هل حديث (السبعة الأحرف) من المشكل المتشابه الذي لا يَعلم معناه إلا الله؟
ذهب بعض العلماء إلى أن حديث السبعة الأحرف من المشكل الذي لا يُعلم معناه؛ وذلك لأن (الحرف) مشترك لفظي يصدق على معانٍ كثيرة، ولم يعيِّن المراد منها في الحديث، وممن ذهب إلى هذا القول أبو جعفر محمد بن سعدان الضرير، المقرئ النحوي (ت 231هـ)، واختاره السيوطي.
وتوقف بعض العلماء عن تفسيرها وإن لم يصرِّح بأنه من المشكل المتشابه، قال الشيخ عبد العزيز القارئ حفظه الله: "فقد اشتغلت بهذا البحث الجليل الشأن حقبةً طويلةً، أكثر من عشر سنين دأباً، أجمعُ فيها طرق الحديث ورواياته، وأتتبع كلام العلماء فيه، حريصاً على التأنّي، مثابراً على المقارنة والتأمّل، صابراً على مشقته ووعورة مسالكه، حتى ضاق صدري به يوماً، فلجأت بعد الله تعالى إلى أحد مشايخنا، وهو صاحب (أضواء البيان) الشيخ محمد الأمين الجكني الشنقيطي، فسألته عما ترجح لديه في معنى هذا الحديث، فإذا به يقول: (الذي ترجح لدي أني لا أعرف معناه)".
وذهب جماهير العلماء إلى وجود معنىً معلوم لهذا الحديث، وإن اختلفوا في ذِكْر معناها.
والراجح أن للأحرف السبعة معنى يفسَّر به.
ويردُّ على القائلين بأنه من المشكل المتشابه الذي لا يُعلم معناه بالآتي:
ـ إن كان القول بأنه من المتشابه عند المتكلم عن نفسه فقط فلا حرج، أما على الإطلاق فيردُّه ما ثبت في الحديث من أن النبي صلى الله عليه وسلم أُمر بأن يقرئ أمته بهذه الأحرف، وقد فعل، وأمر أمته أن تقرأ القرآن بهذه الأحرف، وقد فعلت، فقرأ الصحابة رضي الله عنهم القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم بالأحرف السبعة، فلا شك أنها معلومة لديهم، وإلا كيف يقرؤون بشيء لم يعلموا معناه.
ـ إن كان المقصود بأن الصحابة رضي الله عنهم علموا معنى السبعة الأحرف ثم اندثر علمها ونسي، فيرد على هذا القول بأن القراءات الثابتة تحمل في طياتها هذه الأحرف، وقد ذهب المحققون إلى أن القراءات العشر المتواترة مشتملة على جميع الأحرف التي أثبتت في العرضة الأخيرة، فيلزم من هذا معرفة معنى السبعة الأحرف، وأن علمها ما زال محفوظاً لم يندثر أو يُنسى.
ـ النص في الحديث أن الحكمة من إنزال الأحرف السبعة هو التيسير على الأمة؛ فكيف يتحقق التيسير بشيء مجهول، ولا يقتصر التيسير على الصدر الأول؛ لأن اللفظ عام يشمل الأمة كلها.
ـ أما لفظ (الحرف) فهو وإن كان مشتركاً لفظياً كما ذكروا؛ إلا أن القرائن بينت المراد منه، وأوضحت معناه، والقرائن ترجح أحد المعاني المشتركة في اللفظ الواحد.