أخبر الله عز وجل في التوراة والإنجيل بأن مفعول وصلاحية وإلزامية هاتين الشريعتين السماويتين سوف تنتهي بنزول رسالة القرآن بمعنى أنه عندما أنزل الله تعالى القرآن على رسوله محمد بن عبد الله في أواخر القرن السادس الميلادي انتهت المدة الزمنية التي حددها الله تعالى لتطبيق الإنجيل الذي هو أيضا ألغى به الله عز و جل مدة تطبيق التوراة قبله.
والأدلة على هذا الإخبار هي: الصف 6 " وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي " والشعراء 192 – 197 " وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين وإنه لفي زبر الأولين أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل " والأنعام 114 "أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين أتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين " و الأعراف 156 – 157 "ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " . لهذا قال الله تعالى معاتبا أهل الكتاب عن إنكار هذه الحقيقة في سورة المائدة 68 "قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم و ليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الكافرين " .
فالمراد من إقامة التوراة والإنجيل الاعتراف بالأحكام الواردة فيهما التي أخبرت عن رسالة القرآن، الله تعالى حرم تطبيق التوراة في عهد الإنجيل وحرم تطبيق الإنجيل والتوراة في عهد القرآن. فالمائدة 42 – 43 – 47 عدلتها المائدة 48 – 49 حيث أمر الله تعالى بتطبيق القرآن على أهل الكتاب جاء في سورة المائدة 48 " فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق " والمائدة 49 " وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك " . فكلمة بينهم في الآية تعود على أهل الكتاب، وهذا دليل على إلزامهم بمفعول وصلاحية القرآن وإلغاء وإبطال صلاحية ومفعول التوراة والإنجيل. وهناك آيات أخرى كثيرة مؤكدة لهذه الحقيقة سأتعرض لها في النقطة المتعلقة بنسخ القرآن، للشرائع السابقة ومنها التوراة والإنجيل.
قد يتساءل البعض عن أدلة الإخبار عن رسالة القرآن في التوراة والإنجيل ويطالب بالنص الحرفي الوارد فيهما، وأجيب بأنني لم أحصل على نسختي التوراة والإنجيل الأصليتين التي أنزلهما الله عز وجل على رسوليه موسى وعيسى عليهما صلاة الله وسلامه. و لكن الله تعالى وهو الصادق والحق والعدل الذي أنزل التوراة والإنجيل أخبرنا في القرآن بهذه الحقيقة التي أكدتها الآيات السابقة فلسنا في حاجة إلى الدليل من التوراة والإنجيل لأن الذي شرعهما وأنزلهما هو الله عز وجل.
والقرآن كلام الله وقضاؤه وقدره وتصرفه وشرعه ومن آيات القرآن المؤكدة لإخبار التوراة والإنجيل عن رسالة القرآن البقرة 146 " الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " والأنعام 20 – 21 " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون " والأنعام 114 " أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين " . ولهذا قال الله عز وجل لرسوله محمد عليه صلاة الله وسلامه في يونس 94 " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين " والحق الذي جاءه هو القرآن وغيره باطل وملغي.
و قد عاتب الله تعالى أهل الكتاب عن إنكارهم الإخبار الوارد في التوراة والإنجيل عن رسالة القرآن، وخصص لهم العذاب في الدنيا ونار جهنم في الآخرة بعد البعث الحتمي.
وهذا دليل آخر وبرهان قوى على إلغاء وإبطال مفعول وصلاحية التوراة والإنجيل بالقرآن وهو قضاء وقدر من الله تعالى، والدليل على هذا العتاب آل عمران 99 " يا يأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون " والبقرة 40 – 43 " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعدكم وإياي فارهبون وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين " .
فالمراد في الآية من عبارة مصدقا لما معكم أن القرآن شرع فيه الله تعالى كثيرا من الأحكام الواردة في الكتب السماوية السابقة ومنها التوراة والإنجيل . وسأبين أمثلة منها فيما يلي، والبقرة 140 " أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون " وآل عمران 187 " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليل فبئس ما يشترون " وآل عمران 70 – 71 " يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله و أنتم تشهدون يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل و تكتمون الحق و أنتم تعلمون " لهذا أمرهم الله تعالى بالإعتراف بالأحكام التي تخبر عن رسالة القرآن في التوراة والإنجيل في المائدة 68 المذكورة سابقا والمائدة 47 " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون " فأهل الكتاب إذا لم يعترفوا بالحكم الوارد في التوراة والإنجيل حول الإخبار عن رسالة القرآن فإنهم فاسقون عن أمر الله تعالى.
ومن الأدلة البقرة 89 – 90 " ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين بئس ما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين " .
ولكن الكفار من أهل الكتاب وعلماءهم لم ينكروا فقط الإخبار عن رسالة القرآن الوارد من الله تعالى في التوراة والإنجيل بل حرفوا ما أنزل الله وكتبوا كتبا خاصة بأيديهم سموها توراة وإنجيلا.