قام عبد الملك بتعريب النقد تعريباً نهائياً وأحدث دور الضرب

التي تضرب فيها الدنانير، وجعلها بإشراف الخلافة، ويود

المؤرخون أن يشعرونا بأنه فعل ذلك لأنه تخاصم مع ملك الروم

فيقولون: إن الروم كانوا يأخذون من البلاد العربية صحائف

البَرْدي، وأمر عبد الملك أن يكتب على رأس صحائف البردي

((شهد الله أن لا إله إلا هو))، فغضب لذلك ملك الروم، وكان

محتاجاً إلى البردي، فهدد بأن يطبع على الدنانير عبارات القذف

بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، إن استمرت تلك العبارة على

صحف البردي، فاعتمد عبد الملك أن يضرب السكة في بلاده

ويستغنى عن الدنانير التي تأتيه من بلاد الروم. على أن الأمر

يبدو أوسع من هذا، فقد كان في بلاد المسلمين نقود فارسية

ونقود حميرية قديمة، وغيرها، وقد حاول الخلفاء من قبله ضرب

النقود، بل يرجع إلى عمر بن الخطاب أنه ضرب الدراهم لكنه

استبقى عليها العبارات الفارسية، وأضاف بعض العبارات العربية

فيها كقول ((جائز))، واستمر ضرب النقود في عهد عثمان

ومعاوية وابن الزبير، فكان من الطبيعي أن يستأنف عبد الملك

عمله، وهو ما فعل. على أن عبد الملك يمتاز بأنه وضع لذلك

مخططاً واضحاً، فليست القضية قضية إنشاء مصنع للنقود، ونقل

السكة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية فحسب، بل يدخل في

هذا الأمر وزن النقود وشكلها. وقد تحدث المؤرخون عن أسباب

دينية وسياسية واقتصادية قد لعبت دوراً أساسياً في بناء موقف

الخليفة، تتلخص هذه الأسباب على الشكل التالي:

1 ـ كان الخليفة حريصاً على صبغ الدولة الأموية بصبغة

إسلامية، ولذا فإن الإصلاح النقدي يندرج ضمن خطة شاملة

لتعريب مؤسسات الدولة.

2 ـ حرص الخليفة على إنهاء التبعية الاقتصادية للدولة البيزنطية

التي كانت تسيطر دنانيرها الذهبية على الجانب النقدي من

اقتصاديات الدولة.

3 ـ توقف حجم السيولة النقدية للدولة الأموية على ما يرد عليها


من الدولة البيزنطية، مما يعرضها لأزمات اقتصادية حادة،

خاصة في حالات انقطاع هذه السيولة بسبب ممارسة ضغوط

اقتصادية، أو نشوب معارك حربية أو نحوها.

4 ـ سيطرت الدولة على مصادر عرض النقود، وضمان تخليصها

من الغش وكسب ثقة الناس في النقود المتداولة.

5 ـ حاجة الدولة الفعلية إلى عملة داخلية موحدة ومنضبطة حتى

تستوفي بها حقوقها لدى الأفراد، وتسهل لها القيام بوظائفها

الاقتصادية.








6 ـ إن إصدار النقود يعبر عن السيادة الكاملة للدولة الإسلامية

ويحررها من النفوذ الأجنبي، فقد أراد عبد الملك بن مروان أن

يقيم سلطانه على أساس اقتصادي مستقل عن بيزنطة وعدم ا

لارتباط بنقدها، كما أن إصدار أول دينار إسلامي يرتبط بحالة ا

لصراع مع البيزنطيين حيث استطاع الخليفة أن يوجه ضربة

اقتصادية موجعة للدولة البيزنطية.

7 ـ يعتبر سك النقود الإسلامية وتوحيدها في الدولة اتجاهاً نحو

الدولة المركزية وضبط جهازها المالي.

8 ـ ومن المعلوم الأكثر أهمية التي جعلت الخليفة يقدم على

إصدار النقود الإسلامية، توفر كميات كبيرة من الذهب والفضة

لدى المسلمين في البلاد المفتوحة، فاستند على قاعدة هذا

المخزون الكبير من المعادن في إصدار النقد الإسلامي الجديد.


أهم خصائص النقود الإسلامية في عهد عبد الملك:

1 ـ أنه ألغى العبارات والإشارات التي تشير إلى العقيدة المسيحية

المحرفة واستبدلها بعبارات تدل على عقيدة التوحيد الإسلامية.


2 ـ إنها موافقة في أوزانها النسبية لنصاب زكاة النقدين

ومقدارها.

3 ـ أنه حدد وزن الدينار باثنين وعشرين قيراطاً إلا حبة، وجعل

الدرهم خمسة عشر قيراطاً أو ستة دوانق.

4 ـ أنه حدد بناء على الوزن السابق سعر الصرف بين الدرهم

والدينار، فكانت كل عشرة دراهم تساوي سبعة دنانير.

5 ـ تحددت تواريخ إصدار النقود الأموية بالتاريخ الهجري

المتسلسل، إي وفق المتعارف عليه، بينما افتقرت النقود

الساسانية والبيزنطية إلى التواريخ التقويمية، إذ اعتمدت

تواريخها على بداية حكم كل ملك.





محاربة تزييف العملة: تشدد عبد الملك وخلفاءه من بعده وولاتهم

في تعقب أية محاولة لغش النقود وتزييفها ومعاقبة من يثبت

عليه ذلك، فقد روي أنه أخذ رجلاً يضرب على غير سكة

المسلمين فأراد قطع يده، ثم ترك ذلك وعاقبه، فاستحسن ذلك

شيوخ المدينة .