د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية



يوم 14 مارس 2014 نشرت جريدة "لا كروا" التابعة للفاتيكان تحت عنوان : "الكنيسة الكاثوليكية والأنجليكانية تنضمان للأزهر ضد الإتجار بالبشر". وصياغة عنوان الخبر توضح أن الأزهر هو صاحب المبادرة الجليلة وأن الكنيسة الفاتيكانية والإنجليكانية تنضمان لجهوده.. أما صياغة الخبر وملحقاته فتكشف العكس تماما. وفيما يلى ترجمة الخبر بكامله :
"أعلن المتحدث بإسم الكرسى الرسولى يوم الخميس 13 مارس أنه سوف يتم توقيع إتفاق بين ممثلين من الكنيسة الكاثوليكية والإنجليكانية وكذلك من جامعة الأزهر السُنية المصرية من أجل مكافحة كل "أشكال العبودية الحديثة والإتجار بالأشخاص".
"وقد تمت مناقشة هذا الإتفاق بواسطة مؤسسة "شبكة الحرية الشاملة" (Global Freedom Network) بالمساندة التامة للبابا فرنسيس وأسقف كانتربرى ݘستين ويلبى والإمام الأكبر للأزهر محمد أحمد الطيب، تحت رعاية جمعية خاصة تعمل ضد العبودية الحديثة واسمها "Walk Free Foundation"، أى (مؤسسة سرْ حراً).
"ومن ناحية الكرسى الرسولى فإن المونسينيور سانشيز سوروندو، مدير الأكاديميات البابوية للعلوم والعلوم الإجتماعية كان له دورا أساسيا، وسوف يوقع الإتفاق بإسم الكنيسة. وفى الخريف، كان الأسقف الأرجنتينى الأصل قد نظم لقاء عمل في الفاتيكان بحضور خبراء دوليين لمعرفة أية إجابات محددة يمكن للكنيسة أن تقدمها في مواجهة شبكات الاتجار بالبشر.
"كما أن البابا فرنسيس قد أدان عدة مرات الجرائم الخطيرة ضد الإنسانية وهى الإتجار بالرجال والنساء والأطفال أو حتى المهاجرين.
"ورجل الدين السني محمود عزب الذي يمثل الإمام الأكبر للأزهر، والقس الأنجليكانى دافيد ݘون موكسون ممثلا لأسقفية كانتربرى، وآندرو فورست، رجل الأعمال الأسترالى المحب للبشر ومؤسس جمعية "سرْ حرا"، سيحضرون يوم الاثنين 17 مارس في الفاتيكان.
"وبهذه الاتفاقية يعرب الأزهر مرة أخرى عن رغبته في التقارب مع الكرسي الرسولي بعد فترة الفتور التي تركت أثرها على بابوية بنديكت 16".
وقبل أن أتناول التعليق على هذا الخبر المؤسف ، أشير لمن يفهم تلميحاً، أن أول فقرة من هذا الخبر بجوارها إطار،مكتوب عليه : "مع هذا الخبر"، وعنوان المقال المشار إليه مع تفعيل رابطه لمن يود قراءته نطالع : "روما تستقبل بحذر إنفتاح الأزهر" !! وهذا المقال المشار إليه بتاريخ 12 يونيو 2013.
كما أود الإشارة إلى مقال مطول وارد بجريدة "Le Temps"الماليةالفرنسية، الصادرة بتاريخ 15 مارس 2014، وبه مقال عن بنك الفاتيكان، أوجز منهما يلى:
أنهفى 30 يناير 2014 وافق البابا فرنسيس على إستقالة الكاردينال أتيليو نيكورا الذي كان يترأس الميزانية المالية للفاتيكان، ضمن عملية تطهير واسعة يقودها منذ إنتخابه. ومجلس إدارة السلطة المالية الذي تم تعيينه أيام بنديكت، سيتم تجديده كلية هذا الشهر، إذ قام البابا فرنسيس بتعيين ما يشبة وزارة المالية، مكونة من 15 عضوا ثمانية من الأساقفة وسبعة من المدنيين. وفى يوليو القادم سيتم الإستغناء عن خدمات إثنان من مديرى "مؤسسة الأعمال الخيرية الدينية" وهو الإسم الرسمى لبنك الفاتيكان !ورئيس البنك، إيتّوري تديسكي، الذي كان أول من وضع قانونا ضد غسيل الأموال، اعتبرته السلطات الدولية التي تباشر تقويم انحرافات بنك الفاتيكان، غير كاف واضطر إلى ترك منصبه..
وأدت هذه التغيرات إلى إندلاع صراعات داخلية بين المسئولين، مرؤسين ورؤساء، على الرغم من جهود الإصلاح وترحيل أكثر من الفين ومائة من العملاء المشبوهين في الفترة من 2011 و 2012، فما زال بنك الفاتيكان، بنك الأعمال الخيرية الدينية، المتهم بالمشاركة في غسيل الأموال رسميا، وبالتعامل مع المافيا الإيطالية، وبالاتجار في بالبشر وبالأعضاء، وبالأسلحة وتهريبها وبتمويل الثورات، وبالسماح بفتح حسابات بالتوكيلات، لا يزال يثير الريبة ! وذلك لأن سمعة الفاتيكان المالية لم تسترد الثقة أو سمعتها لدى الجماهير منذ فضيحة بنك أمبروزيانو فيما بين 1970 و1980، كما أنه متهم بالتهرب الضريبى لصالح كبار عملائه..
وأكتفى بهذا القدر لأوضح للقراء بعامة، وللعاملين بالأزهر تحديدا، حقيقة ذلك الكيان الديني المتعصب الذي لا يكف بعض المسئولين بالأزهر عن الهرولة لتلبية طلباته أو حتى الانزلاق في ركاب مخططاته. فلو طالعنا العنوان الخاص بموضوع هذه الاتفاقية الجديدة، لأدركنا منه أن الأزهر هو الذي يتبنى محاربة الاتجار بالبشر وأن الكنيسة الكاثوليكية والإنجليكانية تنضمان لجهوده ! وعند قراءه الخبر، نجد أن البابا هو الذي حرك وساند هذا الموضوع الذي تمت مناقشته في ندوة علمية موسعة بحضور خبراء دوليين، "لمعرفة أية إجابات محددة يمكن للكنيسة أن تقدمها في مواجهة شبكات الاتجار بالبشر". وتمت الندوة في أقبية الأكاديمية البابوية للعلوم، وأن المونسنيور سانشير سوروندو الأرجنتيني، صديق البابا الأرجنتيني، هو الذي كان له الدور الأساسي في الموضوع وأنه سوف يوقع الاتفاقية باسم الفاتيكان. أى إن الأزهر لا شأن له بكل ما دار ويدور وأن دوره في هذه "الانزلاقة" الجديدة ليس أكثر من دور "البصمجي" بكل أسف، البصمجي الذي يبصم بإبهامه لأنه لا يعرف القراءة والكتابة !
وتبقى عدة ملاحظات أتناولها تباعا :
* الإشارة مرتان إلى الهوية السُنية، سواء لجامعة الأزهر أو لرجل الدين السني الذي يمثل الإمام الأكبر. ولا أفهم معنى أو ضرورة الإشارة إلى هذه الصفة إن لم تكن للفت النظر أو التذكير بمهزلة السُنة والشيعة التي يحرك الفاتيكان خيوطا أساسية فيها ؛
* الخلط بين جامعة الأزهر، الكيان التعليمي، وإدارة الأزهر التي يترأسها الإمام الأكبر، والتي تشمل رئاسة كل المؤسسات الإسلامية. فإن كان هذا الكيان "السُنى" على حد تحديد المقال له أية مكانة لدى الفاتيكان لإهتم بمعرفة الفرق الشاسع بين الإثنين، وأن جامعة الأزهر لا دور لها في مثل هذه الاتفاقيات ؛
* هزلية "مؤسسة سرْ حرا"، الصادرة عن غرب متعصب، هو أكثر من يمارس فرض العبودية وتسخير البشر والإتجار بهم وبأعضائهم، ما شأنه في مثل هذه الاتفاقية إن لم يكن لأغراض أخرى ؟ ؛
* من المعروف والثابت أن كافة الجمعيات الأهلية، التي يشرف عليها الفاتيكان أو يتعامل معها، تُستخدم فعلا كمداخل للتنصير وللتجسس على الدول تحت عناوين ومسميات مختلفة ؛
* أن تكون إحدى الجمعيات تابعة لرجل أعمال أسترالى، فمهما كان حبه للإنسانية، مجرد تبعيته الواضحة للفاتيكان وتوقيعه على الاتفاقية ممثلا له ولكنيسته يدينه ويكشف عن حقيقة موقفه من الحدث؛
* ما معنى أن يهرول الأزهر للتوقيع والإتفاق على مساندة عمليات مشبوهة للفاتيكان الذي لا يكف عن التعامل بوجهين في جميع اللقاءات، وهو واضح حتى من صياغة الخبر ؟ فالمقصود بهذه الاتفاقية تبرئة الفاتيكان من الاتهامات الرسمية الموجهة إليه، فالفرق شاسع بين إدانة الجرائم والقيام بها فعلا ؛
* ما معنى أن يقبل الأزهر التعامل مع ذلك الفاتيكان وهو أكثر المؤسسات المتهمة في العالم، وتكفى فضائح الاعتداءات الجنسية على الأطفال، الذين يزعم حمايتهم بتلك الاتفاقية، وفضائح بنك الفاتيكان، الأعمال ، وكل الفضائح المتورط فيها رسميا وعلنا ؟ ؛
* ألم يكن من الأكرم للأزهر أن يضع شرطا لعودة العلاقات وللحوار مع الفاتيكان : أن يكف الفاتيكان عن تجييش كل مؤسساته وكل أتباعه على الصعيد العالمى وفى مصر لتنصير العالم وإشعال الفتن في البلدان التي بها أقليات مسيحية، وكلها قراراتوأفعال معلنة وليست سرية ؟
* ألا يعلم الأزهر والعاملين به أن عبارة "تنصير العالم" تعنى ضمنا "إقتلاع الإسلام" ؟ ؛
* ألم يكن من الأكرم المطالبة بالإعتراف بالإسلام دينا، مثلما يعترف الفاتيكان باليهودية ، بدلا من محاربته و وضعه في وثائقه المعلنة ضمن ديانات جنوب شرق آسيا، أى أنه دين لا قيمة توحيدة له وليس تنزيل من عند الله ؟!
* وبدلا من أن يوصم الأزهر نفسه بمعنى آخر جملة مكتوبة في الخبر ، بأنه "بهذه الاتفاقية يعرب الأزهر مرة أخرى عن رغبته في التقارب مع الكرسي الرسولي" ، أي أن تكرار محاولات التقارب مع الفاتيكان لا تتوقف رغم أن الفاتيكان ينظر إليها بحذر كما يقول، وأن ينفض عن كيانه هذه التهم، وأن يحترم حرمة الدين الذي يترأس حمايته والتعريف به، بدلا من الهرولة ؟!
16 مارس 2014