[TR]
[TD="width: 100%"]إعداد: د/ ربيع بن محمد بن علي
الأستاذ بالجامعة الإسلامية
[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD="width: 100%"]

الإهداء
إلى قدس المسلمين التي لا يجوز لأحد تاريخياً ولا دينياً- وبموجب ما جاء في الكتاب المقدس وفي آي التنزيل وعلى ألسنة جميع الأنبياء والمرسلين- أن ينازعهم فيها.
إلى عز الإسلام وفخر المجاهدين ومهد النبوات، إلى زهرة المدائن وعبق التاريخ ومهبط الرسالات.
إلى مهبط الملائكة الأصفياء ومبعث جلّ الرسل والأنبياء ومسرى الرسول ومعراجه إلى السماء.
إلى عزمات صحابة الصادق الأمين، وثمرة كفاح الفاروق أمير المؤمنين، وهمة الصدق في يمين الناصر صلاح الدين، وغضبة الق في سيوف الحفدة الميامين.
*
أول ما تستدعيه الذاكرة المؤمنة عندما تذكر فلسطين .. المسجد الأقصى والقدس الشريف، والسر في ذلك ببساطة شديدة يكمن في ارتباط هذين المكانين بمعتقدات المسلمين وبعباداتهم، وبجهادهم وبقرآنهم وبنبيهم, كما يَمْثل في ارتباطهما بوحدة الدين وانتقال السيادة والإمامة إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم لكونها ونبيها أولي الناس بإبراهيم عليه الصلاة والسلام , الذي طلب ذلك لذريته عندما قال له ربه (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي)، فأجابه سبحانه: (قال لا ينال عهدي الظالمين .. البقرة/ 124).
لكن وبتبجح منقطع النظير يتردد دائماً وأبداً علي ألسنة زعماء أبناء صهيون وحاخاماتهم, أن بيت المقدس ملك لشعب يهود, وأن القدس الشريف عاصمة دولتهم المزعومة, ونذكر ضمن هذه التصريحات ما جاء على لسان أحد رؤساء وزرائهم السابقين وهو إيهود باراك الذي لم يكتف بالقول بأن "ستكون هناك أورشليم أكبر مما كانت عليه منذ الملك داود, وستكون موحدة ومعترفا بها من العالم كعاصمة لإسرائيل"، حتى أتبع القول بالعمل فسمح وقت أن كان رئيساً للوزراء لزعيم الحزب المتطرف المعارض والذي أضحى رئيساً للوزراء فيما بعد آريل شارون، باعتباره أول زعيم يهودي يتعامل مع قضية القدس بجدية ويسعى للقضاء على الوجود العربي والإسلامي بها, بإرسال كتيبة من العسكر يبلغ قوامها ثلاثة آلاف, لحمايته أثناء اقتحام المسجد الأقصى في غرة رجب1421هـ الموافق 29سبتمبر لعام 2000م، أي في ذكرى تحرير صلاح الدين للقدس في رجب 583هـ سبتمبر 1187م، ومنذ تلك اللحظة والعالم يشهد - دون أن يحرك ساكناً- حرب الإبادة الجماعية الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني المسلم، وحجم التدمير الذي تتعرض له بلاده بكل همجية وعنصرية، كما يرقب الانحياز الأمريكي الأعمى والصمت الغربي المريب لإسرائيل وما تقوم به من أعمال عدوانية حتى على الأطفال والنساء والعجزة في بقعة هي من أطهر بقاع الأرض.
والأمر الذي ينبغي أن يعيه كل مسلم, أن رفع شعار (أن تكون القدس عاصمة لإسرائيل الموحدة) والعمل من ثمّ على تحريرها من سكانها العرب والمسلمين .. إنما ينبع لدي أولئك الساسة ورجال الدين من منطلق عقدي هو أنها الأرض التي وعدوا بها على ألسنة رسلهم, وقد تم التخطيط لهذه الانطلاقة منذ بداية هذا القرن على يد (هرتزل) الذي فكر في إقامة دولة يهودية سياسية، ثم عدل عن ذلك لما بدى له معارضة مؤتمر الحاخامات, وعدم رغبة يهود العالم في النزوح عن بلادهم التي استقروا فيها, الأمر الذي دعاه لأن يعمل على تحويل الموضوع من قضية سياسية إلى قضية دينية يلهب بها عواطف جماهير اليهود, وقد رأى أن فلسطين هي المكان الوحيد الذي يناسب هذه الدعوة الجديدة, باعتبارها حسب ما تقضى به عقائد اليهود الباطلة (أرض الميعاد) .
وانتصرت فكرة (هرتزل) التي تضمنت – على ما جاء في وقائع المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في مدينة (بازل) السويسرية في سبتمبر من عام 1898 – قيام دولة إسرائيل في فلسطين بعد خمسين عاماً، وقيام إسرائيل الكبرى التي تشمل على حد زعمهم الحدود التاريخية والدينية الممتدة من النيل إلى الفرات بعد مائة عام- وهي ما تسعى الآن جاهدة في سبيل تحقيقه من خلال غزو العراق عن طريق حلفائها من الأمريكان والغرب المدعومين من حكام العرب الخونة وأنظمة حكمهم المستبدة المذعورة- ودعا هرتزل في سبيل تحقيق فكرته لإزاحة السلطان عبد الحميد الثاني خليفة المسلمين, الذي كان يمثل العقبة الكؤود أمام تحقيق الحلم الصهيوني، وكان لهرتزل فيما بعد ما أراد، فقد احتضن المؤتمر اليهودي العالمي فكرته عام 1905 أي بعد وفاته بسنة واحدة وعمل اليهود من ساعتها على تقويض الخلافة الإسلامية, و ساعدهم في كل هذا ولازالت قوى كبرى حاقدة على الإسلام والمسلمين.
ومن يوم أن وعد (بلفور) وزير خارجية بريطانيا يهود العالم بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين في 2/11/1917 ليعطي من لا يملك من لا يستحق، والأحداث تتواصل بسرعة مذهلة, فما أن أقامت إسرائيل دولتها في 15/5/1948 واعترفت بها روسيا بعد ثمان دقائق, وأمريكا بعد نصف ساعة, وقررتا أن إسرائيل خلقت لتبقى .. حتى دخلت في 5/6/1967م في حرب مع جيرانها من العرب, استولت خلالها على القدس الشريف والضفة الغربية وغزة وجنوب لبنان ومرتفعات الجولان وأرض سيناء.
ثم ما لبث أن فجع العالم الإسلامي بعدها بـ (مناجم بيجن) يضيف إلى البعد السياسي الذي انتزعه الصهاينة دون أي مستند لوضع القدس، بعدأ آخر دينياً وذلك أثناء تعقيبه على خطاب الرئيس (السادات) أمام الكنيست حيث قال مؤكداً هذا الحق المزعوم:
"إن حق إسرائيل في فلسطين حق أبدى تاريخي تشهد له الكتب, ومنها القرآن نفسه"، وبعد استدلاله بقول الله تعالى على لسان موسى: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين .. المائدة/ 21)، أردف يقول "إن الله فرض لنا الأرض المقدسة دون سائر الخلق فلا يجوز لأحد دينيا أن ينازعنا فيها" .
ونسى هذا وكل من يردد قوله أن (الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.. الأعراف/128)، ومصداقه في كتب القوم ما جاء في سفر (لاويون25: 23) من قول الرب في خطابه لبني إسرائيل: "والأرض لا تباع بتةً. لأن لي الأرض وأنتم غرباء ونزلاء عندي"، كما نسي هو وكل من قال بقوله أن سنة الله تقضى بألا يمكن إلا لمن يقيم العدل في الأرض، ويشيع الصلاح بين جنباتها، كي تنسجم حركه الكون مع من فيه، وبذا يعمر الكون بذكر الله، ويشدو من فيه بتوحيده، إذ الكون وما فيه ومن فيه ما خلق إلا لهذا (وإن من شيء إلا يسبح بحمده.. الإسراء/44)، (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.. الذاريات/56).
كما نسي هؤلاء أو تناسوا أن تاريخهم الأسود بماضيه البائس وحاضره اليائس، ملطخ بدماء الأبرياء ومليء بانتهاك حرمات رب الأرض والسماء، ومفعم بالتآمر على أنبياء الله والصلحاء من عباده ومترع بكتمان وتحريف الكلم عن مواضعه وحافل بضروب الظلم ومختلف الجرائم، وتلك أمور تحول- من دون شك ووفق سنن الله في خلقه- دون التمكين في الأرض أو التمايز عن الخلق، ذلك أن الذي فضلهم في وقت من الأوقات على العالمين، ووعدهم- إن هم أقاموا عهده- بالتمكين، هو الذي قضى على ألسنة رسله وفى جميع كتبه- ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه- ألا يمكن إلا لعباده الصالحين، وألا ينال عهده الظالمين، يقول الأعمش سألت سعيد بن جبير عن قول الله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون .. الأنبياء/105)، فقال: الزبور: التوراة والإنجيل والقرآن، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الزبور: الكتب التي نزلت على الأنبياء، والذكر: أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك، وبمثله قال ابن جرير والثوري ومجاهد .
وإذا كان أبناء صهيون يدَّعون أن نصوص كتبهم بل ونصوص قرآننا المتبرئ منهم ومن فعالهم تشير إلى وعد قطعه الله على نفسه أن يمكن لإبراهيم ولنسله من بعده في أرض فلسطين (أرض الميعاد)، فإن هناك مجموعة من الحقائق المهمة التي تجدر الإشارة إليها والتذكير بها وتتمثل في:

[/TD]
[/TR]