إن المستقبل بيد الله وهو خالق الكون والأعلم بأسراره و هذا الخوف مردّه ضعف الإيمان ومتابعة الجهّال

و قد خلق اللّه العباد وتكفل بأرزاقهم، قال: «وما خلقتُ الجنّ والإنسَ إلاّ ليعبدون. ما أُريدُ منهم من رزقٍ وما أريد أن يُطعمون. إنّ اللّه هو الرزّاق ذو القوّة المتين». وقد أخبر الصادق المصدوق أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها وإن من الخلل البيّن في العقيدة أن يخاف المرء الرزق، واللّه هو الرزاق، يخاف المرء من المستقبل وذلك كله بيد اللّه، فعليه أن يعمل ما في وسعه من الأسباب كما أمره اللّه «هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامْشوا في مناكبِها وكُلوا من رزقه وإليه النّشور»، وقال: «فإذا قُضيت الصلاةُ فانتشروا في الأرض وابْتغوا من فضل اللّه»، لكن يكون المرء متوكلاً على اللّه ويترك الأمر للّه ومن توكل على اللّه كفاه «ومن يتوكّل على اللّه فهو حسبُه».

ان قضية الخوف من المستقبل أعجزت الفلاسفة والمتكلمين والأطباء النفسيين ولا علاج لها إلاّ بالقرآن والسنة. وكل علاج بغير القرآن والسنة فهو وبال على أهله لا خير فيه، قال تعالى: «ونُنزّل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلاّ خسارا»، والإسلام عالج هذه القضية من جوانب شتى:

أولاً: أن المستقبل بيد الله وهو خالق هذا الكون وعالم بأسراره ومدبّر أموره، فهو الضامن للحياة والأرزاق والأمن وجميع مقومات الحياة، (وفي السماء رزقُكم وما توعدون)، (وما من دابة في الأرض إلاّ على اللّه رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين). فإذا علم العبد أن رزقه بيد خالقه، واطمأن قلبه لذلك، ارتاحت نفسه وانشرح صدره.

ثانيا: الإيمان بالقضاء والقدر، وهذه عقيدة مستقرة في داخل قلب المؤمن وان كل ما يجري فهو بقضاء اللّه وقدره.

ثالثا: ان الدنيا ليست بدار قرار ولا مقام حياة وأن متاعها زائل وأنها لا قيمة لها، وإنما يفرح بها ويطمئن إليها من لا همّ له. وإلا فالحياة هي حياة الآخرة، فهي حياة الفوز والسعادة واللذة لمن وفّق لذلك. إنها حياة تفوز فيها بالنظر إلى وجه الله الكريم، قال تعالى وتدبر هذه الآيات: (كلاّ بل تحبّون العاجلة. وتذرون الآخرة. وجُوهٌ يومئذ ناضرة. إلى ربّها ناظرة)، فكيف يترك العاقل الآخرة التي فيها لذّة النظر إلى وجه اللّه الكريم لدنيا لا خير فيها (وإنّ الدّار الآخرة لهي الحيوانُ لو كانوا يعلمون)، قال «ازهد في الدنيا يحبّك اللّه وازهد فيما عند الناس يحبّك الناس».

رابعا: ان الإسلام دعا للعمل وحث على المحبة ونهى عن العجز والكسل «المؤمن القوي خير وأحب إلى اللّه من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك، ولا تعجز ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن قل قدر اللّه وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان». فالإسلام دعا إلى العمل ورغّب به وأباح اللّه لنا الطيبات وجعل السفر من أجل البيع والشراء وطلب الرزق عبادة يؤجر عليها صاحبها (فامْشُوا في مناكبِها وكُلُوا من رزقه وإليه النّشور).

وإذا اطمأنت نفسك أخي لهذه الجوانب وعرفت حقيقتها وفهمت الإسلام فهماً صحيحاً صارت حياتك أغلى حياة وعشت سعيداً في هذه الحياة.

والحياة الحقيقية هي حياة الأرواح حياة النفوس، فالصحابة لما ارتاحت أنفسهم واطمأنت قلوبهم ناموا في المعركة (إذ يُغَشّيكُم النّعاس أمَنَة منه)، والمنافقون كما لم يؤمنوا ولم يعرفوا الأمر على حقيقته ماتوا بغمّهم وغيظهم وخُبث قلوبهم، فقتلوا أنفسهم قبل موتها وأحرقوها قبل حرقها بالنار (قُل لن ينفعكُمُ الفِرارُ إن فرَرتُم من الموتِ أو القتل وإذا لا تُمتَّعون إلاّ قليلا).
مما لا شك فيه ان المسلم مطالب بالسعي في هذه الحياة وسعيه هذا إن قصد به وجه اللّه أولا وإغناء نفسه ومن يعول ثانيا فهو عبادة، وفي سبيل الله ما دام وفق الوجه المشروع وهو مع ذلك مطالب بالاعتماد على اللّه سبحانه وتعالى وأن يدع عنه الخوف الذي ربما كان من أزّ الشيطان ولتكن ثقته باللّه قوية مع الأخذ بالأسباب المباحة.

وأما هذا الخوف والوجل الذي يوجد لدى البعض، فمرده في الغالب عدة أمور أهمها:

1 ـ ضعف الإيمان، وبالتالي ضعف الثقة بموعود اللّه سبحانه وأنه تكفل بأرزاق العباد.

2 ـ ضعف التوكل على اللّه المترتب على ضعف الإيمان.

3 ـ الاستسلام لهمزات الشيطان ووساوسه وكان الواجب عليه طرده والاعتماد على اللّه، فالشيطان ضعيف وكيده ضعيف «إنّ كيد الشيطان كان ضعيفا»، لكن إذا استسلم له المرء وسلّم الأمر له غلبه الشيطان.

4 ـ التأثر بما يقال ويردد في بعض وسائل الإعلام لا سيما من بعض الجهلة وربما ضعاف الإيمان، الذين جعلوا أمر الرزق مشكلة من أعقد المشكلات لأنهم اعتمدوا على أنفسهم وعلى الأسباب دون اللجوء لمسبّب الأسباب سبحانه، فلم يعتمدوا عليه ولم يسألوه أو يرجوه، فهذا سمع مقالة جاهل فتعلق بها فحصل له ما حصل من الخوف ولو رجع إلى كتاب اللّه وسنة رسول لوجد الدواء الشافي ولعلم أن الثقة باللّه كفيلة بإزالة ما يخاف وباللّه التوفيق.

من هو محمد