عاجل مستقبل أرض الميعاد وآجله يحدده الشرع الحنيف وسنن الله الكونية لا أمزجة البشر:
وابتناءً على ما سبق فإن موقع النزاع الآن بين بنى إسرائيل وبنى إسماعيل على تحقيق وعد الله لا محل له، لأن هذا الوعد قد قضى الله فيه بـأمر، وقد قضى سبحانه ضمن ما قضاه ألا حق لبنى إسرائيل في هذا الوعد بعد بزوغ فجر الإسلام، لا لأنه كان موقوتاً بمدة معينة انتهت وفقط، بل ولأنهم مع ذلك تعدوا- باحتيالهم على محارم الله ومخالفتهم وصاياه وشريعته، وباجترائهم على أنبيائه والصلحاء من عباده- وفي أثناء مدتهم وفترة تحققه فيهم، حدود اللياقة مع الله ورسله.
ولو أنهم استقاموا على الطريقة لظل موعود الله لهم ومعهم إلى أن أسلموه لأبناء أعمامهم عن طواعية اقتداءً بحال أنبيائهم مع نبينا ليلة الإسراء، ولكان لهم في ذلك أيضا الشرف أن لم يخرج هذا الأمر إلى أحد من غيرهم، بل ولما سلط الله عليهم ومن قبل ذلك بزمن طويل وإلى يوم القيامة من يسومونهم من كل أمة سوء العذاب.
يقول ابن كثير في تفسير قول الله تعالى (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب .. الأعراف/167): "إن موسى عليه السلام ضرب عليهم الخراج سبع سنين وقيل ثلاث عشرة سنة وكان أول من ضرب الخراج، ثم كانوا في قهر الملوك من اليونانيين والكشدانيين والكلدانيين ثم صاروا إلى قهر النصارى وإذلالهم إياهم وأخذهم منهم الجزية والخراج، ثم جاء الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم فكانوا تحت قهره وذمته يؤدون الخراج والجزية" ، إنه الملخص الأمين والشديد الإيجاز لتاريخهم الحالك السواد.
لقد ذهب وعد بنى إسرائيل- بعد أن كثر فيهم الخبث وافتقد فيهم الأمل - إلى غير رجعة، وإذا كان حال أكثرهم مع موسى هو ما ذكرنا فقد (خلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ألا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه.. الأعراف/ 169)، ولقد وصل الأمر بهذا الخلف الممتد إلى يوم القيامة على الرغم من أنه ورث التوراة عمن سبقه، لأن يصير حاله أسوأ من حال من سبقه، وأن يعتاض عن بذل الحق ونشره، بعرَض الحياة الدنيا، وكلما لاح له معصية واقعها ولا يبالي ، وما اتباع كل الوسائل الرخيصة في تحقيق مأربه وانتهاج مبدأ الغاية تبرر الوسيلة بخافٍ على أحد، ناهيك عما جبل عليه من عنصرية تجسدت في الاعتداء على الآخرين بعد هدم منازلهم وإخراجهم من ديارهم بغير حق واستحلال أموال ودماء الغير وتعطش لانتهاك حرمة هذا الغير دون مراعاة لأية مبادئ أو قيم، وقد شاءت إرادة الله أن تنكشف (بروتوكولات حكماء صهيون) لتبدي حجم المؤامرة الجهنمية التي اجتمع عليها أبالسة الأرض وأجمعوا والتي تهدف إلى إفساد العالم وانحلاله لإخضاعه في النهاية لمصلحة اليهود ولسيطرتهم دون سائر البشر.
لأجل ذلك كله استحق هذا الخلف بموجب سنن الله الكونية في إهلاك من كثر الخبث فيهم ولا يتناهون عن منكر فعلوه.. وعيده لا وعده، حيث يقول سبحانه: (وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم* وقطعناهم في الأرض أمماً .. الأعراف/167، 168)، إذ أنى لقوم هذا حالهم أن تقوم لهم قائمة أو تقم لهم دولة، اللهم إلا إذا تساووا مع عدوهم في المعصية فحينذاك تظل لهم الغلبة لكونهم حسب ما تقضى به قوانين الحياة المادية أكثر عدة وبأشياعهم وبمن سيطروا على عقولهم أكثر عدداً، وفي ذلك يقول عز جاره وعظم سلطانه: (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً* إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً* عسى ربكم أن يرحمكم وان عدتم عدنا.. الإسراء/7، 8).
لقد أوضح الحافظ ابن كثير (3/26)، أن المراد بقوله: (فإذا جاء وعد الآخرة): "أي أفسدتم الكرة الثانية"، كما ذكر ذلك الآلوسي في (روح المعاني) من المجلد التاسع، وفيما ذكراه- على ما سيأتي- ما يؤكد ربط الإفسادة الثانية بالكرة الثانية وربط الأخيرة بقوله: (جئنا بكم لفيفاً) وربط ذلك كله بما يحدث لليهود الآن.
فبموائمة ما ذكره الحافظ والآلوسي وغيرهما مع ما جاء في صدر السورة من قوله سبحانه: (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً .. الإسراء/8)، وبضميمة هاتين إلى الوعيد المترتب على الإفساد في قوله: (لتفسدن) والتعبير عنه بالمضارع وباللام الموطئة للقسم والممحضة لوقوع ذلك في المستقبل يعني- فيما ترجح لدينا- بعد نزول الآية وتحول الموعود لتكون الحجة لهم ألزم وأدوم إلى قيام الساعة.. وإطلاق لفظ (عباداً لنا) الذي ليس ثمة أولى وأحق بالوصف به من النبي وصحابته الذين على أيديهم قامت خلافة الله الراشدة وكذا من ستعاد على أيديهم قرب الساعة .. يظهر بوضوح أن الإفسادة الثانية هي المتمثلة الآن فيما يقع لليهود من علو وهيمنة وانفراد بالسلاح النووي وإشاعة لروح الخلاعة عن طريق الأفلام والإباحية، وتبنيهم للنظام الربوي العالمي ونشرهم للنوادي المخربة للعقائد، وانتهاكهم للحريات وإهدارهم للحقوق وسفكهم للدماء، وإعلانهم الصريح والجريء للحرب على كل المبادئ والقيم وعلى الإسلام وكتابه ونبيه وأهله، وتحريقهم للمسجد الأقصى الأسير، والعمل على تخريبه بالحفر أسفله وبحصاره والتضييق على المصلين بوضع القيود لدخوله ومنعهم أحياناً من تأدية صلاتهم فيه بحرية بل والاعتداء عليهم بالقتل أحياناً أخرى، وما حادث اعتداء المجرم المدعو (جودمان) تجاه الركع السجود بشكل عشوائي في 11/4/ 1982 والذي أسفر عن مقتل أحد حراس المسجد وجرح سبعة، وما محاولة زرع قنابل في رحابه بغرض تدميره أكثر من مرة بخاف على أحد .
الأمر الذي يعني أن ما عدا ذلك مما وقع لهم سواء على أيدي مسلمين أو كفار هو مما يصدق عليه قوله تعالى: (وإن عدتم عدنا .. الإسراء/8)، وقوله: (ليقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين .. آل عمران/127).
وسيتحقق عقب إفسادتهم الثانية وعيد الله بتأديبهم وعقوبتهم وتسليط المسلمين عليهم كما سلطوا عليهم عقب الإفسادة الأولى التي كانت على ما ترجح لدينا بُعيد البعثة المحمدية حين كاد بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة وأهل خيبر، وبغوا على الرسول صلى الله عليه وسلم وغدروا بمعاهداته وحاكوا له المؤامرات ودسوا السم في طعامه وألبوا عليه وعلى أصحابه الأحزاب، ولقد صدق الله وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، فمكن سبحانه له ولأصحابه من أهل الحق وردوا يهود المدينة على أعقابهم وأجلوهم من يثرب عن بكرة أبيهم بعد أن أعملوا فيهم القتل والسبي وضرب الذلة والمسكنة ، ثم قاموا بتحرير الأرض المقدسة من دنسهم بعد أن تعاهدوا مع أهلها ألا يدخلها ولا يسكنها أحد من اليهود.
ولعل ما يؤيد هذا الاتجاه في تحديد الإفسادتين الواردتين في صدر سورة الإسراء ما نراه حاصلاً الآن، ومتفقاً مع ما جاء في قول الله متحدثاً عن نهاية بني إسرائيل بعد الإفسادة الثانية: (وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً.. الإسراء/104).
فما التف بنو إسرائيل طوال تاريخهم الطويل بمثل ما التفوا الآن فقد بدءوا ينسابون إلى أكناف بيت المقدس في غفلة من المسلمين، وكان تعداد أول من هاجر منهم في أعقاب سنة 1882-على الرغم من إصدار الحكومة التركية العثمانية قانوناً يحرم على اليهود دخول فلسطين- خمساً وعشرين ألف مستوطن، أضيف إليهم خمسون ألفاً من اليهود الأوربيين تسللوا سنة 1895م تحت جنح الاستعمار الإنجليزي، حتى ارتفع عددهم بعيد وعد بلفور سنة 1917إلى 300 ألفاً يعني بما يعادل10 % من نسبة سكان فلسطين على مسافة تقدر بـ 2% من المساحة، ثم إلى 400 ألف عام 1936، ثم إلى 650 ألفاً على مساحة تقدر بـ 80% من أرض فلسطين بعد أن تم تشريد 800 ألف من سكانها عام 1948، وتتابعت فيما بعد الهجرات من كل أنحاء العالم حتى أربى عددهم الآن إلى الأربعة ملايين من أكثر من سبعين جنسية ومن مجموع عشرين مليون هم يهود العالم في أصقاع الأرض، تجمعوا في زمن قياسي واستوطنوا البلاد بعد أن أخرجوا منها أهلها بغير حق، وأنشأوا فيها المدائن والمدارس والمصانع وراحوا "ينفثون سمومهم في أرجاء الأرض ليدمروها ويحتلوها ليتوجوا الدجال – المسيح الأعور- لأورشليم القدس" ، بعد أن أوتوا من الآلة العسكرية والقوى التدميرية والهيمنة السياسية والاقتصادية ما لم يؤتوه من قبل وما يفوق الوصف والخيال مصداقاً لقول الله تعالى: (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً .. الإسراء/6)، وليكونوا بعد ذلك هدفاً للإهلاك والتدمير على يد عبادٍ لله يسلطون عليهم فيقهرونهم ويجبهون وجوههم بالمساءة والمذلة ويدمرون ما يغلبون عليه من مال وديار ويدخلون المسجد الأقصى ويحررونه كما حدث على عهد عمر وعلى ما جاء في قوله عز من قائل: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة ولتبروا ما علوا تتبيراً ..الإسراء/104).
ويشهد كل من له أدنى بصيرة مدى استحكام العداء من قِبل معشر يهود تجاه أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فما من بلاء يقع فيه المسلمون في شرق أو غرب إلا ولليهود اليد الطولى فيه، مما يؤذن بأن المواجهة حاصلة لا محالة.
ومما يشعر بطعم الراحة وبرد اليقين أن هذا العداء والإفساد الذين يصدران ويحدثانه بنوا إسرائيل خاصة ما يقع منهما في أرض المعراج، شرطان ضروريان لكي يتحقق وعيد الله فيهم لينزل بهم عقابه وعذابه، أما الإفساد في الأرض الذي لم يقع لهم إلا بعد علو وتمكين يمكّناهم من قهر عدوهم وتدمير حياتهم بصورة يجد المغلوب على أمرهم من أصحاب الحق والأرض أثرها ألماً في نفوسهم ومرارة في حلوقهم، فهذا يشعر به أهل الأرض جميعاً، وقد وقفنا على بعض مظاهره وأما العداء المستوجب لحتمية المواجهة فهو باد للعيان وبأدلة الشرع لكل ذي عينين.
ومن الأدلة المنبئة بحدوث المواجهة بين هذه القوة الغاشمة وأهل الإيمان الذين سيتحقق على أيديهم بمشيئة الله وعد الله بالنصر والتمكين رغم كل ما ذكرنا من هيمنة عدوهم، ما أخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر من قوله صلى الله عليه وسلم: (تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يختبئ أحدهم وراء الحجر فيقول الحجر: يا عبد الله هذا يهودي ورائي فاقتله) وفي رواية لأبى هريرة بلفظ (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر.. لحديث ، وقد حدث- وأيم الله- ما تنبأ به وأنبأ عنه رسول الله الذي (ما ينطق عن الهوى . إن هو إلا وحي يوحى .. النجم/3، 4)، فقد طالعتنا مجلة الأزهر في عددها الصادر في ربيع الآخر لعام 1424الموافق لشهر يوليو لسنة 2002نقلاً عن جريدة (آفاق عربية) المصرية بتاريخ 9/5/2002 من حديث للشيخ أحمد ياسين -عليه رحمة الله- عبر الهاتف موجهاً كلمته لمؤتمر نقابة الأطباء الرابع بمحافظة الغربية إحدى محافظات مصر وسمعه مئات الحاضرين: "إن بشائر النصر قد رأيناها بأعيينا حيث إن رجال المقاومة في (رام الله) ظلوا يطاردون أحد المستوطنين حتى اختفى عن أعينهم خلف الأشجار فأنطق الله الشجر وقال لهؤلاء الأبطال: (هذا اليهودي ورائي)، ويذهب الشباب إليه خلف الشجرة ويقتلونه".. ثم يختم الشيخ كلامه قائلاً: "إنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ومن الأدلة المرجحة لاعتبار الإفسادة الأولى ما كان على يد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، ما جاء في قوله تعالى: (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد .. الإسراء/5)، إذ ما من شك أن الأجدر لجعل الغلبة لهم على اليهود، والأحق- في ذات الوقت- بوصفه تعالى (عباداً لنا) هم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، لا ذاك المجوسي الكافر (بختنصر) ولا غيره ممن أهانوا القدس ودمروه .. ومنها ما جاء عن اليهود الذين حزبوا الأحزاب لاستئصال شأفة الإسلام بعد أن (ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب.. الحشر/2): (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً. وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطؤوها وكان الله على كل شئ قديراً .. الأحزاب/26، 27).
لقد رسمت آيات سورة الإسراء أمامنا الصورة واضحة وشخصت ما نحن فيه الآن وأوقفتنا على ما لنا وما علينا، فهذه القلة المتمردة التي ابتلينا بها وتسعى لأن تجمع نفسها بعد أن نزل بها من بأس الله ما نزل، قد يجعل الله لها الكرة إذا تساوى من يريد التصدي لها معها في المعصية والابتعاد عن منهج الله، ولا ولن تتمكن الأمة المسلمة حتى وان كانت كثيرة العدد- كغثاء السيل- من هذه القلة التي تملك من الأسلحة المحرمة وغير المحرمة ما تملك، إلا إذا أذعنت للحق وأقامت شريعة الله وخلافته في الأرض ونزعت عن نفسها ثوب الوهن المتمثل في حب الدنيا وكراهية الموت وأعادت لنفسها الإمامة والريادة وحققت العبودية لله بكل معانيها، والى أن يحدث ذلك فتُخرج من بين أظهرها (عباداً لنا أولى بأس شديد.. الإسراء/5)، يتحقق لهم موعود الله ونصره المؤزر وتعود لهم خلافتهم الموعودون بها في قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أحمد في مسنده [14/273]: (تكون النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء أن تكون ثم يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.. فسيظل الصراع مستمراً إلى يوم القيامة بين قوى الشر وقوى الخير التي لن تعدم على أي حال جنوداً أوفياء يقفون على أكناف بيت المقدس لقهر عدوهم كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والطبراني بسند رجاله ثقات عن أبى أمامة: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء (أي من أذى) حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قيل يا رسول الله. وأين هم قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس )، وكذا ما رواه أبو يعلي من حديث أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق، إلى أن تقوم الساعة) ، وما رواه الطبراني عن خريم بن فاتك الأسدي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أهل الشام سوط الله في أرضه ينتقم به ممن يشاء من عباده، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم ولا يموتوا إلا هما وغماً) .
ومما جاء في السنة المطهرة مشيراً إلى محق الباطل وأهله ضمناً، وإلى تحقيق موعود الله لهذه الأمة صراحة قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم عن ثوبان: (إن لله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)، وقوله فيما أخرجه أحمد في مسنده (17082) عن تميم الداري: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مَدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر).
والله نسأل أن يستخلفنا ولا يستبدلنا وأن يجعلنا ممن يُعز بهم الإسلام وأن يلحقنا بمن في أكناف بيت المقدس ممن هم ظاهرون على الحق وأن ييسر لنا سبل الوصول إليهم، وأن يجمعنا وإياهم في الدنيا على محبته ورفعة دينه وفي الآخرة في مستقر رحمته..اللهم آمين.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخاتمة:
يحق لنا بعد كل ما تقدم أن نقول بكل ثقة ويقين مرددين ما ذكره الدكتور أحمد عصام البشري المفكر السوداني وعضو المجلس الوطني، في مجلة القدس العدد 24ص 6:
إن الحق التاريخي لليهود في أرض فلسطين والزعم بأن إسرائيل ما جاءت لتحتل أرضاً بل لتسترد حقاً، فرية شوهاء وكذبة بلقاء لا تقوم على ساق ولا تنهض بها حجة، وهي أوهى من بيت العنكبوت، كما أن القول بأن لليهود حقاً دينياً في فلسطين بدعوى أنها تُعد الآن امتداداً لمملكة داود التي قامت في القرن العاشر قبل الميلاد، لا يقوى أمام التحقيق العلمي، وكذا ما استطاعوا أن يؤثروا به على الغرب المسيحي من الاعتقاد بأن عودة المسيح مرهون بتجميع اليهود في أرض فلسطين، والإعلان بأن تأسيس الكيان الصهيوني تحقيق للنبوءة التوراتية التي تقول: إن الله وعد إبراهيم (بأن يعطي نسله أرض فلسطين. وكذلك وعد ابنه إسحاق وحفيده يعقوب ..)، كل ذلك وهم كبير، ذلك أن (أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا .. آل عمران/68)، كما أن الإمامة لا تنتقل بالوراثة وإلا شابها الجور والظلم الذي لا يرضى عنه رب العزة القائل لإبراهيم عندما (قال ومن ذريتي) طالباً إياها لبنيه ولبني بنيه من بعده، فكان الجواب من الله (قال لا ينال عهدي الظالمين .. البقرة/124).
وأضيف أن ادعاء يهود للحق الديني في أرض الميعاد إنما تبخر جراء مواقفهم المتمردة على أوامر الله وفعلهم الشر في عيني الرب وإغاظته، وبارتباط أكثر من ألف مليون مسلم الآن وأضعاف أضعاف ذلك من قبل ومن بعد إلى قيام الساعة بمنتهى مسرى نبيهم صلى الله عليه وسلم ومفتتح معراجه إلى سدرة المنتهى، كما تبخر ادعاؤهم بحقهم التاريخي بأسبقية العرب في هذه البلاد بألفي عام، وبغربتهم عن هذه البلاد منذ وقت امتلاكهم لها أيام داود كما جاءت بذلك نصوص التوراة [سفر القضاة 19: 11-12و صموئيل الثاني 24: 21-25] وإلى زوال دولتهم على أيدي الآشوريين والبابليين وهي فترة لا تزيد في جملتها عن مائة عام، والتاريخ وعموم الكتب المقدسة تشهد أنهم عاشوا فيها غرباء كما تشهد وتسجل أنهم عندما دخلوها لم يجدوها فارغة وعندما رحلوا عنها لم يتركوها فارغة، لقد كان فيها أهلها الفلسطينيون (الكنعان) المذكورون في التوراة والذين لا يزالون سلفهم الممتد إلى يوم القيامة على الرغم من محاولات تغيير معالم الأرض بعد اغتصابها واتباع كافة أساليب الإخراج، تلك المحاولات والأساليب التي يتبعها معشر يهود وتشهد بأنهم أعظم وأشد الناس معاداة للسامية.
وعليه فإن ثمة خيانة تلحق العرب والمسلمين إن هم فرطوا في شبر واحد من أرض فلسطين قاطبة أو في قدسهم الشريف على وجه الخصوص، وذلك بموجب الوثيقة العمرية التي أُمرنا من المعصوم صلى الله عليه وسلم بأن نعض على سنة صاحبها بالنواجذ، تلك الوثيقة التي نصت على ألا يسكن أرض إيلياء (فلسطين) يهودي واحد، والتي جاء في آخرها: "وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين".. بل وبموجب نصوص التوراة نفسها التي باسمها ينتهكون العرض ويحتلون الأرض ويريدونها من النيل إلى الفرات، إذ التوراة عينها هي التي انتزعت منهم حقهم في العودة إلى أرض فلسطين- التي هي في الأساس ليست لهم- وذلك بعد أن عاودوا أغاظوا الرب بمعبوداتهم الباطلة وتآمروا على أنبيائه وحرفوا الكلم عن مواضعه، وبعد أن خالفوا شرائعه ووصاياه، فاستحقوا بذلك أن يبددهم إلى الزوايا ويبطل من الناس ذكرهم [سفر التثنية32: 26]، ويذلهم ويستأصلهم من الأرض التي وعدهم من قبل بامتلاكها ويشتتهم في جميع الشعوب من أقصاء الأرض إلى أقصائها [سفر التثنية4: 25-27، 8: 17-20، 28: 63، 64، 30: 15-20، 32: 26وسفر الملوك الأول 9: 3-9 وسفر الملوك الثاني 17: 11-20وإرميا 25: 23].
ألا فليذهب أولئك الأنجاس وليرحلوا عن ديارنا ومقدساتنا، وليبحثوا عند من منّوهم بالرجوع إلى فلسطين، عن مكان آخر، أو فليعودوا من حيث جاءوا.. فلا مكان لهم بيننا وللبلاد المقدسة أهلها، ويتوجب عليهم حتى يقضي الله فيهم أمراً كان مفعولاً، أن يكفوا عن ظلمهم وبغيهم وعبثهم بالحرمات والمقدسات وإلا فـ (فليعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .. الشعراء/27)، (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار.. الرعد/42).
ولله من وراء القصد وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
انتهى في رجب الأغر من عام 1425من الهجرة المباركة.
أهم مراجع البحث
إتحاف الأخصا بفضائل الأقصى لأبي عبد الله محمد بن شهاب الدين أحمد بن علي المنهاجي السيوطي- الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة 1398 ط 1.
1ـ إظهار الحق لرحمت الله الهندي.تحقيق د.محمد مكاوي. دار الحرمين تحت إشراف الرئاسة العامة الإفتاء بالرياض.ط2 سنة 1413هـ.
2ـ الامبريالية والصهيونية والقضية الفلسطينية. د. بشير موسى نافع. دار الشروق ط1 سنة 1420هـ.
3ـ البداية والنهاية للحافظ ابن كثير مكتبة المعارف بيروت ط1 سنة1966م.
4ـ تاريخ الطبري. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ط2 دار المعارف بمصر سنة1962م.
5ـ تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير. مكتبة مصر بالفجالة.
6ـ تفسير القرطبى الجامع لأحكام القرآن ط/دار الغد العربي بالقاهرة.
7ـ التوراة السامرية ترجمة أبي الحسن الصوري ونشرد.أحمد حجازي السقا. دار الأنصار بالقاهرة ط1 سنة1398هـ.
8ـ الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح للإمام الألوسي البغدادي. دار البيان العربي.
9ـ خطط الشام لمحمد كرد علي. ط/ دار العلم للملايين بيروت سنة1389هـ.
10ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم للإمام الألوسي ط/ دار الفكر سنة1417هـ.
11ـ السيرة النبوية لابن هشام تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الإبياري وعبد الحفيظ شلبي.ط2 مؤسسة علوم القرآن.
12ـ عروبة بيت المقدس د. إسحاق موسى الحسيني من مطبوعات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية العدد 67 لسنة1421هـ.
13ـ علامات النبوة لعبد الملك علي الكليب مكتبة القدس بالمنوفية ط1لسنة1415هـ.
14ـ فتوح البلدان لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري تحقيق د.صلاح الدين المنجد مكتبة النهضة المصرية
15ـ في الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين لمحمد عزت الطهطاوي ط/ دار التراث سنة1399هـ.
16ـ(القدس) تقرير شهري يصدر عن مركز الإعلام العربي.أعداد .32,28,24
17القدس عربية. من مطبوعات الهيئة العامة للاستعلامات في جمهورية مصر العربية .
18ـ القدس عربية إسلامية د.فرج راشد. من مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000م.
19ـ القدس قضية كل مسلم د. يوسف القرضاوي.مكتبة وهبة ط2 سنة2000م.
20ـ القدس مدينة السلام عبر التاريخ. من مطبوعات الجمعية الرئيسية بالقاهرة.
21ـ الكامل في التاريخ. لعز الدين أبي الحسن المعروف بابن الأثيرط/ دار صادر سنة 1402هـ.
22ـالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.ط دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط عن الترجمة اليونانية سنة 1865م.
23ـ لسان العرب. لابن منظور.ط/دار المعارف بالقاهرة.
24ـ محمد نبي الإسلام في التوراة والإنجيل والقرآن. لمحمد عزت الطهطاوي. مطبعة التقديم.
25ـ المسجد الأقصى ومعركة النصر والفتح للشيخ عبد اللطيف المشتهري ط/دار الاعتصام.
26ـ نهاية اليهود لأبي الفداء محمد عزت عارف. دار الاعتصام بالقاهرة.
27ـ هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى. للإمام ابن القيم تحقيق د. أحمد حجازي السقا دار الريان ط/ الدار السلفية.
28ـ الوفا في أحوال المصطفى. للإمام ابن الجوزى تحقيق مصطفى عيد الواحد.ط1 سنة1386هـ دار الكتب الحديثة بعابدين.القاهرة.

هذا الكتاب: يفند أكاذيب معشر يهود وافتراءاتهم التي يزعمون من خلالها أحقيتهم في بيت المقدس خاصة وفي أرض فلسطين عامة، كما يتضمن الحقائق الدامغة التي لا يتطرق إليها أدنى شك لكونها مستقاة من كتابهم المقدس ومتكئة على ما استقر عليه الأمر في كافة الشرائع والأعراف والمواثيق الدولية، وهو رد على ما يثيره الدهماء والغوغاء من مسلمي ونصارى العالم الذين تخفى عليهم حيل وأساليب قوى الاحتلال الإسرائيلي وإعلامه المضلل من الزعم بأن أرض فلسطين هي ملك آبائهم وأجدادهم، ومن الادعاء بأنهم الأمة المفضلة وشعب الله المختار المستحق لأرض المسلمين من النيل إلى الفرات، وهو ما تنفذه الآن وبكل ما أوتيت من قوة أمريكا وتحالفها البغيض .. (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً).
كما أنه رد على هذه التفرقة والتقسيمة العجيبة التي ارتضى بها المجتمع الدولي تحت ضغط من القوى الاستعمارية وجراء سكوت العرب وضعف المسلمين، وأعني بذلك التفرقة ما بين ما قبل سنة 1967مما يزعمون أنه ملك لهم، وما بعد ذلك مما يقرون بأنه احتلال ولا حق لهم فيه.
وغاب عن منظمات هذا المجتمع الدولي- التي جاملت اليهود كثيراً ولا زالت تجاملهم بسكوتها عن جريمة انفرادهم بأسلحة الدمار الشامل دون سائر بلدان المنطقة وتغض الطرف عن فعالهم القبيحة ضد أصحاب البلاد بشكل يومي من قتل لأفرادهم وتدمير لديارهم ومن احتلال لأرضهم وأسر لشبابهم - غاب عنها أن هذه الجرثومة التي زرعت في أرض المسلمين بدون وجه حق، خطر على سائر دول العالم حتى وإن لم تكن في بلدانه، وأن أساس فكرة الاستيطان التي بدأت بعد وعد بلفور إنما بنيت على مبدأ إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، وأن فترة بقائهم المحدودة أيام نبي الله داود عليه السلام إنما كانت فترة احتلال واغتراب على ما نطقت بذلك كتبهم التي بين أيديهم، وأن هذا الوضع الاستعماري لا يرضاه العرب ولا المسلمون لأنفسهم، تماماً كما لا ترتضيه أية دولة لنفسها فضلاً عن أن يرتضيه لها المجتمع الدولي الذي الأصل فيه أن يكون عادلاً ولا يكيل لبني البشر بمكيالين.