بسم الله الرحمن الرحيم"يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق، إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، فآمنوا بالله ورسله، ولا تقولوا ثلاثة, انتهوا خيراً لكم، إنما الله إله واحد، سبحانه أن يكون له ولد، له ما في السموات وما في الأرض، وكفى بالله وكيلاً. لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون، ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً." صدق الله العظيم (النساء، 171 و 172).إن من يقرأ في التاريخ المسيحي يجد أن فكرة التثليث، أو ألوهية المسيح، لم تسُد العالم المسيحي إلا بعد مرور ثلاثمائة عام بعد الميلاد، أما قبل ذلك فقد كان العالم المسيحي منقسماً بين أتباع آريوس الذي نادى بوحدة الإله وعبودية المسيح، والذين آمنوا بالتثليث الذين كانت لهم الغلبة في نهاية المطاف. فمن أين أتي معتقد التثليث؟تشير النصوص المسيحية إلى أن أول من قال بهذه الفكرة هو "القديس" بولس، وهو من أكثر من ساهموا في استقرار الديانة المسيحية وانتشارها في العالم، ويعتبر المعلم لكتاب الأناجيل، أو من يسميهم النصارى بالرسل Apostles. والقديس بولس كان رجل دين يهودي يتمتع بسلطة كبيرة في عهد المسيح عليه السلام، ولم يلتق المسيح في حياته، وإنما كان من أشد من يضطهدون النصارى ويؤذونهم. وبعد رفع المسيح عليه السلام بسنين طويلة، دخل بولس فجأة في الديانة الوليدة وقال إنه آمن بها، ثم ادعى أنه رأى المسيح عليه السلام في منامه، وأنه أخبره بأنه هو الله وأمره بأن ينشر ذلك على الناس.ولم يصدقه الجميع بالطبع، وخاصة أولئك الذين عاصروا المسيح عليه السلام ولم يسمعوه يقول ذلك، ولكن الذين صدقوه من بين النصارى كانوا أكثر ممن كذبوه.ويشاء الله سبحانه وتعالى أن يظهر لنا، بعد ما يقارب الألفي سنة، أثراً من آثار أولئك الذين لم يصدقوه، من بين الذين آمنوا بعيسى عليه السلام. فقد كانت هناك من بين من آمن بالمسيح عليه السلام طائفة من بني إسرائيل منعزلة على نفسها، تسمى بالجوهريين Essences، وكانت هذه الطائفة تعيش حياة زهد وعزلة على شواطئ البحر الميت في فلسطين. وكان أفراد هذه الطائفة يشيرون إلى أنفسهم بعبارة "أبناء النور" (الواضح أن لفظة "أبناء" هنا لا يقصد بها البنوة الفعلية وإنما "أتباع" أو ما شابه ذلك، ويبدو أن ذلك كان تعبيراً شائعاً في اللغة العبرية القديمة، وهو ما يلقي بظلال من الشك على تفسير العبارات التي نسبت إلى المسيح عليه السلام والتي يقول فيها إنه "ابن الله"، إذ لربما يكون المقصود بالبنوة هنا نفس البنوة المشار إليها في عبارة "أبناء النور".) وكانت هذه الطائفة تنتظر وصول "المسيح". ويعتقد بعض الباحثين الكنسيين أن هناك إشارة في الإنجيل إلى أفراد من هذه الطائفة، التي عرفت بلباسها الأبيض وامتهانها حرفة الطب، إذ وردت إشارة في إنجيل مرقس إلى "رجل يرتدي معطفاً أبيض" (مرقس، 16-5)، وإلى "رجلين يرتديان ثياباً مبهرة" (لوقا، 24-4)، قرب مقبرة المسيح الفارغة (رغم أن إنجيل يوحنا يشير إلى الرجلين بعبارة "ملكين بلباس أبيض"). ويعتقد أيضاً أن الرجل المجهول الذي ورد في الإنجيل أنه الذي استأذن الحاكم بيلاطس وأخذ جسد المسيح من على الصليب هو طبيب من هذه الطائفة.وأذكر هنا أن جميع المؤرخين يجمعون على أن اللفائف التي عثر عليها البدو على شواطئ البحر الميت في أواخر الأربعينات من هذا القرن تخص هذه الطائفة. وكانت هذه الطائفة تتوقع غزو الملك البابلي نبوخذ نصر لفلسطين وتدميره لدولة بني إسرائيل بعد رفع المسيح ومقتل يحيى عليهما السلام بسنوات قلائل، فدأبت على تسجيل قوانينها ومعتقداتها بدقة وإخفائها في كهوف الجبال في وادي قمران على ساحل البحر الميت. وتعود هذه اللفائف إلى الفترة من عام 10 قبل الميلاد إلى عام 68 بعد الميلاد، وقد احتوت هذه اللفائف على أسفار من التوراة تعود إلى ألف سنة قبل أقدم نص توراتي معروف، إضافة إلى ما كتبه رجال تلك الطائفة عن تلك الفترة الحاسمة في تاريخ بني إسرائيل، التي شهدت رسالة المسيح ويحيى عليهما السلام، ثم ما حاق ببني إسرائيل من دمار على يد الملك البابلي نبوخذ نصر.وتحكي لنا هذه اللفائف عن النزاع القائم بين أوائل قادة المسيحيين في ذلك العصر، مشيرة إلى شخص تصفه بالكاذب اتهم بأنه يدعو إلى معتقدات زائفة ابتدعها هو، كما ورد في المزمور رقم 37 في تلك اللفائف.كما تتحدث اللفائف عن "جيمس"، الذي وردت إشارات إليه في النصوص المسيحية باعتباره "أخا السيد"، أو أخا المسيح عليه السلام. والاعتقاد الشائع أن جيمس المشار إليه هنا هو أول بطاركة بيت المقدس، وهو ليس الوحيد الذي تشير إليه النصوص المسيحية باسم "أخ السيد" أو "أخ المسيح"، وإنما هو واحد من مجموعة يشار إليهم باسم "إخوة السيد". ويقول البعض إن جيمس هذا هو ابن ليوسف النجار الذي تزوج من مريم بعد ذلك، والذي فر بها إلى مصر خوفا من بطش الحاكم الروماني بابنها المسيح عليه السلام. ويقول آخرون إنه ابن خالة المسيح عليه السلام، فيما يذهب البعض إلى احتمال وجود أكثر من شخص يحمل الاسم نفسه بين أقارب وحواري المسيح عليه السلام. ولكن الاعتقاد الغالب هو أن المقصود بالأخوة هنا هم المجموعة التي كانت أقرب الناس إلى المسيح قبل رفعه، وأن الشخص الذي تشير إليه لفائف البحر الميت هو جيمس الذي كان أول بطاركة بيت المقدس، والذي كان مقرباً جداً من المسيح عليه السلام. وتشير النصوص المسيحية إلى "جيمس" باعتباره رمزاً للحق، وتصفه بأنه تزعم طائفة اشتهرت بغيرتها على تطبيق نصوص القوانين الدينية. وكان على جيمس هذا أن يواجه خصمين منفصلين، أولهما داخل إطار الديانة النصرانية وهو بولس وأتباعه، وثانيهما من خارج إطار الديانة النصرانية وهو طائفة الصدوقيين وعلى رأسهم عنانس الذي حكم بقتل المسيح عليه السلام. ويتحدى جيمس عنانس علناً، ويلقى مصرعه على يد رجاله، ولكن عنانس يقتل أيضاً انتقاماً لذلك. وتحكي لفائف البحر الميت قصة جيمس هذا، واصفة إياه بـ "المعلم". وكما كان على جيمس المذكور في النصوص المسيحية أن يواجه عدوين منفصلين، فإن المعلم في لفائف البحر الميت يواجه خصمين مختلفين: أحدهما كما ذكرنا هو الكاذب، وهو دخيل على الديانة سُمح له بالدخول إليها ليثور على تعاليمها ويتشاجر مع "المعلم" ويخرج بمعتقداتها عن مسارها السليم. وحسبما تقول اللفائف، فإن "الكاذب (إشارة إلى بولس) لم يستمع إلى الكلمات التي تلقاها معلم الحق (إشارة إلى جيمس) من فيه الإله (إشارة إلى المسيح، واعتمدت هنا على الترجمة الإنكليزية ولا أدري ما مدى صدقها فيما يتعلق بكلمة "الإله")". وتسترسل اللفائف قائلة إن الكاذب دعا غير المؤمنين من بين أولئك الذين اتبعوا العهد الجديد وأخبرهم بأنهم لم يتبعوا عهد الله، وأنه ضلل الكثيرين وأنشأ مذهباً مبنياً على الخداع، واصفة إياه بأنه "ممتلئ بالخداع والأكاذيب". وهذه التهم نجد لها أيضاً صدى في سفر الأفعال Acts، ويتعرض بولس نتيجة لها لمحاولة اغتيال. فهذه اللفائف تخص طائفة من بني إسرائيل عاصرت المسيح عليه السلام وآمنت به عبداً ورسولاً، وليس إلهاً كما قال أغلب النصارى بعد ذلك. وقد أقر الإنجيل بوجود هذه الطائفة وبغيرتهم على الحفاظ على الدين. ومن هنا فإنني أعتقد أن هذه الطائفة كانت على طريق الصواب، ولعل هذا اللفائف تحتوي على مزيد من المعلومات أخفاها اليهود والنصارى كعهدنا بهم تدحض كفر اليهود بعيسى عليه السلام وشرك النصاري بالله بإشراكهم لعيسى والروح القدس في ألوهيته.