قال الله تعالى :


قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {58/1} الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ {58/2} وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {58/3} فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ {58/4}


تفسير ابن كثير :


قال الإمام أحمد حدثنا سعد بن إبراهيم ويعقوب قالا حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسحاق حدثني معمر بن عبدالله ابن حنظلة عن يوسف بن عبدالله بن سلام عن خويلة بنت ثعلبة قالت في والله وفي أوس بن الصامت أنزل الله صدر سورة المجادلة قالت كنت عنده وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه قالت فدخل علي يوما فراجعته بشيء فغضب فقال أنت علي كظهر أمي قالت ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة ثم دخل علي فإذا هو يريدنى عن نفسي قالت قلت كلا والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه قالت فواثبني فامتنعت منه فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف فألقيته عني قالت ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابا ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه فذكرت له ما لقيت منه وجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه قالت فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه" قالت فوالله ما برحت حتى نزل في قرآن فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سرى عنه فقال لي "يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك قرآنا - ثم قرأ علي - "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير - إلى قوله تعالى - وللكافرين عذاب أليم" قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "مريه فليعتق رقبة" قالت: فقلت يا رسول الله ما عنده ما يعتق قال "فليصم شهرين متتابعين" قالت: فقلت والله إنه لشيخ كبير ماله من صيام قال "فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر" قالت: فقلت يا رسول الله ما ذاك عنده قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإنا سنعينه بفرق من تمر" قالت: فقلت يا رسول الله وأنا سأعينه بفرق آخر قال "قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصي بابن عمك خيرا" قالت: ففعلت. ورواه أبو داود فى كتاب الطلاق




وفي رواية لابن أبي حاتم عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، أنها قالت:تبارك الذي أوعى سمعه كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى علي بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول:يا رسول الله، أَكَلَ شبابي، ونَثَرت له بطني، حتى إذا كَبِرَت سِنِّي، وانقطع ولدي، ظَاهَر مِنِّي، اللهم إني أشكو إليك. قالت:فما برحت حتى نـزل جبريل بهذه الآية: ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا ) وقال وزوجها أوس بن الصامت.


وجه الاعجاز في الآيات :
جاءت المرأة تشتكي زوجها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة جديدة لم يتعرض لها الشرع من قبل ، فماذا قال لها النبي صلى الله عليه وسلم في
اول الامر ؟ قال :"يا خويلة ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه" . ثم فجأة ماذا حدث ؟
تقول المرأة : " فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه ثم سرى عنه " تعني جاءه الوحي ، ولاحظ قولها " فوالله ما برحت حتى نزل في قرآن " إذاً ، هي لم تغادر مكانها حتى أتاها حكم الله في المسألة وعرفت ان النبي يوحى إليه اثناء وجودها ، وتأكدت حين قرأ عليها النبي صلى الله عليه وسلم
ما نزل عليه من قرآن فورا حاملا حكم الله في المسألة . ووجه الاعجاز هنا هو وضع حل للمسألة فوري بأسلوب قرآني معجز بعدما كان النبي منذ لحظات يقول
لها "اتق الله في ابن عمك الشيخ الكبير" . وهذا يدل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن ربه عز و جل ، فمن المستحيل ان يرتجل اي شخص
كائنا من كان مثل هذه الآيات بهذه السرعة في نفس المجلس اثناء نقاشه مع المرأة المجادلة . ونحن المسلمون نتحدى العالمين بطرح مسألة فقهية يضعون لها حلا فوريا بأسلوب القرآن . والله : "إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"