كان من الطبيعي ان يواكب انتشار الإسلام نحو بقاع افريقيا الغربية، تطورات جديدة ذات علاقة بالدين الجديد، حيث اخذت هذه المناطق تشهد بناء المدن الإسلامية التي يقطنها اتباع الدين الجديد من مسلمين أفارقة.. ولقد عمد المسلمون الافارقة إلى استخدام الآجر في طرز البناء الجديد وذلك لكون الآجر كان مستخدماً في مصر وشمالي افريقيا الذين أصبحوا أصحاب الاثر المباشر الذي يستلهم منه المسلمون في افريقيا الغربية الكثير من الطقوس والتقاليد.. لقد نظمت المدن الإسلامية في هذه المناطق بتخطيط يلائم حياة الطوائف الاجتماعية، وتلبي الاغراض الدينية والاقتصادية، فنجد بناء وتنظيم المخازن والمتاجر والحوانيت التي بنيت حول المسجد.. وكانت هذه المتاجر تبيع المسابح والعطور والكتب.. ثم تستدير الابنية حول المسجد فتقوم مراكز التجارة والصناعة والمهن والحرف وفي النهاية تكون حوانيت الحدادين ومن أسف ان هذه الابنية لم تصمد امام عوامل الطبيعة وتقلبات الحياة.. بسبب ان مواد البناء كانت من الطين والخشب، وهو مستمد من شمال افريقيا.. رغم ان بعض المؤرخين يصف قصر ملك غانة بأنه كان قصراً محصناً مبنياً من الحجارة، وله نوافذ زجاجية، وفي داخله نقوش وتزيينات.. ويروي ان ملوك غانة والنبلاء كانوا يستقدمون البنائين من دول المغرب ليقيموا لهم البناء والقصور على الطراز العربي المغربي.. ويورد ابن خلدون ان مدينة كومبي عاصمة غانة وهي اليوم على الحدود الجنوبية لموريتانيا قد وصلت إلى شأن عظيم في الرقي استمر إلى مطلع القرن الرابع عشر.. ويروي ان التجار العرب المسلمين قد بنوا مدينة إسلامية إلى جوار المدينة الوثنية. وكان في هذه المدينة مساجد عدة يقال انها بلغت اثني عشر مسجداً والحقت بكل مسجد مدرسة لتعليم القرآن واللغة العربية، وساهم التجار العرب المسلمون في توسيع عدد من المدن الافريقية مثل تومبوكتو وجنة وغاؤ «في وادي النيجر الاوسط».. فأقاموا فيها متاجرهم وبيوتهم ومساجدهم ومدارسهم.. وكانت هذه المباني على الطراز المغربي التي تتضمن بناء مخازن للبضاعة في أسفل دور السكن.. أي ان المعماريين المغاربة لعبوا دوراً كبيراً في تخطيط وتوسيع المدن الافريقية التي أخذت الكثير من سمات المدينة الشمال افريقية كالشوارع الضيقة والبيوت ذات السطوح العالية والأبواب الضخمة..
وتروي مصادر التاريخ ان السلطان موسى صاحب مالي «1308 ـ 1332» قد أنشأ أثناء سفره إلى الحج مسجداً في كل مدينة مر بها.. وفي القرن الرابع عشر عمل المهندس ادريس المراكشي على بناء مسجد مدينة جنة المشهور.. وهو نموذج للتمازج الفني العربي الافريقي.. وفي القرن الخامس عشر بنى المعماري الافريقي المسلم محمد فادي المسجد الجامع في تومبوكتو بعد ان تعلم فن البناء في المغرب.

ان دراسة الآثار التي تركت في هذه المنطقة تبين الاثر العربي المغربي في طرز العمارة الاسلامية في افريقيا الغربية ويتجلى هذا الأمر بوضوح في مسجد في السنغال.. هذا المسجد الشهير بمئذنته المضلعة، ويمتاز حسب الاسلوب السوداني بقلة النقوش داخل المسجد، لكنه احتفظ بالتزينات والخطوط الهندسية، والكتابات القرآنية، وظلت المحاريب على طراز بنائها العربي.. وكانت المادة الأساسية فيه كما في الآثار العمرانية الافريقية من الطين المجفف أو المشوي.. لذلك لم يكتب لها البقاء على مر العصور.

ومنذ مطلع القرن الحالي اختلف اسلوب البناء فظهر مزيد من التأثير العربي المغربي، واستعملت الحجارة بصورة شاملة، وأصبحت المساجد أكثر قرباً من شكل البيوت.. فالمسجد الجامع يأخذ غالباً شكل الغرفة المربعة المبنية بالآجر والملاط «كلس ورمل» ويتراوح ارتفاعها بين 3.5م ـ 5م.. وجبهة المسجد الجامع ليست واحدة في جميع الحالات.. فطولها تابع لرغبة واتفاق ابناء المدينة، فطول جبهة المسجد في الدنغراي في شمال شرق غينيا عشرة أمتار، وتقل جبهة مسجد تيمبو ولابة عن ذلك.. وتغطي القبة الواسعة من القش الغرفة المربعة وتصل أطراف القبة إلى الأرض لتشكل ممراً ضيقاً حول الغرفة وقد تكون هذه القبة قطعة واحدة كما هي الحال في مسجد بيتا ومسجد تيمبو.

أو قد تبنى بقضبان متشابكة متداخلة من القش تشكل طبقات مستديرة متتابعة تصغر شيئاً فشيئاً حتى رأس القبة. وتمتاز قرى منطقة بيتا في جنوب غينيا بمساجدها ذات الباحة الواسعة وبحدائقها المشجرة.. أما مسجد الدانغري والذي عرف أيضاً بمسجد الجهاد وهو عبارة عن قبة ضخمة ويبلغ محيطه خمسين متراً، وارتفاعه في الوسط ستة عشر متراً ويعتمد البناء على خمسة اعمدة ضخمة، وللمسجد عشرة أبواب، كما هي الحال في بعض المساجد في شمال افريقيا. ونموذج المقام كان يستخدم لمجموعة من العائلات تجتمع فيه مساء من اجل الصلاة.. وعادة ما تكون مساحته بضعة امتار مسور بالحجارة أو محاط بسياج من النباتات والاشجار.. وهناك العديد من المقامات التي ينذرها البعض فيقيمونها في ملتقى الطرق وفي ظل شجرة ضخمة لتكون مصلى للمسافرين.

أما المحراب فإن الافريقيين احتفظوا باسمه العربي وهو يتوجه نحو الشرق وهو عبارة عن حفرة في الجدار يقف فيها الشيخ لإمامة المصلين في المسجد الجامع.. وفي المسجد الجامع يقوم المحراب بحاجزين من الاخشاب، بينهما بساط صغير للإمام.. ويستدل به على اتجاه الكعبة في المقام باشارة توضع في مكان معين يراه المصلون. وتنفرد المساجد الجامعة بوجود المنبر وهو عبارة عن دكة مساحتها متر مربع واحد وترتفع إلى ما يقارب المتر.. وليس في داخل المسجد اية تزيينيات على الجدار طبقاً لقاعدة البساطة في البناء الافريقي ويضاء المسجد ليلاً بالسراج.. أما المئذنة فهي عبارة عن مرتفع صغير مبني بالآجر والطين والملاط، ويتراوح الارتفاع عن المتر الواحد إلى ثلاثة امتار، يصعد المؤذن إلى المئذنة بواسطة درج خشبي.. وإلى جانب المساجد الجامعة والمساجد العادية والمقامات هناك أمكنة يجتمع فيها المصلون لسماع التراتيل لقراءة القرآن، والحديث، والأذكار، وهي تستعمل في الوقت نفسه مدارس لتعليم القرآن والعربية.

وهنا طرز أخرى من المساجد نجدها في مدينة كاليس وميديني حيث نرى حديقة تحيط بالمسجد يحجزها سور عن الخارج وهو مبني على طراز أوروبي.. فالسقف مغطى بالقرميد الأحمر، والمسجد متطاول يتوسطه باب بين نافذتين والمئذنة مبنية بالاسمنت المسلح، كما هي الحال في مسجد غورة بالقرب من داكار.. وفي الأرياف تنتشر المصليات وهي عبارة عن أكواخ افريقية مربعة الشكل مسقوفة بالقش والاغصان، وأمام المصلى ساحة كبيرة للصلاة في الهواء الطلق.

ويروي الرحالة عن وجود تسعة مساجد في مدينة سيغو في القرن الثامن عشر.. أشهرها المسجد الجامع المتميز بالبناء الضخم ذي الشكل المربع، وسوره الخارجي مقسم بحواجز، وفي واجهته الأمامية برج مخروطي ينتهي بالمئذنة، وهذا المسجد يمثل الطابع الافريقي في البناء فهو مبني بالآجر والطين المجفف..

وفي مدينة نيورو في شمال مالي نجد المسجد الجامع الكبير وهو يقع مقابل دائرة البريد، تلحق به ساحة كبيرة تبلغ مساحتها 540م2 وهو مسور بجدار من الطين الجاف بارتفاع 130سم، والمسجد مربع الشكل طول ضلعه 30م وليس في السقف اية زينة، وهو مستو يستند إلى ثلاثة عشر ركناً، عرض قاعدة الركن متر مربع واحد.. وللمسجد اثنا عشر مدخلاً داخلياً وثلاثة أبواب، وللإمام باب خاص من ناحية المشرق، وهناك مكان وضوء في شمال المسجد.. ويحمل المصلون إلى المسجد في وقت الصلاة ما يصلون عليه من جلود وبسط ولا تختلف مساجد ساحل العاج عن هذه المساجد الا في الاتساع وعدد المآذن.. وهي على أقسام..

المساجد الجامعة:
وهي مبنية جميعاً بالتراب والطين واللبن ولكل منها مئذنة واسلوب عمارتها يشبه ما سبق.. وتقوم جوانب المسجد الجامع على دعامات مربعة، يأخذ المسجد بها شكل متوازي المستطيلات يتراوح الطول الجانبي بين 15 ـ 25م.. ويرتفع الجدار من 6 ـ 8م.. وهو يتجاوز السطح بأشكال مسننة وهي احدى مميزات الفن العمراني الافريقي في فن البناء.. وتقف الجدران بواسطة مجموعة من الدعامات الضخمة المتباعدة بانتظام.
وتربط بين الدعامات أعمدة خشبية افقية أما السقف فهو طبقة سميكة جداً من التراب المضغوط بعناية فائقة. وفي السقف شقوق تتسرب منها مياه الامطار الاستوائية إلى أقنية تلقي الماء خارج البناء. ويستند السقف إلى أربعة صفوف من الدعامات ذات القواعد المستطيلة المتجهة نحو القبلة. وهذه الدعامات تقسم المسجد الجامع إلى خمسة أقسام، وتتصل أعلى الدعامات بالعوارض الخشبية التي تدعم الالواح السميكة المصنوعة من خشب السومو المتين والتي تغطي السقف من الداخل وقد يكون للمسجد مئذنة أو أكثر بتأثير عربي.. وتقع احدى المآذن عادة فوق المحراب.. والمآذن كلها هرمية.

وهناك ظاهرة خاصة وهي ان جدران المئذنة مسلحة بعوارض خشبية تستعمل عند الضرورة سلماً يصعد عليه من يريد ترميم المئذنة، وتطلى الجدران بطبقة سميكة من مادة تقيها من اثر الامطار.. وهناك سور يحيط بالمسجد وبباحته المستديرة، وداخل المسجد يخلو من التزينات، ويسود الظلام فيه لكثرة الدعامات. أما أبواب المساجد فهي مصنوعة من خشب شجر الفروماجه الذي يكثر في المناطق الاستوائية.. وإلى جانب المحراب يقوم المنبر.. وهو دكة مرتفعة، ويتواجد المصلون عن يمينه وشماله.. وهناك رواق خاص للنسوة المصليات.. وليس في المساجد الجامعة مكان للوضوء.. لأن الافريقي عادة يحضر إلى المسجد متوضئاً.

المساجد العادية:
وتبنى بشكل مستدير، على طراز الاكواخ المحلية، ولكنها أكبر مساحة من الاكواخ.. وأمتن بناء وهي مغطاة بسقف هرمي من القش به نوافذ للتهوية.. وهناك ثقب في الجدار باتجاه القبلة يوضع فيه السراج لصلاة العشاء والصبح.. وأرض المسجد مفروشة بالسجاد، والجدران مزينة ببعض الرسوم الهندسية.
المصليات والمعابد:
وهي أمكنة أخرى للعبادة منها المصلى ومكان التلاوة التي هي اشبه بالندوة أو المحطة.
ان النظرة للآثار المعمارية والطرز الفنية التي استخدمت في تشييد المباني في افريقيا الغربية تبين فقر هذه المنطقة وخلوها من الروائع التي خلفها في كثير من الأمكنة.. وهذا يعود لاشك إلى طبيعة البلاد واقليمها القاسي وخلو أرضها من بعض المواد اللازمة للبناء. ولولا مسجد طوبة في السنغال لما وجدنا أثراً معمارياً مهماً..

لقد امتازت العمارة في هذه المنطقة بالبساطة والتقشف والسرعة والواقعية المباشرة التي تلائم الافريقي ابن بيئته.