التفسير العقدي لجزء عم

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

الرد على خالد بلكين في مقطعه قصة رضاع الكبير والداجن الذي اكل ايات من القران الشريط الاول » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | الرد على خالد بلكين في مقطعه حول قائمة مطالب الثوار و مطاعنهم على عثمان رضي الله عنه » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | 2 Por qué mi vida cambio ? » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | Was ist Islam » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | فجرية للقلب آسرة وللأذن باهرة » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | وثنية المسيحية وكله بالصور ، صدمة السنين ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | وثنية المسيحية وكله بالصور ، صدمة السنين ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الرد على خالد بلكين في مقطعه قصة رضاع الكبير والداجن الذي اكل ايات من القران الشريط الاول » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | وكذَلكَ أخذُ رَبِّكَ إِذآ أخَذَ ٱلقُرَىٰ وهِىَ ظَٰلِمَة » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

التفسير العقدي لجزء عم

صفحة 1 من 6 1 2 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 58

الموضوع: التفسير العقدي لجزء عم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,737
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-05-2024
    على الساعة
    07:49 PM

    افتراضي التفسير العقدي لجزء عم




    بسم الله الرحمن الرحيم

    التفسير العقديلجزء عم

    سورة الناس

    بقلم/ د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي



    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)


    سورة الناس هي آخر سورة بين دفتي المصحف.

    ومقصدها: تحقيق الاستعاذة، من الشر الداخلي، ألا وهو الوسواس.

    وشر الوسواس عظيم، حتى لكأن الشرور الخارجية في كفة، وهو في كفة!

    فلو تأملنا لوجدنا عجبا: المستعاذ به في سورة (الفلق) اسم واحد من أسماء لله الحسنى، وهو رب الفلق، والمستعاذ منه أربعة أشياء: (مَا خَلَقَ)، (غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)، (النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)، (ِحَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ). وفي سورة (الناس) المستعاذ به ثلاثة أسماء من أسماء الله الحسنى (رَبِّ النَّاسِ)، (مَلِكِ النَّاسِ)، (إِلَهِ النَّاسِ)؛ الرب، والملك، والإله، والمستعاذ منه شيء واحد، وهو (شَرِّ الْوَسْوَاسِ) ، مما يدل على عظم خطره، وأن أذاه بالغ جدًا، ولا يعصم العبد من الوسواس إلا الاستعاذة برب الناس، ملك الناس، إله الناس.


    (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) الرب: هو الخالق، المالك، المدبر، الذي ربى عباده بنعمه. مأخوذ من التربية، وهي التنشئة، والتنمية شيئاً، فشيئاً. ومدار الربوبية على هذه الأوصاف الثلاثة: الخلق، والملك، والتدبير، وإليها تؤول بقية الأوصاف. ويجب توحيد الله بها.


    (النَّاسِ) اختلف المفسرون في لفظة (النَّاسِ)، هل تختص بالإنس، أم يدخل فيهم الجن؟ قولان، حتى قال إمام المفسرين - ابن جرير الطبري -: لا يبعد أن يشمل لفظ الناس الجن؛ كما قال الله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) فإذا كان فيهم رجال ونساء، فلا مانع أن يطلق عليهم ناس.


    ( مَلِكِ النَّاسِ) أي مالكهم، ومدبر أمورهم - سبحانه - فأزِمَّة أمورهم بيده.


    (إِلَهِ النَّاسِ) يعني: معبودهم؛ لأن إله: بمعنى مألوه، أي: معبود، فهو الرب، الملك، الإله، الحقيق أن يستعاذ به من شر الوسواس، الخناس.


    (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) قال تعالى (مِنْ شَرِّ)؛ لأنه ربما يقع وسوسة في النفس، لكن لا تكون من قبيل الشر.


    و( الْوَسْوَاسِ) من الوسوسة، والأصل أنها الصوت الخفي؛ كما قال الأعشى:

    تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت *** كما استعان بريح عشرق زجل


    يعني يشبه صوت الريح، حين مرورها بالشجر، والمراد بها هنا: حديث النفس، الذي يلقيه الشيطان، لا يسمعه أحد. يكون الشخص جوارك، تحدثه نفسه بشتى الأحاديث، وأنت لا تسمع شيئًا، بل هو لا يسمع بأذنيه، لكن يعيه بقلبه كما يعي حديث الناس.


    و( الْوَسْوَاسِ) يطلق على الوسوسة ذاتها، ويطلق على الموسوس، أي: الشيطان، ولهذا وصفه بأنه الخناس.


    (الْخَنَّاسِ) أي: أنه ينخنس، وينقبض، ويتأخر عند ذكر الله تعالى، فالشيطان يلتقم قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله - عز وجل – انقبض، وانخنس، بسبب ذكر الله تعالى؛ لهذا سمي خناسا.


    (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) هذا بيان لمحل الوسوسة، وهي صدور الناس، التي فيها قلوبهم.


    (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) أي من الجن، وبني آدم، ولهذا الآية محملان عند المفسرين:

    - الأول: أن الموسوس قد يكون تارة من الجن، وقد يكون تارة من الإنس؛ واستدلوا بقول الله تعالى (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) وعليه فيكون هناك:

    * شياطين إنسيون: وهم رفقاء السوء، من الآدميين.

    *وشياطين جنيون، وهم الشياطين الذين لا نراهم.

    فأما وسواس شيطان الجن: فهو ما يلقيه في قلب الإنسان، من خطرات. وأما وسواس شيطان الإنس: فهو ما يلقيه في الأذن، من كلمات، يزين له الباطل، ويحسن له القبيح.


    - المعنى الثاني: أن الشيطان يوسوس للجن، كما يوسوس للإنس، فقد يوسوس لجني مثله. والله أعلم.

    والجن خلق من خلق الله، ومردتهم هم الشياطين، وهم ذرية إبليس، وأما بقيتهم فهم مكلفون، فمنهم المؤمنون، ومنهم القاسطون، ومنهم الصالحون، ومنهم دون ذلك؛ كما ذكر الله تعالى في سورة (الجن): (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) وقال قبلها: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ).

    وهذا هو الاعتقاد الذي يجب أن يعتمده المؤمن، عن هذا العالم الغيبي، فالجن، مجتنُّون، كما أخبر ربنا (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) فهم يروننا، ولا نراهم، ولذلك سُمي كل شيء مستخف، بأنه مستجن، كما سميت الجنة جنة، لالتفافها بالأشجار، وسمي الدرع (مِجنَّاً) لأنه يخفي ما تحته.

    والجن عباد، مكلفون، مخاطبون بالشرع؛ قال الله - عز وجل - (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ(29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ(30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ). وقد عدهم ابن القيم، رحمه الله، في الطبقة الثامنة عشرة من (طبقات المكلفين) من كتابه: (طريق الهجرتين)، وذكر كلاماً حسناً، وتقريراً مفيداً، ينبغي الرجوع إليه.

    وقد اجتمع الجن بالنبي (صلى الله عليه وسلم) في ليلة من الليالي؛ حيث قال علقمة -رحمه الله - : قلت لابن مسعودٍ : هل صَحِبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الجِنِّ منكم أحدٌ ؟ قال : ما صحبه منَّا أحدٌ ، ولكنَّا كُنَّا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليْلَةٍ فَفقَدناهُ ، فالتمسناه في الأودية والشِّعابِ ، فَقُلْنَا : اسْتُطِيرَ ، أَوِ اغْتِيلَ ، فبِتْنا بشرِّ ليْلَةٍ باتَ بها قومٌ ، فلما أَصبحنا إذا هُوَجَاءٍ من قِبلِ حِراءَ، قال : فقُلْنا : يارسول اللّه ، فَقَدْناكَ، فطلبناكَ، فلم نَجِدْكَ ، فَبِتْنا بشَرِّ ليلةٍ باتَ بها قومٌ ، قال : «أتَاني داِعي الجِنِّ، فذَهبْتُ معه ، فقرأتُ عليهم القرآن» قال : فانطَلقَ بنا ، فأرانا آثارهم ، وآثار نِيرَانِهمْ ، وسألُوهُ الزَّادَ ، فقال : «لكم كلُّ عَظْمٍ ذُكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوْفَرَ ما يكون لَحْما،وكلُّ بَعْرَةٍ علَفٌ لِدَوَابِّكم» فقال- رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم : «فلا تَسْتَنْجوا بهما ، فإنهما طعامُ إخوانِكم» [مسلم]

    فنحن نؤمن، ونصدق ما دلت عليه النصوص، وأما ما يتفوه به العامة، ويحكونه من قصص، وحوادث، فلا يؤخذ به، ولا يعتمد عليه، وقد يصيبون وقد يخطئون، فينبغي أن يعرض ذلك على كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – ولا يقطع العاقل بكل ما سمع، بل يعاملها معاملة الإسرائيليات.



    الفوائد المستنبطة:

    الفائدة الأولى: أن الاستعاذة عبادة، ولا تكون إلا بالله – عز وجل – فيما لا يقدر عليه إلا هو؛ كالاستعاذة من أمر خفي، أو غيبي.

    الفائدة الثانية: إثبات الأسماء الحسنى: الرب، والملك، والإله.، وما تضمنه من صفات: الربوبية، والملك، والألوهية، خلافاً للمعطلة من الجهمية والمعتزلة.

    الفائدة الثالثة: شدة خطر الوسواس.

    الفائدة الرابعة: أن الوسواس قد يقع من شياطين الإنس، كما يقع من شياطين الجن.

    الفائدة الخامسة: أن الجن يتعرضون للوسوسة، كما الإنس.


    وبهذا تم الكلام بحمد الله، على هذا التفسير - تفسير جزء (عم) -، وتبين أن العناية بالقرآن العظيم، من أهم المهمات، ومن أوجب الواجبات، وأن طريق العلم الصحيح: أن يتوجه الإنسان، رأساً، إلى كلام رب العالمين، يتدبره، ويتفهمه، ويستنبط معانيه، فبذلك يحصل على العلم الرصين. وبقية العلوم فروع على علم التفسير. فلابد لطالب العلم أن يجعل لنفسه حظًا حسناً، ونصيبًا وافرًا، من قراءة التفاسير المعتبرة، وينير عقله وقلبه بتدبر كلام الله. قال ربنا - عز وجل - (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ). فلا يكون هم أحدنا أن يكثر الختمات، ويقلب الصفحات، وحسب! ولكن يعمل فكره، وعقله، ونظره، في كلام رب العالمين، مستعينًا ببيان المفسرين المعتبرين، الذين يعتمدون على التفسير بالأثر، وعلى رأسهم إمام المفسرين (محمد بن جرير الطبري) - رحمه الله - وتفسير ابن كثير - رحمه الله - فإنه قد لخص تفسير الطبري، وزاد عليه، وحقق كثيرًا من المسائل. فإن لم يسعفك الوقت، فلا أقل من أن تنظر في تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله -.

    نسأل لله - عز وجل - أن يرزقنا وإياكم علمًا نافعًا، وعملا صالحًا، وتجارة لا تبور، وأن يحسن عاقبتنا في جميع الأمور. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم.

    العقيدة والحياة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,737
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-05-2024
    على الساعة
    07:49 PM

    افتراضي

    سورة الفلق

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)


    مقصد السورة:

    تحقيق الاستعاذة بالله، من الشرور الخارجية.

    سورة (الفلق) وسورة (الناس)، حصنان منيعان، وحرزان عظيمان، لا يستغني عنهما مسلم؛ فسورة (الفلق) حرز من الشرور الخارجية، وسورة (الناس) حرز من الشرور الداخلية. فهما المعوِّذتان. كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهما؛ فعن أبي سَعِيدٍ الخُدريِّ - رضي الله عنه -: كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ ، وَعَيْنِ الإنْسَانِ ، حَتَّى نَزَلَتْ المُعَوِّذَتَانِ ، فَلَمَّا نَزَلَتَا ، أخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا . [رواه الترمذي، وصححه الألباني]، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – للصحابي الجليل ابن عابس الجهني - رضي الله عنه -: يَا ابْنَ عَابِسٍ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ مَا تَعَوَّذَ الْمُتَعَوِّذُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ) [رواه النسائي وأحمد وصححه الألباني]


    (قُلْ أَعُوذُ) معنى (أعوذ) أي ألتجأ، وأعتصم، وأستجير.


    (بِرَبِّ الْفَلَقِ) قيل في تفسير الفلق أقوال:

    - الصبح؛ قال الله تعالى (فَالِقُ الْإِصْبَاحِ).

    - وقيل: إنه جبٌ في جهنم - والعياذ بالله -، يعني بئر في جهنم.

    - وقيل: إنه اسم من أسماء جهنم.

    - وقيل إن (الفلق) اسم لعموم الخلق.

    وأقرب هذه الأقوال: أن المراد بالفلق الصبح.


    (رَبِّ الْفَلَقِ) فهذا من إضافة المخلوق وهو الفلق، إلى خالقه وهو الرب. فالمستعاذ به رب الفلق -سبحانه وتعالى-. والمستعاذ منه هو ما يلي.


    (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) هذا أولها، و(مَا) اسم موصول بمعنى "الذي"، فيشمل كل مخلوق فيه شر، من إنس، أو جن، أو حيوان، أو جماد، ، دواب، ريح، طير،...، وكل شيء فيه شر، حتى النفس فيها شر يستعاذ منه؛ فقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ من شرها قائلا: (أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِى، وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ ) [رواه أبو داود وصححه الألباني] فكل ما خطر ببالك وفيه شر، فأنت تستعيذ برب الفلق من شره.


    وليس في الكون إلا خالق، أو مخلوق، فالله الخالق، وهو المستعاذ به، وما سواه مخلوق، وهو مستعاذ من شره. لكن إذا كان الشيء مما يقدر عليه العبد، أو المخلوق، فلا بأس أن يستعيذ به، أما إذا لم يكن مقدورًا للمخلوق عليه، فإن الاستعاذة به: شرك. فما من شيء في الوجود، إلا والله محيط به، والله قادر عليه، فينبغي للعاقل أن يستعيذ بالقادر، لا يستعيذ بالعاجز، فإذا كان الله خالق الأشياء جميعا، وهو ربها، ومالكها، ومدبرها، فالاستعاذة به هي الاستعاذة النافعة.


    فالذي يستعين بصاحب القبر، أو الغائب، أو نحو ذلك، قد وقع في الشرك العظيم. وكذلك من استعان بالجن، قال الله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) يعني زادوهم اضطرابا، وشدة في حالهم.


    لكن لو أن أحدا استعاذ بحصن، فقال: "أعوذ بهذا الحصن" يعني: امتنع به. فلا بأس، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنْ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ) [رواه مسلم من حديث أم سلمة] والمراد بـ "البيت" في الحديث أي: الحرم، فإنه يعيذ من أوى إليه، إلا من استثني في حديث عمرو بن سعيد حيث قال: (إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخُرْبَةٍ) [متفق عليه] ، والخربة - كما قال البخاري -: الجناية والبليَّة.


    (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) معنى (الغاسق):

    - قيل: إنه الليل.

    - وقيل: إنه القمر.

    - وقيل: إنه اسم لكوكب، أو نجم.


    ومما يدل على أن من معانيه القمر، أن رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أخذ بِيَدِ عَائِشَةَ – رضي الله عنها - ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْقَمَرِ، فَقَالَ: (يَا عَائِشَةُ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ) [رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني]

    ويمكن أن يتسع المعنى لعموم الليل، لكون القمر من جملة الليل؛ لأنه آية ليلية.


    ومعنى (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) يعني:

    - من شر الليل إذا أقبل بظلامه.

    - أو أن يكون معناها: من شر القمر إذا طلع.

    - وقيل: من شر القمر إذا غاب.


    وحديث عائشة يدل على أنه طلع. فالشر والضرر يكون في الليل، أكثر من النهار؛ لأنه مع الظلام يحصل شرور، ولهذا تجد أن اللصوص إنما يسرقون ليلا، والوحوش والهوام، إنما تخرج من بيوتها، وجحورها، ليلا، فيقع في الليل من الشر، أكثر مما يقع في النهار.



    (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) هذا ثالث المستعاذ منه.

    (النَّفَّاثَاتِ) هن السواحر، جمع ساحرة، اللواتي ينفثن في الخيوط، والعقد، بلا ريق - لأن النفث يكون بلا ريق، والتفل يكون بالريق - فالسواحر - قبحهن الله – يعمدن إلى خيوط، فيعقدنها، وينفثن فيها، بهمهمات شيطانية، ينشأ عنها السحر، الذي يمرِض، أو يقتل. وعبر بجمع المؤنث السالم، لأن السحر أكثر ما يقع من النساء. فأكثر من يتعاطى السحر: النساء، ولهذا قال: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ)، ولم يقل: ومن شر النفاثين، وإن كان في الرجال سحرة، ولا ريب، لكن فشوه، وانتشاره، وطلبه، في النساء أكثر، فلهذا عبر بـ (النَّفَّاثَاتِ)، من باب التغليب.


    (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) هذا رابع المستعاذ منه.

    * الحسد: هو تمني زوال نعمة غيره.

    ومعنى (إِذَا حَسَدَ) يعني إذا أظهر حسده. وغالباً ما تصيب العين، حال تكيِّف النفس الخبيثة بالحسد، فيقترن بها تأثير الشيطان الحسي، فتؤذي المحسود؛ في نفسه، أو بدنه، أو ماله. لأن الحاسد - أجارنا الله وإياكم - إذا اضطرم الحسد في قلبه، أراد كيد المحسود، وإزالة النعمة عنه، بتدبير المكايد، والحيل، التي يتوصل بها إلى أذاه، أو يصيبه بعين، والعين حق، وذلك بأن تتكيف نفسه تكيُّفًا شيطانيًا، فيقع منه نظرة، يتدخل فيها الشيطان، فيصيب المُعان، أو المعيون، بنوع ضرر، قد يقتله، وقد يمرضه، فلا عصمة، للعبد إلا بهذا العوذ الشرعية، كهذه السورة.


    فهذه السورة العظيمة فيها فرار إلى الله، واعتصام بجنابه، واستجارة به، من الشرور الخارجية، التي شملها قوله: (مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، ومن زمانها، كالليل إذا أقبل، أو القمر إذا طلع، ومن أدواتها، كالسحر الذي تصنعه السواحر، في نفثهن في العقد، ومن شر الحاسد، الذي يصيب بعينه المحسود، لهذا كانت هذه السورة حرزا عظيما، وحصنا منيعا، من هذه الشرور، لا يعادلها شيء.


    وهي أنفع مما يصفه بعض الرقاة والقراء، حين يطلبوا من المصابين، أن يقرءوا سورة كذا عدداً معيناً، في وقت معين، على هيئة معينة لم يرد بها أثر.

    وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقراءة هذه السورة، مع سورة الناس، وسورة (الإخلاص) في مواضع منها:

    - في طرفي النهار، في الصباح والمساء، يقولها ثلاث مرات؛ فعن عَبْد اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا فِى لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيُصَلِّىَ لَنَا فَأَدْرَكْنَاهُ فَقَالَ « أَصَلَّيْتُمْ ». فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ « قُلْ ». فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ « قُلْ ». فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ « قُلْ ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ قَالَ « (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِى، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ ». [رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني]

    - وكذلك كل ليلة، إذا أوى الإنسان إلى فراشه، جمع كفيه، وقرأ هذه السور الثلاث، ونفث في كفيه، ومسح من أعلى رأسه، إلى أخمص قدميه، يفعل ذلك ثلاث مرات؛ وذلك لما روته عائشة – رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، كُلَّ لَيْلَةٍ، جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا، فَقَرَأَ فِيهِمَا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ [رواه البخاري]

    ففي هاتين السورتين حفظ للعبد من جميع أنواع الشرور. وفي هذه السورة، الحفظ من الشرور الخارجية، المتمثلة بلدغ العقارب، والحيات، وهجوم سبع، أو عدو صائل، والإصابة بالسحر، والإصابة بالعين، وغيرها من الشرور التي لا حصر لها. فكانت الاستعاذة برب الفلق، منها جميعا.


    الفوائد المستبطة

    الفائدة الأولى: أن الاستعاذة عبادة، لا تكون إلا بالله، كما قال تعالى: (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ).

    الفائدة الثانية: إحاطة الله بكل شيء، وقدرته عليه.

    الفائدة الثالثة: كثرة الشر، والضرر، في الليل.

    الفائدة الرابعة: خطر السحر، وكثرته في النساء.

    الفائدة الخامسة: خطر الحسد، وما ينشأ عنه من العين، والكيد.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,737
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-05-2024
    على الساعة
    07:49 PM

    افتراضي

    سورة الإخلاص

    بسم الله الرحمن الرحيم

    قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)

    د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي


    ومقصد السورة:

    بيان التوحيد العلمي.

    سورة (الإخلاص) تعدل ثلث القرآن؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"، يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) وفي رواية قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ) فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ) [رواهما البخاري]


    وإنما كانت تعدل ثلث القرآن؛ لأن القرآن:

    - إما أخبار.

    - وإما عقائد.

    - وإما أحكام.

    فالأحكام: ما يتعلق بالحلال والحرام.

    والعقائد: ما يتعلق بأصول الإيمان.

    والأخبار: ما جرى بين الأنبياء، وأممهم، ونحو ذلك.


    فلما أفردت هذه السورة لثلث العقائد؛ كانت تعدل ثلث القرآن، ولكنها تعدل ثلث القرآن في الفضل، لا في الأجزاء، فلو حلف إنسان، أن يختم القرآن، لم يجزئه أن يقرأ سورة (الإخلاص) ثلاث مرات. ولو قام إنسان في الصلاة، فقرأ الإخلاص ثلاث مرات، لم تجزئه عن قراءة (الفاتحة).


    (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الأحد) من أسماء الله الحسنى. وهذا الاسم لا يطلق منَكَراً، ولا على سبيل الإثبات، إلا على الله - عز وجل -، فإذا قيل "أحد" فالمراد به الله - عز وجل -، ولهذا كان يقول بلال: (أَحَدٌ أَحَدٌ) [رواه أحمد]، وكذلك لا يطلق على سبيل الإثبات، فيقال: "هو الأحد"، إلا على الله - عز وجل – لا يقال في حق مخلوق.


    أما إذا جاء في سياق النفي، أو في سياق الشرط، أو في سياق الاستفهام، فإنه قد يطلق على غير الله - عز وجل -:

    - فسياق النفي مثل: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).

    - وسياق الشرط كما في قوله تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ).

    - وأما سياق الاستفهام فكقول الله - عز وجل - (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا). والنكرة في سياق النفي، أو الشرط، أو الاستفهام تدل على العموم.


    (اللَّهُ الصَّمَدُ): (الصَّمَدُ) من أسماء الله الحسنى. قيل فيه عدة أقوال:

    - فقيل: السيد، الذي انتهى سؤدده، يعني: بلغ الغاية في سؤدده، وفي شرفه، فهو السيد المطلق، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم حين جاءه وَفْد بَنِى عَامِرٍ، فقالوا له: أَنْتَ سَيِّدُنَا. فَقَالَ « السَّيِّدُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى » - [رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني]

    - وقيل: الذي تصمد إليه الخلائق في حاجاتها، فجميع الخلائق من أنس، وجن، وطير، ووحش، وبهائم، كلها ترفع حاجتها إلى الله - عز وجل -.

    - وقيل: الذي لا جوف له، يعني أنه مستغن؛ لأن الذي له جوف، محتاج، كالآدميين، والبهائم، ونحوها، فهي خلق أجوف؛ تأكل، وتشرب، وتبول، وتتغوط، ولها شهيق وزفير. أما الرب - سبحانه وتعالى - فهو لا يطعم، ولا يشرب، سبحانه وبحمده، غني بذاته، فلهذا قيل في تفسير (الصمد) هذا المعنى.


    (لَمْ يَلِدْ) يعني أنه سبحانه لا ولد له، لا ابن، ولا بنت، كما ادعى من ادعى من أهل الباطل، فاليهود تقول: عزير ابن الله، والنصارى تقول: المسيح ابن الله، ومشركو العرب يقولون: الملائكة بنات الله، والله تعالى يقول (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ). يعني أنه سبحانه لم يتسلسل من أحد، ولا يتسلسل منه أحد. بل هو الأول، فليس قبله شيء، وهذا لا يكون إلا في حق الله.

    وربما يخطر في بال أحد فيقول: لماذا نفى الله تعالى عن نفسه الولد؟ والجواب عن ذلك: أن يقال: إنما يُتخذ الولد للحاجة، فالناس يستولدون؛ لحاجتهم إلى الولد، ولينفعوهم وقت الكبر، والله غني عن ذلك، و- أيضا - لو كان لله ولد – وحاشاه - لكان الولد من جنس أبيه، والله تعالى ليس كمثله شيء، لكمال وحدانيته سبحانه.


    ثم ختم ذلك بقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) يعني لا مكافئ لله، ولا مماثل له، ولا ند له، ولا نظير.

    فهذه السورة على قصر آياتها، من أعظم سور القرآن، ولهذا كانت تعدل ثلث القرآن، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرنها مع سورة (الكافرون)، في ركعتي الطواف، وراتبة الفجر، وفي الشفع والوتر من الليل؛ لعظم هاتين السورتين.


    وقد جاء في سبب نزول هذه السورة عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا مُحَمَّد انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [رواه الترمذي وأحمد وحسنه الألباني]


    الفوائد المستنبطة:

    الفائدة الأولى: بيان صفة الرحمن.

    من أرد أن يمتلئ قلبه بتعظيم الرحمن، فليكثر من قراءة هذه السورة، ومن خطر بباله خاطر شيطاني، فليقل: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)، فينطرد ذلك الخاطر؛ لأن الشيطان يلقي في قلب ابن آدم، الأوهام، والوساوس، فإذا قرأ هذه السورة البينة، انقشع ما هجم على قلبه من الخطرات.

    الفائدة الثانية: إثبات الأسماء الحسنى (الأحد) و(الصمد).

    الفائدة الثالثة: كمال وحدانية الله – سبحانه - في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، فهو واحد في ذاته، واحد في أسمائه، واحد في صفاته، وأفعاله، ليس كمثله شيء.

    الفائدة الرابعة: كمال غناه – سبحانه -، وافتقار الخلائق إليه، وأن جميع الخلائق تصمد بحاجاتها إليه.

    الفائدة الخامسة: تنزهه – سبحانه - عن الوالد، والولد، ومماثلة المخلوقين، ومن لم يكن له ولد، فليس له صاحبة.

    الفائدة السادسة: الرد على اليهود، والنصارى، ومشركي العرب.

    الفائدة السابعة: الإثبات بلا تمثيل، والتنزيه بلا تعطيل.

    الإثبات بلا تمثيل: فالله تعالى أثبت أنه أحد، وأنه صمد، فنثبت هذا لله على وجه لا يبلغ التمثيل؛ كما نفى عن نفسه الوالد والولد، فننزهه عن مماثلة المخلوقين، لكن هذا التنزيه لا يبلغ مبلغ التعطيل.

    الفائدة الثامنة: الجمع بين النفي، والإثبات في صفات الله تعالى.

    وهذا يمر بنا كثيرا في دروس العقائد، أن الله سبحانه وتعالى جمع فيما وصف، وسمى به نفسه، بين النفي والإثبات، كما في هذه الآية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ) فهذا إثبات، وأما قوله (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) فهذا نفي، ولا يتم العلم بالله إلا بالجمع بين الأمرين، بإثبات صفات الكمال، ونفي صفات العيب والنقص، ومماثلة المخلوقين.

    ومثل ذلك قول الله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) فـ (الْحَيِّ) إثبات، و(الَّذِي لَا يَمُوتُ) نفي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,737
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-05-2024
    على الساعة
    07:49 PM

    افتراضي

    سورة المسد

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)


    مقصود السورة:

    الذب عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وتبكيت خصمه أبي لهب، وكل من ناوأ الرسل، وأتباع الرسل.

    (تَبَّتْ) : خسرت، فهذا دعاء من الله - عز وجل - على أبي لهب بالهلاك، والخسران، والدعاء من الله محقق.

    (يَدَا أَبِي لَهَبٍ) أبو لهب: كنية عم النبي - صلى الله عليه وسلم – وقد كان له تسعة من الأعمام، منهم أبو لهب. لقب بهذا اللقب؛ لحمرة في وجهه، كأن في وجهه لهبة.

    (وَتَبَّ) (تب) الثانية خبر بحصول ذلك، يعني أنه وقع عليه التباب، والخسران.


    وسبب نزول هذه السورة: ما رواه ابْن عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ"، صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا، فَجَعَلَ يُنَادِي يَا بَنِي فِهْرٍ! يَا بَنِي عَدِيٍّ! لِبُطُونِ قُرَيْشٍ، حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولاً لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقًا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ! أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ فَنَزَلَتْ "تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ". وهو دعاء عليه، بجنس ما دعا به على النبي - صلى الله عليه وسلم – وخبر، وذم، ووعيد.


    (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) يعني: لن ينجيه ماله، وولده؛ لأن الولد من الكسب؛ وذلك أن أبا لهب قال "إن كان ما يقول ابن أخي حقا، فسأفتدي منه بمالي، وولدي، فقال الله رادًا عليه: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) وزاد (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ).

    (سَيَصْلَى نَارًا) أي يدخل النار، فتحرقه، وتشويه.

    (نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) وصفها الله بهذا الوصف المناسب لكنية أبي لهب، نكايةً به، وسخرية. (ذَاتَ لَهَبٍ) يعني: ذات توقد، واضطرام، وتلهب.

    (وَامْرَأَتُهُ) أي: وامرأته كذلك ستصلى تلك النار، وهي أم جميل، وكانت تؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتسميه مُذمَّم، بدلا من (محمد)، وتلقي في طريقه الشوك، ولهذا نبزها القرآن بهذا الوصف الذميم: (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ). ويجوز في (حَمَّالَة): النصب، والرفع.

    وقيل: إنها وصفت بهذا الوصف؛ لأنها كانت تمشي بالنميمة، والذي يمشي بالنميمة كمن يحمل الحطب، ليحرق الناس، بإيغار الصدور، وإفساد ذات البين.

    وقيل: لاحتطابها؛ أي: أنها كانت تحمل الحطب. وهذا بعيد؛ لأنها كانت أمرأة غنية، لا تحتاج إلى المهنة.

    (فِي جِيدِهَا): في عنقها.

    (حَبْلٌ) الحبل معروف.

    (مِنْ مَسَدٍ) قيل: أنه الليف، والليف على العنق شديد الأثر.

    وقيل: المسد: سلسلة من حديد، تكون في النار، قدرها سبعون ذراعا، على عنقها.

    وقال بعض المفسرين: كان في عنقها قلادة، من ودع، فكان هذا من باب الذم لها، والنبذ لها، من جنس ما كانت تفعل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما كانت تسميه مذمم، بدلا من (محمد)، فانتصر الله لنبيه، وانزل هذا الوعيد، في حق من نال منه بقول، أو فعل، وهذا عاقبة كل من تطاول، على مقام نبينا - صلى الله عليه وسلم -.


    الفوائد المستنبطة:

    الفائدة الأولي: غلظ كفر أبي لهب، وأمرأته، وبؤس عاقبتهما؛ لكون الله تعالى أفرد سورة كاملة، في ذمهما.

    الفائدة الثانية: نصرة الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم -.

    الفائدة الثالثة: أن الجزاء من جنس العمل.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,737
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-05-2024
    على الساعة
    07:49 PM

    افتراضي

    سورة النصر

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3))


    مقصد السورة: بيان حال المؤمن مع النصر.

    (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) النصر معروف، والمراد بـ(الفتح) هنا: فتح مكة، وقد وقع في رمضان، سنة ثمان من الهجرة.

    (وَرَأَيْتَ النَّاسَ) يعني: قبائل العرب.

    (يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا): جماعات تلو جماعات، وقد كان الناس يسلم الواحد تلو الأخر، وبعد فتح مكة، أقبلت قبائل العرب على الإسلام بأجمعها؛ لأن العرب كانوا ينتظرون ما يقع بين النبي صلى الله عليه وسلم، وقومه، إذ كانت قريش أعز قبائل العرب، وتقطن مكة، مهوى أفئدتهم. فلما نصره الله عليهم، ودخلوا في دين الله، صارت وفود العرب تفد إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، في العام التاسع، الوفد تلو الوفد، حتى سُمي (عام الوفود).

    ونصر الله للمؤمنين سنة كونية، قال ربنا عز وجل (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) فلابد من نصر الله.


    وتأمل حال نبينا - صلى الله عليه وسلم -، حين خرج من مكة، شريدا، طريدا، يتعقبه الحاقدون، والطامعون، حتى كان يكمن نهارا، ويسير ليلا، مدة أسبوع، حتى بلغ المدينة، ثم بعد ثماني سنوات، يرجع فاتحًا، منتصرًا، ويدخل مكة، ويحكمه الله تعالى في رقابهم، ويقول: :« مَا تَرَوْنَ أَنِّى صَانِعٌ بِكُمْ؟ ». قَالُوا : خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ :« اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ » رواه البيهقي وأهل السير.، وفي حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- أنه كان من قوله – صلى الله عليه وسلم حين رقى على جبل الصفا " لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ " [رواه مسلم].

    فيجب الإيمان بنصر الله، والثقة بموعود الله، فلا يجوز القنوط من رحمة الله؛ قال تعالى: (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ)، وقال سبحانه: (إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)، فيجب على المؤمن: أن يحسن الظن بربه، ولا يجوز أن يعتقد الإنسان، أن الله يديل الباطل على الحق، إدالة مستمرة، فمن ظن ذلك، فقد أساء الظن بالله. نعم! قد يدال الباطل على الحق مؤقتًا، قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، لكن يعقبه نصر عزيز، وفتح مبين.


    فإن قال قائل: كيف استيئس الرسل من نصر الله، كما في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا)؟ قيل: إن الرسل لم يستيئسوا من نصر الله، وإنما استيئسوا من إيمان هؤلاء الأقوام المخاطبين، ولم ييئسوا من نصر الله.

    وهذا يحتاج إلى يقين، وهذا اليقين لا يجده إلا المؤمنون؛ كما قال الله عز وجل في سورة الأحزاب (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)، وأما المنافقون فقالوا: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إَِّلا غُرُورًا) يقول أحدهم: محمد يعيدنا ملك كسرى، وقيصر، وأحدنا لم يأمن أن يذهب يقضي حاجته!


    (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) يعني: نزه ربك، متلبسًا بحمده، فالباء في قوله (بِحَمْدِ) للملابسة، أي: اجمع بين التسبيح - الذي هو التنزيه - والحمد.

    (وَاسْتَغْفِرْهُ) يعني: اطلب منه المغفرة، وهي: الستر، والتجاوز. ومنه سُمي (المغفر) الذي يجعل على الرأس، لأنه يستر الرأس، ويقيه.


    (إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) التوبة معناها: الرجوع. و(التواب): اسم للرب، عز وجل، متضمن لصفة التوبة؛ أي أنه كثير العود على عباده بالصفح والعفو. و(التواب) يطلق على العبد، ويطلق على الرب، فالعبد تواب، إذا كان كثير الرجوع إلى سيده، والرب تواب، لكثرة توبته على عبده، وهي نوعان:

    الأول: إذن وتوفيق: كما في قوله الله تعالى: (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا)، فتوبته عليهم سبقت توبتهم إليه.

    الثاني: قبول واعتداد: كما في قوله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة : 39]



    الفوائد المستنبطة:

    الفائدة الأولى: سنة الله الكونية، في إدالة الحق، على الباطل.

    الفائدة الثانية: - الحذر من اليأس من نصر الله.

    الفائدة الثالثة: أن فتح مكة، فتحٌ لما بعدها؛ لأنها أم القرى.

    الفائدة الرابعة: صدق وعد الله.

    الفائدة الخامسة: مقابلة النعم المتجددة بالتسبيح، والحمد، والاستغفار.

    الفائدة السادسة: الإيذان بدنو أجل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لانتهاء مهمته، وأدائه رسالات ربه.

    عن ابن عباس قال: كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وَجَد في نفسه، فقال: لم يَدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه ممن قد علمتم. فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم، فما رُؤيتُ أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليُريهم، فقال: ما تقولون في قول الله، عز وجل: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نَحمد الله، ونستغفره إذا نصرنا وفُتح علينا. وسكت بعضهم، فلم يقل شيئًا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول؟ فقلت: هو أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } فذلك علامة أجلك، { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا }. فقال عمر بن الخطاب: لا أعلم منها إلا ما تقول. رواه البخاري

    الفائدة السابعة: مشروعية الاستغفار، بعد الفراغ من العبادات.

    الفائدة الثامنة: إثبات اسم التواب له تعالى، وما تضمنه من صفة (التوبة).
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,737
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-05-2024
    على الساعة
    07:49 PM

    افتراضي

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)


    مقصد السورة: بيان حقيقة التوحيد العملي.

    (قُلْ) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.

    وهذه اللفظة، جزء من السورة، كما أنها جزء من جميع القواقل، والقواقل هي: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)

    (يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) المنادى: مشركو مكة

    (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) يعني: لا أعبد في الحال، ولا في الماضي، ولا في المستقبل، ما تعبدون من الأصنام، فتبرأ من عبادة الأصنام، وغيرها، مطلقا.


    (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) يعني: ولا أنتم عابدون، في الحال، ما أعبد. فهم في هذه الحال، لا يعبدون الله عز وجل، وإن زعموا ذلك، فقد نفى عنهم وقوع عبادة الله، لأن عبادتهم التي يزعمون أنها لله، مشوبة بالشرك.

    وعبادة الله، لا يمكن أن تكون إلا خالصة، فعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ : ( قَالَ الله تَعَالَى : أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ) رواه مسلم.


    (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) : جاءت هنا بصيغة، الجملة الاسمية الدالة على الثبوت، وفي الآية الثانية من السورة، جاءت بصيغة الجملة الفعلية. فقوله (وَلَا أَنَا عَابِدٌ) يعني في المستقبل، والمعنى: اقطعوا الأمل! لا أوافقكم على عبادتكم، لا في الماضي، ولا في الحاضر، ولا في المستقبل.

    (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) يعني: أنكم أنتم أيضا،لا في الحال، ولا المستقبل، تعبدون ما أعبد، ما دمتم مستمرين، على الشرك.

    (لَكُمْ دِينُكُمْ) وهو دين الشرك.

    (وَلِيَ دِينِ) وهو دين الإسلام، والتوحيد. هكذا، بحذف الياء، باتفاق القراء السبعة، وإن كان غير السبعة، قد أثبتها، فقرأ: (ديني)


    ولو تأملنا في هذه السورة، لوجدنا فيها تكرارًا، وهذا التكرار، في الحقيقة، ليس متطابقًا، بل جاء مرة، بالجملة الفعلية: (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)، ومرة، بالجملة الاسمية: (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ )، (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) والجملة الاسمية، تدل على: الثبوت، والاستمرار.

    وفائدة التكرار: التأكيد على المفاصلة التامة، بين عبادته، وعبادتهم، وبين دينه، ودينهم. فهذه السورة، تتعلق بأمر العبادة، التي هي التوحيد العملي.

    فإن التوحيد ينقسم إلى قسمين:

    - توحيد عملي.

    - وتوحيد علمي

    فالنوع الأول: التوحيد العملي، ويسمي أيضا: توحيد العبادة، وتوحيد الإلوهية، وتوحيد القصد والطلب، وكل هذه الاصطلاحات الأربعة، بمعنى واحد. وهذا النوع من التوحيد، هو ما دلت عليه سورة (الكافرون) فهي متخصصة في توحيد العبادة.

    النوع الثاني: التوحيد العلمي، ويسمى أيضا التوحيد النظري، وتوحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، فهذه أربعة اصطلاحات مترادفة. وهذا النوع من التوحيد، هو الذي تدل عليه سورة (الإخلاص) كما سيأتي إن شاء الله.

    فلا يتم الدين إلا باجتماع أمرين:

    أحدهما: عبادة الله وحده، والثانية البراءة من الشرك،كما قال تعالى: (أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، وقال: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) يعني مائلين عن الشرك، وقال: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ)


    وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرن بين، هاتين، السورتين: سورة (الكافرون)، وسورة (الإخلاص)، في قراءة الصلاة، لما فيهما من الدلالة، على التوحيد، بنوعيه، فيقرأهما في:

    - راتبة الفجر.

    - ركعتي الطواف.

    - الوتر يقرأ في الأولى بـ(سبح)، وفي الثانية بـ(قل يا أيها الكافرون)، وفي الثالثة بـ(قل هو الله احد).


    تنزل هذه الآيات على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو في حال استضعاف، حينما كان في مكة، ومع ذلك يتوجه، بهذا الخطاب العقدي العظيم، الواضح، الذي لا لبس فيه، ولا غموض.

    وربما قال قائل: ألا يسع في وقت الضعف، أن يُلين الداعية العبارة، ليدفع عن نفسه؟ نقول: لو ساغ ذلك في كل شيء، لم يسغ في باب الاعتقاد. لابد من الوضوح، في طرح العقيدة، وبيانها، وعدم اللبس على الناس، لاسيما لأهل العلم، ومن يصدر عنهم العامة، فإن عليهم، من المسؤولية، ما ليس على غيرهم.

    عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ قُرَيْشًا دَعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنْ يُعْطُوهُ مَالا فَيَكُونُ أَغْنَى رَجُلٍ بِمَكَّةَ، وَيُزَوِّجُوهُ مَا أَرَادَ مِنَ النِّسَاءِ وَيَطَأُونَ عَقِبَهُ، فَقَالُوا: هَذَا لَكَ عِنْدَنَا يَا مُحَمَّدُ، وَكُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا، وَلاَ تَذْكُرْهَا بِشَرٍّ، فَإِنْ بَغَضْتَ فَإِنَّا نَعْرِضُ عَلَيْكَ خَصْلَةً وَاحِدَةً، وَلَكَ فِيهَا صَلاحٌ، قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَوا: تَعْبُدُ إِلَهَنَا سَنَةً؛ اللاتَ وَالْعُزَّى، وَنَعْبُدُ إِلَهِكَ سَنَةً ، قَالَ: حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَأْتِينِي مِنْ رَبِّي. فَجَاءَ الْوَحْي مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ: (قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) السُّورَةَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ )(بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ). رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وحسن إسناده الألباني.

    فالأمر ليس فيه أنصاف حلول، ولا تنازلات، ولا مماكسات! هذا دين الله عز وجل، لا يسع أحدًا، أن يزايد فيه، وأن يتنازل عن بعض ما أمر به. قد يسع الإنسان، أن يتقي تقاة، إذا لم يستطع أن يقول كلمة الحق، ولم يطق البلاء، وله في ذلك سعة، كما قال الله عز وجل: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) لكن المرتبة العليا، والمقام الأسمى، لمن جهر بالحق، وصدع به، وهذا يتأكد في حق العلماء.


    ولهذا وقف الإمام (أحمد بن حنبل)، رحمه الله، في عام الفتنة، وقفة قوية، مع أنه كان يسعه، أن يتأول. دخل عليه، مرة، على بن المديني، رحمه الله، وهو من كبار المحدثين، من رجال البخاري، فروى بسنده، حديث عمار: أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَا وَرَاءَكَ؟ ». قَالَ : شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. قَالَ كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟) قَالَ : مُطْمَئِنًا بِالإِيمَانِ. قَالَ: (إِنْ عَادُوا فَعُدْ). فتنحى عنه الإمام أحمد، وولاه ظهره، وقال: لا يعرفون من الدين، إلا حديث عمار!، عمار ضرب، فأجابهم إلى بعض ما طلبوا، وأنتم قيل لكم: إنكم ستضربون، فأجبتموهم، إلى ما طلبوا. فقال: والله ما رأت عيناك مثلك.

    فمن استطاع أن يقوم بدين الله، ويصدع بالحق، فهذا أعلى المراتب، ومن ضعف عن ذلك، فأمره إلى الله سبحانه وتعالى، لكن هذه السورة تؤكد أن أمر الدين، لا يجوز أن يداهن فيه، ولا أن يلبس على الناس فيه.


    يجب أن يُبين الإسلام، نقيًا، بريئًا، من كل شائبة، ولا يجوز بحال، من الأحوال، أن يمزج باليهودية، أو النصرانية، أو غيرها، من الملل الوثنية، ولا أن تجعل الأديان على حد سواء، ولا أن يُسوَّغ اعتناق أي منها، بدعوى أن جميعها صحيح، وأنها توصل إلى الله! ولا الدعوة المطلقة إلى الاعتراف بالآخر! واحترام قيم الأخر! ونحو ذلك من العبارات، التي توقع في نفوس الجهال، أن من شاء تدين بما شاء! فيجب أن يبين أن دين الله تعالى، دين واحد، هو الإسلام، (وأن من يبتغ غير الإسلام دينا، فلن يقبل منه)،

    ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؛ يَهُودِىٌّ، وَلاَ نَصْرَانِىٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) فلا يجوز أن تسمى، اليهودية، والنصرانية، أديانا سماوية؛ لأن في ذلك تصحيح لها، ونسبة إلى دين الله عز وجل. وقد قال تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا)، وقال (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ)، وقال (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ) وأنكر عليهم حينما قالوا (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا).

    فلا يوجد دين سماوي، على وجه الأرض، من لدن آدم، إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا دين الإسلام، وهو الإسلام، بالمعنى العام، الذي بعث الله به، جميع أنبيائه، وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم. وأما اليهودية، فهي ما آل إليه دين موسى (عليه السلام) بعد التحريف، وأما النصرانية، فهي ما آل إليه دين عيسى (عليه السلام)، بعد التحريف، فلهذا برّء الله إبراهيم (عليه السلام) منهما.

    وليس صوابا، أن يقال: نجتمع على المشترك، والمتفق عليه، ونقصي المختلف فيه، ما هذا منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا منهج الصحابة، ولا التابعين، ولا علماء الأمة الراسخين، بل منهجهم ما أمر الله تعالى به، بقوله: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) ثم تولى بنفسه سبحانه تفسير هذه الكلمة، ولم يدعها لتفسير مفسر، أو قول فقيه، فقال: (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ). هذه هي الكلمة السواء، أما ما ينادي به بعض المفكرين العصرانين، من البحث، عن نقاط الاتفاق بيننا، وبين اليهود، والنصارى، وإبرازها، وتحاشي نقاط الاختلاف، وإقصائها، وعدم مناقشة قضايا العقائد، فهذا خلاف المنهج القرآني، وخلاف المنهج النبوي، وخلاف منهج السلف الصالح، والسابقين، الأولين من هذه الأمة.


    الفوائد المستنبطة:

    الفائدة الأولى: وجوب المفاصلة، والبراءة من الكفار.

    الفائدة الثانية: وضوح الخطاب، والبعد عن المداهنة.

    الفائدة الثالثة: أن أصل العبادة: هو الإخلاص، والبراءة من الشرك،

    الفائدة الرابعة: تسمية الشرك دينا. لقوله (لَكُمْ دِينُكُمْ) ودينهم الشرك، وقوله في قصة يوسف (مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ).

    الفائدة الخامسة: الحذر من لبس الحق بالباطل.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,737
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-05-2024
    على الساعة
    07:49 PM

    افتراضي

    سورة الكوثر

    د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)

    مقصد السورة : بيان كرامة النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ربه، وصنيعه بأعدائه.

    (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) (إِنَّا) الضمير يرجع إلى الله - سبحانه وتعالى -، وهو في أصل وضعه في اللغة، يدل على الكثرة، لكنه هنا يدل على التعظيم.
    فلو ادعى النصراني الْمُثَلِّث، الذي يقول: "الله ثالث ثلاثة"، أو يقول: "الأب، والابن، وروح القدس، إله واحد"، أن مثل هذا الضمير يدل على مبدئه الباطل، فيقال له: هذا المتشابه عندك، يرفعه المحكم في قول الله تعالى (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)
    (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ) المعطي هو الله.
    (الْكَوْثَرَ)؟ تنوعت عبارات المفسرين في المراد به:
    - فقيل: الْكَوْثَرَ على وزن فَوْعَل، صيغة مبالغة، تدل على مطلق الخير، فالله - سبحانه وتعالى -، أعطاك عطاء، جمًا، كثيرًا، من النبوة، والحكمة، والتمكين، والشفاعة، والنعيم الأخروي، وغير ذلك، فيتناول كل خير، فله منه أكثره، وأفضله.
    - وقيل: إن الْكَوْثَرَ: نهر في الجنة، ويشهد لهذا حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رضي الله عنه، قَالَ: (بَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَهً ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا: فَقُلْنَا : مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ ، فَقَرَأَ :بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .(إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ. إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ). ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ ؟ فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ : فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَأَقُولُ : رَبِّ، إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي، فَيَقُولُ: مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَتْ بَعْدَكَ.) [رواه مسلم]
    - وقد عمد بعض المفسرين، إلى العموم، وقال: لا يمتنع أن يدخل قول من قال: "هو نهر في الجنة"، بالقول الأول، الذي يدل على الخير الكثير؛ فإن من الخير، الكثير، هذا النهر العظيم، الذي أكرم الله تعالى به نبيه - صلى الله عليه وسلم -، في الجنة، لا يحيط به وصف.
    ومما جاء أن الحوض، الذي يكون في عرصات القيامة، يصب فيه ميزابان، من نهر الْكَوْثَرَ. ولما كان ماء الحوض: أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأطيب من ريح المسك، فلا شك أن الأصل، سيكون من هذا، وأعلى.


    (فَصَلِّ لِرَبِّكَ):

    - إما أن يراد مطلق الصلاة، يعني: صلِّ لله، وحده، لا شريك له، خلافًا لصنيع المشركين، الذين يسجدون، ويركعون، لغير الله.
    - وقيل: إن المراد بالصلاة، صلاة عيد النحر، خصوصًا؛ لأنه قال بعدها: (وَانْحَرْ)، والصلاة يوم عيد النحر، تكون قبل النحر.

    وقد وقع الخلاف في قوله (وَانْحَرْ):

    - فقيل معناها: اذبح نسكك، يوم عيد النحر.
    - وقيل: إنها مطلق النحر، تقربًا لله تعالى.
    - وقيل: معنى (وَانْحَرْ) -: "ضع يدك اليمنى، على اليسرى، فوق نحرك، في الصلاة". - وهو مروي عن علي-رضي الله عنه-. وموضع النحر في الإنسان، تحت العنق.
    - وقيل (وَانْحَرْ) أي: استقبل بيديك، القبلة، وارفعهما عند التكبير؛ فإن من معاني النحر، عند العرب: "المواجهة، والمقابلة" كما يقال مثلا: "فأتى إليه، في نحر الظهيرة" يعني: مستقبل الظهيرة، ومنه قولهم: "تناحر الفريقان" حينما يتقابل الفريقان، ويصير كل فريق وُجاه الفريق الأخر.
    وأقرب هذه الأقوال - والله أعلم - أن المراد بها: الذبح، سواء كان ذبح النسيكة، يوم عيد النحر، أو مطلق الذبح، تقربا لله - عز وجل –.
    وقد جمع الله بين الصلاة والنحر في غير ما موضع، هنا قال: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) وقال في السورة الأخرى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي)، فهذا يدل على أن هاتين العبادتين، من أجل العبادات.وصرفهما لغير الله شرك أكبر.

    (إِنَّ شَانِئَكَ) أي: مبغضك.

    (هُوَ الْأَبْتَرُ):
    - قيل معناها: أي المقطوع، أو المنقطع عن كل خير.
    - وقيل معناها: المنقطع العقب، يعني: أنه ينقطع عقبه، ويندرس ذكره.
    حيث إنها نزلت في أحد كفار قريش، إما (العاصي بن وائل السهمي)، وإما (عقبة بن أبي معيط) وكلاهما من صناديد، قريش، الذين كانوا يؤذون النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذلك أنه لما مات القاسم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا يهمنكم أمر محمد؛ فإنه أبتر، لا عقب له" أي لا يبقى له عقب، وعندهم في الجاهلية، إن الذي لا يبقى له عقب، لا يستمر أمره. فقال الله (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
    فكل من عادى نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فمآله إلى سفال، وبوار، وخسار. شهد الله بذلك في هذه الآية، وشهد التاريخ بهذا، فمن تلطخ بمذمة النبي - صلى الله عليه وسلم - أذله الله، وانتقم منه، حتى إن أحد ملوك الصليبيين، لما هجموا على الثغور الشامية، زعم أنه يأتي المدينة، وينبش قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فغضب لهذا الأمر، الملك الصالح، (صلاح الدين الأيوبي)، فلما أمكنه الله، من ملوك الصليبين، وأُتي بهم أسرى، موثقين، بين يديه، عفا عنهم، إلا هذا الشانئ البغيض، فقتله صبرًا، انتقامًا لنبيه - صلى الله عليه وسلم -.
    وهؤلاء المتطاولون، في السنيات الأخيرة، على مقام نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالرسوم المسيئة، وبالكلمات البذيئة، مآلهم إلى ذلك، أيضا، وقد أرانا الله بعض صنيعه بهم، والبقية آتية، إن شاء الله.

    الفوائد المستنبطة
    الفائدة الأولى: المنة التامة، لله، تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فما من أحد نال منة من الله، كما نال محمد - صلى الله عليه وسلم -.
    الفائدة الثانية: مقابلة المنة، بالشكر، والعبادة.
    الفائدة الثالثة: أن الصلاة، أفضل العبادات، البدنية.
    الفائدة الرابعة: أن الذبح، أفضل العبادات، المالية.
    الفائدة الخامسة: فائدة عجيبة، وهي السنة الكونية في اضمحلال، أعداء نبيه - صلى الله عليه وسلم - وذهاب ريحهم (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ).
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,737
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-05-2024
    على الساعة
    07:49 PM

    افتراضي

    سورة الماعون

    بقلم/د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) )
    سورة (الماعون) سورة سميت بهذا الاسم؛ لورود هذه الكلمة فيها.

    ومقصد هذه السورة:
    بيان العلاقة، والصلة الوثيقة، بين العقيدة، والسلوك، وذم الرياء. فالسلوك ثمرة، وأثر للعقيدة، التي تقوم في القلب، فهي تشترك مع سورة (الهمزة) في هذا المقصد، غير أن سورة (الماعون) يزيد في مقاصدها: ذم الرياء.

    (أَرَأَيْتَ) هذا أسلوب استفهام؛ فالهمزة: همزة الاستفهام، والخطاب موجه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ومعنى (أَرَأَيْتَ): أخبِرِني، فهذا استفهام إنكاري، أريد به الإنكار على من يكذب بالدين.
    (الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) الدين: الجزاء، والحساب. فالله تعالى ينعي، على من ينكر البعث، وما يتلوه، من حساب، وجزاء.
    ثم وصف الله تعالى، هذا المكذب بالدين، بجملة أوصاف، مسلكية، فقال:

    (فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) يعني: أن من شأنه، أنه يَدُعُّ اليتيم.
    (يَدُعُّ)، اختلف في معناها:
    - فإما أن تكون بمعنى: يدفع، وهو ما يدل عليه، ظاهر اللفظ، كما في قوله تعالى: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا)، فـ "الدَّع": بمعنى الدفع، فكأنه باستهانته، بذلك اليتيم، يدفعه بيده، ولا يبالي.
    - وإما أن تكون بمعنى: يظلم ويقهر. وهذا أعم؛ لأن الدَّع باليد، يدخل في الظلم، والقهر، وقد نهى الله تعالى، عن قهر اليتيم؛ قال (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)
    و(الْيَتِيمَ): هو من مات أبوه، ولم يبلغ سن الاحتلام.
    والغالب في حال اليتيم، الضعف؛ حيث لا أحد يمنعه، ولا يذب عنه. وقد كان أهل الجاهلية، يستطيلون على صنفين: المرأة، واليتيم. ولهذا أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال: (إني أحرج عليكم حق الضعيفين : اليتيم و المرأة) رواه ابن ماجة، والحاكم، وأحمد، وحسنه الألباني.


    ثم وصف – تعالى - هذا المكذبَ، بوصف آخر، فقال: (وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ): يعني: لا يحث نفسه، ولا غيره.
    (طَعَامِ الْمِسْكِينِ) يعني: إطعام المسكين.
    فهو لا يحث نفسه، ولا يحث غيره، على إطعام المسكين، بل ربما تمادى به الحال، فدعا إلى ضد ذلك، كقول الله تعالى (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) [النساء:37]، وهذه مرتبة أسوأ، من مجرد عدم الحض، على طعام المسكين.
    ونلاحظ أن هاتين الصفتين، (ظلم اليتيم وقهره، وإطعام المسكين)، قد تكرر التنبيه عليهما، في غير ما سورة، من سور جزء "عمَّ":
    - ففي سورة "الفجر"، قال الله تعالى: (كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)
    - أيضا في سورة "الضحى"، قال: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ) والسائل: هو المسكين، الذي يسأل، ويستجدي.
    - وكذلك في سورة "البلد" (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ).
    فهذا يلفت انتباهنا، إلى هاتين الصفتين، الخُلقيتين، المسلكيتين، وكيف اعتنى بهما القرآن العظيم، ولاسيما في العهد المكي، الذي لم تنزل فيه تشريعات؛ حيث كان القرآن المكي، يركز على العقائد، والقيم، والأخلاق. فينبغي للإنسان، أن يهتم بهذين الصنفين: (اليتيم، والمسكين). تعظيما لما عظم الله تعالى، وبداءة بما بدأ الله به تعالى.

    ثم تحول السياق إلى نمط آخر، فقال (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ).
    (فَوَيْلٌ): اختلفت الأقول في معنى (وَيْلٌ):
    - فقيل: هي كلمة ردع، وتهديد، ووعيد.
    - وقيل: إنها وادٍ في جهنم.
    (لِلْمُصَلِّينَ) ليس المراد مطلق المصلين، بل المصلون الذين أتى وصفهم بعد ذلك.

    (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ): لم يقل الله: "الذين هم في صلاتهم ساهون" وإلا لكان الأمر جد عظيم، فمن منا لا يقع له سهو في صلاته؟! فمن لطف الله بعباده، أن قال (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ).
    (سَاهُونَ) قيل في معناها:
    - أي: غافلون عنها، ولا يبالون بها.
    - وقيل: يؤخرونها، حتى تخرج عن وقتها، كما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - (تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا) [الترمذي: 160]
    - وقيل: يتركونها بالكلية.

    والواقع أن هذه المعاني، متلازمة، أو متقاربة؛ فكل سهو وغفلة عن الصلاة، يؤدي إلى الترك، ويدل على عدم الاهتمام بهذه الشعيرة، العظيمة. وذلك بخلاف أهل الإيمان؛ فإن الصلاة في قلوبهم، من أجِّل العبادات، ومن ألذ القربات، فنعيمهم، وقرة أعينهم، في الصلاة؛ كما في حديث أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) رواه النسائي،و صححه الألباني.
    فهذا يؤكد على أهمية العناية بالصلاة، وأعظم ما في الصلاة هو الخشوع؛ فإنه لبها (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2].
    كما يؤكد الحذر من الغفلة والسهو فيها، ففي حديث عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ، وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، تُسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا). رواه أبو داوود، وحسنه الألباني.

    (الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ): مأخوذة من الرياء يعني: إن هم صلوا، فإنهم يقصدون بذلك مراءاة الناس، فهم يظهرون خلاف ما يبطنون. ويصلون لأجل نظر الناس، ويُرونهم خلاف ما هم عليه في الواقع، فهم منافقون.
    ولا شك أن الرياء شرك، لكنه ربما في بعض الأحوال يكون شركا أصغر، وربما طغى، وعم، فنقل صاحبه إلى الشرك الأكبر، فقد يعرض الرياء للمسلم، فيبطل عمله الذي قارنه، وقد يقع الرياء في جميع أعماله، فينقلب كافرًا، خارجًا عن الملة.

    وقد يقع المسلم الحنيف، أسير الرياء، فتغلبه نفسه، لما يرى من نظر فلان، أو علان، فربما حسن صلاته، وركوعه، وسجوده، لأجل نظر فلان، فحينئذ:
    - إن كان ذلك من قبيل الخاطر، الذي هجم عليه، فاستعاذ منه، لم يضره، وصحت صلاته.
    - وإن استرسل معه، بطلت صلاته، كلها؛ لأن الصلاة عبادة، ذات هيئة مجتمعة.
    أما إن كان هذا الرياء في عبادة، ذات أجزاء متفرقة، لا ينبني بعضها على بعض، فإنه يبطل ما قارنه فقط، كما لو أخرج زكاة ماله، على دفعات، فقارنه الرياء في إحدى هذه الدفعات، فإنها تبطل تلك الحصة، التي قارنها الرياء، وأما ما سواها فإنه صحيح.

    وقد ذهب بعض العلماء، إلى أن هذه السورة، ليست مكية بأكملها، وإنما المكي منها الآيات الأُول، وهي: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ)، وأما قوله (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ..) إلى أخر السورة، قالوا: إنها مدنية؛ لأن النفاق لم يكن في مكة، نجم إلا في المدينة.
    ولكن الناظر في نسق الآيات، يجد أنها متناسبة، وأنها بمجموعها، من جنس القرآن المكي، ذي الفواصل القصيرة، ولا يمنع أن ينبه الله تعالى، على مسألة أصلية، ولو في العهد المكي؛ كما قال تعالى في سورة مكية (الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) [فصلت:7]، مع أن الزكاة لم تشرع إلا في المدينة. فلا يمنع أن تكون السورة، بكاملها مكية.

    (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ): قيل في تفسير (الْمَاعُونَ) أقوال متعددة:
    - فقيل: إنه مطلق المنفعة يعني: كل ما فيه نفع، فهو ماعون.
    - وقيل: إنه العارية.
    - وقيل: إنه الزكاة، يعني: يمنعون الزكاة.
    - وفسر ببعض أنواعه؛ فقيل: إنه الدلو، والحبل، والقدر، والإبرة، وما أشبه.
    فمن شأن هؤلاء المصلين (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ(5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) من شأنهم أنه لا خير فيهم، ولا نفع، فهم يحجبون نفعهم، عن غيرهم، إلى حد أنهم يمنعون الأشياء البسيطة، التي تعود الناس، أن يتخادموا فيها، كإعارة الدلو، والقدر، والإبرة، وما أشبه.

    فهذه السورة ترسم صورة منفرة، للكافر، الذي لم يحل الإيمان في قلبه، وكيف أن سلوكه، صار سلوكا مشينا:
    - فهو شديد الغلظة على اليتيم، مع أن اليتيم محل الرأفة، والرحمة.
    - وهو أيضا لا يبالي بالمسكين، الذي يستدر الدمعة، ويثير العطف.
    - وهو أيضا لا يبالي بأمر الصلاة، التي هي الصلة بين العبد، وربه.
    - وإن أداها، أداها على وجه المراءاة.
    - وهو كذلك، لا خير فيه، ولا نفع متعدي، بل هو أناني.
    فكل هذه الأوصاف، المسلكية، نتيجة، وثمرة للكفر، الذي حل في قلبه.
    الفوائد المستنبطة
    الفائدة الأولى: إنكار الله، على منكر البعث.
    الفائدة الثانية: أثر إنكار البعث على السلوك، فالكافر لما كذب بالدين، جاءت تصرفاته على هذا النحو، ولو كان مقرا بالبعث، والجزاء، والحساب، لاستقام.
    الفائدة الثالثة: أن الصلاة بغير صلة بالله، وإخلاص له، لا نفع فيها، فما ينتفع العبد من صلاته، إلا إذا اتصل قلبه بخالقه، وبارئه، وأخلص العبادة له. فتلكم الصلاة التي تنهى عن الفحشاء، والمنكر.
    الفائدة الرابعة: أن الرياء من الشرك؛ لأنه جاء في وصف المشرك، الكافر.
    الفائدة الخامسة: بيان حزمة من الأخلاق الكفرية، وأن أضدادها أخلاق إيمانية.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,737
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-05-2024
    على الساعة
    07:49 PM

    افتراضي

    سورة قريش

    بقلم / د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي


    أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) )


    مقصد السورة:

    تهدف هذه السورة إلى مقصد دقيق، في باب الاعتقاد، وهو بيان الواجب على أهل الحرم، قريش، وهو تحقيق التوحيد.

    وقريش أشرف قبائل العرب، فقد قال نبينا – صلى الله عليه وسلم - كما في حديث وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْماَعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ) [مسلم: 2276] وقد أكرمها الله، وأحلَّها هذا الموضع، وقلدها سدانة بيته.


    (لِإِيلَافِ) جار ومجرور، وكل جار ومجرور لابد له من متعلق:

    - فقيل: متعلق بقوله تعالى في آخر السورة (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ)، يعني أن إيلافهم موجب لعبادتهم، لرب هذا البيت.
    - وقيل: متعلق بسورة (الفيل) - وهذا من أعجب ما قيل!! – يعني أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر ما ذكر في سورة (الفيل)، وأنه جعلهم كعصف مأكول، أتبعه بقوله (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ)، يعني أن ذلك الذي جرى وحصل، لأجل إيلاف قريش.
    - وقيل: متعلق بفعل محذوف، تقديره: "عجبا"، أو: "اعجبوا" "لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ"، كما قيل في قول الله تعالى (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) : "اعجبوا لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ"

    معنى (إِيلَافِ):

    1) قيل: جمع، كما تقول – مثلا -: "آلفت بين هذه الأشياء، فصنعت منها كذا، وكذا" أو "آلفت بين هذه النصوص، فجمعت منها بحثا، أو كتابا"
    2) وقيل: من ألِف، أي: اعتاد.
    وعلى هذا يكون معنى (إِيلَافِهِمْ) في قوله: (إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ):

    - على القول الأول: جمعهم بين الرحلتين؛ رحلة الشتاء، والصيف.
    - وعلى الثاني: اعتيادهم على هاتين الرحلتين.
    وبهذا يكون المعنى الإجمالي لقوله تعالى : (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ . إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) :

    - اعجبوا لجمع قريش، بين رحلتي الشتاء، والصيف،
    - أو اعجبوا لاعتياد قريش على هاتين الرحلتين، في الشتاء والصيف.
    - وثم معنى ثالث، ينقدح في الذهن، وهو أن المقصود بـ (إِيلَافِ قُرَيْشٍ) هو: تأليفهم لقبائل العرب، بحيث يقطعون هذه الرحلة، إلى الشمال، وهذه الرحلة إلى الجنوب، دون أن يتعرض لهم أحد، من قبائل العرب، مع أن العرب في أيام الجاهلية، كان قوام كسبهم السلب، والنهب، والغزو، وقطع الطريق، فاعجبوا كيف تمكنت قريش من إيجاد الألفة، والتآلف، مع هذه القبائل، التي تمر بها، في طريقها إلى الشام، وفي طريقها إلى اليمن، دون أن يقع لهم قطع طريق، أو عدوان !

    (رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) في الشتاء، كانوا يرحلون إلى اليمن؛ لدفئها. وفي الصيف، يرحلون إلى الشام؛ لبرودتها. كانوا يرحلون للتجارة، وذلك أن بلدهم ، كما وصف الله تعالى: (وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ)، فقامت معيشتهم على التجارة، في رحلتي: الشتاء، والصيف. وهذا الانفتاح الحضاري، بالإضافة إلى وجود البيت الحرام، أدى إلى أن تكون مكة (أم القرى)، وأن يكون أهلها، على قدر كبير من الثقافة، والاطلاع، والعلم بأحوال الناس، تمهيدًا لبعثة النبي- صلى الله عليه وسلم -، وتأهيله لحمل الرسالة.


    (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ): لمَّا قدم الله امتنانه على قريش، رتب على ذلك أمرهم بعبادته وحده، مقابلة للنعماء، بالشكران. فلا يليق بهم أن يجاورا بيت الله، ويعبدوا غيره، ولا يليق أن ينعم الله تعالى عليهم، النعم العظيمة، من تيسير أرزاقهم، ومعاشهم، في رحلة الشتاء، والصيف، ثم يشركوا معه!

    (هَذَا الْبَيْتِ) المشار إليه هو: ما يعرفونه، ويعهدونه، وهو الكعبة.

    (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) مع أنهم في وادٍ غير ذي زرع.


    (وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ): اختلف في المراد بالخوف:

    - فقيل: آمنهم من الغارات، والثارات، والسلب، والنهب، التي كانت سائدة في جزيرة العرب، فهذا أمر يدعو للعجب، ويوجب أن يقابل بالشكر.
    - وقيل: آمنهم من الجذام! لكن تخصيص المعنى بالأمن من مرض الجذام، دون غيره، بعيد؛ لأن الله تعالى أطلق تأمينهم من الخوف، فيدخل فيه كل خوف، سواء كان من مرض، أو عدو، أو غير ذلك من المخاوف. فهي القبيلة الوحيدة، التي تأمن من أن يغير عليها أحد. حتى إنه إذا وقع بين قريش، وبين بعض قبائل العرب حرب، فدخلوا في منطقة الحرم، كفوا. ولما اقتتلوا مرة فيه، سميت تلك الحرب(حرب الفجار)؛ لأنهم رأوا أنهم قد فجروا، وانتهكو حرمات الله. وكذلك بقية العرب، يلقى الرجل قاتل أبيه، في الحرم، فلا يعرض له بسوء.

    الفوائد المستنبطة

    الفائدة الأولى: منة الله تعالى على قريش، وأهل حرمه.

    الفائدة الثانية: تحقق دعوة إبراهيم - عليه السلام -، لأهل الوادي، كما في قوله تعالى: (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ)، فتحققت الدعوة، وصار يجبى إليه ثمرات كل شيء، (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ).

    الفائدة الثالثة: أن تمام النعمة الدنيوية: بالشبع، والأمن. واختلالها: بفقدهما، أو فقد أحدهما، أو نقصهما، أو نقص أحدهما.

    فالخائف، لا يمكن أن يهنأ بطعام، حتى وإن كان الطعام موفورًا عنده. والجائع، لا يمكن أن يهنأ بأمن، فلا تتم النعمة الدنيوية، إلا بالشبع، والأمن.

    وهذه المنة ليست خاصة بقريش، فربما جعل الله ذلك لكثير من بني آدم، فوجب أن يقابلوها بالشكر. وتدبر هذا المثل الذي ضربه الله في قوله: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ) فهي قرية تنعم بالأمن، والشبع، (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)، فعوقبوا بالجوع، والخوف.

    الفائدة الرابعة: أن أولى الناس بعبادة الله، والقيام بدينه، هم أهل حرمه.

    فيجب على ساكن مكة، أن يقوم بعبادة الله - عز وجل -، وأن يعلم أنه على بساط الملك، فالذي يعصي الملك على بساطه، ليس كالذي يعصي الملك في أطراف مملكته. ولهذا كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يتحرج من سكنى مكة، ويضرب خباءه خارج الحرم؛ يرى أن من الإلحاد في البيت أن يقول الإنسان: "والله"، "وبالله"، "وتالله"، لشدة ورعه -رضي الله عنه-. فيجب أن يكون بيت الله، وحرم الله، موئلا للتقاة، وأهل الطاعة، والورع؛ من الطائفين، والعاكفين، والقائمين، وأن يطهر من أهل الشرك، والبدعة، والفسق. ثم مَن كان يلي مكة، من البلدان.

    ولهذا جعل الله تعالى هذه الجزيرة، موئلا للإسلام، يأرز إليها. والعرب هم أولى الناس بدين الإسلام، والدفاع عنه. والله أعلم حيث يجعل رسالته، فاختار الله تعالى العرب، واختار أن يكون نبيه منهم، عن علم، وحكمة، فهم حفظة دينه، الذين يجاهدون في سبيله، وينشرونه في الآفاق.

    الفائدة الخامسة: شرف البيت الحرام؛ لإضافته إليه سبحانه. والمضاف إلى الله نوعان:

    أحدهما: أن يكون المضاف عينًا قائمة بذاتها: فيكون من باب إضافة المخلوق إلى خالقه؛ إما إضافة محضة،كعبد الله، أو إضافة تشريف، كبيت الله، وناقة الله.

    الثاني: أن يكون المضاف وصفًا لا يستقل بنفسه، بل يقوم بمن أضيف إليه: فيكون من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، كعلم الله، وعزة الله، ووجه الله.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,737
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    01-05-2024
    على الساعة
    07:49 PM

    افتراضي

    التفسير العقدي لسورة الفيل

    بقلم أ.د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي


    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

    {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}



    - مقصد السورة:

    هذه السورة مقصدها مقصد دقيق، وهو بيان حكم الله الكوني، بحماية محض التوحيد، ومنطلق الرسالة.

    وهذا معنى ينبغي التفطن له في هذه السورة، وفي سورة قريش التي تليها. وذلك لما أشار الله تعالى إلى الموقع الجغرافي لهذا الدين، ولذلك التاريخ، العريق، العميق، من لدن إبراهيم - عليه السلام -، انتهاء بمحمد - صلى الله عليه وسلم -.

    فارتباط مقصد سورة (الفيل) بالعقيدة، والتوحيد، لابد من التنبه له، كما سنرى.


    قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)}:

    (أَلَمْ تَرَ) يعني: ألم تعلم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرى تلك الكيفية؛ إذ أنه ولد في ذلك العام. ولذلك فالمراد بالرؤية هنا: الرؤية العلمية.

    والاستفهام هنا: استفهام تعجبي، يعني: اعجب لفعل ربك بأصحاب الفيل.

    (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) لاحظ كيف ركز على الكيفية.

    (بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) أصحاب الفيل: هم أبرهة الأشرم، ومن معه.

    وأبرهة: هو حاكم نصراني من الأحباش كان على اليمن، إذ أن أهل الحبشة كانوا على النصرانية آنذاك، وقد استولوا على بلاد اليمن، حينا من الدهر، فنصبوا عليها حاكما منهم، يقال له: "أبرهة".

    وقد جاء في التاريخ: أن هذا الحاكم لما رأى العرب يقصدون الكعبة، قام ببناء كنيسة، سماها "الكليس" أو نحو هذا الاسم، ودعا العرب إلى الحج إليها؛ ليصرفهم عن الكعبة، ولكن العرب على رغم ما أحدثوه من الشرك، إلا إنهم أبوا ذلك؛ إذ كانوا يعظمون الكعبة، ويحجون بيت الله الحرام؛ إتباعا لأبيهم إبراهيم - عليه السلام -.

    حتى جاء رجل من كنانة، أو من بعض قبائل العرب، فتغوط - أكرمكم الله - في كنيسة أبرهة، ولطخ قبلتها بالأذى، فغضب أبرهة، غضبا، شديدا، وسار بالأفيال، والرجال، يريد هدم الكعبة، وكان ذلك في زمن عبد المطلب، سيد قريش، جد النبي - صلى الله عليه وسلم -.

    فلما توجه إلى مكة، اعترضه بعض قبائل العرب، فهزمهم؛ لقوة جنده، وجيشه. وسار حتى أقبل على مكة، وأصاب عسكره إبلا لعبد المطلب.

    وقد جاء في التاريخ: أن عبد المطلب، أتى أبرهة، وكان عبد المطلب رجلا، وسيما، قصيما، عظيم المنظر، والشكل والهيبة، فلما رآه أبرهة، أعجبه شكله، ومرآه، ولم يرى أن يسعده على سريره، فنزل إليه واستقبله،

    فقال للترجمان: قل له ما حاجتك،

    فقال: أصحابك استاقوا مئة بعير لي، وأريدك أن تردها علي.

    فلما سمع ذلك منه سقط من عينه، وقال للترجمان: قل له إني حينما رأيتك أعجبني حالك، وكنت أظن أنك ستفاوضني، على أمر البيت.

    فقال عبد المطلب: أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه، فافعل ما بدا لك.

    فأمر برد إبله عليه، ثم ذهب عبد المطلب، ومن معه من قريش، وأمسكوا بحلق البيت، وصاروا يدعون، ويتضرعون إلى الله - عز وجل - أن يدفع هؤلاء المعتدين، حتى قال عبد المطلب:

    لا هم إن المرء يمـ‍ * ـنع رحله فامنع رحالك

    لا يغلبن صـليبهم * ومحـالهم أبدا محـالك

    إن كنت تاركهم وكعـ‍ * ـبتنا فأمر ما بدا لك


    ولهذا قال بعضهم: إن أول من قال بالبداعة، عبد المطلب، وكان هذا من عقائد أهل الجاهلية.

    ثم إن عبد المطلب، وأهل مكة، قد خرجوا وأخلوا مكة، وصعدوا إلى الجبال، يقينا منهم بأن الله تعالى سيحمي بيته.

    فلما بلغ أبرهة منطقة الحديبية - وهي الواقعة بين جدة ومكة، المسماة الآن بشماسي – فلما بلغها إذا بالله تعالى يرسل عليهم طيرا أبابيل، تأتيهم من جهة البحر، تحمل في أفواهها حجارة، صغيرة، ثم تقصفها على أبرهة وجنوده، حتى كانت الحصاة، تنزل، فتخرق بيضة الرأس، وتشق بدن الراكب، وتخرج من دبره، وتخرق الفيل حتى تبلغ الأرض، حتى غدو - كما وصف الله - كعصف مأكول. وكان ذلك زمن ولادة النبي - صلى الله عليه وسلم -.


    {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)}:

    (أَلَمْ يَجْعَلْ) هذا استفهام، لكنه استفهام تقريري، فقوله تعالى (أَلَمْ يَجْعَلْ) بمعنى: جعل.

    (كَيْدَهُمْ) أي: تدبيرهم لهدم الكعبة، وكان من تدبيرهم، أن يستاقوا هذه الأفيال، التي لا تعرفها العرب، وقد قيل: إن أبرهة كان معه فيل، كبير، يقال له "محمود" فكان إذا وجهه باتجاه مكة حسر، وامتنع عن المضي، وإذا وجهه باتجاه اليمن، ولى مدبرا.

    وحينما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم – مكة ، في عام الحديبية، خلئت ناقته، يعني حرنت؛ كما جاء في حديث المسور بن مخرمة، قال:

    (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ، طَلِيعَةٌ فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ، فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ، حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا، بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فَأَلَحَّتْ فَقَالُوا: خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ( مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ) [رواه البخاري: 2731]

    (فِي تَضْلِيلٍ) في خسار وضياع


    {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3)}.

    (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ) يعني بعث عليهم. من أين؟ الله تعالى أنشأها وخلقها.

    (طَيْرًا أَبَابِيلَ) (أبابيل) قيل في تفسيرها عبارات متقاربة:

    - قيل: فرقا.
    - وقيل: جماعات.
    - وقيل: متتابعة، يعني: طيرا متتابعة.
    - وقيل: كثيرة.
    - وقيل: مجتمعة.
    والحقيقة أن كل هذه المعاني صالحة، فهذا الطير كان فرقا، على شكل جماعات، كثيرة، متتابعة، مجتمعة.

    ولفظ (أَبَابِيلَ) قيل: لا واحد له من جنسه، وقيل: مفرده "أبل" أو نحو هذه الكلمة.


    {ترميهم بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)}:

    (ترميهم) يعني تقذفهم

    (سِجِّيلٍ) هو الطين المطبوخ. وأقرب ما له عندنا ما يسمى بـ "الطوب الأحمر"، في الدخانة؛ لأن هذا الطوب الأحمر، قد أُدخل في الأفران، فتحول إلى حجارة صلبة.

    ولكن لا شك أن تلك الحجارة، التي قذف بها هؤلاء، على غير ما نعهد، لكن الله تعالى يخاطب الناس بعبارات، من جنس ما يعلمون.

    {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ(5)}

    (فَجَعَلَهُمْ) يعني: فجعل ذلك الجيش، وهذا المعسكر، الذي كان يهم بهدم الكعبة.

    (كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ):

    - قيل: كورق الزرع، الذي أكلته الدواب، يعني البهائم، وداسته، وأفنته.
    أرأيتم لو أنه سلط قطيع من الغنم، على حقل فيه زرع، فجعلت تقضمه، وتلفظه، وتطأه، بأقدامها، كيف يكون الحال بعد ذلك؟ فهكذا بدت هذه الجثث، المترامية يمنة ويسرة، (كعصف مأكول).

    - وقيل: إنه التبن، يعني صار هيئتهم، وشكلهم، كالتبن المترامي، على وجه الأرض.
    - وقال بعض السلف: مثل قشر البُر، يعني القشر الذي يكون على حبة البُر.
    - وقيل: كورق الحنطة.
    وهي عبارات متقاربة، كلها تؤول إلى نفس المعنى، والمقصود أنهم صاروا في هيئة وضيعة، قد دمروا تدميرا، وأوقع الله تعالى فيهم الهلاك، الشديد.


    الفوائد المستنبطة

    الفائدة الأولى: عظيم قدرة الله، وشديد بأسه، وأخذه.

    وهذا المعنى يجب أن يقوم في قلوبنا، فنعلم أن ربنا - سبحانه وتعالى – يمهل، ولا يهمل، وأن أخذه أليم، شديد، وأن الكفار، والطغاة، مهما أوتوا من قوة، ومهما تسلحوا من سلاح نووي، أو غيره، أن لو شاء الله لأفناهم، في لمح البصر.

    انظروا فعل الله - عز وجل - فيما تصنع هذه الزلازل، ففي ثواني معدودة، يتحطم البناء، ويقع الناس تحت ركام الخرسانات، المسلحة، يستصرخون، ولا صريخ لهم.

    وكيف إذا أفاض الله تعالى الأنهار، والبحار، وكيف تجرف الناس، وتجعلهم طافين على وجهها، هلكا، صرعا.

    وغير ذلك، حينما تهب الرياح، والأعاصير، فجند الله - سبحانه وتعالى - لا حصر لها. فيجب أن يقوى عند الإنسان الشعور بعظمة الله، وقوته، وقدرته، وأنه لا يضاهي قوته، وقدرته، شيء مما يتباهى به أعداء الدين، من أنواع القوى، التي يلوحون بها ويهددون.

    الفائدة الثانية: (فائدة مهمة) وهي: حماية الله لبيته الحرام، وإهلاك من يريده بإلحاد، أو إفساد هذا البيت.

    فهذا الموضع اختاره الله تعالى عن علم ،وحكمة، فهو موضع شريف، كما قال الله تعالى (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ) [الحج:26] ولله تعالى أن يصطفي من الأمكنة، والأزمنة، والأشخاص، ما يشاء؛ كما قال تعالى (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) [القصص:68] فلهذا الموضع خاصية، كونية، قدرية، يجب على كل مؤمن أن يرعاها، وأن يعظمها.

    ومن تعظيم الله لها: أن أجرى هذه الآية العظيمة، في غير وقت نبيه - صلى الله عليه وسلم -، في زمن الجاهلية؛ لأن الأمر متعلق بهذا الموقع، المعظم، المكرم، وهو موضع البيت، فليست هذه البقعة كسائر البقاع، فلم يزل الله تعالى يحمي هذا الموقع، الذي حرمه، حتى إنه جاء في حديث أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّ النبي قام الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، حَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ، يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ، كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ) [رواه البخاري:104]

    الفائدة الثالثة: الإرهاص بمولد نبيه - صلى الله عليه وسلم –، وبعثته، والمقصود بالإرهاص: يعني المقدمات بمولد نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وبعثته، فلم يكن هذا من باب الموافقة، والصدفة، أن يجري هذا الحدث في عام مولده - صلى الله عليه وسلم -. كأن الله - سبحانه وتعالى - أراد أن يهيأ الناس، بهذا الحدث العظيم، لأمر عظيم، وهو بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

    وقد رافق مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - حوادث كونية أخرى، فقد اهتز لذلك إيوان كسرى، وأريت أم النبي - صلى الله عليه وسلم - قصور الشام، وصنعاء، وغير ذلك من الوقائع، التي صاحبت ميلاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى إن أهل الكتاب شعروا بذلك، وعلموا أنه قد أظلهم زمان نبي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

صفحة 1 من 6 1 2 ... الأخيرةالأخيرة

التفسير العقدي لجزء عم

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الأمن العقدي للشيخ عادل المقبل الجزء الثاني
    بواسطة أبوفاطمة1981 في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30-04-2014, 07:14 PM
  2. الأمن العقدي للشيخ عادل المقبل الجزء الثاني
    بواسطة أبوفاطمة1981 في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28-04-2014, 08:54 PM
  3. الأمن العقدي للشيخ عادل المقبل الجزء الأول
    بواسطة أبوفاطمة1981 في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27-04-2014, 07:22 PM
  4. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-11-2008, 08:35 AM
  5. التفسير المبسر000000
    بواسطة ahmad2008 في المنتدى فى ظل أية وحديث
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-06-2008, 05:56 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

التفسير العقدي لجزء عم

التفسير العقدي لجزء عم