رد شبهة : نبيٌّ قاتل في شهرٍِ حرامٍ وفي بلدٍ محرمٍ !
من شبهاتِهم أنهم قالوا : نبيُّكم قاتل في الشهرِ الحرام ، والقرآن يقول : ] يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ (البقرة217) .
وقاتل في مكةَ ، والقرآنُ يقول عنها :] أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [ (العنكبوت67) .
الرد على الشبهة
أولاً : إن المسلمين يعتقدون بحرمةِ الشهرِ الحرام ، وبحرمةِ الدماء فيه ؛ لأن محمدًا r علمهم ذلك
فالناظر في سيرته r يجده كان يغضب غضبًا شديدًا إذا انتهكت محارم اللهِ ، ولا يغضب لنفسِه قط ....
دلليل على ذلك ما يلي:
1- صحيح البخاري برقم 6288 عن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ : " مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ r بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ فَإِذَا كَانَ الْإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ ".
2- صحيح مسلم برقم 4296 عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ r شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شيءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -".
ومن خلال القرآن الكريم الذي جاء به r من عند اللهِ I نجد أنه كان من هديهِ r ألا يقاتل أحدًا في الشهرِ الحرامِ إلا من بدأ بالاعتداءِ ....
والسؤالُ الذي يطرح نفسه هو: ماذا يفعل المسلمون إذا فوجئوا بمن يخرجهم من المسجدِ الحرامِ ، وفي الشهرِ الحرامِ ، وهم أهله ، وهم أولى به من غيرِهم ؟
الجواب على ذلك: جاء في قولِه I : ]الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ[ (البقرة194) .
جاء في التفسير الميسر : قتالكم - أيها المؤمنون - للمشركين في الشهر الذي حرَّم الله القتال فيه هو جزاء لقتالهم لكم في الشهر الحرام . والذي يعتدي على ما حَرَّم الله من المكان والزمان, يعاقب بمثل فعله, ومن جنس عمله. فمن اعتدى عليكم بالقتال أو غيره فأنزلوا به عقوبة مماثلة لجنايته , ولا حرج عليكم في ذلك; لأنهم هم البادئون بالعدوان, وخافوا الله فلا تتجاوزوا المماثلة في العقوبة, واعلموا أن الله مع الذين يتقونه ويطيعونه بأداء فرائضه وتجنب محارمه . أهـ
وبالتالي بطلت الشبهة- بفضل الله I - ؛ لأن اللهَ Iأذن بالقتال في الشهر الحرام إذا حدث اعتداء وهذا لا ينكره عاقل، فهو ما تقرره ( سنة الدفع) أو( قانون الدفع الحضاري) ،الذي يقره القرآن الكريم لحماية الكون من إفساد المتجبرين والظلمة ، ثم لحماية بيوت العبادة للمسلمين والنصارى واليهود أيضًا ، والذي عبرت عنه الآيتان الكريمتان :
الأولى : قوله I : ]الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [ (الحج40) .
جاء في التفسير الميسر : الذين أُلجئوا إلى الخروج من ديارهم، لا لشيء فعلوه إلا لأنهم أسلموا وقالوا : ربنا الله وحده. ولولا ما شرعه الله من دَفْع الظلم والباطل بالقتال لَهُزِم الحقُّ في كل أمة و لخربت الأرض، وهُدِّمت فيها أماكن العبادة من صوامع الرهبان، وكنائس النصارى، ومعابد اليهود، ومساجد المسلمين التي يصلُّون فيها، ويذكرون اسم الله فيها كثيرًا. ومن اجتهد في نصرة دين الله ، فإن الله ناصره على عدوه. إن الله لَقوي لا يغالَب، عزيز لا يرام، قد قهر الخلائق وأخذ بنواصيهم . أهـ
الثانية : قوله I ]:وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى لْعَالَمِينَ [ (البقرة251) .
جاء في التفسير الميسر : ولولا أن يدفع الله ببعض الناس - وهم أهل الطاعة له والإيمان به- بعضًا, وهم أهل المعصية لله والشرك به , لفسدت الأرض بغلبة الكفر , وتمكُّن الطغيان , وأهل المعاصي , ولكن الله ذو فضل على المخلوقين جميعًا. أهـ
وبالتالي فسنة الدفع تحمى الكون والناس من إفساد المتجبرين وظلم الظالمين ؛ تحمي القيم النبيلة ، وتحمى العدل والحق ، وتمكن لكل ما فيه كل خير ، وتدفع عنهم كل ما فيه شر حتى تنعم البشرية بالأمن والاستقرار...
ثانيًا : إن استشهادهم على قولهم : قاتل في مكة...... واستشهادهم بقولِه I : ] أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [ (العنكبوت67).
لا يخدم مصالحهم قط لآتي :
1- جاء في التفسير الميسر : أولم يشاهد كفار "مكة" أن الله جعل "مكة" لهم حَرَمًا آمنًا يأمن فيه أهله على أنفسهم وأموالهم , والناسُ مِن حولهم خارج الحر , يُتَخَطَّفون غير آمنين ؟ أف بالشرك يؤمنون , وبنعمة اللهِ التي خصَّهم بها يكفرون , فلا يعبدونه وحده دون سواه ؟ . أهـ
2- قال r عن مكةَ في صحيح البخاري برقم 2951 َقَالَ r يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ :"إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
قلتُ :إن ما غاب على المعترضين يتضح من وجهين :
الأول: أننا نعتقد بحرمة مكة ، وبحرمة الدماء في هذه الأرض المقدسة؛ لكن نعتقد أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله I من حرمتها... يدلل على ذلك ما يلي:
1- السلسة الصحيحة برقم 3420 قال r :" مرحبًا بك من بيتٍ ما أعظمك وأعظم حرمتك وللمؤمن أعظم حرمة عند اللهِ منك إن الله حرم منك واحدة وحرم من المؤمن ثلاثا : دمه وماله وأن يظن به ظن السوء " .
2- المعجم الأوسط للطبراني برقم 5880 عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النَّبِيِّ r نظر إلى الكعبة ، فقال : " لقد شرفك اللهُ ، وكرمك ، وعظمك ، والمؤمن أعظم حرمة منك " . صحيح غاية المرام للألباني حسن برقم 435
3- صحيح غاية المرام للألباني برقم 439 قالr : " لزوالُ الدنيا أهونُ على اللهِ من قتلِ رجلٍ مسلمٍ ". أخرجه النسائي والترمذي.
نلاحظ من خلالِ الجمعِ بين الرواياتِ : أن الكعبةَ لها حرمة عند اللهِ I ؛ ولكن حرمة دم المسلم أعظم عند اللهِ I منها .
أباح اللهُI القتال فيها لمن ظُلموا من المسلمين ، ومن فُتنوا في دينهم ، وأُخرجوا من ديارهم ظلمًا وعدوانًا. ..
الثاني : أن من خصائصه rأن الله َI أذن له أن يقاتل في مكة ؛ لأنه r أرحم الناس، وأعدل الناس .....فلا يقتل r أحدًا بظلم قط ... لذلك كان r يأمر أصحابَه بقتلِ صناديد الكفر والفساد حتى لو كانوا معلقين على أستارِ الكعبةِ.... ثبت ذلك عند البخاري في صحيحه برقم 101 عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النَّبِيُّ r الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ r فِيهَا فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ". فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ : مَا قَالَ عَمْرٌو: قَالَ : أَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ.
وعليه لا شبهة عندنا - بفضلِ اللهِ I - .
ثالثًا : إن هناك سؤالاً يفرض نفسه على المعترضين هو: ماذا يفعلون لو قامت مجموعةٌ إرهابية مسلحة بالهجوم عليهم وهم جالسين في أماكن مقدسة ( كنيسة ) ماذا يفعلون هل يدافعون عن أنفسهم ،ونسائهم ، وأطفالهم ، وكنيستهم ... أم لا يقاومون الشر عملاً بقول يسوع بحسب ما نَسَبَ إليه كاتب إنجيل متى في الإصحاح الخامس عدد 39وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ : لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا ؟! لا تعليق !