الصديق وسبق الاطمئنان إلى إيمانه

رغم أن أبو بكر كان أول من أسلم .. لكنه كان أحرص على إيمانه من هذا السبق..

روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي ربعي حنظلة بن ربيع الأسيدي الكاتب..
أحد كتاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) ..

قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟

فالصديق يطمئن على حال حنظلة بسؤال عادي: كيف أنت؟..
لكن حنظلة فاجأ الصديق بإجابة غير عادية.. إجابة غريبة..

قال: نافق حنظلة. نافق حنظلة؟!

حنظلة من الرجال المشهود لهم بالإيمان، فكيف يقول ذلك عن نفسه..؟!

تعجب الصديق ، وسارع يقول: سبحان الله، ما تقول؟

فبدأ حنظلة يفسر كلماته العجيبة وقال: نكون عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يذكرنا بالجنة والنار كأنا رأي العين، فإذا خرجنا من عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا..

يقصد أنهم في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتأثرون كثيرًا بالكلام عن الجنة والنار..
حتى وكأنهم يرونها عيانًا بيانًا..
ومن المؤكد وهم في هذه الحالة يعتزمون أن لا يفعلوا شيئًا في حياتهم إلا أفعال الآخرة فقط..
ينوون أن يخرجوا..
فيفردون الأوقات الطويلة في الصلاة والقرآن والقيام والدعوة والجهاد وغير ذلك..
ويصبحون في حالة زهد تام في الدنيا وقناعها..

لكن سبحان الله إذا خرجوا من عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
اختلطوا بأمور الحياة الطبيعية، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات.. والمعايش المختلفة..
عند هذه الحالة الأخيرة ينسون كثيرًا مما سمعوه من الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)..

وهذا التباين في حالتهم في مجلس العلم، وحالتهم في معترك الحياة العامة ...عده حنظلة نفاقًا..!

وهذه ولا شك حساسية مفرطة وتحرٍ عميق لقضية الإيمان..
وكان من المتوقع من أبي بكر الصديق الذي يزن إيمانه إيمان أمة ..
أن يهون الأمر على حنظلة..
ويوضح له أن ذلك يعتبر شيئًا طبيعيًّا..
فمن المستحيل على المرء أن يظل على حالة إيمانية مرتفعة جدًّا دون هبوط، ولو قليل..

وكان من المتوقع من هذا الصديق الذي لا يشك أحد في إيمانه..
والمبشر بالجنة تصريحًا والمقدم على غيره دائمًا..

وكان من المتوقع منه أن يحادثه في قضية الإيمان برباطة جأش، وثبات قدم..

لكن الصديق رجل المفاجآت ...
وقف يحاسب نفسه بسرعة، عقله لا يتوقف عن مساءلة نفسه..
وقلبه لا يطمئن على عظيم إيمانه..
حاسب نفسه بصراحة ووضوح فكانت المفاجأة العظمى أن قال: فوالله إنا لنلقى مثل هذا.

سبحان الله، أبو بكر الصديق المشهود له بالإيمان من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
بل ليس إيمانًا عاديًّا، بل إيمان كإيمان أمة، أو يزيد..
والمشهود له بالتقوى من الله ..

حيث قال في حقه

(وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى)

هذا الرجل يجد في نفسه هذا الأمر الذي خشي أن يكون نفاقًا..
ومع أن الخاطر عجيب ومع أن الهاجس غريب..
ومع أنه من الطبيعي تمامًا لرجل في مكانته أن يطرد هذه الأفكار بسرعة..

إلا أن الصديق ليس كذلك، الصديق يسبق إلى الاطمئنان على إيمانه..

فإذا به يسارع مع حنظلة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للاطمئنان على قضية الإيمان..

يقول حنظلة : فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على الرسول (صلى الله عليه وسلم) ..

هنا سارع حنظلة يقول: نافق حنظلة يا رسول الله.

فتعجب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال: "وَمَا ذَاكَ؟"

قال حنظلة: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، كأنا رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا.

هنا يتكلم الطبيب الماهر، والحكيم العظيم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وكأني ألحظ على وجهه ابتسامة رقيقة وبشرًا في أساريره وحنانًا في صوته بأبي هو وأمي..

وهو يقول في هدوء وتؤدة:

"والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكِمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً". ثلاث مرات...

ومن المفهوم يقينًا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ...
لا يقصد ساعة طاعة وساعة معصية كما يفهم كثير من الجهال..
أن هناك ساعة لله، وساعة يخرجون فيها عن منهجه وشرعه...

لكن المقصود هو ساعة تفرغ وخلوة واجتهاد في الطاعة..
وساعة أخرى تفرغ لأمور الدنيا الحلال..
والذي يطالب الإنسان بها أيضًا في شرع الله كرعاية الأزواج والأولاد..
ومتابعة أسباب الرزق واللهو الحلال، والنوم الذي لا يضيع صلاة..
وغير ذلك من أمور الحياة المختلفة.

الشاهد اللطيف في القصة هو حرص الصديق على قضية الإيمان ..
مع أنه كان من الممكن أن ينتظر حتى يرى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في صلاة من الصلوات..
لكنه سارع إليه مطبقًا شعاره

(وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)
الصديق وسبقه إلى الدعوة

سبحان الله..
إن كان عجيبًا سبق الصديق إلى الإسلام..
فلعل الأعجب من ذلك سبقه إلى الدعوة إلى هذا الدين..
وحماسه لنشره وحميته لجمع الأنصار له..
وسرعته في تبليغ ما علم من الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع قلة ما علمه..

فإذا بالصديق يأتي في اليوم الأول لدعوته ...
بمجموعة من الرجال قَلّ أن يجتمعوا في زمان واحد..
الرجل بألف رجل أو يزيد، أتى في اليوم الأول بخمسة هم:

عثمان بن عفان
الزبير بن العوام
سعد بن أبي وقاص
طلحة بن عبيد الله
عبد الرحمن بن عوف


ما هذا؟!

هؤلاء الخمسة، صناديد الإسلام، وعباقرته، أتوا جميعًا على يد الصديق؟

نعم.. والحدث عظيم، ويحتاج إلى وقفات..

فبتحليل إسلام هؤلاء الخمسة يزداد المرء عجبًا..
الملحوظة الأولى

ليس من هؤلاء أحد من قبيلة بني تيم إلا طلحة بن عبيد الله فقط...
وبقيتهم من قبائل أخرى ..

فعثمان بن عفان أموي، من بني أمية..
والزبير بن العوام من بني أسد..
وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف من بني زُهرة..

فالاستجابة له لم تكن من باب القبلية..
لكن كما هو واضح كان له صداقات قوية..
وعلاقات وطيدة بكثير من أركان المجتمع المكي قبل الإسلام..
وهذا ولا شك أساس من أسس الدعوة...

فهل لك علاقات طيبة مع الناس .. صديقك وعدوك .. أم أنك تهمز وتلمز ولا ترى أبعد من أنفك ؟!
الملحوظة الثانية

أن أعمار هذه المجموعة كانت صغيرة جدًّا، وبعيدة عن عمر الصديق..

فالزبير بن العوام كان في 15 من العمر ..
ومع ذلك لم يستقله أبو بكر الصديق وأَسَرّ له بهذا السر الخطير..
سِرّ دعوة الإسلام في بلد لا محالة ستحارب هذه الدعوة..
وهذا يعني أن الزبير في سن ولد في الصف الثالث الإعدادي في زماننا..
ويبدو أن تربيتنا لأطفالنا تحتاج إلى إعادة نظر..!

وطلحة بن عبيد الله كان أكبر من ذلك قليلاً..

وكذلك سعد بن أبي وقاص كان في 17 من العمر ..

وعبد الرحمن بن عوف نحو ذلك ..

وكان أكبرهم عثمان بن عفان .. في 28 من العمر ..

إذن أبو بكر الصديق قبل الإسلام كان له علاقات طيبة مع كل طوائف مكة على اختلاف قبائلها..
وعلى تفاوت أعمارها..
وعندما فكر في تبليغ الدعوة بلغها للشباب من أهل مكة..
وبالذات لأولئك الذين اشتهروا بالطهر والعفاف، وحسن السيرة..
فكان لهم بمثابة الأستاذ لتلامذته، سمعوا له، واستجابوا، فكان خيرًا له ولهم، وللإسلام، والمسلمين,,
وهي إشارة لكل الدعاة أن يعطوا قدرًا أكبر وأعظم للشباب، فعلى أكتافهم تقوم الدعوات.
الملحوظة الثالثة

أنه بعد أن أتى بهذا الرعيل الأول، وهذا المجهود الوافر، ما فتر حماسه، وما كلت عزيمته..
لكنه أسرع في الأيام التالية يأتي بغيرهم..

فأتى بأبي عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة، وهو من بني الحارث بن فهر.. وكان في 27 عاما ..

وجاء أيضًا بالصحابي الجليل عثمان بن مظعون وهو من بني جمح..

ثم أتى بالأرقم بن أبي الأرقم وأبو سلمة بن عبد الأسد وهما من بني مخزوم..
وما أدراك ما بنو مخزوم، هي قبيلة تتنازع لواء الشرف مع بني هاشم قوم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
فكيف أثر عليهما حتى يأتي بهما يدخلان في الإسلام تحت قيادة رجل من بني هاشم؟

هذا أمر لافت للنظر ولا شك..
ومن الواضح الجلي أن الصديق كان قريبًا من قلوبهم..
إلى درجة أقرب من القبيلة والعنصرية والعصبية وحمية الجاهلية..
وغير ذلك من الدوافع المنتشرة في ذلك الزمان...

ومن الجدير بالذكر أن الأرقم بن أبي الأرقم ...والذي فتح بعد ذلك بقليل بيته للمسلمين..
ولرسول الله (صلى الله عليه وسلم)... يعقدون فيه لقاءاتهم ويتعلمون فيه دينهم بعيدًا عن عيون مكة..
ومعرضًا نفسه لخطر عظيم وخطب جليل...
جدير بالذكر أن هذا البطل المغوار والمغامر الجريء كان يبلغ من العمر 16 عاما فقط ..

ولاتعليـــق..
الملحوظة الرابعة

أن 6 من الذين دعاهم أبو بكر الصديق للإسلام ... هم من العشرة المبشرين بالجنة..
وهم صفوة الصحابة وخير الأمة بعد نبيها محمد (صلى الله عليه وسلم)..

والآخرون أيضًا من أهل الجنة إن شاء الله فهم من السابقين السابقين..

وإن العقل ليعجز أن يتخيل حجم الثواب الذي حصله أبو بكر الصديق..
من جراء دعوته لهؤلاء وغيرهم..

فكما قال رسول الله في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة

"مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الآثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا"

وكما قال أيضًا (صلى الله عليه وسلم) في حديث الإمام مسلم عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري..

"مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ"

فتدبر يا عبد الله في أفعال العظماء الذين أتى بهم الصديق ..
تدبر في أعمال عثمان، والزبير، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن، وأبي عبيدة..
والأرقم، وأبي سلمة.. وعثمان بن مظعون..

ثم سيأتي بعدهم آخرون أمثال بلال، وعامر بن فهيرة، وغيرهم..
تدبر في ذلك، وأعلم أن أجور هؤلاء جميعًا، ومن هداهم الله على أيديهم..
كل هذا في ميزان الصديق ...
حتى تعلم عظم الدعوة إلى الله..
وشرف العمل الذي وكله الله للأنبياء ومن سار على نهجهم.

(وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِين)

تدبر في كل هذا..
ثم تدبر في مجهوداتنا لهذا الدين...!!

هذا الصديق أتى بهؤلاء، وحمل معه أجور هؤلاء..

فمَن مِن البشر أتينا به إلى طريق الله..؟

وكم من الأجور حملنا معنا في ميزاننا ؟؟

ونتساءل لماذا استجيب لدعوته بهذه السرعة؟

ولماذا أحبه قومه لهذه الدرجة؟

اسمع كلام طلحة بن عبيد الله ، وهو يصف أبا بكر الصديق..
ولاحظ أن هذا الوصف قاله طلحة بن عبيد الله يوم إسلامه..

قال: وكنت أعرف أبا بكر، فقد كان رجلاً سهلاً محببًا موطأ الأكناف. أي لين الجانب...

فها هي صفة أولى نلاحظها في كلام طلحة ..
فالصديق كان سهلاً محببًا إلى القلوب، كان لينًا مع الناس رفيقًا بهم..
كان حنونًا عطوفًا رحيمًا..
ورجل بهذه الصفات لا بد أن يحبه الناس..

وصدقت يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. "الْمُؤْمِنُ مُؤْلَفٌ وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ"

وقال (صلى الله عليه وسلم) .. "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ"

ونكمل الاستماع إلى وصف طلحة لأبي بكر الصديق .. وكان تاجرًا ذا خلق واستقامة..

وهنا أيضًا نلاحظ سمات لا بد أن تجذب القلوب لصاحبها..
الصديق كان تاجرًا، وكان كثير الأموال، وكان رجلاً معطاءً، كثير العطاء..
والناس بطبعها تحب مجالسة الرجل الذي ألف العطاء، وألف السخاء..
وإن كانوا لا يريدون منه مالاً، فعلى الأقل هو لن يطلب منهم شيئًا..
والناس أيضًا بطبعها تنفر من الذين يطلبون منهم شيئًا، ويستقرضونهم في كل مناسبة..
ومن ثم فلا عجب أن أهل مكة كانوا يحبون مجلس الصديق ..

وفوق ذلك يقول طلحة : كان تاجرًا ذا خلق واستقامة.

والتجارة والمال الكثير كثيرًا ما يغيران من نفوس الناس..
وكثيرًا ما يغش التاجر في تجارته، ويدلس على زبائنه..
وكثيرًا ما يحلف على بضاعته بالكذب ليزداد ربحًا..
والتاجر المستقيم صاحب الخلق لا بد وأن يكون محبوبًا..
ولا بد أن يكون مقربًا لقلوب الناس..

وبالتبعية، فإن الله يعظم جدًا من أجر التاجر المستقيم..

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. "التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ"

فإذا كان التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين..
فما بالك بالتاجر الصِّديق أبي بكر الصديق ؟!

ويكمل طلحة بن عبيد الله كلامه عن الصديق فيقول: وكنا نألفه، ونحب مجالسه؛ لعلمه بأخبار قريش، وحفظه لأنسابها.

فها هي صفة جديدة تحبب الناس في الصديق..
وكان لها أثرًا في استجابة الناس له..
فالصديق كان عالمًا بالعلم الذي يفيد في زمانه..
والعلم الذي يحتاجه أهل البلد علم الأنساب ... وهو كان أعلمهم بالنسب..
وهذا أمر بالغ الأهمية في المجتمع المكي القديم..
وفوق علمه بالنسب، فهو كريم الخلق، فلم يطعن في نسب أحد مهما علم فيه من مثالب ومساوئ..
وهذا يجعله، ولا شك محبوبًا للناس جميعًا..
وهي رسالة إلى كل الدعاة أن عليهم أن يتعلموا العلم النافع الذي يصلح بيئتهم ومجتمعهم..
وأن لا يتكبروا بعلمهم على الناس..
الملحوظة الخامسة

الصديق لم يكن حريصًا على أصدقائه ومعارفه على حساب أهل بيته..
فكثير من الدعاة ينفقون الساعات الطوال في دعوة الآخرين...
ثم هم يقصرون تقصيرًا شديدًا في دعوة أهل بيتهم..
مع أنهم سيسألون عنهم قبل الآخرين..

قال (صلى الله عليه وسلم) ..

"كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"

الصديق كان راعيًا في بيته..
وكان مسئولا عن رعيته ..
أدخل في الإسلام زوجته أم رومان رضي الله عنها..
وزوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها..
وأدخل أولاده عائشة، وأسماء، وعبد الله أجمعين..
ثم ما لبث أن أدخل أمه أيضًا في الإسلام ..
بعد أن طلب من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يدعو لها بالهداية..

وتأخر ابنه عبد الرحمن عن الإسلام كثيرًا فقد أسلم يوم الحديبية..
فشق ذلك على أبي بكر وكان له موقف عجيب معه سيأتي شرحه لاحقًا إن شاء الله..

وتأخر إسلام أبيه أكثر من ذلك..
لكن ما نسيه الصديق ....
حتى كان يوم فتح مكة..
فأتى به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
وكان أبو قحافة أبو أبي بكر الصديق رجلاً مسنًا طاعن في السن .
حتى قالوا: كان رأسه ثغامة (والثغامة نبات أبيض يُشَبه به الشيب) ..

فجاء به الصديق إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

فقال (صلى الله عليه وسلم) وهو الرسول الكريم المتواضع .. "يَا أَبَا بَكْرٍ هَلاَّ تَرَكْتَهُ حَتَّى نَأْتِيَهُ"

فقال أبو بكر في أدب جم: هو أولى أن يأتيك يا رسول الله..

فأسلم أبو قحافة وبايع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..

وهكذا فعائلة الصديق كلها مسلمة..
بل لم تجتمع الصحبة لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أجيال أربعة متعاقبة في عائلة واحدة ..
إلا في عائلة الصديق ..
فالجيل الأول هو جيل أبو قحافة وزوجته والدا الصديق ..
والجيل الثاني هو الصديق وزوجاته..
والجيل الثالث أولاد الصديق أسماء وعائشة وعبد الله وعبد الرحمن..
والجيل الرابع هم أحفاد الصديق ولهم صحبة مثل عبد الله الزبير بن العوام ابن السيدة أسماء..
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر أجمعين..

فهذه العائلة المباركة بارك الله فيها، وعمت بركتها على أمة المسلمين جميعًا...