إعداد كل من:
د.سهاد عبد الله بني عطا وزارة التربية والتعليم/ الأردن
د. عاطف حسن شواشرة الجامعة العربية المفتوحة/فرع الأردن
بحث نشر في مجلة جامعة النجاح للأبحاث (العلوم الإنسانية)
ــــــــــــــــــــــــ
لقد حيرت النفس الإنسانية الفلاسفة والعلماء والمربين منذ آلاف السنين وحاولوا تفهم دقائقها لكنها ظلت لغزا صعب المنال, وجعل العلماء لها علما مخصوصا سموه بعلم النفس وواقعه هو علم السلوك أو علم دراسة ظواهر النفس الإنسانية، لكنهم كل مرة يكتشفون أن بها أغوارا تستعصي عليهم تصديقا لقول الله سبحانه "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً".
ومن أكثر المشكلات التعليمية في وطننا العربي والإسلامي أن طلابنا يدرسون علم النفس من وجهة النظر الغربية, فأراد الباحثان أن يقوما بإلقاء الضوء على قضية هامة وهي محاولة تأصيل الفكر النفسي في القرآن الكريم.
وتناول الباحثان النفس الإنسانية في ضوء القرآن الكريم، من خلال الإجابة عن التساؤلات التالية:
أولا: ما دلالات النفس في القرآن الكريم؟
ثانيا: ما خصائص النفس البشرية في القرآن الكريم؟
ثالثا: ما طبيعة الغرائز والشهوات البشرية في القرآن الكريم؟
رابعا: ما المبادئ النفسية المشتقة من القرآن الكريم؟
النفس كما يصورها القرآن الكريم
فعرفها الباحثان بأنها تدل في القرآن الكريم على الجسم والروح معا وأنها تدل على الإنسان ككل أو الذات الإنسانية بعنصريها المادي والمعنوي, ونقل الباحثان قول ابن عباس في قضية الفرق بين النفس والروح, فقال: "كل إنسان نفسان: إحداهما نفس العقل الذي يكون به التمييز، والأخرى نفس الروح الذي به الحياة، إلا أنهما مالا أنهما شئ واحد أخذا بقول أبي بكر الأنباري: "من اللغويين من سوى النفس والروح وقال هما شيء واحد إلا إن النفس مؤنثة والروح مذكر" فانتهيا إلى أن النفس تدل على الذات الإنسانية ككل متكامل، ومن الخطأ النظر الى النفس على أنها الروح فقط أو المشاعر والوجدان بمعزل عن الجسد.
دلالات النفس في القرآن الكريم
استعمل لفظ النفس بدلالات مختلفة في القران الكريم فقد وردت في(367) موضعا للدلالة على الذات الإلهية في مواضع وللدلالة على أشخاص معينين بذواتهم أحيانا وأحيانا عند الإشارة إلى ضمير الإنسان وما يبطن من أسرار ونوايا.
خصائص النفس الإنسانية:
النفس الإنسانية هي المسئولة الأولى عن السلوك والملكات العقلية كالتفكير والإدارة والتعلم والانتباه والتذكر والتحليل وأيضا هي المسئولة المباشرة عن الانفعالات الوجدانية كالإحساس باللذة أو الألم أو الفرح أو الحزن أو الخوف أو الغضب وما يرغب به أو ينفر منه.
القران الكريم يجعلها مسئولة مسئولية مباشرة عن كل التصرفات وبالتالي هي المحاسَبة عن كل خطأ فقال تعالى "كل نفس بما كسبت رهينة" وقال: "يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها".
ولذلك من خصائصها التي اخبرنا عنها القران الكريم أنها:
الخاصية الأولى: النفس مفطورة على معرفة الله.
الخاصية الثانية: التقلب والتطرف والخروج عن حد الاعتدال.
الخاصية الثالثة: في النفس معرفة الخير والشر.
الخاصية الرابعة: النفس شديدة الحرص على الخير وجزوعة من الضر.
الخاصية الخامسة: العجلة والتسرع.
الخاصية السادسة: التردد والضعف.
الخاصية السابعة: التمرد والمكابرة والعناد.
الخاصية الثامنة: الجحود.
الخاصية التاسعة: شدة الحرص والتكالب على جمع المال.
الخاصية العاشرة: أحكامها عاطفية تبعا لانفعالاتها.
الخاصية الحادية عشر: الشهوة والتذوق والاستمتاع.
الخاصية الثانية عشر: الخوف والرجاء.
الخاصية الثالثة عشره: الشح والبخل.
الغرائز النفسية في القرآن الكريم
فبينا أن الغرائز في النفس الإنسانية شهوات فطرية ترغب فيها النفس وتميل إليها وهي جزء من تكوين الإنسان لها وظيفة تؤديها ليكمل بها دوره في الحياة ويسعى في صلاحه وتحقيق ما يجلب له الخير ويدفع عنه الشر ويحفظ بقاء الجنس البشري.
وأيضا يظهر خطر الانحراف بسبب نفس الشهوات التي إذا لم يستطع الإنسان السيطرة عليها تحولت إلى مرض يفتك بالنفس ويحيل الإنسان إلى حيوان كاسر لا هم له إلا أن يرضي أهواءه ولو على حساب إيذاء الآخرين وظلمهم.
ومن أقوى الشهوات وأكثرها عمقا في النفس شهوة حب الإنسان لذاته فتصاب النفس المريضة بعدة أمراض منها الرياء والكبر والتعالي على الناس والإعجاب بالنفس وحب المدح من الناس والأنانية والشح والحسد وكثرة الغضب.
ثانيا: شهوة حب المال
حب المال والتملك غريزة فطرية عند الإنسان ومرتبط أيضا بشهوة حب النفس ولهذا وكلما ازدادت شهوة حب النفس ازدادت شهوة حب المال, ولكنه قد يكون فيه فضيلة إذا جمع من حلال وأدي حق الله فيه وانفق في وجوه الخير والطاعة.
ثالثا: شهوة البطن والطعام
وشهوة البطن لا يستغني بشري عنها فبها قوام حياته لكنها أحيانا تسيطر على صاحبها فيتحول أسيرا لهواها, فأرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى الاعتدال في الطعام والشراب حتى نكسر شهوة البطن وننجو من انحرافاتها حتى لا يصبح الإنسان كالبهائم.
رابعا: شهوة الفرج ودافع الجنس
الشهوة الجنسية غريزة طبيعية ومحترمة جبلت عليها النفس البشرية في كل من الرجل والمرأة وذلك لتحقيق هدف سام وهو بقاء النوع الإنساني, لكن هناك انحرافات شديدة في هذه الشهوة ربما تكون من أكثر الانحرافات الموجودة فيها, ومن ثمار وجود هذه الانحرافات قسوة القلب وضعف الإيمان وكثرة الوقوع في المعاصي وذهاب الحياء فأمر الله الرجال والنساء بغض البصر فقال: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون*وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن" فغض البصر هو السبيل الأول لحفظ الفروج, وحرم الإسلام الاختلاط وأمر بحجاب النساء حتى يكسر الدوافع المثيرة لانحراف هذه الشهوة.
الصحة النفسية والعلاج النفسي في القرآن الكريم
الصحة النفسية عند علماء النفس هي: حالة من التوازن والتوافق بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان والمجتمع توصل الإنسان إلى حالة من الشعور بالطمأنينة والرضا والارتياح, ولكن جاء تعريف آخر من علماء المسلمين فعرفوا الصحة النفسية بأنها: "حسن الخلق مع الله ومع الذات ومع الناس".
ولن يأتي حسن الخلق هذا إلا بالإيمان الحقيقي والقوي الدافع للإنسان لاكتساب الخير والبعد عن الشرور والانحرافات.
وأتى الباحثان على الجزء الأكثر أهمية في البحث وهو:
العلاج النفسي في القرآن الكريم
فالإنسان في هذا العصر مادي بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى وبالتالي أصبح الهم والقلق في هذا العصر سمة غالبة عليه فسلبهم طعم الأمن ولذة الاطمئنان وغفل الكثيرون من معالجي النفوس لكون الدين هو العنصر الأهم في معالجة النفس من اضطراباتها وأمراضها, فكما أن الدين هو الطريق إلى العقل هو الطريق إلى القلب ولهذا فالإيمان بالله عز وجل هو انجح علاج نفسي.
أولا: العلاج النفسي للأخطاء السلوكية.
وضع الباحثان نقطتين هامتين في هذا الموضوع وهما:
- مساعدة الفرد على الاعتراف بخطاياه لله سبحانه وليس للبشر.
- التوبة والتكفير.
ثانيا: العلاج النفسي للاضطرابات النفسية
في علاج الخوف والقلق بذكر الله حيث قال سبحانه " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب", وبالصلاة حيث قال "إن الإنسان خلق هلوعا*اذا مسه الشر جزوعا*وإذا مسه الخير منوعا*إلا المصلين *الذين هم على صلاتهم دائمون", وبالصبر حيث قال "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين".
وفي علاج مرض الرهاب هو الخوف من أمور معينة الذي يزيد إلى أحوال غير عادية فيبدا علاج الإسلام منه من التربية والتنشئة بان يضع الخوف الأكبر في حياته من ربه سبحانه فيهون عليه كل شئ بعده "فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي".
وفي علاج الوسواس القهري وهو التصرف الذي يجد الإنسان نفسه مجبرا عليه، نتيجة لأفكار معينه تعاوده باستمرار فيبدأ العلاج منه بالاستعاذة كما في سورة الناس آخر سور القران : "قل أعوذ برب الناس *ملك الناس* اله الناس*من شر الوسواس الخناس*الذي يوسوس في صدور الناس*من الجنة والناس" وفيه نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الاستسلام له كما جاء في قوله: "ثلاث لا يسلم منهن احد، الظن والطيرة والحسد، فإذا ظننت فلا تحقق ،وإذا تطيرت فلا ترجع ، وإذا حسدت فلا تبغ"
وفي علاج الاكتئاب وهو حالة من الأمراض النفسية التي تتجلى بالحزن وتصل إلى درجة اليأس الشديد فعالجها القران بتوضيح أن كل شئ مقدر وان الحزن على ما فات لا يفيد شيئا كما أن الفرح بما هو موجود لابد وان يقنن ويضبط فقال سبحانه "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور" ونصح وأمر كل مبتلى أن يذكر ربه سبحانه ويعلم انه هو نفسه صائر إلى ربه كيف بما يملك إن ضاع منه أو فقده "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون*أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
وجاء ختام بحثهما في ذكر عدد من المبادئ النفسية في القرآن الكريم التي تبين ماهية النفس وعلاقتها بالكون وبالآخرين وكيفية التعامل مع كل الحوادث والمستجدات في تلخيص بديع.
إن هذا البحث بالفعل بحث قيم جدا في موضوعه ولكن يحتاج إلى بسط أكثر من ذلك فالموضوع شيق وثري ويفتح بابا كبيرا للصحة النفسية للمسلمين الذين هم بالفعل دون أن يدروا هم اقل أهل الأديان في العالم في نسبة ظهور الأمراض النفسية لما يفعله الإيمان والقران بهم حتى لو لم يعلموا تفاصيل ودقائق الأمور.
جزى الله الباحثين خير الجزاء على هذا البحث القيم

لتحميل الدراسة انقر هنا: