التفسير المختصر - سورة الأعراف (07) - الدرس (2-5) :


تفسير الآية 55 ، شروط الدعاء


لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1994-07-09





بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد


الصادق الوعد الأمين:




أيها الأخوة الكرام:



الآية الخامسة والخمسون من سورة الأعراف وهي قوله تعالى:




﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾




أيها الأخوة، الدعاء سلاح المؤمن، وأنت في الدعاء أقوى الناس


على الإطلاق، لكن هذا السلاح الخطير، الذي يجعلك أقوى


الأقوياء، له شروط، الدعاء سلاح المؤمن، والدعاء مخ العبادة


يعني قمة العبادة أن تدعوا الله عز وجل، إذا أردت أن تخاطب



الله فادعه، وإذا أردت أن يخاطبك الله فقرأ القرآن.




يقول الله عز وجل:







﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾




الله عز وجل أسمائه كثيرة، اختار الله من بين أسمائه، اسم الرب،



لأنه أقرب اسم للإنسان هو الرب، مربي يعني، الابن من يدع،



يدع أمه لأن قلبها الرحيم وعنايتها الفائقة، وقربها منه، قرب، مع



رحمة، مع علم، مع عطف مع حنان.


﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾




الآن:



﴿تَضَرُّعاً﴾



التضرع هو التذلل.







﴿وَخُفْيَةً﴾




سراً.




من شروط الدعاء المقبول، أن يدعِ الداعي ربه وهو في تذلل




وهو في عبوديةٍ لله عز وجل، فمن كان مستكبراً، من كان



مستعلياً من كان معتزاً بغير الله، دعاءه لا يستجاب،



ولا يسمع أساساً، لأنه أنت في أعلى مقاماتك، إذا كنت



متواضعاً لله عز وجل، كلما ازدت لله تواضعاً ازدت عزاً.



لذلك الشرط الأساسي بالدعاء:





﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾




في كلام دقيق جداً، حول هذه الآية، موضوع خفية أنت



لا تخاطب أصماً ولا أبكماً.





سيدنا زكريا:






﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3)﴾




( سورة مريم:3)




دليل إيمانك أنه يسمعك، لا تصيح ولا ترفع الصوت، في الدعاء.








﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾



هناك من يدعوا الله عز وجل، دون أن يحرك شفتيه لأن الذي



خلقه يسمع خواطره الداخلية، فالإنسان أحياناً يدع الله


عز وجل بقلبه، في ظروف صعبة، ما بستطعوا يا رب، ما بتقدر


تحكيها هي، ففي أشد الظروف، وفي أصعب الظروف، لك



أن تطبق شفتيك، وأن تناجي ربك بقلبك، وهو يستمع إليك،


هذه معنى خفيةً.




الشرط الثاني، التضرع، التذلل، الشعور أنك ضعيف، أنك فقير


أنك لا تعلم، أن الله بيده كل أمرك، مشاعر العبودية والافتقار


إلى اله عز وجل شرطٌ للدعاء المستجاب، وعدم رفع الصوت، شرط



أيضاً لقبول الدعاء.



ثم يقول الله عز وجل:







﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾




قالوا علماء التفسير من العدوان في الدعاء، أن ترفع صوتك



به، ومن العدوان في الدعاء أن تنمق الدعاء، وكأنه قطعة



أدبية، ما عاد في خشوع، ما عاد في حضور قلب، في تفنن،



وفي تشدق، وفي تقعر، وفي فواصل متوافقة، وفي سجع،



وفي كلمات متوازنة، أنت نسيت الله عز وجل وانصرفت إلى



تنميق الدعاء.





فمن العدوان في الدعاء رفع الصوت في الدعاء.




ومن العدوان في الدعاء تنميق الدعاء وضعف شعور العبودية فيه.




هذا قول المفسرين، في قول آخر، وأنا أراه عميقاً جداً، يعني



يا عبدي إياك أن تدعوني، وأنت معتدٍ على الآخرين، إني



لا أستجيب لك، مع الله ما في مزح، معتد على أموال الناس،



وعلى أعرضهم، تغش الناس، تكذب عليهم، تأخذ ما ليس لك،




وبعدين تتفاصح بالدعاء أمامي، تعمل حالك صاحب دين، لا.



﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾




إذا اعتديت على مخلوقٍ كائنٍ من كان.




إن فلانة تذكرُ أنها تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها، غير



أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال هي في النار.



دخلت امرأة النار في هرةٍ حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي



تركتها تأكل من خشاش الأرض.




يعني يا عبدي أنا لا أستجيب لك إن كنت معتدياً لا أستمع



إليك إن كنت معتدياً.




﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾





ولهذه الكلمة معنيان ؟ أول معنى، إذا كان مضمون الدعاء



في عدوان، أنت قائم دعوة على إنسان، الدعوة كلها باطلة،



يا رب تنصرني عليه، إذا مضمون الدعاء ظلم.





أيام بكون الدعاء في ظلم، يا رب تقويني عليه، أنت الظالم،



مثل هذا الدعاء لا يسمع ولا يستجاب، إذا مضمون الدعاء



في ظلم.




الآن مضمون الدعاء صحيح، بس أنت ظالم بجهة أخرى، غير



مقبول كمان.




﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾




لا في مضمون الدعاء ولا في موضوعٍ آخر، فإذا أردت أن تكون



أقوى الناس، وأن تستخدم السلاح الذي يعد من أقوى



الأسلحة، وهو سلاح الدعاء، فعليك أن لا تكون معتدياً.





اسمع الآية الثانية.






﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)



الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ


وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾





( سورة الأنعام 81-82)





أول معنى.



﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾




الرب المربي، الرحيم، العليم القريب السميع، المجيب، الذي



يربيكم، يربي أجسامك يربي نفوسكم ادعوا ربكم، هون في



معنى ضمني، يعني إياكم أن تدعوا غيره، ما بستفيدوا.


﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾




من بيده الأمر، من هو الرحيم، من هو القوي، من هو الغني،



الذي يحبكم، الذي يحب أن تكونوا من السعداء.


﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾





حالك أثناء الدعاء:



﴿تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾



تذلل وافتقار.








﴿وَخُفْيَةً﴾




ما في حاجة للصياح، والضجيج، تنميق الدعاء، والفواصل،



والسجع والتقعر، هذا كله لا يجدي، هذا يبعدك عن صحة الدعاء.




لكن أخطر ما في الآية:




﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾




إذا كان مضمون الدعاء في عدوان، لا تسن أسنانك، لن



يستجيب الله لك، إن الله هو الحق.





يعني مرة أحد الصحابة، قال يا رسول الله: اشهد أنني


نحلت ابني حديقة، قال له: هل لك ولدٌ غيره ؟ قال نعم:



قال له: هل نحلت أولادك مثل ما نحلته ؟ قال لا: قال:






(( أشهد غيري، فإني لا أشهد على جَور. ))




لا تسن أسنانك، الله يستجيب لك دعاء أساسه ظلم، أساسه




عدوان، أساسه افتراء.





الآن لو كان دعائك حق، يا رب تيسر لي، مثلاً زواج ابني،



شي جميل، يا رب تيسر لي هذه التجارة شي جميل، دعاء



حق، يا رب ترزقني رزق حلال، كلام حق، بس أنت في



عندك عدوان، عدوان آخر، فإذا الإنسان حرر علاقاته من الشرك،




ومن العدوان ودعا دعاء صحيح، مع التضرع، مع الخفية، الآن الدعاء



المستجاب وإذا استجيب دعائك فهذا مقام، مقام عظيم جداً، النبي




دعا لأحد الصحابة أن يكون مستجاب الدعوة، سيدنا سعد،




اجعله مستجاب الدعوة والمؤمن قال لله رجالٌ إذا أرادوا أراد،




فكلما كان النفس طاهر، هذا تعبير عامي هذا، يعني فيه تضرع،




في خفية، في استقامة، في التزام، ما في عدوان، ما في تجاوز،




ما في شطط، ترتقي إلى استجابة الدعاء، الآية:




﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً﴾




هذه حال إعرابها حال يعني حالة تضرعكم متضرعين لله



مع التذلل، ما في استكبار.








﴿وَخُفْيَةً﴾




بصوت منخفض، ممكن أن تدعوا الله وأنت مطبق شفتيك.







﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾




لا في الإطالة، ولا في رفع الصوت ولا في استكبار، والمعنى


الأدق ولا أن يكون مضمون الدعاء عدواناً، ولا أن تكون معتدياً



في آخر يعني الله عز وجل حسابه مع العباد حساب


جاري ليس حساب سندات كيف ؟ بمحلك التجاري مستقيم



استقامة تامة بضاعة كلها مسعرة ما في مشكلة، ربح



قانوني، بضاعة حلال، البيع حلال تمام.





أيام يأتي إنسان يسبب لك مشكلة، والله مالي مساوي


شي يا أخي، بس الله حسابه جاري، بالبيت في معاصي ؟



إذا بالبيت في معاصي يجوز تأكلها بالمحل التجاري، وإذا كان



بالمحل في معاصي بالبيت بتأكلها الله عنده حساب موحد،



حساب جاري اسمه ليس بحساب سندات، كل صفقة


بصفقتها.


يروا قصة أنه شوحة قالت لسيدنا سليمان، إسأل لنا ربك


عجول لما مهول، فسيدنا سليمان قال له: يا ربي ماذا أقول



لها، قل لها أنا مهول مالي عجول، فهي خطفت لحمة



وطلعت طارت فيها، علقانة بصة فحم باللحمة احترق العش



تبعها وأولادها، قالت له ما قلت مهول طلع عجول قال له:


يا رب ماذا أقول لها، قل لها هذا حساب قديم حساب كامل،


انتبه.



ببيتك، مع عملك، مع تجارتك، مع قبض المال، مع إنفاق المال



مع جوارحك، حساب موحد، أخي أنا والله مالي عامل شي



هون صح هون مالك عامل شي، عامل بمحل ثاني بس.




﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55)﴾




والحمد لله رب العالمين.





بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة



والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم



أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا،



وأرضنا وأرض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي


الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.



والحمد لله رب العالمين