في تصنيف هيجل للأديان اعتبر الإسلام استمرارا لليهودية وقالت مرسيا إليادي إن محمدا صلى الله عليه وسلم يقف على حافة سيادة المسيحية وبداية العصر العلماني الحديث بمعنى أنه يقف في النقطة البؤرية للتوازن التاريخي.
والقراءة المتأنية للأديان تُشعر أن هناك اتفاقا مسبقا تم في مكان ما بين موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم فالنبي محمد يأتي على مفترق طريق التحول من المرحلة الثانية إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل التحول الروحي للجنس البشري وهذا ما قالته مرسيا إليادي في كتابها أنماط الأديان المقارنة ..
تعاني التوراة التي بين أيدينا من واقعية مفرطة ويعاني الإنجيل الذي بين أيدينا من روحانية مفرطة (وربما كان الإفراط من وضع الوضَّاعين) لكن أصر القرآن أن يطرح واقعية روحانية مدهشة .. فبالإسلام جوانب قد لا تروق للشعراء والرومانسيين فالقرآن كتاب واقعي لا مكان فيه لأبطال الملاحم ..المسيحية بها مفهوم مفعم بالحيوية عن الألوهية ولكن لم تبلغ الوعي التام بوحدانية الله وبسبب هذه الخاصية في فهم الألوهية ضحَّت المسيحية بتوحيد التوراة في سبيل ثالوث المجامع ومثل هذا التطور غير ممكن في الإسلام فبرغم كل النكبات التي مر بها الإسلام ظل أنقى أديان التوحيد على حد قول لوبون ..
اشتمال القرآن على واقعية التوراة وعدم حاجته لمصدر مادي من خارجه جعله يقف سدا منيعا أمام الشيوعية القادمة من روسيا وشرق أوربا وبنزول محمد من غار حراء إلى ضواحي مكة استطاع أن يجمع بين التنسك والعقل .. الروحانية والمادية .. العين بالعين وأن تعفوا هو أقرب للتقوى .. قاتلوا الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا .. هذه الثنائية الدرامية المثيرة التي تؤهل هذا الدين لأن يقود جموع البشر وترويض مختلف الأفكار
عندما فرض الإسلام الزكاة لم يكن غرضه القضاء على الأغنياء وإنما القضاء على الفقر وهذا هو الفرق بين التطبيق الإنساني والتطبيق الواقعي المقيت ..
عندما حرَّم الإسلام الخمر لم يكن تحريمها بدافع ديني فالخمر في الدين المُجرد ليست محرمة لذاتها -بل ربما كانت محفزة على زيادة الروحانية - لكن حرمها الإسلام بدافع إجتماعي بحت إن الإسلام لا يخاطب الجسد ولا الروح بقدر ما يخاطب الإنسان إن الإسلام لم يأت موافقا لتركيبة الجسد أو لتركيبة الروح بقدر ما أتي موافقا لتركيبة الإنسان لأن الإنسان هو المكلف لا الروح وحدها ولا الجسد وحده ..
لا يُحرّم الإسلام على الإنسان أن يتذوق ملح الأرض ولا يفرض عليه مثالية الزهد والرهبنة ولا يوافق لأحد من أتباعه أن يغمض عقله ويسير في قطيع الخراف بحثا عن راعٍ صالح يقودهم إلى الحظيرة بل يجبر الإسلام أتباعه على التفكر وتدبر آيات الكون بل ويضع فرضيات عقلية مدهشة .. فيقول تعالى :- ( فإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ).. ويقول تعالى في موضع آخر:- (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ). إنه يطرح افتراضا ينقض الأصول التي قام عليها .. فبينما يمقت الإسلام الشك العبثي نراه يحفز على البحث والتمحيص والتروي والإيمان بالإستدلال ..
وإذا كان موسى أبو العالم المادي ***والمسيح أبو العالم الروحي فإن محمدا هو أبو الإنسان ..


_________________
* george hegel :- early theological writings
**mercea eliade patterns in comperative religions
*** حتى لا أُفهم خطأ فالفرضية الواقعية بالتوارة تضغي على روحيته وكذلك روحانية المسيح تضغي على واقعيته
### بعض الفقرات في هذا المقال مقتبسة من كتاب الإسلام بين الشرق والغرب للأستاذ على عزت