جاء في مقالة منقولة بالنص عن مجلة (AWARE) عدد 8 سبتمبر 1957م، في الصفحة الأخيرة من غلاف المجلة بعنوان (الحقيقة عن الكتاب المقدس) : إنه في سنة 1720م قامت هيئة من الخبراء الانجليز بتقدير عدد الأخطاء في الكتاب المقدس بحوالي عشرين ألف خطأ على الأقل في كل من طبعتي العهد الجديد المقروءة عامة بين البروتستانت و الكاثوليك، وتقول الدراسات الأحدث أنها ربما تكون خمسين ألف خطأ فكيف يمكن أن يعول على الكتاب المقدس وهو يحتوى على الآلاف من الأخطاء ، وهل يمكن أن يكون موثوقاً به ، وقد تبين أن الآية التي تشتمل على الشهادة بإلوهية عيسى غير موجودة بأي مخطوط إغريقى مكتوب قبل القرن الخامس عشر .
يقول د. بوكاى عند دراسته لمصادر الأناجيل : (إن اللمحة العامة التي أعطيناها عن الأناجيل و التي استخرجناها من الدراسات النقدية للنصوص تقود إلى اكتساب مفهوم أدب مفكك تفتقر خطته إلى الاستمرار وتبدو تناقضاته غير قابلة للحل).
و(التناقض) من نقض الشئ نقضاً : أفسده، يقال نقض البناء (هدمه) ، ونقض الحبل أو الغزل (حل طاقاته)، وفيه يرد قوله تعالى :( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) و المناقضة في القول أن يتكلم بما يناقض معناه .ولو تصفحنا الأناجيل بتمعن لوجدنا أن كلاً منها يناقض نفسه ويناقض غيره من بقية الأناجيل ، ويثبت في موضوع ما ينفيه في موضع آخر أو ينفيه إنجيل آخر .
فمن تناقضات لوقا في نصين منه أنه في النص الأول (إنجيل لوقا :إصحاح رقم (9: 51ـ56) )، ينسب للمسيح أنه انتهر تلميذيه يعقوب ويوحنا ، لأنهما أردا بأن يدعوا بأن تنزل نار من السماء على قرية السامرين، لأن أهل هذه القرية رفضوا استقبالهم فأنتهرهما المسيح وقال : (لستما تعلمان من أي روح أنتما ، لأن أبن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص) ، ثم بعد ذلك بحوالي ثلاثة فصول من نفس الإنجيل يأتي بنص آخر ينقض الأول ، وينسب إليه أيضا ما يفهم منه أن غرضه من مجيئه إلى الأرض ليلقى ناراً ولا يهمه لو أضرمت ويؤكد هذا المفهوم نهاية النص : (أتظنون أنى جئت لأعطى سلاماً على الأرض كلا أقول لكم بل جئت انقساما) (إنجيل لوقا : إصحاح رقم (52ـ49ـ12)) .
هذا مثال يحار القارئ للأناجيل في التوفيق بينه وبين النص الآخر المختلف ويُلح عليه السؤال : أي النصين من هذه النصوص هي من وحى الله ؟!.
ويتأول شراح العهد الجديد بعض النصوص ظاهره التناقض تأويلاً بعيداً عن الحقيقة التي ينطق بها النص ، ليقينهم بأن بقاء التناقض يعنى بشرية هذه الكتب ونفى إلهاميتها وقداستها ، وقد ضرب المحققون عشرات الأمثلة لتناقض الأناجيل في رواياتها لبعض الأحداث مثل نسب المسيح وأسماء التلاميذ الأنثى عشر وغيرهما .
ونجد من ذلك تناقضات صريحة ، ففي الذي زار قبر المسيح بعد وضعه فيه، يقول يوحنا : ( مريم المجدلية) بينما في إنجيل لوقا : (مريم المجدلية ويونا ومريم أم يعقوب و الباقيات) . ووالد شالح كان أرفكشاد، وهو في إنجيل لوقا قينان، ويهوذا لم يعيد قطع الفضة ، وهو - يهوذا - يطرح الفضة في الهيكل ويمضى خانقاً نفس ، وهو أيضاً لم يشنق نفسه ولكنه مات بطريقة أخرى :(فانسكبت أحشاؤه كلها) والمسيح سوف يدين الناس ،وهو لا يدين أحداً .والأمثلة السابقة ليست للحصر ، فهي قليل من كثير أخذناها جزافاً لتظهر نوع الخلل الذي أخرج فى الكتاب المقدس ، وقد وقف بعض الباحثين على صور من التناقض في إنجيل يوحنا الذي يدعى النصارى أن كاتبه هو الحواري وتلميذ المسيح ، ومقتضى ذلك ألا يكون في هذا الإنجيل أي تضارب أو اختلاف ولكن الحقيقة تؤكد صور كثيرة من التضارب و التناقض منها :
نماذج من التناقض
ما جاء في الإصحاح الأول والخاص بنبوة يحي : (وهذه هي شهادة يوحنا حيث أرسل اليهود من أورشليم كهنه ولآويين ليسألوه من أنت فأعترف ولم ينكر وأقر أنى لست المسيح ، فسألوه إذا ماذا، إليا أنت ؟ فقال : لست أنا ،النبي أنت ؟ فأجاب : لا، فقالوا له من أنت لنعطى جواباً للذين أرسلونا ، ماذا تقول عن نفسك ؟ قال: (انا صوت صارخ فى البرية قوموا طرق الرب كما قال إشعياء النبي) وفى النص كما ورد نفى يوحنا ـ يحي ـ أن يكون هو المسيح ، كما نفى أن يكون النبي ، بل نفى عن نفسه ألنبوه أصلاً ، فما هو إلا صوت صارخ في البرية بالحق ، وفى موقف آخر يورد يوحنا نص آخر ضد ما قاله أولاً فقد جاء في الآية (28) على لسان يوحنا المعمدان : (أنتم أنفسكم تشهدون أنى قلت لست أنا المسيح بل إني مرسل أمامه) .
فما هو مذكور في الإصحاح الأول نفى النبوة ويجئ الإصحاح الثالث ليثبت النبوة ليوحنا المعمدان .
أما الإصحاح الخامس آية رقم (31) وعلى لسان عيسى يقول : ( إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقاً) وهذا بمثابة إعلان أن شهادته ليست حقاً لكننا نفاجأ في نص آخر وبنفس الإنجيل ، الإصحاح الثامن آية رقم (14،13) بنقض لهذا القول على لسان المسيح أيضا وهو يرد للفريسيون عندما سألوه عن شهادته فأجابهم : (أن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق) . وعموماً تجنباً للتكرار فأننا نجد أن الأناجيل مختلفة فيما بينها في ميلاد المسيح ودعوته ونهايته على الأرض ، وفى قضية الصلب وما كان فيها من أحداث فالأناجيل المعتمدة ـ كما يسمونها ـ والتي كتبت بالإلهام كما يزعمون لا تستطيع أن تلتقي حول مضمون واحد في قضية من قضايا حياة عيسى عليه السلام ودعوته ورسالته ، (وهذه التناقضات دليل على عدم إلهامية هذه الكتب لأنها لو كانت إلهاماً من الله ما كان فيها أي تناقض لأن كلام الله لا يتناقض) وإذا سلمنا بعدم إلهامية هذه الأناجيل فأن العقيدة التي تقوم عليها باطلة لأنها من وضع البشر وليست من عند الله ، والبشر غير مؤهلين لوضع العقائد ولا مفوضين بذلك ، وقد اعترف النصارى بصورة عامة أن أسفار الكتاب المقدس هي عمل مؤلفين ومحررين ظل عدد كبير منهم مجهولاً ، وبالنسبة للعهد الجديد فلم تندرج كلمة قانون ـ بمعنى جدول رسمي للأسفار الملزمة ـ بهذا المعنى في الأدب المسيحي إلا منذ القرن الرابع ، فالأناجيل دونت وفق نظرات مؤلفيها الخاصة وهى تبدو مفككه ويستحيل التغلب على تناقضاتها ومضامينها ، ولا يمكن أن يتحقق منها تاريخياً ولا ينتظر بحال من الأحوال الوصول إلى أصولها الأصلية ، فمثلاً : أن عبارة ( من كان منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر) لم توجد في العديد من مخطوطات الكتاب المقدس القديمة ، والترجمة العالمية الحديثة للكتاب المقدس قد استبعدت الإحدى عشر آية الأولى من إنجيل يوحنا الإصحاح الثامن عن بقية النص . لقد دونت كهوامش لبيان أن المخطوطة السينائية ومخطوطة الفاتيكان رقم (1209) ، والمخطوطة السريانية لا تحتوى على هذه الكلمات ، مع الأخذ في الاعتبار أن المخطوطة السينائية ومخطوطة الفاتيكان رقم (1209) هي من أقدم المخطوطات الموجودة حيث دونت في القرن الرابع وقد وجدت هذه الآيات في مخطوطة بيزا ، والتي كتبت فى القرن السادس والنسخة اللاتينية للقرن الرابع والخامس ونسخة أورشليم السريانية فى القرن السادس ، ولكن حيث أن هذه المخطوطات الأقدم لا تحتوى على هذه الآيات فأن مصدرها مشكوكاً فيه . فالحاصل على ضوء ما سلف أن جميع ما أورده لوقا أو يوحنا سواء إن كان أحكام أو مواعظ أو قصص معجزات وأحوال ، فإنما هو موهوم غير محقق ،أما الأحكام والمواعظ فإنهما لم يتفقوا على إيرادها بلفظها ، فترى أحدهم يوردها بلفظها الماضي والآخر بالمضارع أو بالأمر بالسلب والآخر بالإيجاب ، وأكثر ما جرى بينهما من خلاف وتناقض فى قضية ميلاد عيسى عليه السلام وانبعاثه من الموت وارتفاعه إلى السماء ، مع أنها من أهم الأمور ، أما مولده فقد أضرب عن ذكره يوحنا وأختلف فيه متى مع لوقا ، كما سكت عن صعوده عليه السلام يوحنا وأختلف فيه مرقص ولوقا ، ولعل ذلك يثبت أنهم لم يكونوا مشاهدين بمرأى العين ماشهدوا به فتصديق القرآن لكتب النصارى هو تصديق على اعتبار (ما كان) لا غير ، وهو يعنى تصديقه لاؤلئك الأنبياء الذين نزلت عليهم هذه الكتب فالتوراة والإنجيل اللتان صدقهما القرآن هما اللتان نزلتا على موسى وعيسى (عليهما السلام) ولكنهما كانتا مشوبتين بالتحريف و التناقض وقت نزول القرآن ولذلك صدقهما القرآن بإجمال ، مشيراً في ذات الوقت إلى التحريف و التبديل فيهما . وهو تحريف وتبديل في أهم مسائلهم العقدية ، منها نسب المسيح ومولده ودعوته وتشهد نصوص الأناجيل على أنه لم يتحقق ما تنبأ به المسيح عن دعوته مره أخرى كما يظهر ذلك فى عبارات يوحنا ، كما تناقضت الأناجيل فى ذكر المعجزات وفى قصة سكب الطيب على المسيح ، وفى الحوادث التي تروى عما حدث بعد القبض على المسيح الى صلبه المزعوم ومن حمل الصليب هل هو المسيح نفسه أم شخص أسمه سمعان ، وفى قيام المسيح عليه السلام من الأموات وفى المدة التي مكث فيها المسيح بعد قيامه من القبر ، ومن الذي رآه وأين رآه؟ وكل ذلك واضح من خلال نصوص الأناجيل وهو يغنينا عن إعادته تجنباً للتكرار ، وهى تناقضات لا تحصى حاول علماء ومفكري المسيحية إيجاد حلول لها دون فائدة وهم في معظم الحالات يغضون الطرف عنها ، ويسلمون بوجودها أحياناً ، ويكذبون في نفيها أحياناً أخرى ولعلهم في ذلك يتبعون أسلوب الكتاب المقدس الذي يصور الرب بأنه أرسل الروح القدس ليكذب ويخدع : (فقلت آه ياسيد الرب حقاً انك خداعاً خادعت هذا الشعب) وكذلك : (ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب ) و:( فإذا ضل النبي وتكلم كلاماً فانا الرب قد أضللت ذلك النبي وسأمد يدي عليه وأبيده فى وسط شعبي إسرائيل) وفى هذا أيضا تناقض مع كتابهم حيث ورد فيه : (ليس الله إنساناً فيكذب) و(لا يمكن أن الله يكذب) تعالى الهل عن ذلك علوا كبيرا.