الرد على من ينكر الاحتجاج بخبر الواحد

من الحديث ما هو: متواتر، ومنه ما هو: آحاد.

فأما الحديث المتواتر: فقد عرَّفه العلماء بأنه: "هو ما نقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة، بأن يكونوا جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم من أول الإسناد إلى آخره".
ولذا: كان مفيداً للعلم الضروري، وهو الذي يضطر إليه الإنسان، بحيث لا يمكنه دفعه، ويجب العمل به من غير بحث عن رجاله، ولا يشترط فيه عدد معين في الأصح.
وأما حديث الآحاد: فهو الخبر الذي لم تبلغ نقلته في الكثرة مبلغ الخبر المتواتر، سواء كان المخبر واحداً أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، إلى غير ذلك من الأعداد التي تشعر بأن الخبر دخل بها في حيز المتواتر.
وقيل في تعريفه: هو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر، سواء كان الراوي له واحداً أو أكثر.. والتعريفان يتفقان في أن خبر الواحد لا تجتمع فيه شروط المتواتر، فهما متقاربان.
وقد اتفق جمهور المسلمين -من الصحابة والتابعين وغيرهم- على وجوب العمل بخبر الواحد، وأنه حجة، ويفيد الظن، ومنع من وجوب العمل به بعض الطوائف: كالروافض والقدرية.. وبعض المتكلمين.

والدليل على وجوب العمل بخبر الواحد ما يأتي:

أولاً: قال الله تعالى: ’يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ 6‘ [الحجرات:6].

والنبأ: هو الخبر، وهو نكرة في سياق الشرط فيعم كل خبر، ويدخل فيه الخبر الذي يتعلق بالرسول g قبل غيره، لأهميته، وقد أوجب الله تعالى التثبت فيه لوجود الفسق، فإذا انتفى هذا السبب بأن كان المخبر ثقةً عدلاً قبل الخبر من غير تثبت ولا توقف.

ثانياً: ورد في السنة الشريفة، ما يدل على قبول خبر الواحد، من ذلك: أن النبي g قال: (نضَّر الله عبداً سمع مقالتي ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)([1]).
وفي هذا الحديث يدعو الرسول g لاستماع مقالته وأدائها، ويدعو بالنضرة للقائم بذلك. فيقول: (نضر الله عبداً..) وفي رواية (امرءاً) وكل واحدة من الكلمتين بمعنى الواحد، والرسول g لا يأمر أن يؤدى عنه إلا الذي تقوم به الحجة، فدل ذلك على وجوب العمل بخبر الآحاد.

وقد تواتر عن الرسول g أنه كان يبعث بكتبه ورسله، ويلزم المسلمين العمل بالآحاد منها.

ثالثاً: إجماع الصحابة المستفاد من الوقائع الكثيرة التي كانت تحدث وتتواتر عنهم في العمل بخبر الواحد، وكثيراً ما يكون لهم رأي في أمر من الأمور، فإذا جاء خبر عن رسول الله g أخذوا به وتركوا آراءهم، كما كانوا يرجعون إلى بيت النبوة في بعض ما يحتاجون إليه، فيسألون أمهات المؤمنين، رغبة منهم في الوقوف على حكم النبي g في مثل هذه الأمور. وعلى هذا المنهج سار التابعون من بعدهم.
ومما يشهد للعمل بخبر الواحد: أن الصحابة كانوا يكتفون به فيما ينـزل من أحكام الدين، ولا يطلبون خبراً آخر.

من ذلك: ما روي عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي g قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة([2]).

فقد أخبرهم بتحويل القبلة واحد صادق، فلو لم يكن خبر الواحد جائزاً لما تحولوا إلى الكعبة بخبره.


([1]) تقدم تخريجه في ص 17

([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (8/23) برقم 4490 ـ مع فتح الباري).