لم تعرف الدنيا كلها أصناما بعدد الأصنام التي كانت توجد في جزيرة العرب وقت بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ففي الكعبة ذلك المكان الصغير يوجد ثلاثمائة وستون صنما هُدمت كلها يوم فتح مكة وفي اليمن كان يوجد مثلها أو اقل منها بقليل وفي الشام كذلك وغيرها وغيرها الكثير.. لكن هل هذه الاصنام كانت تُعبد كآلهة متعددة أم كانت تُتخذ وسائط متعددة لإله واحد …؟؟؟
نجد الإجابة على لسان هؤلاء المشركين أنفسهم فقد قال القرآن على لسانهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (3) سورة الزمر ..ما يعبدونهم إلا تقربا وواسطة إلا الله وقد لغى الله الواسطة بينه وبين خلقه على لسان جميع أنبيائه {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة ..ولذلك وصفهم الله بأنهم كاذبين ففعلا في قرارة أنفسهم لا يعبدون إلا إلها واحدا لكن اجتالتهم الشياطين فنسوا الله الواحد واتجهوا بكل عبادتهم وتقربهم لتلك الأصنام ونسوا ما ذُكروا به على لسان أنبيائهم ومنذريهم {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} (44) سورة الأنعام..
وقال تعالى {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ.. ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ..انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} (24) سورة الأنعام ..فأكبر فتنة يقع فيها اللادينيون وأشياعهم ممن اعترف بوجود الله ولم يعترف له بالأمر أنهم يظنون أنهم غير مشركين وهؤلاء يكذبون على أنفسهم فلو صدقوا الله لآمنوا بكتبه ورسله ولكنهم يكتفون بالاعتراف بوجود الله فرد الله عليهم قولهم وألزمهم الحجة وأخبرهم بموقفهم يوم القيامة فهل من معتبر …!!!!!!
فالإعتراف لله بالخلق دون الإعتراف له بالأمر فيه كذب ومكر كبير { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (54) سورة الأعراف وهذا الذي وقع فيه اللادينيون حديثا هو عين ما وقع فيه المنافقين قديما فقد قال المنافقون {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (1) سورة المنافقون .. فقد اعترفوا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الله قال {يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (1) سورة المنافقون .. فهؤلاء لو كانوا صادقين كانوا اتبعوا دين الله والتزموا أمره لكن استطاع الشيطان أن يمكر بهم فقد استخفهم الشيطان فأطاعوه
فالكون دليل عقلي على وجود صانع واحد لا يتعدد وبهذا قال جميع العقلاء وهذا الصانع قد عرفنا بنفسه عن طريق أنبيائه ورسله ووضع في فطرنا معرفته واليقين بوجوده …
فعُباد الأصنام اعترفوا وأقروا أنهم يعبدون إلها واحدا ..وأن الأصنام وسائط لله الواحد …ولكن نسوا ذلك وصارت الأصنام قبلتهم من دون الله ولذلك لو واجهناهم وذكرناهم لاعترفوا بالإله الواحد {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (61) سورة العنكبوت ..وأيضا {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (25) سورة لقمان..
بل وحتى المجوس .. وما أدراك ما المجوس إنهم يؤمنون بإله واحد ويقولون بالنور والظلمة ولكن النور أزلي والظلمة محدثة ويؤمنون بآدم عليه السلام ويسمونه كيومرث …
وبوحدانية الله أقر البشر جميعا وهو مذهب الحكماء السبعة ( تاليس – أنكساغورس – أنكسيمانس – أنبادقليس – فيثاغورس –سقراط – أفلاطون الإلهي ) وعلي هذا القول سار حكماء الأصول ومتأخري حكماء اليونان ..
بل وهو نهاية بحث كل ملحد ففي النهاية الكل يقر بالله الواحد ويقر لله بالخلق ولكن غالب هؤلاء لا يقرون له بالأمر { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (54) سورة الأعراف .. فهم يعترفون أن الله حقا خلقهم لكن يستكبرون عن عبادته والاتباع لرسله {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (60) سورة غافر..
وأقسم بالله ما كنا نتصور أن هناك أقواما يعترفون بالخالق ويستكبرون عن عبادته إلا عندما رأينا اللادينيين ولقد صَدَّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه .. وحسبنا الله ونعم الوكيل .. {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ } (20) سورة سبأ..
بل واعجب حجة تسمعها من هؤلاء اللادينيين هو قولهم أن الله لا يدخل أنفه في الأمور التافهة وكأنهم ينزهونه عن متابعة خلقه .. والله وكذبوا .. والله وكذبوا .. والله وكذبوا .. فهم بذلك يسبونه ويشتمونه ويعتبرونه خلق الخلق ثم تركهم عبثا بل وهم بهذا الإعتبار يصفونه بأنه ظالم فطالما نفينا اليوم الآخر إذن سيموت القاتل ولن يُعاقب .. بل وبهذا الإعتبار أيضا يكون ضعيفا فكثير من الأنبياء جدف عليه وادعى أنه مبعوث من قبله وهم يفعلون معجزات باسمه ولا يموتون إلا وقد تمت دعوتهم وانتصروا وظهروا وبإذن الله سأفرد بحثا خاصا بخصوص إله اللادينيين وسوف أظهر فيه كذبهم ومكرهم وكيف استطاع الشيطان أن يستخفهم وحسبنا الله ونعم الوكيل
ومما يدل على أن فطرة البشر قد جُبلت على وحدانية الله والخضوع له وخاصة وقت الشدة حيث لا منجي سواه ما رُوي عن الإمام جعفر أنه جاءه زنديق يجادله في وجود الحق تبارك وتعالى, فقال له الامام: هل ركبت البحر؟ قال: نعم؛ قال: هل رأيت أهواله؟ قال: لقد هاجت يوما رياحه الهائلة, فكسرت السفن وأغرقت الملاحين؛ فتعلقت ببعض ألواحها, ثم ذهب عني اللوح, فاذا أنا مدفوع بتلاطم الأمواج حتى دفعت بي الى الساحل. فقال الامام جعفر: لقد كان اعتمادك قبل على السفينة والملاح, ثم على اللوح حتى ينجيك, ق\فلما ذهبت عنك هذه الأدوات أسلمت نفسك للهلاك, ومع ذلك كله ترجو السلامة فيما بعد؟ قال: بل رجوت السلامة. قال جعفر ان (الله) هو الذي كنت ترجوه في ذلك الوقت, وقد أفرّ به قلبك عند الشدّة, وان انكره لسانك عند النجاة, وهو الذي أنجاك من الغرق. وصدق الله العظيم:
{وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا} (67) سورة الإسراء
وصدق الله {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ } (32) سورة لقمان ..
ولكننا نقول أن من أعظم الأسس التي بُني عليها الإسلام عقيدته هو أساس التوحيد ونفي الوسائط الي تُتخذ طريقا الى الله سبحانه فقال تعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله سبحانه وتعالى (كل عبادي خلقت حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم و أمروهم أن يشركوا بي غيري ).
فالأصل في الإنسان هو التوحيد والعبادة لله لكن كلما طال عليه الأمد نسي العهد ورضي بالكفر ولذلك تتعدد النذر والرسل لكيلا يكون للناس على الله حجة {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } (165) سورة النساء
وهكذا نكون قد أثبتنا أن عُباد الأصنام قديما كانوا يعبدون هذه الأصنام واسطة ووسيلة إلى الله وهو اعتراف عباد الأصنام أنفسهم بذلك وفي الحديث ..حدثنا أحمد بن منيع البغدادي الأصم ثنا أبو معاوية عن شبيب ابن شيبة عن الحسن عن عمران بن الحصين أن النبي قال لأبيه يا حصين كم تعبد اليوم إلها قال سبعة ستة في الأرض وواحد في السماء قال فأيهم تعده لرغبتك ولرهبتك قال الذي في السماء فالكافر اعترف أن إله العالمين في السماء .. والحمد لله رب العالمين