مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

الرد على مقطع خالد بلكين : الوحي المكتوم المنهج و النظرية ج 29 (اشاعة حول النبي محمد) » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | الإعجاز في القول بطلوع الشمس من مغربها » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لمسات بيانية الجديد 8 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنهما بعمر السادسة و دخوله عليها في التاسعة » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | المصلوب بذرة ( الله ) ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | كاهن يعلنها بصدق من داخل الكنيسة : الإسلام أكثر منطقية من المسيحيّة ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | إجابة عن سؤال : من نسب لله الصّاحبة و الولد ؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | Moses PBUH in the river » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | قـُــرّة العُــيون : حلقة 01 » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل

النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    المشاركات
    1,863
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    18-03-2024
    على الساعة
    01:01 PM

    افتراضي مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل

    بسم الله الرحمن الرحيم
    و به نستعين




    أولا : القرآن الكريم :
    القرآن الكريم هو كلية الشريعة ، وعمدة الملة ، وينبوع الحكمة ، وآية الرسالة ، ونور البصائر والأبصار ، فلا طريق إلى الله سواه ، ولا نجاة بغيره ، ولا تمسك بشيء يخالفه . وهذا كله معلوم من الدين علمًا ضروريًّا ، لا يحتاج إلى استدلال عليه وقد أوفى القرآن الكريم على الغاية في بيان العقيدة وتصحيحها في النفوس ، على أتم وجه وأكمله ، وبخاصة في السور المكية ، إجمالا وتفصيلا . وكان أول ما أنزل وحيًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، هو سورة العلق : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ )



    وهي تتضمن أصول الدين والعقيدة من الأدلة العقلية والفطرية والشرعية على وجود الله تعالى وتوحيده ، وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإثبات البعث .وفي سائر سور القرآن الكريم ، نجد السورة الواحدة تجمع أركان العقيدة بأصول عامة تبين أركان الإيمان - وأعظمها الإيمان بالله تعالى- وما يتفرع عن هذه الأركان وينضم إليها ، أو يكون من مقتضياتها ومستلزماتها ، وتضع - كذلك - الإجابة الصحيحة الحاسمة على الأسئلة التي تفسر للإنسان أصل وجوده ونشأته ، وغايته التي يسعى إليها ، والمصير الذي ينتهي إليه بعد رحلته في هذه الحياة ، وتحدد علاقته بالله تعالى وبالكون وبالحياة والأحياء من حوله .يقول الإمام الشاطبي ، - رحمه الله - :( وغالب السور المكية تقرر ثلاثة معان ، أصلها معنى واحد ، وهو الدعاء إلى عبادة الله وتوحيده :أحدها : تقرير الوحدانية لله الواحد الحق . غير أنه يأتي على وجوه ، كنفي الشريك بإطلاق ، أو نفيه بقيد ما ادعاه الكفار في وقائع مختلفة ، من كونه مقربًا إلى الله زلفى ، أو كونه ولدًا ، أو غير ذلك من أنواع الدعاوى الفاسدة .والثاني : تقرير النبوة للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه رسول الله إليهم جميعًا ، صادق فيما جاء به من عند الله . وهذا المعنى وارد على وجوه أيضًا كإثبات كونه رسولا حقًّا ، ونفي ما ادعوه عليه من أنه كاذب ، أو ساحر ، أو مجنون ، أو يعلمه بشر ، أو ما أشبه ذلك من كفرهم وعنادهم .والثالث : إثبات أمر البعث والدار الآخرة ، وأنه حق لا ريب فيه ، بالأدلة الواضحة ، والرد على من أنكر ذلك بكل وجه يمكن الكافر إنكاره به ، فرد بكل وجه يلزم الحجة ، ويبكت الخصم ويوضح الأمر .فهذه المعاني الثلاثة هي التي اشتمل عليها المنزل من القرآن بمكة في عامة الأمر ، وما ظهر- ببادئ الرأي- خروجه عنها فراجع إليها في محصول الأمر .ويتبع ذلك : الترغيب والترهيب ، والأمثال والقصص ، وذكر الجنة والنار ، ووصف يوم القيامة ، وأشباه ذلك ) . وإذا كانت العقيدة هي الموضوع الأساسي الرئيس في السور المكية ، فإنها كذلك موضوع رئيس في السور المدنية التي نزلت لتعالج قضايا تشريعية تعرض من خلال هذه العقيدة ومقتضى الإيمان بالله تعالى ، كـما ألمحنا إليه فيما سبق . ومن هنا ، فإن الحديث عن العقيدة ( لم ينقطع في المدينة ، لأنه ليس حديثًا يذكر في مبدأ الطريق ثم ينتقل منه إلى موضوع آخر ، إنما يذكر في مبدأ الطريق ثم ينتقل معه إلى كل موضوع آخر) .


    ثانيًا : السنة النبوية :
    وإذا كان القرآن الكريم هو مصدر الدين ، عقيدة وشريعة ، فإن السنة النبوية مثل القرآن في ذلك ؛ لأنها وحي من الله تعالى ، فقد وصف الله سبحانه ما يصدر عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأنه وحي ، فقال : (
    وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ).
    وعن حسان بن عطية ، قال : كان جبريل - عليه السلام - ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسنة فيعلمه إياها كـما يعلمه القرآن .
    وأخرج البيهقي في (المدخل) عن طاوس : أن عنده كتابًا من العقول (الديات) ، وما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صدقة وعقول فإنما نزل به الوحي)

    فجعل ما فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما نزل به الوحي ، مع أنه لم ينزل بلفظه في القرآن الكريم الذي هو وحي متلو .
    وذلك أن الوحي نوعان :
    أحدها : وحي متلو ، وهو القرآن المنزل على محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلفظه ومعناه ، وهو المتعبد بتلاوته .
    والثاني : وحي غير متلو ، وهو المروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - المبين عن الله - عز وجل- .
    فقد قلد الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمانة التبليغ والبيان فقال : (

    وَأَنْـزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُـزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
    ( ، وقال تعالى : ( وَمَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .
    ومما يدل على أن السنة بمثابة القرآن في هذا : أن الله تعالى امتن على المؤمنين ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ليعلم الناس الكتاب والحكمة فقال : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ).
    وقال تعالى مخاطبا أمهات المؤمنين : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) .
    فقال غير واحد من السلف : الحكمة هي السنة ؛ لأن الذي كان يتلى في بيوت أزواج النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهن ، سوى القرآن هو السنة ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - ( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه )
    وقال الإمام الشافعي - رحمه الله- بعد أن ساق الآيات الكريمة التي يأمر الله تعالى فيها باتباع الكتاب والحكمة ، ويمتن بهما علينا ، قال : ( ذكر الله تعالى الكتاب ، وهو القرآن ، وذكر الحكمة ، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول : الحكـمة سنة رسول الله . وهذا يشبه ما قال ، والله أعلم ، لأن القرآن ذكر وأتبعته الحكمة ، فلم يجز- والله أعلم- أن يقال : الحكمة هاهنا إلا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله ، وأن الله افترض طاعة رسوله ، وحتم على الناس اتباع أمره ، فلا يجوز أن يقال لقولي : فرض ، إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله ، لما وصفنا من أن الله جعل الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به ، وسنة رسوله مبينة عن الله معنى ما أراد .

    وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصول الدين والعقيدة أحسن بيان ،
    ودل الناس وهداهم إلى الأدلة العقلية والبراهين اليقينية التي بها يعلمـون المطـالـب الإلهية ، وبهـا يعلمـون إثبـات ربوبية الله ، ووحدانيته وصفاته ، وغير ذلك مما يحتاج إلى معرفته بالأدلة العقلية . بل وما يمكن بيانه بالأدلة العقلية- وإن كان لا يحتاج إليها ، فإن كثيرا من الأمور يعرف بالخبر الصادق- ومع هذا فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين الأدلة العقلية الدالة عليها ، فجمع بين الطريقين : السمعي ( الشرعي ) و ( ا لعقلي ) .
    وبذلك يتبين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نص على كل ما يعصم الأمة من المهالك نصا قاطعا للعذر ، ولا يمكن أن يبين للناس أمور حياتهم وما يحتاجونه في الشريعة ثم يترك الجانب الرئيسي وهو العقيدة .
    قال أبو ذر - رضي الله عنه - : ( لقد توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما )
    وقيل لسلمان الفارسي - رضي الله عنه - : ( قد علمكـم نبيكـم - صلى الله عليه وسلم - كل شي حتى الخراءة ؟ فقال : أجل . . . ) .
    وقال - صلى الله عليه وسلم - ( تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ) في أحاديث كثيرة وآثار- غير هذه - تبين أن مسائل العقيدة من أول ما يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته . وفي سنته ما يقطع الحجة ، ويوضح المحجة ، ويوفي على الغاية ، هداية وشفاء للصدور ، وبيانا للحق . هذا ، وقد سبقت الإشارة إلى أن السنة هي الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويندرج فيها الأحاديث الحسنة التي لـم تبلغ رتبة الصحيح ، ولذلك ينبغي التوثق والتثبت من صحة الحديث وقبوله عند الاستشهاد به والاحتجاج وبخاصة في قضايا الاعتقاد ، فإن العقيدة لا تبـنى على الأحاديث الضعيفة .
    وقد يكون هذا الحديث الصحيح متواترا قطعي الثبوت ، وقد يكون حديثا مشهورا مستفيضا يأخذ حكم المتواتر ، وقد يكون حديث آحاد . وكلها في أصل الاحتجاج بها سواء عند صحتها ، ينبغي الخضوع لها وقبولها على الرأس والعين ، دون تمحل ولا تكلف ، ودون التماس الأعذار لردها وعدم العمل بها ، فإن (جميع ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشرع والبيان كله حق) ، وإنما ينبغي- بعد ذلك - النظر في المنهج الصحيح للفهم والاستدلال وإعمال قواعد الاستنباط وضوابط الترجيح عند التعارض مثلا .
    وأما الأحاديث الضعيفة والموضوعة المكذوبة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلا يجوز الاحتجاج بها ، بل ولا تجوز روايتها أصلا إلا لبيان حالها ، وإنما ينبغي الإعراض عنها ، لأن العقيدة لا تثبت بالأحاديث الضعيفة فضلا عن الموضوعة . وإن من أعظـم أسبـاب الضـلال والانحـراف عـن السنـة والعقيـدة الصحيحة : الاحتجاج بالأحاديث والأخبار الضعيفة والمكذوبة وبناء الاعتقاد عليها ، وبخاصة فيما يتعلق بمباحث الألوهية والصفات ونحوها


    يُتبع
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    هل الله يُعذب نفسه لنفسههل الله يفتدى بنفسه لنفسههل الله هو الوالد وفى نفس الوقت المولوديعنى ولد نفسه سُبحان الله تعالى عما يقولون ويصفون

    راجع الموضوع التالي


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    المشاركات
    1,863
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    18-03-2024
    على الساعة
    01:01 PM

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    و به نستعين


    الأدلة على صحة هذا المنهج :
    وقد قامت الأدلة الشرعية ( من الكتاب والسنة ) ، والأدلة العقلية ، على صحة هذا المنهج ، وعليه أجمع الصحابة وسلف الأمة ، كما أيدته التجربة والواقع :
    فأولا : نطق بذلك القرآن الكريم ، في آيات كثيرة تدل على ذلك : 1 - فقال تعالى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا .
    فإذا أكمل الله تعالى الدين وأتم به النعمة ، فإن هذا يقتضي أن لا يترك جانبا من جوانب العقيدة ، أو مسألة من مسائلها ، دون أن يأتي عليها بالبيان . ولذلك كان القرآن كتاب هداية لأقوم طريق في العقيدة ، لأنه يهدي إلى صراط مستقيم وإلى سبل السلام :
    إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ،
    وقال تعالى :
    قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . 2 - وقد وصف الله تعالى الكتاب بأنه تبيان لكل شيء فقال :
    وَنَـزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ، مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .
    وإذا كانت العقيدة من أهم ما ينبغي بيانه ومعرفته ، فلا بد من أن تكون آيات الله تعالى مبينة لهذا أوضح بيان ، إذ لا يقبل العقل أن تبين لنا هذه الآيات أحكام الفروع ثم تترك هـذه الأصـول الاعتقـادية التـي هـي أسـاس لتلـك الفروع .
    3 - وقد جاءت الآيات الكريمات تبين أن الله تعالى يبين للناس ما يكون سببا لعصمتهم عن الضلال ، وذلك يكون باتباع القرآن والسنة ومجانبة الظن وأهواء النفوس :
    قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ،
    وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، في آيات كثيرة من كتاب الله تنطق بالحق ، وتقيم الحجة والبرهان على أن القرآن الكريم هو كتاب العقيدة والإيمان . فليس وراءه مصدر إلا ما كان يخرج من مشكاته ، وهو الحكمة أو سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - . 4 - ولذلك أوجب الله تعالى على المسلمين اتباع الرسول فيما يأمر وينهى ، وقرن طاعة الرسول بطاعته - سبحانه - في آيات كثيرة من القرآن فقال : وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .
    وحث على الاستجابة لما يدعو إليه من الحياة الكريمة التي تتمثل في الاعتقاد الصحيح وفي التمسك بالدين فقال : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ .
    وجعل طاعة الرسول طاعة لله تعالى ، وعلامة على محبته :
    قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ .
    كما جعل مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - سببا للفتنة تصيب الإنسان ، أو سببا لعذاب أليم : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . ويؤيد هذا أن رجلا قال لمالك بن أنس - رحمه الله - : من أين أحرم؟ قال : من حيث أحرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فأعاد عليه مرارا قال : فإن زدت على ذلك ؟ قال : فلا تفعل ، فإني أخاف عليك الفتنة! قال : وما في هذه من الفتنة ، إنما هي أميال أزيدها ؟ قال : فإن الله تعالى يقول : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قال : وأي فتنة في هذا ؟ قال مالك : وأي فتنة أعظم من أن ترى أن اختيارك لنفسك خير من اختيار الله ورسوله؟ . بل إن هذه المخالفة لأمر الرسول والتولي عن طاعته إنما هي من الكفر الذي ينبغي أن يحذره المسلم على نفسه : قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ . ثانيا : تواردت أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - تقيم الأدلة على صحة هذا المنهج في العودة للقرآن والتمسك بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - ، فقال - عليه الصلاة والسلام - ، فيما رواه علي - رضي الله عنه - ، قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ألا إنها ستكون فتنة فقلت : وما المخرج منها يا رسول الله؟ قال : كتاب الله ؛ فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، لا تنقضي عجائبه ، هو الذي لم تنته الجن - إذ سمعته -
    حتى قالوا :
    إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم . ولذلك قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : (تضمن الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة . ثم قرأ : فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى .
    وتواترت الأحاديث النبوية توجب العمل بالسنة والتمسك بها ، وتبين أنها سبب النجاة ، بما يدل دلالة قاطعة على أن المنهج الصحيح في استلهام العقيدة - مع سائر الأحكام - إنما يكون بالعودة إلى الصادق المصدوق ، المبلغ عن ربه تبارك وتعالى .
    وما ورد من هذه الأحاديث أنواع كثيرة يمكن إدخالها تحت أنواع ثلاثة :
    النوع الأول : إخباره - صلى الله عليه وسلم - وهو المعصوم من الكذب - بأنه قد أوحي إليه القرآن وغيره ، وأن ما بينه وشرعه

    من الأحكام ، إنما هو بتشريع الله تعالى ومن عنده ، وليس من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه لا يمكن فهم الأحكام من القرآن وحده ، بل لا بد من الاستعانة بالسنة ، وأن العمل بها عمل بالقرآن نفسه ، وأن الأمة قد أمرها الله تعالى بالأخذ بقوله - صلى الله عليه وسلم - وطاعته واتباع سنته ، وأن من أطاعه فقد أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصى الله ، وأن الإيمان لا يتم إلا باتباع جميع ما جاء به .
    وهذا النوع من الأحاديث يعز على الحصر ، وقد تقدمت الإشارة إلى بعضها في مناسبات سابقة ، كحديث : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه
    وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله . . .
    والنوع الثاني : أمره - صلى الله عليه وسلم - بالتمسك بالسنة ، وهو لا يأمر إلا بما أوجبه الله تعالى ، ولا ينهى إلا عما حظره الله ، كما في حديث العرباض بن سارية ، وفيه : أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة ، . . . فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات
    الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة
    إلخ .
    والنوع الثالث : أمره - صلى الله عليه وسلم - باستماع حديثه وحفظه وتبليغه إلى من لم يسمعه ، وذلك يستلزم حجية قوله - صلى الله عليه وسلم - ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : بلغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار
    ثالثا : وعلى هذا المنهج سار الصحابة - رضوان الله عليهم - ، فكانوا يتلقون من النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أوحاه الله تعالى إليه : قرآنا ناطقا وسنة حادثة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيتعرفون- بذلك- على وحدانية الله تعالى ، وعلى صفاته ، وعلى نبوته - عليه الصلاة والسلام - ، وعلى المبدأ والمعاد ، وكل ما يتصل بأمور العقيدة بخاصة والدين كله بعامة .
    فلم يكن عندهم ما يستدلون به على ذلك سوى كتاب الله تعالى ، يتلقونه بالتسليم ، فيفهمون معناه ، ويلتزمون بما فيه ، لا يتنازعون في شيء من ذلك ، ولا يتعمقون في البحث الذي لا طائل تحته ، وكانوا يرون الجدل في أمور العقيدة مؤديا إلى الانسلاخ من الدين . فلذلك أجمعت كلمتهم على أن القرآن فيه
    كل الغناء وفيه علم الأولين والآخرين ، وأن من جمع القرآن فقد حمل أمرا عظيما وقد أدرجت النبوة بين جنبيه ، إلا أنه لا يوحى إليه - كـما قال ابن عمر رضي الله عنهما - وما ذاك إلا لأنه جامع لمعاني النبوة .
    رابعا : وعلى هذا أيضا أجمعت كلمة علماء الإسلام- بعد عصر الصحابة - من جميع الطوائف ، فإن القرآن عندهم يفيد معرفة أدلة التوحيد من غير ظن ولا تقليد

    الكتاب والسنة أدلة قاطعة جلية ، تسبق إلى الأفهام ببادي الرأي وأول النظر ، ويشترك كافة الخلق في إدراكها وفهمها . وهي بذلك مثل الغذاء ينتفع به كل إنسان ، بل كالماء الذي ينتفع به الصبي ، والرضيع ، والرجل القوي . ولهذا كانت أدلة القرآن سائغة جلية .
    ألا ترى أن من قدر على ابتداء الخلق فهو على الإعادة أقدر؟
    وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ
    وأن التدبير لا ينتظم في دار واحدة بمدبرين ، فكيف ينتظم جميع العالم؟ وأن من خلق علم ما خلق؟ ، كما قال سبحانه : أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ .
    فهذه أدلة تجري مجرى الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي ، ينتفع به الجميع بيسر وسهولة ، فتؤدي إلى معرفة وقناعة ، ثم إلى التزام وطاعة .
    خامسا : فإذا تجاوزنا الدليل الشرعي والإجماع ، وجدنا التجربة والواقع العلمي شاهدين عدلين على صحة المنهج الذي سلف ، في العودة إلى القرآن والسنة لنستمد منهما أصول العقيدة ، إذ لا أحد من العلماء لجأ إلى القرآن الكريم في مسألة إلا وجد لها فيه أصلا و لذلك كان فيه الكفاية والغناء .
    يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - : ( إننا نعتقد - بالدراسة
    الطويلة - أن هذا القرآن فيه غناء كامل في بيان الحقائق التي يقوم عليها التصور الإسلامي ، فلا يحتاج إلى إضافة من خارجه في هذا البيان " باعتبار أن السنة إنما هي تفصيل وبيان لما في القرآن " ونحب أن يتعود القارئ أن يلجأ إلى القرآن ليجد فيه تبيانا لكل شيء ، ومن ثم فإن النصوص القرآنية هنا "في بحث موضوعات العقيدة الإسلامية " هي الموضوع ذاته ، وليست عنصرا مساعدا كـما اعتاد الناس أن يجدوها في كثير من البحوث الإسلامية
    . . . ) .
    ولا أدل على صحة هذا القول من واقع أولئك الذين حاولوا أن يتلمسوا الأدلة العقلية على صحة الاعتقاد ، فأطلقوا العنان لعقولهم في البحث والتفكير ، بمعزل عن الوحي ، متأثرين في ذلك بمنطق اليونان وفلسفتهم ، ولكنهم عادوا بالخيبة والخسران ، بعد أن بددوا جهدهم ، وأضاعوا في البحث عمرهم ، ثم وقفوا حائرين ، لا يجدون دلالة إلا في كتاب الله الكريم ، وفي سنة نبيه العظيم - صلى الله عليه وسلم - .
    فهذا إمام الحرمين الجويني (ت 478 هـ) وهو الأصولي الجدلي النظار ، يقول : " قرأت خمسين ألفا ، ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها ، وعلومهم الظاهرة ، وركبت البحر الخضم ، وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنه ، كل ذلك في طلب الحق . وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد . والآن قد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق . عليكـم بدين العجائز ، فإن لـم
    يدركني الحق بلطف بره- فأموت على دين العجائز ، وتختم عاقبة أمري عند الرحيل على نزهة أهل الحق وكلمة الإخلاص : لا إلـه إلا الله- فالويل لابن الجويني " .
    وأما حجة الإسلام ، أبو حامد الغزالي (ت 505 هـ) الذي ابتدأ البحث في علم الكلام فحصله ، وطالع كتب المحققين من علمائه ، وصنف فيه ما أراد أن يصنف ، فينتهي إلى أن يقول عن هذا العلم : ( وهذا العلم قليل النفع في حق من لا يسلم سوى الضروريات شيئا أصلا ، فلم يكن الكلام في حقي كافيا ، ولا لدائي الذي كنت أشكوه شافيا . . . ) .
    وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث ومجالسة أهله ومطالعة " الصحيحين " و بذلك عرف الحق وفاء إليه ، فكـان عاقبة أمره حسنا!
    وأما الفيلسوف القاضي ، أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد
    (ت 520 هـ) ، وهـو مـن أعلـم النـاس بمـذاهـب الفلاسفـة ومقالاتهم ، فيقول في كتابه " تهافت التهافت) :
    ( لم يقل أحد من الناس في العلوم الإلـهية قولا يعتد به ، وليس يعصم أحد من الخطأ إلا من عصمه الله تعالى بأمر إلـهي خارج عن طبيعة الإنسان ، وهم الأنبياء ) .
    وأما إمام المتكلمين ، فخر الدين الرازي ، الشهير بابن خطيب الري (604 هـ) فيقول في وصيته التي أوصى بها تلميذه إبراهيم بن أبي بكر الأصبهاني : ( . . . ولقد اختبرت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية . فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن ، لأنه يسعى في تسليم العظمة والجلال لله ، ويمنع عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات ، وما ذلك إلا للعلم بأن العقول البشرية تتلاشى في تلك المضايق العمقية ، والمناهج الخفية . . . ) .
    ثم يعلن عزوفه عن علم الكلام ، الذي كتب فيه ما كتب ، فيقول : (وأقول : ديني متابعة الرسول محمد - صلى الله عليه وسلـم - ، وكتـابـي القرآن العظيـم ، وتعويلي فـي طلب الدين عليهما) . لقد تأملت الطرق الكلامية ، والمناهج الفلسفية ، فما رأيتها تشفي عليلا ، ولا تروي غليلا ، ورأيت أقرب الطرق : طريقة القرآن : اقرأ في الإثبات الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ واقرأ في النفي : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ثم قال : (ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي) .



    آثار هذا المنهج وفوائده :
    وهذا المنهج في تلقي العقيدة واستلهامها من القرآن والسنة ، مع أنه مقتضى الإيمان بالله ، وبكتابه المنزل وبنبيه المرسل- الذي يبلغ عن ربه تبارك وتعالى- فإننا كذلك نجني منه فوائد كثيرة ، أهمها اثنتان :
    1 - أن هذا المنهج هو الذي يعصم عن الوقوع في الخطأ والانحراف والزلل ، وعن الاضطراب في فهم العقيدة ،
    ويحفظ علـى الإنسـان جهده ، ويمنـع عقله مـن التبدد والضياع ، ونفسه من الهوى ، لأنه يعود بالأمر كله إلى العليم الحكيم- سبحانه وتعالى- الذي تكفل بالهداية لهذا ا لإنسان .
    يقول الأستاذ سيد قطب - رحمه الله - وهو يتحدث عن خصيصة " الربانية " في التصور الإسلامي : ( . . وهذا التوكيد على مصدر هذا التصور ، هو الذي يعطيه قيمته الأساسية ، وقيمته الكبرى . . فهو مناط الثقة في أنه المبرأ من النقص ، المبرأ من الجهل ، المبرأ من الهوى . . هذه الخصائص المصاحبة لكل عمل بشري ، والتي نراها مجسمة في جميع التصورات التي صاغها البشر ابتداء من وثنيات وفلسفات ، أو التي تدخل فيها البشر من العقائد السماوية السابقة!
    وهو كذلك مناط الضمان في أنه التصور الموافق للفطرة الإنسانية ، الملبي لكل جوانبها ، المحقق لكل حاجاتها . ومن ثم فهو التصور الذي يمكن أن ينبثق منه ويقوم عليه أقوم منهج للحياة وأشمله
    ) .
    2 - وهو المنهج الذي يجمع الأمة كلها ، ويوحدها على كلمة واحدة وتصور واحد ، يعصمها من التفرق والشتات ، بما ينشئ فيها من تصورات ثابتة ، وبما يضع لها من موازين

    وقيم لا تتأثر بزمان معين ومكان محدد ، وإنما هي الموازين والقيم الثابتة التي تتلقاها من الوحي ، وتتكيف بها وتصبغ حياتها بمقتضاها ، فلا تتوزعها الأهواء ولا الأفكار البشرية الضالة ، التي تتقلب فيها ، لا تستقر على قرار ، لأنها لا تستقر على منهج واحد .
    وعندئذ تكون هذه الأمة- حقا- أمة واحدة كما أراد الله تعالى لها : وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون ، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ . فهي الأمة الواحدة : عقيدة وفكرا ومنهجا وسلوكا . وعندئذ تتحقق لها الريادة والشهادة على الأمم الأخرى ، بما تملك من الحق والهدى الذي تتلقاه من الوحي الذي أنزله الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - .

    يُتبع
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    هل الله يُعذب نفسه لنفسههل الله يفتدى بنفسه لنفسههل الله هو الوالد وفى نفس الوقت المولوديعنى ولد نفسه سُبحان الله تعالى عما يقولون ويصفون

    راجع الموضوع التالي


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2011
    المشاركات
    1,863
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    18-03-2024
    على الساعة
    01:01 PM

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    و به نستعين



    دور العقل ومكانته :
    وبعد أن تعرفنا على المصدر الرئيس للعقيدة الإسلامية (وهو الوحي) ، نلمع إلماعات سريعة إلى دور العقل ومكانته ومجاله في الإسلام ، وأنه مؤيد لا يستقل بمعرفة أصول العقيدة
    على وجه التفصيل .
    والعقل في اللغة العربية : يطلق على القيد الذي يقيد به البعير ، لئلا يند ، وسميت الملكة التي يتميز بها الإنسان " عقلا " تشبيها لها بالقيد ، على عادة العرب في استعارة أسماء المحسات للأمور المعنوية .
    وتستخدم كلمة " عقل " ومشتقاتها في اللغة بمعانٍ متعددة أصلها واحد ، وهو حبسة في الشيء أو ما يقارب الحبسة ، أو الإمساك والاستمساك .
    ونستطيع أن نخرج من الاستعمال اللغوي لكلمة " العقل " بملاحظات ونتائج نوجز أهمها فيما يلي :
    1 - إن العقل ملكة معنوية ، وليست شيئا حسيا ، وبها يتميز الإنسان عن سائر المخلوقات .
    2 - هذه الملكة تمنع صاحبها عما لا يليق ، وتزجره عنه ، فكأنها تقوم بعملية إيجابية وأخرى سلبية ، وكلتاهما تطلقان أحكاما قيمية على الفعل .
    3 - هذه الملكة كاشفة لصاحبها عما ينبغي أن يفعله ، وعندئذ كأنه يتحصن بها .
    4 - وفيها جماع الأمر والرأي ، وتدعو للتثبت في الأمور .
    5 - العقول متفاوتة بحسب فطرة الله التي فطر الناس عليها ، باتفاق العقلاء .
    عناية الإسلام بالعقل :
    ينوه الإسلام تنويها كبيرا بالعقل ، ويعلي من مكانته وقيمته ، ويحفل به وبوسائل الإدراك- بعامة- ونجد شاهدا على ذلك في الآيات القرآنية الكريمة التي تواردت بشأنه . وينبئك عن هذا أن مشتقات كلمة " العقل " تكررت في القرآن الكريم حوالي سبعين مرة . وأما الآيات التي تتصل بالعمليات العقلية وتحث على النظر والتفكر والتدبر والتبصر في آيات الله في الأنفس والآفاق ، وفي حوادث التاريخ ، وأحكام التشريع ، وتتوجه بالخطاب لأولي الألباب . . . فقد بلغت من الكثرة حدا أعطى الإسلام ميزة بين كل المذاهب والشرائع .
    يقول الأستاذ العقاد : ( والقرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه . ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية ، بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة ، وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله ، أو يلام فيها المنكر على إهمال عقله و قبول الحجر عليه .
    ولا يأتي تكرار الإشارة إلى العقل بمعنى واحد من معانيه
    التي يشرحها النفسانيون من أصحاب العلوم الحديثة . بل هي تشمل وظائف الإنسان العقلية على اختلاف أعمالها وخصائصها ، وتتعمد التفرقة بين الوظائف ، والخصائص في مواطن الخطاب ومناسبته . فلا ينحصر خطاب العقل في العقل الوازع ، ولا في العقل المدرك الذي يناط به التأمل الصادق والحكـم الصحيح . بل يعم الخطاب في الآيات القرآنية كل ما يتسع له الذهن الإنساني من خاصة أو وظيفة . . . )
    فإذا تلمسنا شاهدا على ذلك في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كالتي تحث على العلم وتبين فضله ومكانته ، وترسم منهج البحث والنظر ، وتدعو للتبصر والفهم والفقه . . . وجدناها تأخذ مساحة أوسع ، في كتب الحديث الشريف ، وتجعل الإسلام- بحق- دين العلم والعقل كـما أنه دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها .
    ونوجز فيما يلي الكلام على قيمة العقل ومكانته في الإسلام ، بخطوط سريعة وكلمات موجزة تشير إلى ما وراءها من اهتمام وعناية :
    فالعقل هو هبة الله العظمى ومنحته لهذا الإنسان ، به
    أكرمه وميزه على سائر المخلوقات ، فأعطاه المفتاح الذي يفتح به أبواب الملكوت ، ويدخل ساحة الإيمان بالله الذي سخر للإنسان كل ما في السماوات والأرض . ولذلك امتن الله تعالى على الناس بهذا العقل ، وجعله موضوع المسئولية ، فقال سبحانه :
    قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا .
    ولذلك جعل الله تعالى العقل مناط التكليف وسببا له ، فالخطاب الشرعي لا يتوجه إلا للعاقل ، لأن العقل أداة الفهم والإدراك ، وبه تتوجه الإرادة إلى الامتثال . ولذلك قال بعض السلف : " العقل حجة الله على جميع الخلق " .
    ومن هنا جاءت أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ترفع القلم- أي التكليف والمؤاخذة - عمن فقدوا مناط التكليف ، وهو العقل بسبب الجنون أو ما يأخذ حكمه ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ ، وعن النائـم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم .

    وفي لفظ آخر : وعن المعتوه حتى يعقل .
    والبحث في هذا نجده مفصلا عند علماء الأصول في مبحث الأهلية وعوارضها أو في مبحث المحكوم عليه .
    ولذلك شرع الإسلام من الأحكام ما يحافظ فيها على العقل باعتباره واحدا من الضروريات الخمس ، التي أنزلت الشرائع للمحافظة عليها ، وهي : الدين ، والنفس ، والعرض ، والعقل ، والمال .
    فأوجب الإسلام العلم ، وكل ما به قوام الحياة ، وهي تعود على العقل بـالحفظ ، وحرم كل ما يذهب العقل أو يزيله ، كالخمر والمخدرات وسائر المسكرات ، ولأنها تصيب العقل بآفة تجعل صاحبه عبئا على المجتمع ومصدر شر وأذى للناس .
    ويحث الإسلام العقل على العمل فيما خلق له ، وفي المجال الذي يستطيعه ، فلا يجوز إهماله ولا تعطيله ، فهو يحث على النظر والتدبر والتأمل والتفكر في آيات الله تعالى المقرؤة ، والمنظورة في الأنفس والآفاق وفي مجال عالم الشهادة . والآيات في ذلك كثيرة تعز على الحصر .
    ويرسم الإسلام للعقل المنهج الصحيح للعمل والتفكير ، ويرفع من أمامه العوائق والموانع التي تعطله عن وظيفته كاتباع الظن والأوهام والخرافة ، أو الخضوع لسيطرة العادات والتقاليد ،
    أو تقليد الآباء والمشايخ والطغاة . . . وبذلك يتحرر العقل حرية حقيقية كاملة ، ويقوم بعملية التثبت والتبين قبل الإقدام أو الاعتقاد والتصديق ، قال الله تعالى : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ .
    إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا .
    وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا .
    ثم يحيل الإسلام على العقل- مع أدلة أخرى- في القضايا الكبرى الرئيسية ، فهو يهدي- عند النظر الصحيح- إلى معرفة الله تعالى ووحدانيته ، ويقيم الأدلة على صحة النبوة والبعث بعد الموت ، فيكون إدراك هذه القضايا إدراكا كليا عاما وقبولها بالعقل .
    وشواهد ذلك من القرآن والسنة وكلام العلماء كثيرة ، لا يتسع المقام للإفاضة فيها . فحسبنا هذه الإلماعة نختم بها هذه

    الفقرة عن قيمة العقل ومكانته في الإسلام .
    وقد يدفع هذا القول بعض الناس ليظن أن هذه العناية بالعقل والإعلاء لمكانته تبيح لنا أن نجعل منه مصدرا نستقي منه العقيدة ، أو نجعله حاكـما عليها ، يقبل منها ما يدركه ، ويرفـض ما لا يدركه أو ما لا يحيط به علما .
    وهذه قضية منهجية جد خطيرة ، تحتاج إلى فضل بيان ، توضع فيه الأمور في نصابها الصحيح دون إفراط ولا تفريط :
    (لو كـان الله سبحانه ، وهو أعلم بالإنسان وطاقاته كلها ، يعلم أن العقل البشري ، الذي وهبه الله تعالى للإنسان ، هو حسب هذا الإنسان في بلوغ الهدى لنفسه والمصلحة لحياته ، في دنياه وآخرته ، لوكـله إلى هذا العقل وحده ، يبحث عن دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق ، ويرسم لنفسه كذلك المنهج الذي تقوم عليه حياته ، فتستقيم على الحق والصواب ، ولما أرسل إليه الرسل على مدى التاريخ ، ولما جعل حجته على عباده هي رسالة الرسل إليهم ، وتبليغهم عن ربهم . . .
    ولكن لما علم الله- سبحانه- أن العقل الذي آتاه للإنسان أداة قاصرة بذاتها عن الوصول إلى الهدى- بغير توجيه من الرسالة
    وعون وضبط- وقاصرة عن رسم منهج للحياة الإنسانية ، يحقق المصلحة الصحيحة لهذه الحياة ، وينجي صاحبه من سوء المآل في الدنيا والآخرة . لما علم الله- سبحانه- هذا : قضت حكمته ورحمته أن يبعث الرسل وألا يؤاخذ الناس إلا بعد الرسالة والتبليغ : وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا .
    إذن ما هي وظيفة العقل البشري ، وما هو دوره في العقيدة الإسلامية؟
    يقول الأستاذ سيد قطب ، - رحمه الله - :
    ( إن دور هذا العقل أن يتلقى عن الرسالة ( الوحي ) ، ووظيفته أن يفهم ما يتلقاه عن الرسول . ومهمة الرسول أن يبلغ ويبين ، ويستنقذ الفطرة الإنسانية مما يرين عليها من الركام ، وينبه العقل الإنساني إلى تدبر دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق ، وأن يرسم له منهج التلقي الصحيح ومنهج النظر الصحيح ، وأن يقيم له القاعدة التي ينهض عليها منهج الحياة العملية ، المؤدي إلى خير الدنيا والآخرة ،
    وليس دور العقل أن يكون حاكـما على الدين ومقرراته من حيث الصحة والبطلان ، والقبول أو الرفـض- بعد أن يتأكد من صحة صدورها عن الله ، وبعد أن يفهم المقصود بها ، أي :

    المدلولات اللغوية والاصطلاحية للنص " .
    ويؤكد هذا المعنى ويزيده وضوحا فيقول :
    (إن العقل البشري ليس هو الذي يصنع مقومات التصور الإسلامي- كـما هو الحال في الفلسفة- إنما هو الذي " يتلقاها " ، من مصدرها الرباني ، و" يدركها " صحيحة ، حين يتلقاها وهو متجرد من أية " مقررات " سابقة في هذا الباب- سواء من مقولاته الذاتية ، أومن مقولات العقائد المحرفة ، ولو كان لها أصل رباني- وعليه أن يتقيد فيما يتلقاه من ذلك المصدر الصحيح بالمدلول اللغوي أو الاصطلاحي للنص الذي وردت فيه هذه المقومات - بدون تأويل- ما دام النص محكما . وأن يصوغ من هذا المدلول مقرراته هو ومنهجه في النظر أيضا . فليس له أن يرفض هذا المدلول أو يؤوله - متى كان متعينا من النص - بحجة أنه غريب عليه أو صعب التصور عنده ، أو أن منطقه لا يقره! فهو- أي العقل البشري- ليس حكما في صحة هذا المدلول أو عدم صحته- في عالم الحقيقة والواقع- إنما هو حكـم فقط في دلالة النص على مدلوله- وفق المفهوم اللغوي أو الاصطلاحي للنص- وما دل عليه النص فهو صحيح ، وهو الحقيقة ، سواء كان من مألوفات هذا العقل ومسلماته أم لم يكن . . ويستوي في هذه القاعدة العقيدة والشريعة : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا .
    وصدق علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- " لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه " .
    ومن ثم فإن محاكـمة التصور الإسلامي أو محاكـمة مقوماته التي يقوم عليها- ومنها ما هو غيب ، كالملائكة والجن والقدر ، والقيامة ، والجنة والنار- إلى العقل البشري ومقرراته الذاتية ، منهج غير إسلامي .
    وهذا لا يعني أن التصور الإسلامي مناقـض أو مصادم للعقل البشري . فإن مقرراته كـلها نوعان : نوع الإدراك البشري قادر على تصوره- عند تلقيه من المصدر الرباني- ونوع هو غير قادر على إدراكه ، ولكن منطقه ذاته يسلم بأن طبيعته أكبر من حدود إدراكه ، وأن "وجود" ما هو أكبر من حدود إدراكه داخل في قدرة الله تعالى ، وأن إخبار الله عن وجوده هو بذاته برهان هذا الوجود ، وبرهان صحة الإخبار . .
    ومن ثم لا يقع التناقض أو التصادم أبدا ، متى استقام العقل البشري والتزم حدوده!
    (وحيثما حاول العقل البشري أن يسلك طريقا غير هذا الطريق ، طريق التلقي من المصدر الرباني بدون مقررات سابقة له فيما يتلقى ، والالتزام بمدلول النص متى كانت دلالته اللغوية أو الاصطلاحية محكمة .
    نقول : حيثما حاول العقل البشري أن يسلك طريقا غير هذا
    الطريق ، جاء بالخبط والتخليط الذي لم يستقم قط في تاريخ الفكر البشري . . يستوي في الخبط والتخليط تلك الجاهليات الوثنية التي انحرفت عما جاء به الرسل- صلوات الله وسلامه عليهم- والجاهليات اللاهوتية التي أدخلت على الأصل الرباني الإضافات والتأويلات التي اصطنعها الحقل البشري- وفق مقولاته الذاتية- أو اقتبسها من الفسلفة ، وهي من مقولات هذا العقل أصلا . والجاهليات الفلسفية التي استقل الفكر البشري بصنعها ، أو أضاف إليها تأثرات من الديانات السماوية!) .
    (ولقد حدث في تاريخ الفكر والاعتقاد أن أخذ بعض "المعتقدين " لعقيدتهم من الفلسفة . وأن أخذ بعض "الفلاسفة" لفلسفتهم من العقيدة . . وكان من وراء هذا وذلك ظاهرة لم تتخلف قط . . أنه حيثما أخذت الفلسفة من العقيدة أفادت واهتدت إلى بعض جوانب الحقيقة . وحيثما أخذت العقيدة من الفلسفة-خسرت وأصيبت بالتخليط والانحراف والتعقيد!)
    ولا تبدو هذه الظاهرة واضحة كـما تبدو تلك الصورة المعقدة الكئيبة التي تسمى : "الفلسفة الإسلامية" أو في "علم الكلام " . . . البعيدة عن طبيعة التصور الإسلامي ، وعن طبيعة المنهج الإسلامي! ذلك عندما شاء ناس من "المسلمين " أن يخلطوا التصور الإسلامي بمقولات الفلسفة! وأن يعقدوا المنهج الإسلامي بمنهج الفلسفة!)

    العلاقة بين الوحي والعقل :
    ولعلنا على ضوء ما سبق نستطيع أن نحدد العلاقة بين الوحي والعقل أو الصلة بينهما . وعلى هذا نفهم ما ورد عن تظاهر العقل والشرع ، وعن التكامل بينهما كقولهم :
    "العقل لن يهتدي إلا بالشرع ، والشرع لا يتبين إلا بالعقل . فالعقل كالأس والشرع كالبناء . ولن يغني أس ما لم يكن بناء ، ولن يثبت بناء ما لم يكن أسا .
    وأيضا : فالعقل كالبصر ، والشرع كالشعاع ، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاعا من خارج ، ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصرا .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : ( العقل شرط في معرفة العلوم وكمال الأعمال وصلاحها ، وبه يكمل العلم والعمل ، لكنه ليس مستقلا بذلك ، لكنه غريزة في النفس وقوة فيها ، بمنزلة قوة البصر التي في العين فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كـان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس ) .
    والعقل بنفسه قليل الغناء ، لا يكاد يتوصل إلا إلى معرفة كليـات الشـيء دون جـزئيـاته ، والشـرع يعـرف كليـات الشـيء وجزئياته ، ويبين ما الذي يجب أن يعتقد في شيء شيء ، وما الذي هو معدلة في شيء شيء . وعلى الجملة : فالعقل لا يهتدي إلى تفاصيل الشرعيات ،

    والشرع تارة يأتي بتقرير ما استقر عليه العقل ، وتارة بتنبيه الغافل وإظهار الدليل ، حتى يتنبه لحقائق المعرفة . وتارة بتذكير العاقل حتى يتذكر ما فقده ، وتارة بالتعليم ، وذلك في الشرعيات وتفصيل أحوال المعاد . فالشرع نظام الاعتقادات الصحيحة والأفعال المستقيمة ، والدال على مصالح الدنيا والآخرة . ومن عدل عنه فقد ضل سواء السبيل) .
    ويبقى أن نؤكد هنا- مرة أخرى- على أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين أحكام العقل الصريح والنصوص الشرعية الصحيحة- وفق المنهج الذي سلف في بيان حدود العقل- وهذه المسألة التي وضع لها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- كتابه الضخم " درء تعارض العقل والنقل " أو "موافقة صحيح المعقول لصريح المنقول " .
    وما قد يظهر من خلاف ذلك ، فينبغي عند ظهوره ألا نعارض نصوص الشرع بما قد نراه بعقولنا وآرائنا وأقيستنا فإن العقول- كـما رأينا- تتفاوت ، وليس هناك العقل المطلق الكامل الذي نحاكـم إليه هذه النصوص . كما أن العقل نفسه محدود بحدود الزمان والمكان والكيفية ، وبحدود وظيفته ، ولا يستطيع أن يحيط بغير المحدود الذي يحيط به الشرع أو الوحي .

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
    منقول بتصرف
    مجلة البحوث الإسلامية > العدد السادس والأربعون - الإصدار : من رجب إلى شوال لسنة 1416هـ > البحوث > مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل > إعداد الشيخ : عثمان بن جمعة ضميرية

    التعديل الأخير تم بواسطة الشهاب الثاقب. ; 18-12-2015 الساعة 01:58 AM
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    هل الله يُعذب نفسه لنفسههل الله يفتدى بنفسه لنفسههل الله هو الوالد وفى نفس الوقت المولوديعنى ولد نفسه سُبحان الله تعالى عما يقولون ويصفون

    راجع الموضوع التالي


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2013
    المشاركات
    460
    آخر نشاط
    25-09-2020
    على الساعة
    01:22 AM

    افتراضي

    موضوع رائع ويوضح اهمية وجود العقل لادراك اساسيات الشريعه والحث على استخدامة فى معرفة الحق

    وهو ما يتناقض مع تعاليم العقيدة المسيحية الحاليه ومطالبتها بتغييب العقل فى عدة امور

    توكل على الرب بكل قلبك، وعلى فهمك لا تعتمد

    يدعون الى الايمان الاعمى باساسيات الدين التى تستوجب حضور العقل والاقتناع بها


    بارك الله فيك اخى وزادك الله علما

    التعديل الأخير تم بواسطة وردة الإيمان ; 04-05-2014 الساعة 03:23 PM

    وما من كــاتب إلا سيفنى … ويبقى الدهر ما كتبت يداه.... فلا تكتب بكفك غير شىء … يسرك يوم القيامه ان تراه




  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    1,986
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    28-07-2022
    على الساعة
    12:57 AM

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا أيها الأخ الكريم

    إستوقفتني هذه العبارة

    اقتباس
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وردة الإيمان مشاهدة المشاركة

    توكل على الرب بكل قلبك ، وعلى فهمك لا تعتمد

    كلام جميل وبكل تأكيد يتطلب الإيمان بما جاء في كتابهم الذي يقدسونه
    فعلى المسيحي أن لا يعتمد على فهمه عندما يقرأ نصا لطيفا كما هو في سفر الرؤيا
    14 هؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ».

    7 لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا.
    8 وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ».
    9 وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ!». وَقَالَ: «هذِهِ هِيَ أَقْوَالُ اللهِ الصَّادِقَةُ».


    إحتفالا بعرس رب الأرباب يتم إطلاق
    هذا الفتاش
    التعديل الأخير تم بواسطة ابو طارق ; 07-06-2014 الساعة 08:13 PM

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2011
    المشاركات
    110
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-09-2016
    على الساعة
    11:35 AM

    افتراضي

    بارك الله فيك اخى وزادك الله علما
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. العقيدة الإسلامية منهج عملي جاد ، والكتب المهمة في العقيدة
    بواسطة فداء الرسول في المنتدى منتدى دعم المسلمين الجدد والجاليات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-06-2017, 01:41 PM
  2. عندما ينظر النصارى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بعين العقل
    بواسطة dahab في المنتدى الرد على الأباطيل
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 19-10-2011, 09:45 PM
  3. الاكاديمية الاسلامية -لمعة الاعتقاد العقيدة المستوى الثالث-شرح ناصر العقل
    بواسطة ابو ياسمين دمياطى في المنتدى منتدى الصوتيات والمرئيات
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 13-11-2010, 05:32 AM
  4. العقيدة الإسلامية - العقيدة الواسطية
    بواسطة armoosh_2005 في المنتدى العقيدة والتوحيد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 21-04-2008, 10:08 AM
  5. مكتبة العقيدة الإسلامية
    بواسطة armoosh_2005 في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 27-01-2008, 06:12 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل

مصادر العقيدة الإسلامية ودور العقل