الجهد الذي يبذله الإنسان على مدار حياته، كما تزيد مرتبات العاملين مع تقدم العمر، وزيادة النفقات الأسرية والاجتماعية، لذلك فكل العاملين قلباً واحداً، ويعملون بإخلاص لتحقيق مصلحة العمل، ويقال: "إن اليابانيين لا يعرفون غير العمل" لكن مادام هذا يحقق الربح للفرد والدولة، ويحقق السعادة [ ] فهذا أمر يجب أن نشجعه. فالعمل بإخلاص لا يكون فقط لتحسين مستوى معيشة الفرد، لكنه يكون شعوراً بالامتنان لتلك الشركة التي ستتكفل بهذا العامل مدى الحياة، حتى بعد أن تضعف قوته الجسدية، وأنا لا أبالغ حين أقول: أن السبب الحقيقي لقدرة اليابان على إحياء اقتصادها يكمن في هذا القانون الخفي 'روح ياماتو'.

بعد أن أصبحت مسلمة.. كيف تقومين الآن بتبليغ رسالتك الإسلامية إلى المجتمع الياباني؟
أعد حالياً لتأليف مجموعة من الكتب هي 'النبي [ ] محمد' و'علامات النبوة' و'الحجر الأسود' و'قبة الصخرة' و'المسجد الأقصى'، وسأكتب هذه الكتب -إن شاء الله- باللغة اليابانية للإنسان الياباني، لأنقل له فيها رحلتي وما تعلمته وما عرفته عن الإسلام والمسلمين، وأصحح وأرد على ما تبثه وسائل الأعلام الغربية من افتراءات على الإسلام، كما أنني اكتب حالياً عن الإسلام في عدد من الصحف اليابانية مثل 'أصاهي' و'مينتش' و'صدكاي'.

لكنك تقولين إن الإنسان الياباني الآن لا يعرف إلا العلم، ولا يؤمن بالماديات، فكيف تستطيعين أن تقنعيه بالإسلام الذي فيه جانب إيماني غيبي؟
رحلتي في البحث عن الله استمرت ثلاثين عاماً، عرفت خلالها نفسية الإنسان الياباني بصورة جيدة، وأعرف كيف أخاطبه وأؤثر عليه بالطريقة العلمية التي يفهمها ويجيدها، إنني سررت جداً حينما عرفت الآية القرآنية التي تقول: ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)).

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين