د. إسماعيل صديق عثمان إسماعيل
أستاذ العقيدة والأديان المقارنة



الإيمان بالله ركنا أساسيا في العقيدة الإسلامية، والإيمان هو التصديق والاعتقاد اليقيني بمعنى وجوب السلوك الملزم بمقتضي الإيمان بالله وبربوبيته وإلوهيته ووحدانيته وبطاعته وعبادته ، فيؤمن الإنسان بأن الله سبحانه وتعالى واحد منفرد بالخلق والتدبير، لا يشاركه في خلقه وسلطانه وعزته أحد ، وانه جل شانه هو الفعال المتصرف ، وهو رب كل شيء ومالكه وخالقه ومتفرد سبحانه باستحقاق العبادة ، والتقديس ولا يستعان إلا به، ولا يخضع إلا إليه ولا يماثله في أسمائه وصفاته احد.
وعقيدة المسلم تقول إن رأس العبادة لله وأساسها التوحيد لله ، الذي تقيده كلمته التي دعا إليها جميع الرسل، وهي قول :( لا اله إلا الله ) والمراد اعتقاد معناها ، والعمل بمقتضاها ، لا مجرد القول باللسان ، و معناها: ( إفراد الله بالعبادة والإلهية ، والنفي والبراءة من كل معبود دونه) .
والمشركون يقرون بالله تعالى ولا ينكرون أن الله هو الخالق للعالم وهو الرب لهم ، والرازق لكنهم يجعلون له الشركاء في العبادة فأرسل الله إليهم الرسل لنهيهم عن شرك العبادة وأن يعتقدوا بأنه الرب ، الواحد الأحد ، الذي له الخلق والأمر ، وبيده النفع والضر وانه لا شريك له ولا ند ، ولا معبود بحق غيره ، وقد أمر الله تعالى عباده بان يقولوا :( إياك نعبد ) ولا يصدق قائل هذا إلا إذا افرد العبادة لله تعالى وحده.
فالتوحيد: الحكم بأن الشيء واحدٌ ، والعلم بأنه واحد، وفي الاصطلاح : تجريد الذات الإلهية عن كل ما يتصور في الإفهام ، و يتخيل في الأوهام والازهان.
أهم محاور الخلاف الأساسي بين المسيحية والإسلام على الإطلاق هو موضوع التوحيد وفي ذلك يقول د. جورج قرم: ) كانت مسيحية شبه الجزيرة العربية ، قد انحطت على نحو لا يخلو من خطورة إلى عبادات تثليثية ، لا يمكن وصفها بأنها قويمة ، و قد ورد في القرآن تنديداً ، أضف إلى ذلك إن ما لم يمكن للإسلام أن يطيقه أو يقبله ، هو افتراض المسيحية بان الله اتخذ له ولداً ، و هذا بدوره إلها من ثالوث ، بينما المنطلق الأول للإسلام ، هو توحيد الله ، و أن لا اله إلا الله) .
ويتفق الكاتب مع هذا الرأي ويؤكد إن أهم ما يباعد بين الإسلام والمسيحية هو تصور الإله في كل منهما ، أو تحديداً نظرتهم حول وجود ابن لله ، وبالتالي وحدانيته ، فالإسلام في هذا الموضوع لا يلين ولا يهادن ولا يساير ، وهو يؤكد على مبدأ التوحيد مع إمكانية التساهل في أمور سواه :( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) ، وما دون ذلك غير الشرك بالله بالتأكيد ، فالتوحيد أساس الإسلام وركنه ، و المسيحيون يقولون بان ديانتهم تقول بالتوحيد أيضا، لكنه توحيد بمفهوم آخر مختلف كلياً عن مفهوم الإسلام ، مركب ، معقد ، غير مفهوم ، متضارب ، متناقض ، منسوب للمسيح ولا يحمل إلا اسمه ، إذ الإله مكون من ثلاثة اقانيم ، كل اقنوم غير الآخر ، لكن الاقانيم الثلاثة معاً هم الله الواحد ، لان جوهرهم وهو اللاهوت واحد ، ويقولون : ليس في الثالوث أول ولا أخر ، ولا أكبر ولا أصغر ، فالأب هو الله والابن هو الله ، والروح القدس هو الله ، وكلهم هو الله ، و ما من عقل سليم يقبل هذا ويحتمله!!
لذلك فالباحث يجد في آراء علماء رجالات الكنيسة المسيحية حول التثليث ، كل الاختلاف والتناقض والتعارض ، و قل ما يتفق اثنان منهما على رأي واحد ، وفهم واحد لطبيعة المسيح ، وموضوع الأقانيم و نظرية التثليث، فالكل تائه وضائع متخبط في الظلام فلا معرفة لله تعالى بالربوبية ولا إقرار بالوحدانية.
الله في العقيدة الإسلامية
تصور الإله من الناحية العقدية في الإسلام، يعنى أن الله واحد لا شريك له، ولا ند وهو كما وصف الله تعالى نفسه: (قل هو الله أحد * الله الصمد* لم يلد ولم يولد* ولم يكن له كفواً أحد).
ويؤكد الله عز وجل في القرآن كله أن العلم له وحده وانه سبحانه وتعالى لا يضل ولا ينسى ، وإن الله تعالى يتفرد بالحول والقوة والعلم ، فتقرأ في القران :
( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم) . ليس معه إله ولم يتخذ ولد ، ويوضح لنا القران ذلك قال تعالى: ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون).
وليس بين صفات الله في القرآن الكريم و ما يسمى بالكتاب المقدس أدني تقارب، فالله تعالى في القرآن الكريم:( على كل شئ قدير).و يكثر ورود هذه الآية في القرآن وهي تدل على إن الله قوى قادر لا تغلبه قوة من قوى الكون ، وكل ما في الوجود مقهور له مغلوب لإرادته ( وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) ، كما نجد المباينة واضحة في القرآن الكريم بين صفات الخالق والمخلوق :( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) .ثم إن الإله في القرآن واحد لا شريك له:( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون)، و:( ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا* قل لو كان معه ءالهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً).
وبذلك يرفض المسلم كل قول مخالف لهذا القول ، ويرد عل كل من قال بنسب لله تجسيداً أو تشبيهاً أو حلولاً في أشياء أو غير ذلك من تصورات مستقاة من أساطير الأقدمين هنوداً ومصريين وإغريق .
ويواصل القرآن المجادلة بالحجة والبرهان في قضية التوحيد فيقول:( أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون) ( ) و: ( أمن يبدوءا الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) و :( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين* أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ).
ونزه القران الكريم الله سبحانه وتعالى عن صفات النقص في قوله :( وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون) ، وقوله تعالى:( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا* الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شئ فقدره تقديرا).
وهكذا يمتلئ القرآن بآيات كثيرة تنفي عن الله الولد والشريك وتثبت له الوحدانية ، وفي صحيح البخاري عن النبي (عليه السلام) انه قال: ( ما احد اصبر على أذى سمعه من الله .. أنهم يجعلون له ولداً وشريكاً ، وهو يرزقهم و يعافيهم).
إذا فالقرآن يقرر وحدانية الله ، والله تعالى فيه موصوف بكمال الذات ، وهي ذات ليس مركبة أو مجزأة من أجزاء أو عناصر أو اقانيم ، فالله واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في أفعاله ، لا يشاركه فيها احد من مخلوقاته ، وهو:( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم)، وهو الذي خلق العالم وما فيه من مخلوقات وكائنات ،متفرد بذلك وهو المعبود بحق ، ولا تكون العبادة إلا له سبحانه، ويستحيل في إرشاد القران الذي يدعو العقل للبحث والتفكير وجود أكثر من إله في الكون.
في ذلك يقول المستشرق جيب : ( يستند اللاهوت الإسلامي دائما إلى أوضاع قصوى ، فلا يجوز أن يوجد في الكون أي فاعل آخر ، من إي نوع ، ما عدا الله ، لأن وجود فاعل يقتضي إمكان فعل مستقل عن الله ، و يوجب من ثم تحديد قدرة الله المطلقة تحديداً نظرياً ، لاشيء إذا يتصل ايجابياً بأي شيء ...، إما في مجال الأخلاق فلا يجب على الله ، ولا يمكن إن نتصور أي علاقة بينه وبين أفكارنا ، انه يثيب ويعاقب كما يشاء ، ولا يسأل عما يفعل).
ونضيف على حديثه أن هذا التصور الإيماني بوحدة الله و قدرته المطلقة مضاف إليه الثقة في إن أعمال الله كلها خير ولا يصدر منه شر ، وانه قد كتب على نفسه الرحمة ونفي عنها ظلمه للعبيد وانه عادل عدل مطلق ويشمل هذا رضاء المؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره .
وبشكل عام يؤمن المسلم بان:( الرسل وصفوا الله بصفات الكمال ، ونزهوه عن النقائص المناقضة للكمال، ونزهوه عن أن يكون مثل في شيء من صفات الكمال ، واثبتوا له صفات الكمال على وجه التفصيل ، ونفوا عنه التمثيل ، فاتوا بإثبات مفصل ونفي مجمل ، فمن نفي عنه لما أثبته لنفسه من الصفات كان معطلاً ، ومن جعل هذه الصفات مثل صفات المخلوقين كان ممثلاً ، والمعطل يعبد عدماً ، والممثل يعبد صنماً) .
إن التخبط الذي يصيب المجتمعات البشرية الآن يكمن في غياب التصور الصحيح عن الإلوهية والذي لا نجده في الديانات الكتابية مثل اليهودية والنصرانية... وإنما نجد هذا التصور في الإسلام الحنيف . والإسلام يقرر صراحة انه دين متفرد يدعو التوحيد الخالص، الذي جاء به الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) .
يذهب بعض النصارى إلى أنهم يعبدون اله واحد وأن ديانتهم هي ديانة التوحيد، ويقول بعضهم إن :(المسيحية هي ديانة التوحيد ، بل هي الأصل في التوحيد والإسلام فرع يؤكد ذلك ... فهل يفتخر الفرع على الأصل ) ويحرفون النصوص القرآنية ومعانيها مما يثبت خللاً في منهجهم ، وتحيزهم لفكرتهم المسبقة عن التثليث ، وقد جعلهم ذلك يستخرجون المعاني الإسلامية من القرآن الكريم حسب أهوائهم وآرائهم، القائمة على خلفية فكرية محدودة ، ووجه نظر جاهزة تؤثر حتماً في تناولهم لهذه الأمور وتظهر جلية ، بشعور تام أحيانا ، أو تظهر عفواً بلا تقدير ، لهذا نجد أن هذا هو الاتجاه الأعم بين النصارى عندما يتحدثوا عن الإسلام ، ومن ذلك ما ورد في كتاب الجواب لمؤلفه : س ج غبريال ، والمنشور بواسطة جمعية الخدمة المسيحية العلمية ، حيث استدل بترقيم الآية (51) من سورة المائدة دون كتابتها على أنها تشهد على صحة الكتاب المقدس وتقول بعدم تحريفه والآية رقم (51) من هذه السورة تقول:( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) ، وبالطبع فالأمر لا يحتاج إلى تعليق ، فليس في هذه الآية ما يدل على أن الإسلام جاء شاهداً على صحة الكتاب المقدس كما ورد في كتابهم..
والكاثوليك وبعض من الأرثوذكس يؤمنون ببعض الصفات التي لا يتصف بها إلا الله في المسيحية ، ويضعونها على مريم ويصفونها بها ، و من ذلك : (الصلوات الكثيرة لها وطرق الدعاء وعبادتها) ، ويعتقدون أنها رفعت للسماء بالنفس والجسد ، وهي صفة يحاول المسيحيون إثبات لاهوت المسيح بها ، و يقولون انه قام وهذا يثبت لاهوت المسيح ، يقول تعالى:( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر) ، و :( فلا تدع مع الله إلهاً آخر فتكون من المعذبين) ، و( لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولا) .
ومحمد صلى الله عليه وسلم قد علم انه دعا النصارى واليهود للإيمان بالله وطاعته كما دعا غيرهم وانه كفر من لم يؤمن به ووعده النار ، وهذا متواتر تواتر تعلمه الخاصة والعامة ، وفي القران من ذلك ما يكثر ذكره .
وبالرغم من أن أسماء الثالوث لدى النصارى – الأب والابن والروح القدس- تشكل لديهم أسماء لإله واحد هو المكون من الاقانيم الثلاثة ، فإننا نجد أن كل من ألآب والابن والروح القدس يقول عن ذاته ( أنا) ، و كل منهم يقول للآخر في الخطاب ( أنت) ، وفي الغيبة ( هو) ، و في هذا تميز لكل اقنوم عن الآخر لكنهم يعبرون انه اله واحد في ثلاثة أقانيم متحدة مشتركة في الألقاب والصفات الإلهية والجوهر وهم واحد دون تعدد أو تركيب ، و ينكرون أن لديهم ثلاثة آلهة و يرفضون ذلك و يذهبون إلى أنهم يؤمنون بالإله الواحد ، ويبررون ذلك بأنه يعوق إدراكنا وعيسى لديهم (كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان) ، ويختص بيوم الدينونة ، و مع ذلك يدعون أنهم يعبدون إلها في ثلاثة اقانيم.
والتثليث يعنى الكثرة التي لا يمكن عند ثبوتها توحيد ، وإلا لزم اجتماع الضدين، والواحد الحقيقي ليس له ثلث صحيح ، والثلاثة لها ثلث صحيح ، وهو الواحد ، والثلاثة مجموع آحاد ثلاثة والواحد ليس له مجموع آحاد ، والواحد جزء من الثلاثة ، فلو اجتمعا في محل واحد ، لزم كون الجزء كلاً والكل جزءاً ، وهذا يستلزم كون الله مركباً من أجزاء غير متناهية بالفعل لاتحاد حقيقة الكل والجزء على هذا التقدير ، والكل مركب ، فكل جزء من أجزائه مركب .
أما الرب في العهد القديم فيظهر خطأ في خطته !! (فندم الرب على الشر الذي قال انه يفعله بشعبه ) ، كما يدفن الرب رجلاً بسرية و يجيز لجثته أن تكتب نعيه ، ويخبر شخص ما أن: (وتخطب امرأة ورجل آخر يضجع معها... ) ، ونكتفي بهذا لان العهد القديم مليء بصفات لا يمكن أن يتصور أن يتصف بها اله مثل الندم والنوم وغيرها من الصفات البشرية.
ونختم بقوله تعالى:( آالله خير أما يشركون) ، والمقصود انه بالاعتبار أيهم أكمل وأفضل ، والقياس العقلي والموازنة بوزن الشيء بما يناظره ، فمن تدبر قولهم في الإله وقول القران فيه تبين له رجحان القرآن الكريم ووضوحه.