إحياء الموتى .. وبناء أو هدم القباب
*****************************************************
من دلائل إحياء الموتى وبعثهم ما قصه الله عن أصحاب الكهف . فقد ضرب الله على آذانهم ولبثوا داخل كهفهم
عدداً من السنين ثم بعثهم الله وأحياهم بعد نومهم ليكونوا آية لمن بعدهم .
فلقد زعم الكفار والمشركون ومن حادوا عن دين الله القويم وصراطه المستقيم بأنهم لن يبعثوا وقالوا إن هى إلا
حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين . وإن هى إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين . وكيف نحيا بعد
موتنا بعد أن تصبح أجسادنا وعظامنا تراباً بالية .
.....
كان أهل الكهف شباباً فى مقتبل عمرهم ألهمهم الله الرشد والصواب وآتاهم تقواهم فنبذوا عبادة الأوثان والأحجار
وأقروا بوحدانية الله ولم يتخذوا مع الله إله .
حاول قومهم إضلالهم وإثناءهم عن التوحيد والإيمان وهددوهم وتوعدوهم فما كان منهم إلا أن اعتزلوهم
واعتزلوا مايعبدون من أصنام وأوثان لم يُنزل الله بها من سلطان .
فروا وهربوا إلى إحدى الجبال وأقاموا واستقروا داخل كهف فيه ومعهم كلبهم .
دعوا الله أن يبسط عليهم رحمته وأن يرزقهم من فضله ونعمته وأن يهيىء لهم الرشد فى حسن عبادته وابتهلوا إلى الله
أن يقيهم شر إفك هؤلاء القوم وشططهم .
استجاب الله لهم ومن رحمته وفضله بهم ألقى النوم عليهم وضرب على آذانهم أثناء نومهم حتى لا تنفذ إليها
الأصوات أو يخترق أذنهم صخب أو ضجيج فيؤدى ذلك إلى أرقهم وانتباههم من سباتهم .
ومن نعمة الله وكرمه حجب عنهم كل مايؤدى إلى صحوهم أو سهادهم ومنع كل مكروه أو أذى قد يلحق بهم
أو يمتد إليهم من مختلف الزواحف أو الخلائق والبرية .
......
ناموا فى سبات عميق وفى راحة وهدوء وجعل الله فى نومهم الطمأنينة والسكينة والخلود .
يسّر الله لهم ما كان مستحيلاً وعسيراً عليهم من مؤونة عيشهم ومما يحتاجه البشر فى شئون حياتهم من ملبس
وطعام وشراب وهم داخل كهف متخفين متوارين عن عيون القوم وأنظارهم .
ناموا ونام كلبهم بمدخل كهفهم وكان باسطاً ذراعيه بالوصيد . من يراه يظنه ويحسبه كأنه متيقظاً
متحفزاً يقوم بحراستهم وحفظهم .
كان الفتية يتقلبون فى نومهم يمنة ويسرة حتى لاتصاب جلودهم بالتقرحات أو القرحات وحتى لا تأكل
الأرض أجسادهم أو يصيبهم منها جلطات أو تجلطات .
وكان هناك فجوة من الفجوات جعلها الله فى بطن الجبل لكى يأتيهم منها الهواء وليلوح منها الفضاء .
كانت الشمس تطل من خلالها فتزورهم فى طلوعها وتتزاورهم فى غروبها .
كانت تقرضهم لتطهرهم بحرارتها وأشعتها ولتقوى عظامهم وأنسجتهم حتى لايعتريهم من جراء نومهم عفن أو رطوبة .
لو رآهم راءٍ لحسِبهم أحياء لنضارة أجسادهم وقوة بنيانهم . ولو اطلع عليهم أحد لأصابه الفزع
والرعب والهلع منهم لما صاروا عليه طيلة السنوات التى قضوْها فى نومهم .
....
بعد مرور القرون أوالعديد من هذه السنوات : بعثهم الله وأحياهم . ( قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ) .
هبّوا جوعى ظمآنين . هبّوا وهم يتساءلون فيما بينهم كم لبثوا فى نومهم . أجاب أحدهم بأنهم لبثوا يوماً أو بعض يوم
وانتهواْ فى نقاشهم إلى أن الله هو الأعلم بما لبثوا فى كهفهم .
.....
أجمعوا على أن يرسلوا رسولاً منهم إلى المدينة لكى يأتى بطعام لهم يسد جوعهم وشراب يروى ظمأهم
وأعطوه ورقهم ونقودهم وأشاروا عليه أن يكن متخفياً متوارياً وأن يتجه محتاطاً متحرزاً وأن يكون فى تعامله متلطفاً
حتى لايعرفه أحد من القوم الظالمين أو يشعروا به فيقومون بتنفيذ تهديدهم ووعيدهم أو يعيدوهم جبراً وكَرهاً
إلى إفكهم وشططهم وما يعبدون من دون الله .
.....
كشف البائع قِدم نقودهم وقِدم ورق وعملة زمنهم .
عثر القوم عليهم وقد ظلوا يتناقلون الحديث عنهم ويتوارثون البحث عن مكانهم وموضع اختفائهم .
كان هؤلاء القوم ممن يعبدون الله ويؤمنون بأن لاإله إلا الله . وبعثورهم عليهم علموا أن وعد الله حق
وأيقنوا أن يوم الساعة لا شك ولاريب فيه . وأدركوا بالعلم واليقين قدرة العزيز الرحيم وتبين لهم
كيف يحيى الله العظام وهى رميم .. يقول العزيز الحكيم :
( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا )
....
مات الفتية فى أجلهم المسمى عند الله .. وبعد موتهم تنازع القوم بشأنهم واختلفوا فى أقوالهم :
منهم : من ذهبوا إلى أن يقيموا لهم بنياناً تخليداً لذكراهم وتعظيماً لشأنهم وإكباراً لقدرهم .
ومنهم : من ذهبوا أن يتخذوا عليهم مسجداً ليكون مزاراً لهم وعبرة لغيرهم وعظة لكل من يأتى من بعدهم .
ومنهم : من قالوا بأنهم كانوا ثلاثة فتية ورابعهم كلبهم .
ومَن قالوا : بأنهم خمسة وسادسهم كلبهم . ومنهم : من ذهبوا إلى أنهم سبعة وثامنهم كان كلبهم .
ومنهم : من قالوا بأنهم لبثوا فى كهفهم ثلاثمائة سنين ( بالشهور الشمسية ) .
ومنهم : من زادوا وقالوا بأنهم لبثوا ثلاثمائة وتسع سنين ( بالشهور القمرية ) .
سبحانه وتعالى هو الأعلم بعددهم . وهو الأعلم بعدد السنين التى لبثوها فى كهفهم قبل بعثهم .
يقول رب العرش العظيم :
( إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم
مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً
إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا )
...........................................
البعض من الفقه الإسلامى أحدثوا أمراً وأدخلوا حكماً فى الدين . أفتوا بحرمة بناء القباب على القبور وهدم
ماكان مقاماً منها منذ مئات السنين فوق مثوى وقبور الصحابة والتابعين ومن سبقنا من الأولين تخليداً لذكراهم
وتعظيماً لشأنهم وإجلالاً لقدرهم . وقاموا بتعميم ذلك على المسلمين بحجة أنه وسيلة إلى الشرك بالله .
عدّوا بناء القباب من قبيل البدع التى نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم استناداً إلى الحديث النبوى الشريف الذى
أخرجه الشيخان من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها :
( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) متفق عليه
واحتجوا بما ورد عن جابر : ( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ )
رواه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود والترمذى
وإلى قوله عليه الصلاة والسلام : ( من أحدث فى أمرنا ما ليس منه فهو رد ) رواه البخارى ومسلم
....
أخطأوا الرأى فيما ذهبوا إليه وما أفتوا به . فلقد استندوا إلى تفسير عقولهم وأخطاء آرائهم .
فاللعن والنهى الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو : لمن اتخذ القبور مساجد أو بيوت . أى :
لمن يقيم بيتاً فوق قبر من القبور ليسكن فيه ويقيم به .
ولمن يقوم ببناء مسجد أو مصلى أعلى قبر من القبور ويقوم بالصلاة فيه .
.....
فهذا وذاك لايباح ولايجوز لأحد من المسلمين .
فلايجوز لأى مسلم أن يقوم ببناء بيت فوق قبر من القبور للسكنى فيه أو الإقامة .
ولايجوز له أن يقوم ببناء مسجد للصلاة فيه ويكون أسفله قبر من القبور .
وكذلك لايباح تجصيص أى قبر من القبور .
ولايباح القعود فوق القبور .
هذا هو ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا هو مااتبعه ونهجه الصحابة والتابعين وسار عليه
من سبقنا من الأولين وتواترت عليه الأمة جيلاً بعد جيل .
............
فمن حرّموا البناء وأفتوا بهدم القباب هم مَن استحدثوا أمراً وشرَعوا حكماً ليس من تعاليم ولا من أحكام الدين .
لأن إقامة القباب أو عدم إقامتها ليس فرضاً أو تكليفاً من الله على العباد .
فمن شاء فعله ومن شاء تركه .
بناؤها أو عدم بناؤها شأن من شئون المسلمين لم يأمرنا الله به ولم ينهانا الله عنه .
************************************************************ *********
سعيد شويل