إدريس u
بعد أن توفى آدم عليه السلام وابنه شيث الذي قيل عنه إنه نبي بعد آدم، أرسل الله إدريس وهو اسمه في الكتاب المقدس أخنوخ
هذا النبي المكرم ذكر القرآن عنه آيات قلية ولكن فيعها الثناء العطر والبركة عليه
عاش إدريس أشد المعاناة في الدعوة إلى الله، وتحمل كثيرا من الصعاب والأذى الذي وقع عليه من قومه ،فمثله كمثل كل الأنبياء...
قال I: "وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) " ( الأنبياء).
هذه إشارة من الله لنبيه أن هذا النبي قد ذكر مع أنبياء صابرين ، وكان كثير الصدق ومحًبا له ؛
قالI:" وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) " (مريم).
هذا البحث حول قصة نبي الله إدريس لا أذكر فيه إلا أمران فحياته مجهولة في القرآن والسنة والكتاب المقدس...هذان الأمران هما:
الأمر ألأول: أن إدريس اسمه أخنوخ فهو نفس الشخصية التي وردت في العهد القديم الذي يوم نبه اليهود والنصارى... بيان ذلك في الآتي:
أولًا: إنّ الذي يظهرُ لي أنّ أخنوخَ هو نبيُّ اللهِ إدريسُ u؛ لأنّ اللهَI يقولُ عن إدريسَ في القرآنِ الكريمِ: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا(56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا(57) " (مريم).

وبهذا ذكرَ سفرُ التكوينَ إصحاح 5 عدد 24 " وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ ".


ثانيًا: إنّ أجملَ ما قرأتُ حولَ هذه المسألةِ هو ما جاءَ في كتابِ:(حقائقُ الإسلامِ في مواجهةِ شُبُهاتِ المشكّكين) بعنوان: " أَخْنُوخُ أَمْ إِدْرِيسُ "؟!
إنّه في القرآنِ اسمُ إدريسَ، واسمُه في التوراةِ أخنوخُ، وقال البيضاويُّ في تفسيرِه: إنّ إدريسَ هو أخنوخُ. ونحن نسألُ مِن أين جاءَ في القرآنِ اسمُ إدريسَ؟ والصوابُ أنّه أخنوخُ.

الردُّ على الشبهةُ

إنّ اسمَه في التوراةِ السامريةُ " حنوكُ " والنصُّ هو:
" وسلكَ حنوكُ في طاعةِ اللهِ وفُقدَ؛ إذ تولّتَه الملائكةُ " [تلك 5: 24] والتوراةُ اليونانيّةُ تُضيفُ حرفَ السينِ في آخِرِ الاسمِ ليعلمَ أنّه اسمٌ مثلُ: يوسيفوسَ ـ إدريانوسَ.وإدريسَ؛ في آخِرِه السينُ، وكذلك يونسَ. وهو في العبريِّ يونانُ. وعيسى u في اليونانيّ " إيسوسُ "، وفى العبريّ " يهو شوّع " ويُنطقُ أحيانًا " أيشوعَ " و" يسوعَ ".
وأخنوخُ له سفرٌ لا يعترفُ به النصارى. ومع ذلك نقلَ منه يهوذا في رسالتِه: " انظروا جاءَ الربُّ مع ألوفِ قدّيسِيه؛ ليحاسبَ جميعَ البشرِ، ويدينُ الأشرارَ جميعًا على كلِّ شرٍّ فعلوه، وكلّ كلمةِ سوءٍ قالها عليه هؤلاء الخاطئون الفجّار " [يهو 1: 14ـ15].
وهذا النصُّ يثبتُ أنّ كلَّ امرئٍ بما كسبَ رهينٌ، خلافًا لاعتقادِ النصارى في موتِ المسيحِ على الصلّيبِ لِيُكَفِّرَ عن خطايا أدمَ.
ومفسّرو التوراةِ يستدلّون مِن نقلِه على ثبوتِ الحياةِ مِن بعدِ الموتِ ورأى فيلبسونُ مِن قولِه " الله أخذَه " أنّ ذلك تلطّفٌ بالتعبيرِ عن الوفاةِ قبلَ إكمالِ العمرِ، وأنّ في ذلك دليلًا على وجودِ حياةٍ وراءَ هذه الحياةِ الأرضيةِ. ونزيدُ على ذلك: أنّ نقل أخنوخ في متوسّطِ العصرِ الذي قبلَ الطوفانِ، وأنّ حياتَه كانت على الأرضِ 365 سنةً وهو عددُ الأيامِ في السنةِ الشمسيّةِ وكانت سنةُ العِبرانيين 354 يومًا وسنةُ الكِلدانيين 360 يومًا ".اهـ




الأمر الثاني: وهو يتعلق بمسالة رفعه إلى السماء ، هل رفع مكان أم مكانه ... وهذا بيانه في الآتي:
أولًا : إن مسألة رفعِ إدريس مكانًا لا تعنينا نحن - المسلمين - ، فهذه مسألة لا تؤثر على عقيدةِ المسلم ...

ثانيًا : إن رفعَ إدريسu مكانة محلُ اتفاقٍ بين العلماءِ ، وأما مكانًا فقد اختلف العلماءُ في ذلك ، والسبب هو عدم وجود دليل صحيح يحزم المسألة من القرآن أو السنة الصحيحة وجلها أخبار منقولة عن أهلِ الكتابِ تناقلها المفسرون وبينوا نكارتَها بعد ذلك كما فعل ابنُ كثيرٍ وغيره؛ يقول ابنُ كثيرٍ - رحمه الله- في تفسيرِِه بعد عرضِة لبعض الروايات : هذا من أخبارِ كعبِ الأحبارِ الإسرائيليات، وفي بعضِه نكارة، والله أعلم . أهـ

وأما ما جاء في صحيح البخاري كِتَاب الْمَنَاقِبِ باب (المعراج) برقم 3598 " أن رسول الله r مر به في ليلةِ الإسراءِ وهو في السماءِ الرابعةِ ".
ليس له علاقة بينه وبين الآيةِ الكريمة قط، فقد ألتقى النبي الكريم مع أنبياء آخر في السماوات عند عروجه ...
وقد يكون المراد برفعِه إلى المكانِ العلى : إسكانه في الجنةِ ، إذ لا شرف أعلى من ذلك ....

ثالثًا : إن الكتابَ المقدسِ لم يذكر لنا صراحةً مسألة رفع إدريس u ؛هل مكانة أم مكانًا ؟

النص يقول : لَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ ، وذلك في سفر التكوين إصحاح 5 عدد24وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ.

قلتُ : إن النصَ يحمل أوجهًا كثيرةً للاجتهادِ :

1- قد يُحمل على الموتِ ؛ أخذ اللهُ روحَه.

2- قد يُحمل على رفعِه روحًا وجسدًا ، فاسكنه اللهُ في السماوات أو في جنتِه ...

3- الذي يظهر لي أن اللهَ رفع جسده بعد موته الى جنات في السماوات يعلمها سبحانه ، والله أعلم.

وقيل: إن إدريس كان يعمل خياطا ويسبح ربه بعدما يخيط ..
وقد قابله النبي ص في السماء الرابعة؛ فقد ثبت في سنن الترمذي برقم 3082 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ
{ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا }
قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ r:"قَالَ لَمَّا عُرِجَ بِي رَأَيْتُ إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ".
وبهذا أكون قد انتهيت من سرد قصة نبي الله إدريس قدر الاستطاعة.

أكرم حسن مرسي