دور الاستشعار عن بعد والصور الفضائية في حماية البيئة والحد من الكوارث الطبيعية
خلق الله سبحانه وتعالى هذا الكون واحسن تنظيمه وتدبيره وجعله في غاية الدقة والاتقان والاتزان ، قال تعالى: ( الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ، ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى، يدبر الامر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون) صدق الله العظيم- الرعد 2
فقد اخضع الخالق عزوجل هذا الكون بما فيه الارض التي نعيش عليها الى نظام بيئي محكم للمحافظة على مقومات الحياة فيه ، الا ان تدخل الانسان في كثير من الاحيان من شأنه الاخلال بعناصر مكونات التوازن البيئي على هذه الارض ، والتدخل البشري السلبي له عدة صور واشكال كالتلوث ، والمساهمة في تقلص الاراضي الصالحة للزراعة وبالتالي الزحف الصحراوي على حساب المناطق الزراعية ، وسوء استعمالات الاراضي ، والتضخم السكاني المتزايد والتوسع العمراني العشوائي غير المنظم ، وانحسار المسطحات المائية القارية ( البحار والبحيرات المغلقة) واستنزاف موارد المياه الجوفية الغير متجددة ، والفيضانات وحرائق الغابات.. وغيرها.
وامام هذه التحديات الخطيرة التي تواجه البشرية ، فان تطور العلوم والتكنولوجيا الحديثة يمكن ان تساهم الى حد بعيد في الحد من العبث بمكونات عناصر التوازن البيئي والعمل على حماية البيئة ، اذا ما احسن استخدام هذه التقنيات وتم الالتزام بخطط واستراتيجيات واضحة قابلة للتنفيذ، الامر الذي قد يسهم في وقف التدهور والنزيف الحاد في موارد الطبيعة حفاظا عليها لاجيالنا القادمة
وتقنيات الاستشعار عن بعد وانظمة المعلومات الجغرافية تسهم بشكل فاعل في اجراء البحوث والدراسات المتنوعة والتي من شأنها المساهمة في حماية البيئة بشكل عام ، اذ يمكن عن طريق تحليل الصور الفضائية الحصول على المعلومات المتعلقة بكافة المعالم والاجسام والعناصر الارضية وذلك من خلال تسجيل وقياس الطاقة والاستقطاب للاشعة الكهرومغناطيسية المنعكسة والملازمة للعناصر والمعالم الارضية والمحيطات والهواء المحيط بالقشرة الارضية ، اذ وجد علميا ان لكل جسم قيمة اشعاعية تميزه عن غيره ، وبالتالي فان البصمة الاشعاعية الخاصة بجسم ما تميزه عن باقي الاجسام ، ومن هنا امكن التعرف على ماهية هذه الاجسام دون التماس بها مباشرة وامكانية تحليل مكوناتها عن بعد.
ويتوفر لدى المركز الجغرافي الملكي الاردني القدرات والامكانات الفنية والبشرية في مجالات المساحة الارضية والجوية والفضائية وانظمة المعلومات الجغرافية وانتاج الخرائط لمختلف الاغراض ، ويتابع المركز ما يستجد من تطورات علمية وتقنية على المستوى العالمي، اذ انه قام مؤخرا بالتوقيع على اتفاقية تعاون مشترك مع احدى الشركات الالمانية المعروفة عالميا والرائدة في مجال التصوير الجوي والمساحة الرقمية ، ويقوم المركز الجغرافي بدوره الوطني في مجال التدريب والتأهيل اذ بدأ مؤخرا وبالتنسيق مع وزارة الشؤون البلدية المساهمة في مشروع التأهيل الوطني للعاملين في البلديات والذين يزيد عددهم على 23 ألفا ، وتم تخريج الدفعة الاولى في العشرين من شهر حزيران 2006 . وعليه فان المركز يمكن ان يساهم وبكفاءة في اجراء دراسات وبحوث في مجالات التلوث والبيئة والموارد الطبيعية وغيرها ، فهو شريك حقيقي في التنمية لكل مؤسساتنا في القطاعين العام والخاص.
اما بالنسبة لدور الاستشعار عن بعد وتحليل الصور الفضائية في البيئة وحماية الطبيعة فاننا سنورد هنا بعضا من الامثلة التي تبين اهمية استخدام هذه التقنيات في هذا المجال الهام والذي له مساس مباشر بحياة الانسان ومن هذه الامثلة:
أ)انحسار المسطحات المائيةواستنزاف الموارد الطبيعية:
ومثال على ذلك دراسة قام بها المركز الجغرافي الملكي في الاردن القت الضوء على التغيرات التي طرأت على البحر الميت باعتباره منطقة مميزة كوحدة جغرافية طبيعية واقتصادية ومصدرا هاما للمعادن المختلفة ، بالاضافة الى خصائصه السياحية والعلاجية ، وقد استخدمت في هذه الدراسة صور القمر الصناعي (لاندسات) عبر السنوات 1964-2002 بتواريخ متباينة وبقدرة تمييزية 30 م، حيث اظهرت الدراسة تناقص مساحة البحر الميت من 983كم عام 1964 الى 648كم عام 2001
ب) مراقبة المخاطر الصناعية والتلوث:
لقد اعتادت الدول الصناعية على بناء المدن السكنية والصناعية بالقرب من السواحل، ونادرا ما تتم معالجة مياه الانهار التي تمر بهذه المدن وتصب في البحر، وتكون محملة بالملوثات وخاصة مخلفات المصانع ، الامر الذي يسبب ضررا بالغا بالشواطىء والاحياء والبئة البحرية عموما والنباتات الاقليمية المحيطة . وتعتبر تقنيات الاستشعار عن بعد اداة هامة لدراسة هذه الظاهرة، وبيان مدى تلوث مياه البحار ومساحات البقع الملوثة ، بل ومراقبتها اولا باول ، كما ان استخدام المبيدات والاسمدة يضر كثيرا بالبيئة ، الامر الذي تنبه اليه المعنيون في دول كثيرة من خلال انتاج اسمدة عضوية رفيقة بالبيئة.
ج)مكافحة الفيضانات:
تسبب الفيضانات سنويا خسائر فادحة بالارواح والممتلكات في الدول التي تتعرض لهذه الكارثة الطبيعية كمناطق جنوب شرق آسيا وخليج المكسيك والولايات المتحدة الامريكية، اذ ان اعصار (كاترينا) الذي ضرب المناطق الجنوبية للولايات المتحدة في آب/ اغسطس 2005 وخاصة ولاية لويزيانا خلف اكثر من اثني عشر الف قتيل و خسائر مادية بعشرات المليارات من الدولارات.
ويمكن انتاج خرائط الفيضانات وتقييم الخسائر الناجمة عنها بتحليل معطيات الصور الفضائية وتحديد اماكن الفيضانات والمناطق المنكوبة وسبل الوصول اليها ، وتساعد هذه الخرائط مؤسسات الاسكان وهيئات الاغاثة والانقاذ على تحديد اماكن الخطر وتفعيل اعمال المراقبة ومعالجة اوضاع المتضررين.
د) استكشاف الحرائق والمناطق الساخنة:
يمكن استخدام الصور الفضائية وخاصة الحرارية منها لمراقبة البراكين النشطة والانفجارات والمخاطر الناتجة والمتوقعة عن ثورانها ، فقد تحدث انهيارات صخرية وترابية ويمكن عن طريق الاستشعار عن بعد الاستدلال على المناطق الجيولوجية الساخنة، والتي قد تقود الى مخاطر على الانشاءات، فالطرق المقامة فوق مناطق غير مستقرة او تتصف صخورها بدرجة حرارة عالية يمكن ان تتعرض للدمار. ويمكن بهذه التقنيات الحديثة استكشاف الحرائق وعمل خرائط لمناطق انتشارها ومراقبة تطورها واتجاهها وسبل الوصول الآآمن اليها.
ه) مكافحة التصحر:
يعتبر التصحر ظاهرة جغرافية تعمل على تدهور النظام البيئي وتدني القدرة الانتاجية نتيجة لتدهور الخصائص الطبيعية والظروف والاحوال المحيطة بها نتيجة اختلال التوازن بين مكونات البيئة الاساسية المتمثلة بالمناخ والغطاء النباتي والتربة تحت التأثير المباشر لنشاطات الانسان غير الملائمة ، وتعتبر ظاهرة التصحر من الكوارث الطبيعية في العالم ، فتحول الارض المنتجة او شبه المنتجة الى اماكن جرداء لا حياة فيها لانسان او حيوان او نبات تعد كارثة بالمعنى الصحيح ، وتهدد هذه الظاهرة 34% من مساحة اليابسة ، ولهذا تعقد المؤتمرات والندوات العالمية لتدارس هذه الظاهرة والحد من الزحف الصحراوي ، حيث تم تسخير تقنيات الاستشعار عن بعد في فهم هذه الظاهرة ومراقبة الغطاء النباتي وزحف الكثبان الرملية ، والمراعي وانجراف التربة ، ونظم الري المتبعة ، والتلوث البيئي والزحف العمراني ، وكل ذلك يتم من خلال ملاحظة اختلاف كمية ونوعية الاشعة المنعكسة وخاصة في القناة الخامسة من المساحة متعددة الاطياف في صور الاقمار الصناعية ، اذ ان اللون الاسود يدل على وجود الخضرة اما اللون الرمادي فيدل على وجود نباتات بحالة صحية غير جيدة وقلة كثافته الغطاء النباتي ، اما الانعكاسية العالية فتدل على التربة الجرداء ، وهي تختلف حسب مكوناتها سواء اكانت كثبان رملية او اتربة معرضة للتعرية .
ويمكن تدعيم هذه المعلومات باستخدام الاشعة تحت الحمراء والتي تعطي صورة واضحة عن الكثبان الرملية وتوزعها.