كتابة السنة النبوية في عهد النبي والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

كتابة السنة النبوية في عهد النبي والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 15

الموضوع: كتابة السنة النبوية في عهد النبي والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي كتابة السنة النبوية في عهد النبي والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية

    في عهد النبي والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية


    الدكتور: أحمد عمر هاشم



    المقدمة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    فهذا بحث عن "كتابة السنة النبوية في عهد النبي g والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية" للمشاركة به في فعاليات ندوة "السنة والسيرة النبوية".
    والتي تعقد تحت عنوان: "عناية المملكة العربية السعودية بالسنة والسيرة النبوية" ومما لا شك فيه أن لكتابة السنة النبوية في عهد النبي g والصحابة أكبر الأثر في حفظها وفي تيسير تدوينها التدوين الرسمي العام بعد ذلك؛ لأن الكتابة في العهد النبوي وإن كانت كتابة خاصة ببعض الصحابة، إلا أنها كانت تشمل عدداً كبيراً من الأحاديث النبوية، التي تتميز بأنها صحيحة وليس فيها أحاديث ضعيفة؛ لأن أسباب الضعف والوضع لم تكن ظهرت بعد.
    كما أن لهذه الصحف خصوصية هامة وهي أنها أخذت من فم الرسول g مباشرة، وليس بين بعض الصحابة الذين كتبوها وبين الرسول g أحد ولا واسطة فكانت بهذا أحاديث في أعلى درجات الصحة.
    كما أن هذه الصحف التي كتبت في العهد النبوي تؤلف العدد الأكبر من الأحاديث التي دونت بعد ذلك في عصر التدوين الرسمي، وقد كتبوا في وقت لم يكن الكذب قد شاع، ولم يظهر بعدُ أهلُ الوضع والتحريف، فهم عدول وهم خير القرون، وكان الصحابة الذين كتبوا في عهد النبي g على درجة عالية من الحفظ والضبط والإتقان.
    وهذه المراحل التي كتب فيها الحديث من عهد النبي g وعهد الصحابة والعهود التالية، كان لها أكبر الأثر في حفظ السنة النبوية وصيانتها.
    وبالله التوفيق؛ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    تعريف السنة لغةً واصطلاحاً

    السنة في اللغة
    تطلق السنة في اللغة بعدة إطلاقات، فتطلق ويراد بها الوجه لصقالته وملاسته، وقيل: دائرته، وقيل: الصورة، وقيل: الجبهة والجبينان، وكله من الصقالة والأسالة، ووجه مسنون: مخروط أسيل كأنه قد سُنَّ عنه اللحمُ، وسُنة الوجه دوائره، وسنة الوجه صورته، قال ذو الرمة:

    تُرِيكَ سُنَّةَ وَجْهٍ غَيْرَ مُقْرِفَةٍ


    مَلْسَاءُ لَيْسَ بِهَا خَالٌ وَلاَ نَدَبُ




    ومثله للأعشى:

    كَرِيماً شَمَائِلُهُ مِنْ بَنِي


    معَاويَةَ الأَكْرَمِيْنَ السُّنَنْ



    والسنة: الصورة وما أقبل عليك من الوجه، وقيل: سنة الخد صفحته([1]). أ.هـ.
    وقال الأزهري: السنة الطريقة المحمودة المستقيمة، ولذلك قيل: فلان من أهل السُّنة، معناه من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة، والسُّنة: الطبيعة، وبه يفسر بعضهم قول الأعشى السابق:


    كَرِيماً شَمَائِلُهُ مِنْ بَنِي


    معَاويَةَ الأَكْرَمِيْنَ السُّنَنْ([2])



    وقد سبق بيان أنَّ بعضهم فسر السنن في هذا البيت بالوجوه، أمَّا رأي الآخرين فمعناها الطبيعة. وقال الراغب([3]): "سنة النبي g طريقته التي كان يتحراها، وسُنة الله عزَّ وجل قد تقال لطريقة حِكْمته وطريقة طاعته". والسنة: السيرةُ حسنةً كانت أو قبيحةً، قال خالد بن عتبة الهذلي:


    فَلا تَجْزَعَنْ مِنْ سيرةٍ أَنتَ سِرْتَهَا


    فَأَوَّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيْرُهَا


    وفي الكتاب العزيز: ’وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤۡمِنُوٓاْ إِذۡ جَآءَهُمُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّهُمۡ إِلَّآ أَن تَأۡتِيَهُمۡ سُنَّةُ ٱلۡأَوَّلِينَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ قُبُلٗا55‘ [الكهف:55]. قال الزجاج: "سنة الأولين أنهم عاينوا العذاب"، وسننتها سَنَّاً واستننتها: سِرْتُها، وسننت لكم سنة فاتبعوها، وفي الحديث: (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة..)([4])، يريد مَنْ عَمِلَها ليُقتدى به فيها، وكل من بدأ أمراً عمل به قومٌ بعده قيل هو الذي سَنَّهُ.
    وقد تكرر ذكر السنة وما تصرف منها والأصل فيها الطريقة والسيرة. وإذا أطلقت في الشرع فإنما يراد بها ما أمر به النبيُّ g ونهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً، ولهذا يقال في أدلة الشرع: الكتاب والسنة؛ أي: القرآن والحديث([5]). أ.ه.
    وقد وردت في القرآن الكريم في مواضع متعددة بمعنى العادة المستمرة والطريقة المتبعة فقال تعالى:’قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ‘[آل عمران:137]. وقال عز وجل:’سُنَّةَ مَن قَدۡ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِن رُّسُلِنَاۖ‘[الإسراء:77]. وقال تعالى:’سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلُۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗا23‘ [الفتح:23].


    ([1]) لسان العرب ج13 ص224 ط بيروت.

    ([2]) تاج العروس ج13 ص344 ط بيروت.

    ([3]) المفردات 429.

    ([4]) وروى الإمام مسلم عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله g : (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) صحيح مسلم ج2 ص705، وأخرجه الترمذي بلفظ: (من سن سنة خير فاتبع عليها فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئاً ومن سن سنة شر فاتبع عليها كان عليه وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئاً) الترمذي ج4 ص149، وقال: حديث حسن وأخرجه الإمام أحمد بنحوه في مسنده ج1 ص193 (الفتح الرباني) وأخرجه الدارمي ج1 ص107.

    ([5]) لسان العرب ج13 ص225 ط بيروت.







    تعريف السنة في الشرع

    ظهرت للسنة تعريفاتٌ مختلفةٌ في لسان أهل الشرع، وكان هذا حسبَ اختلاف الأغراض التي اتجه إليها العلماء مِنْ أبحاثهم، فبعد أن تشعبت العلوم التي تبحث في السنة برزت هذه التعريفات محددة الغرض في كل اتجاه: "فعلماء أصول الفقه عنوا بالبحث عن الأدلة الشرعية، وعلماء الحديث عنوا بنقل ما أضيف إلى النبي g، وعلماء الفقه عنوا بالبحث عن الأحكام الشرعية من فرض وواجب ومندوب وحرام ومكروه، والمتصدرون للوعظ والإرشاد عنوا بكل ما أمر به الشرع أو نهى عنه"([1]).

    أما علماء الأصول: فعرَّفوا السُّنة بأنها: هي كل ما روي عن النبيg مما ليس قرآناً من أقوال أو أفعال أو تقريرات مما يصلح أن يكون دليلاً لحكم شرعي.
    وبعض الأصوليين أطلق لفظ السنة على ما عمل به أصحاب الرسول صلوات الله وسلامه عليه، سواءً كان ذلك في القرآن أو مأثوراً عن الرسول g، أو اجتهد فيه الصحابة كجمع المصحف وتدوين الدواوين.
    وأما علماء الفقه: فعرَّفوا السنة بأنها: هي ما ثبت عن النبي g من غير افتراض ولا وجوب فهي عندهم صفة شرعية للفعل المطلوب طلباً غير جازم، ولا يُعاقب على تركه "وتطلق على ما يقابل البدعة كقولهم: فلان من أهل السنة"([2]). أ.هـ.

    السنة في لسان علماء الوعظ والإرشاد: هي المقابلة للبدعة، فيقال عندهم: فلان على سُنَّةٍ إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي g سواءً كان ذلك مما نُصَّ عليه في الكتاب العزيز أولا، ويقال: فلان على بدعة إذا عمل على خلاف ذلك.
    السنة في اصطلاح المحدثين: هي أقوال النبي g وأفعاله وصفاته وسيره ومغازيه وبعض أخباره، وقَصَرَ بعض العلماء التعريف على (أقوال النبي g وأفعاله وأحواله)([3])، وهو يشتمل على ما سبق، لأن الأحوال تتضمن أخلاقه الكريمة، وصفاته العظيمة وتتضمن أفعاله الحسنة. وقال بعض العلماء هي: "ما أضيف إلى النبي g قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفة"([4]). والتعريفان متقاربان. ويتفق كل منهما في أن السنة النبوية في اصطلاح علماء الحديث النبوي هي أقوال الرسول g وأفعاله وتقريراته وصفاته الخُلقية والخَلقية، فيدخل في هذا معظم ما يذكر في سيرته كوقت ميلاده ومكانه وتحنثه في غار حراء، وغير ذلك مما يذكر قبل البعثة أو بعدها.





    ([1]) الحديث والمحدثون ص1.

    ([2]) إرشاد الفحول ص:31.

    ([3]) تدريب الراوي ص: 5

    ([4]) قواعد التحديث ص:61.
    التعديل الأخير تم بواسطة فداء الرسول ; 21-07-2013 الساعة 10:28 AM
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    منـزلة السنة في الدين

    السنة هي الأصل الثاني من أصول الإسلام


    أجمع فقهاء المسلمين قديماً وحديثاً من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى يومنا هذا إلا من شذَّ من بعض الطوائف على الاحتجاج بها وعدِّها المصدر الثاني للدين بعد القرآن الكريم، فيجب اتباعها، وتحرم مخالفتها. وقد تضافرت الأدلة القطعية على ذلك، فأوجب الله سبحانه على الناس طاعة رسوله وبيَّنَ أنه هو المبيِّن لما أنزل من القرآن، وذلك بعد أن عصمه من الخطأ والهوى في كل أمر من الأمور’ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ 3 إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ 4 عَلَّمَهُۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ 5‘ [النجم:3-5]. كما عصمه من الناس حين أمره بتبليغ ما أنزل إليه قال تعالى:’۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ يَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ67‘[المائدة الآية:67].

    فهو إذاً قد مَهَّد لرسوله طريق الدعوة، وذلَّلَ له مهمة تبليغها، فبَيَّنَ سبحانه وتعالى للناس ما يأتي:

    أولاً: وجوب طاعة الرسول .

    ثانياً: أن الرسول g هو الذي يبين للناس كتابَ ربهم سبحانه وتعالى. وهذان الأمران متلازمان في إثبات حجية السنة؛ لأن الله تعالى أوجب طاعة رسوله g؛ لأنه مبيِّن للناس ما أنزل إليهم، قال الشاطبي: "فإذا عمل المكلف وفق البيان أطاع الله فيما أراد وأطاع رسولَه في مقتضى بيانه، ولو عمل على مخالفة البيان عصى الله تعالى في عمله على مخالفة البيان، إذ صار عمله على خلاف ما أراد بكلامه وعصى رسوله في مقتضى بيانه"([1]).
    وسأتناول الحديث عن هذين الأمرين وهما وجوب طاعةِ الرسول g، وبيان أن الرسول g هو الذي بيَّن للناس ما نُزِّل إليهم.

    ( 1 ) وجوب طاعة الرسول :

    فرض الله سبحانه وتعالى طاعة رسوله g، وورد الأمر بها في القرآن الكريم على وجوه كثيرة تختلف باختلاف أحوال المخاطبين ومشاربهم ونياتهم، فمنهم اليهودي الذي يحتاج إلى كثرة الأدلة، والمنافق الذي يحتاج إلى أسلوب التهديد، والمؤمن الذي يقبل الأمر ويعرف هداية الله من أقرب طريق. وقد سلكت آيات القرآن الكريم في بيان ذلك مسلكاً مناسباً ونهجت منهجاً حكيماً:

    1- فقد دلت مرة على وجوب طاعة الرسول g، بالأمر بالإيمان بالرسل "وهذا يستلزم وجوب طاعة الرسـول g، من

    ذلك قوله تعالى: ’يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ وَلَا تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡحَقَّۚ إِنَّمَا ٱلۡمَسِيحُ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُۥٓ أَلۡقَىٰهَآ إِلَىٰ مَرۡيَمَ
    وَرُوحٞ مِّنۡهُۖ فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ‘[النساء:171]. فالأمر بالإيمان بالرسل مع الإيمان بالله لا يكون إلا إذا كان مع الإيمان تصديق لما يبلغه الرسل عن الله وإذعان وطاعة لهديهم على هذا فرسولنا g يجب الإيمان به للأمر بالإيمان بالرسل، وطاعته واجبة كطاعتهم التي استلزمها الأمر بالإيمان بهم.

    2- ودلت الآيات أيضاً على وجوب طاعة الرسول g باقتران الأمر بالإيمان به مع الأمر بالإيمان بالله سبحانه قال الله تعالى: ’يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ مِن قَبۡلُۚ ‘ [النساء:136]. وقال الله تعالى: ’فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلۡنَاۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ 8‘ . [التغابن:8]. وقد أظهر الله تعالى في هذه الآيات وغيرها مكانة نبيه g، فنَصَّ على الإيمان به ولم يكتفِ بالأمر العام السابق رغم دخوله فيه؛ وذلك لأن رسالته خاتمة، وبعثته عامة، فاقتضت الحكمة أن يُخَصَّ بمزيد عنايته ويفهم

    من ذلك الأمر بطاعته، قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: "وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل شأنه أن جعله علماً لدينه لما افترض من طاعته وحرم من معصيته وأبان من فضيلته بما قرن من الإيمان برسـوله مع الإيمان به فقال تبارك وتعالى:’فَ‍َٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۖ وَلَا تَقُولُواْ ثَلَٰثَةٌۚ ٱنتَهُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ سُبۡحَٰنَهُۥٓ أَن يَكُونَ لَهُۥ وَلَدٞۘ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا 171‘ . [النساء:171]. وقال:’إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ

    وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَ‍ٔۡذِنُوهُۚ ‘ . [النور:62]. فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ثم برسوله"([2]). أ.هـ.

    3- كذلك دلت الآيات على وجوب طاعة الرسول g بإيجاب الله تعالى طاعة الرسل، قال تعالى: ’وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ‘ [النساء:64]. فطاعة الرسل إذاً هي الهدف من إرسالهم، ورسولنا g كواحد من الرسل داخل في مضمون الحكم العام فينطبق عليه الحكم بوجوب طاعته ولا سيما أن الرسل قبله كانت شرائعهم خاصة بطائفة معينة، أما رسولنا g فشريعته عامة وخاتمة، لذا كانت طاعته آكد وألزم.

    4- اقتران الأمر بطاعة الرسول بالأمر بطاعة الله تعالى: ’قُلۡ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡكَٰفِرِينَ 32‘[آل عمران:32]. وقال تعالى: ’يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ‘ [النساء:59] والناظر إلى الآيات الواردة في وجوب طاعة الرسول g يرى أن منها ما جاء بالأمر بطاعة الله مقروناً بالأمر بطاعة
    الرسول بالعطف بالواو كالآية الأولى، إذ يفيد ذلك مطلق الاشتراك والجمع بينهما، أو بطريق العطف بها مع إعادة العامل إذ يفيد ذلك تأكيد عموم الطاعة في كل ما يصدر عن الرسول g ومنها ما جاء بتكرار العامل في شيئين مع العطف على الأخير بدون تكرار العامل كقوله تعالى: ’أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ‘ بدون تكرار العامل في عطف أولي الأمر. وهذا يدل على أن أولي الأمر ليس لهم طاعة مستقلة، وليس لهم تشريع خاص يصدر عنهم يخالف الإسلام "وإنما يطاعون فيما شأنه أن يتلوه ويباشروه في إطار من الدين الذي شرعه الله قرآناً كان أو سنة"([3]) فطاعة الرسول إذاً واجبة في كل ما أتى به سواء كان في الكتاب الكريم أو ليس فيه.


    1- أمر الله بطاعة الرسول على الإنفراد، قال الله تعالى:’فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا 65‘ [النساء:65]. وقال تعالى:’وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ 56‘ [النور:56]. وقال تعالى: ’وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ‘ [الحشر:7]. ففي هذه الآيات نص صريح على وجوب طاعة الرسول والتسليم لحكمه واتباعه، وهذه الطاعة في حال حياته وبعد وفاته، ففي حال حياته كان الصحابة يتلقون أحكام الشرع من القرآن الذي أخذوه عن رسولهم g إذ كان يبين لهم ما أنزل إليهم، كما كان يبين لهم كثيراً من الأحكام حين تقع
    لهم الحوادث التي لم ينص عليها في القرآن، فهو إذاً


    يطبق لهم الأحكام من حلال أو حرام، مما كان مصدره

    القرآن أو الوحي الذي يوحيه الله له ’يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ ‘ [الأعراف:157]. وقد حثَّ الله عز وجل على الاستجابة لما يدعو له الرسول g فقال تعالى: ’يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ‘ [الأنفال:24]، ولم يبح الله تعالى لمؤمن ولا مؤمنة مخالفة حكم الرسول أو أمره، قال تعالى: ’وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا 36‘ [الأحزاب:36]، وقد كان المسلمون ملتزمين حدود أمره ونهيه ومتبعين له في عبادتهم ومعاملاتهم وقد بلغ من طاعتهم للرسول g واقتدائهم به أنهم كانوا يفعلون ما يفعل ويتركون ما يترك ولم يجز واحد منهم لنفسه مراجعة الرسول g إلا إذا كان هناك أمر غريب عن عقولهم فيناقشونه ليعرفوا الحكمة فيه فقط كما لم يجز واحد منهم مراجعته في أمر "إلا إذا كان

    فعله أو قوله اجتهاداً منه في أمر دنيوي
    كما في غزوة بدر حين راجعه الحباب بن المنذر في مكان النـزول"([1]) ومثل هذا إنما حدث تطبيقاً لمبدأ الشورى في الإسلام.
    وإذا كان الحال هكذا في حياة الرسول g، فإنه أيضاً تجب طاعته واتباع سنته بعد وفاته، لأنه g حثَّ المسلمين أن يطيعوه ويتبعوه بعد وفاته تمسكاً بالكتاب والسنة وسيراً على هديهما فقال g: (تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي)([2])، وكما وجب على الصحابة بنص القرآن اتباع الرسول وطاعته في حياته وبعد مماته كما في الحديث السابق وجب على من بعدهم من المسلمين اتباع سنته بعد وفاته؛ لأن النصوص التي أوجبت طاعته عامة لم تقيد في ذلك بزمن حياته ولا بصحابته دون غيرهم؛ ولأن العلة جامعة بينهم وبين من بعدهم، وهي أنهم أتباع لرسول أَمَرَ اللهُ باتِّباعه وطاعته([3])، لهذا كله تلقى الصحابة السنة النبوية وبلغوها إلى من بعدهم.




    ([1]) السنة ومكانتها في التشريع. ص:66.

    ([2]) أخرجه مالك في الموطأ (2/899) برقم3، والحاكم في المستدرك (3/ 109، 148، 533) وصححه، ووافقه الذهبي، وابن عبدالبر في جامع بيان العلم (2/180).

    ([3]) السنة ومكانتها في التشريع. ص:67.



    ([1]) الموافقات (19:4).

    ([2]) الرسالة للإمام الشافعي ص73.

    ([3]) السنة النبوية ومكانتها في التشريع ص58.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    رواية السنة وكتابتها

    العهد النبوي

    اصطفى الله تعالى رسوله g ليبلغ الرسالة الإلهية إلى الناس جميعاً، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وأعدَّ الله تعالى رسوله g إعداداً كاملاً فربَّاه بعنايته، وكلأه برعايته وعصمه من الناس وعلَّمه ما لم يكن يعلم، قال تعالى: ’وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ وَرَحۡمَتُهُۥ لَهَمَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡهُمۡ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡۖ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيۡءٖۚ وَأَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمۡ تَكُن تَعۡلَمُۚ وَكَانَ فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكَ عَظِيمٗا113‘ [النساء:113].

    وقام الرسول g بأداء الرسالة خير قيام، وأدى الأمانة الإلهية على أكمل وجه، وتحمَّل في سبيلها ما تحمَّل، وصبر واستعذب الأذى حتى أرسى دعائم الدعوة وأقام دين الله تعالى.
    العوامل التي دفعت الصحابة إلى العناية بالسنة:
    تضافرت عوامل ثلاثة حفزت همم المسلمين إلى الإقبال الشديد على السنة الشريفة ومدارستها:

    أولاً: القدوة الحسنة التي تمثلت في الرسول g، قال تعالى: ’لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا 21‘[الأحزاب:21].

    ثانياً: ما تضمنته آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة من الحث على العلم والعمل، بل كانت أولى آيات الوحي الإلهي من القرآن دعوة صريحة إلى العلم، توجه أنظار البشرية إليه، وتحض عليه، قال تعالى: ’ ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ 1 خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ 2 ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ3 ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ 4 عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ 5‘ [العلق:1-5]، وقال تعالى: ’فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ 122‘[التوبة:122]، كما حض الرسولg على طلب العلم وتبليغه، عن ابن شهاب قال: قال حميد بن عبدالرحمن: سمعت معاوية خطيباً يقول: سمعت النبي g يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله)([1]). وقالg: (نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها فربَّ حامل فقه غير فقيه وربَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه)([2]).

    ثالثاً: الاستعداد الفطري، والذوق العربي الأصيل والذاكرة الواعية الأمينة التي كانوا عليها، مع ما استقر في نفوسهم من أهمية السنة النبوية وأنها من مصادر التشريع الإسلامي، وقد حركت هذه العوامل قلوب المسلمين للالتفاف حول رسولهم g، لينهلوا من معين سنته المطهرة التي وجدوا فيها مادة خصبة لدنياهم وأخراهم، تكفل لهم سعادة الدارين؛ لأنَّ أحكامها الكريمة وآدابها الفاضلة تتعلق بالعقيدة وبالشريعة والأخلاق وتتعلق بجميع آدابهم وأحوالهم.

    ونهج النبي g معهم منهج القرآن، يتدرج في انتزاع الشر والباطل، ويعمل على غرس الخير والحق، ويفتيهم في مسائلهم في كل مكان حسبما اتفق في الحل والترحال، وكان "المسجد" هو المكان المتعارف الذي تعاهدوا على حضور المجالس العلمية فيه، تلك المجالس التي يعقدها لهم رسولهم g تشرق بنور الله، وتنبثق منها الروحانية الصافية، فيتعلمون ويتفقهون ويعبدون فيها ربهم ويسبحون بالغدو والآصال. وكان الرسول g يتبع معهم أسمى الطرق في التعليم: ويتوخى مخاطبتهم بلغاتهم ولهجاتهم وعلى قدر عقولهم، متواضعاً حليماً، ولم يحرم النساء من حقوقهن في العلم وإنما خصص لهن وقتاً يتلقين فيه العلم.
    وقد بلغ من حرصه g على تعليم المسلمين أنه كان يكرر القول ثلاثاً، حتى يفهم عنه. وربما طرح المسألة على أصحابه([1])؛ ليختبر أفهامهم،
    ويجذب انتباههم، ويتحرَّى أن يكون التدريس والموعظة في الوقت الملائم والظروف المناسبة التي يتسنَّى لهم الحضور فيها، وتكون عقولهم يقظة واعيةً بعد صلاة الفجر وبعد العشاء ونحو ذلك.

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    تلقِّي الصحابة للحديث النبوي

    حرص الرسول g على تبليغ المسلمين سنته الشريفة وحبب إلى أصحابه رضوان الله عليهم حفظ الحديث وتبليغه، فوضع منهج التلقي والتحديث، وأرسى بينهم قاعدة التثبت العلمي التي ساروا عليها، واتخذوها منهجاً في الرواية بعد ذلك وسار الصحابة في حرصهم على حضور مجالس الرسول g إلى جانب ما يقومون به من أمور المعاش. وإذا تعذر على بعضهم الحضور يتناوب مع غيره كما كان يفعل عمر رضي الله عنه، قال: "كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النـزول على رسول الله g ينـزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نـزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نـزل فعل مثل ذلك"([1]).
    ولم يكن يتسنى للجميع سماع الحديث من الرسول g لما كانوا يقومون به من أعمال فكانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من أقرانهم وكانوا يشددون على مَنْ يسمعون منه، كما كانت القبائل البعيدة تبعث إلى النبي g من يتعلم أحكام الدين منه ثم يعود إليهم ليرشدهم ويعلمهم، وهكذا عاش


    الصحابة مع رسولهم g يشاهدون تصرفاته في عباداته ومعاملاته وإذا عنَّ لهم أمر من الأمور يحتاجون للبيان فيه رجعوا إليه يسألونه فيجيبهم، ويفتيهم.
    كما كان g يعلم النساء أمور الدين ويخصص وقتاً يجلس لهن فيه وكانت أمهات المؤمنين على درجة سامية من العلم؛ لذا وجد النساء عندهن الإجابة عن أمورهن وأحوالهن التي يمنعهن الحياء من التصريح بها أمام الرسول g كالأمور الخاصة بهن وإلى جانب هذه العوامل السابقة كانت هناك طرق كثيرة ساعدت على انتشار السنة، وقوّى نشاطَها اجتهادُ الرسول g في التبليغ وأثر أمهات المؤمنين الذي لا ينكر، ومن ذلك بعوثه g إلى القبائل لتعليمهم وإرشادهم، وكتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام، كما كان لغزوة الفتح أثر كبير في نشر كثير من السنن حيث قام النبي g خطيباً بين ألوف المسلمين وغيرهم، معلناً العفو عن أعدائه ومبيناً كثيراً من الأحكام التي تناقلها الناس وحملوا توجيهه وإرشاده إلى أهلهم.

    وبعد أن استتب الأمر يمم النبي g وجهه شطر المسجد الحرام حاجاً ومعه ألوف من المسلمين ألقى فيهم خطبته الجامعة([1])، التي تعد منهاجاً عاماً للدعوة الإسلامية تضمنت كثيراً من الأحكام والسنن وفيها بيَّن الرسول g مناسك الحج ووضع من آثار الجاهلية ما أبطله الإسلام، فكانت من أعظم عوامل انتشار السنة بين كثير من القبائل والعشائر.


    ومعلوم أن الصحابة -رضي الله عنهم-لم يكونوا في مستوى واحد من العلم بل كانت تتفاوت درجاتهم العلمية ما بين مكثر ومقل ومتوسط تبعاً لظروف كل واحد منهم، إذ كان من بينهم البدوي والحضري، والمنقطع للعبادة، والمشتغل بأمر المعاش فكان أكثرهم علماً أسبقهم إسلاماً كالخلفاء الأربعة وعبدالله بن مسعود، أو أكثرهم ملازمة لنبيه g كأبي هريرة، أو أكثرهم كتابةً كعبدالله بن عمرو بن العاص.
    ولكن السمات العامة للمسلمين آنئذٍ تبرز لنا الدوافع القوية التي حفزتهم على تلقي السنة النبوية حتى أودعوها حوافظهم القوية وصدورهم الأمينة مما جعل السنة الشريفة محفوظة جنباً إلى جنب مع القرآن، وتلك الدوافع هي اقتداؤهم بنبيهم واستعدادهم الفطري واستجابتهم للقرآن والسنة.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    السنة في عصر الصحابة والتابعين


    انتقل الرسول g إلى الرفيق الأعلى ولم يترك وصية لمن يتولى الخلافة من بعده مكتفياً بتعاليمه الشريفة التي تضمن لهم سعادة الدنيا والآخرة، وقد أكمل الله سـبحانه وتعالى لهم الدين وأتم عليهم النعمة، قال تعالى: ’ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ‘ [المائدة:3] وقد تمثلت سعادتهم في الأصلين الكريمين: الكتاب والسنة فحرصوا على حفظهما وحراستهما. ولا خوف على التراث النبوي في ظل الحياة المستقرة الآمنة ما دام بعيداً عن أعداء الدعوة وأهل الأهواء، أما حين تضطرب الحياة وتظهر العداوة والبغضاء والفتن والأهواء فحينئذٍ يخشى على التراث النبوي أن تمتد إليه أيدي مَنْ مردوا على البغي والعدوان.

    وقد كان أول اهتزاز يخشى منه اضطراب الدولة الإسلامية ويشب بين المسلمين الخلاف من جرائه هو مسألة الخلافة بعد الرسول g، فقد اختلف المهاجرون والأنصار فيمن يكون خليفة؛ واجتمعوا في السقيفة وبعد محاورة بينهم ومناقشة تداركهم الله بفضل منه، فانحسم الأمر وتمت البيعة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان على الصديق أن يباشر مهام خلافته، وكانت أولى مسؤولياته الضخمة التي واجهته تلك الحركة المتمردة العنيفة التي تمثلت في المرتدين ومانعي الزكاة، وهي حركة لو قوبلت بلين وهوادة لهددت الدعوة وكانت خطراً جسيماً على المسلمين؛ لذا نشط الصديق في مقاومتها من أول يوم وتأهب للقتال وأعد عدته، ونازلهم حتى أصاخوا لحكم ربهم واستجابوا لأبي بكر رضوان الله تعالى عليه، فدخلوا الإسلام وأدوا الزكاة فانتظم أمر الدعوة واستقرت الأمور وعادت الحياة آمنة، وصفا الجو العلمي للصحابة فاستكمل صغارهم علومهم ومعارفهم كما أرادوا، ونهل التابعون من علوم الصحابة التي حملتها إليهم صدورهم الأمينة وحوافظهم القوية وبعض صحائفهم العزيزة التي كانت تؤلف روافد صافية إلى منابع السنة الشريفة.

    وهكذا سارت الحياة رخاء طيبة، في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- حتى كانت الخلافات التي بدأت تبرق شرارتها حين أخذت فئة على سيدنا عثمان رضي الله عنه بعض الأمور، ومن ذلك الوقت تسربت الفتنة بين الناس وتولى كبرها عبدالله بن سبأ اليهودي، حتى انتهت بمقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه، ومن هنا بدأت تتسعر نار الفتنة التي أطاحت بكثير من الصحابة.
    ووسط هذا الجو الخانق تولَّى علي رضي الله عنه الخلافة فكان أول صدام واجهه على أثر مطالبة معاوية بدم عثمان - تلك المعارك التي أصابت سير الحياة بهزات عنيفة وفرقت المسلمين، "وانتهت بمعركة صفين التي كان على أثرها تفرق أصحاب علي إلى خوراج وشيعة"([1]).

    أما الشيعة فهم الذين يرون أن الخلافة يجب أن تكون في بيت النبي g، وقد قرروا أنها حق لعلي بن أبي طالب ثم لأولاده بالوراثة من بعده.

    وأما الخوارج فهم من أشياع علي بن أبي طالب الذين خرجوا عليه بعد التحكيم ثم صاروا حرباً عليه وعلى جماعة المسلمين من بعده، وقد قضى عليهم المهلب بن أبي صفرة في عهد الدولة الأموية، ووسط هذا الانقسام، وبين تلك الثورات العارمة والمعارك الدامية لا بد أن يجد الأعداء وأصحاب الأهواء الطريق ممهدة لهم، فاستغل اليهود والفرس وأعداء الدعوة تلك الفرصة السانحة ليكيدوا للإسلام ويناهضوا ببغيهم وعدوانهم التراث النبوي ليدسوا ويضعوا، فماذا يفعل الصحابة؟!


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    منهج الصحابة رضي الله عنهم في الرواية

    لم يكن هناك مجال للخلاف في عهد النبي g، ولا خوف على السنة الشريفة؛ لأن الصحابة كانوا إذا ظهر بينهم خلاف في مسألة من المسائل يرجعون إلى النبي g، وإذا عنَّ لهم أمر يسألونه فيه. فلما انتقل الرسول g إلى الرفيق الأعلى خيف العبث بالسنة، خصوصاً والحديث لم يدون بعد في كتاب، والإسلام تتسع رقعته يوماً بعد يوم ويدخل فيه الكثير وفيهم من لا يؤمن جانبهم على الدين والمنافقين ونحوهم؛ لذا كان من الضروري أن يتثبت الصحابة في سنة نبيهم g الذي وضع لهم الأساس الأول في قاعدة التثبت فبنوا عليها منهجهم في الرواية وذلك بما بينه لهم g من خطر الكذب عليه حين قال: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"([1]) وقال: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"([2])، وكان أول من وضع قوانين الرواية فيهم أبو بكر الصديق رضوان الله تعالى عليه وتبعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسائر الصحابة، ويتلخص منهجهم في أنهم أقلوا من رواية الحديث؛
    كراهية أن يشتغل الناس برواية الحديث وينصرفوا عن تلاوة القرآن، وخشية الوقوع في الخطأ أو تسرب التحريف إلى السنة، والإقلال من الرواية كان سيراً سليماً على ما رسمه لهم نبيهم g، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:

    (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع")([1]). كما سار الصحابة على طريق التثبت من الراوي والمروي فما اطمأنوا إليه قبلوه وما لم يطمئنوا إليه طلبوا عليه شاهداً، وما لم تقم البينة على صدقه ردوه، وكان تثبتهم قائماً على ميزان النقد العلمي الصحيح. ومنع الصحابة الرواة من أن يحدثوا بما يعلو على فهم العامة؛ لأن في هذا مدعاة إلى تكذيبهم للمحدث بما لا يفهمونه، ومدعاةً للخطأ والارتياب في الدين، فامتنعوا عن ذلك خشية أن يستغل أصحاب الأهواء ظاهر النصوص لصالح بدعهم وأهوائهم.

    عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أن عبدالله بن مسعود قال: "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"([2]).

    ومن أمثلة التثبت عند الصحابة ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: "كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟ فقلت: استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله g: (إذا
    استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع) فقال: والله لتقيمن عليه بينة، أمنكم أحدٌ سمعه من النبي g؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم فكنت أصغر القوم، وقمت معه فأخبرت عمر أن النبي g قال ذلك، فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أتهمك ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله g([1]).
    وقد سار على سنة التثبت التابعون ومن جاء بعدهم وعنوا بالأسانيد والنقد العلمي الدقيق، ولما كان الصحابة متفاوتين في العلم فلم يكن عند الجميع ما قاله الرسول g فقد بدأت الرحلات العلمية فقام الصحابة والتابعون بالرحلات إلى كثير من البلاد حتى كان يتميز البعض بكثرة الرحلات والانتقال إلى أكثر من بلد، وكانت الرحلة سبيلاً إلى طلب الحديث والتثبت منه.
    كما كانت أيضاً تدعيماً لوحدة المسلمين وتعرفاً على الجو العلمي في شتى الأقطار الإسلامية، ومعرفة وإلماماً بطرق الحديث الكثيرة.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    تدوين السنة

    قام أعداء الإسلام يعملون في ظلام الفرقة التي دبت بين المسلمين على أثر قتل الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه حين افترق المسلمون فرقاً وأحزاباً ما بين شيعة وخوارج وجمهور، وساعدهم على ذلك اتساع البلاد، فوجدوا المناخ ملائماً لبث سمومهم ودسِّ أكاذيبهم، وبعد أن انقضى عهد الخلافة الراشدة وافترق المسلمون إلى فرق، ظهر أرباب الكذب والنفاق من الملل الأخرى يكذبون ويلفقون ويضعون الأحاديث، فكان ظهور الوضع في الحديث أهم الأسباب التي حفزت همم العلماء لتدوينه وتصنيفه صيانة له من الأيدي العابثة، يقول الإمام الزهري: "لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها لا نعرفها ما كتبت حديثاً ولا أذنت في كتابته"([1]).
    ولم يكن ذلك الوقت الذي ازداد فيه نشاط العلماء في الجمع والتدوين هو مبدأ زمن التدوين وإنما بدأت كتابة الحديث منذ عهد النبي g بصورة خاصة وغير رسمية. فالسنة النبوية لم تبق مهملة طوال القرن الأول إلى عهد عمر بن عبدالعزيز، وإنما كانت تكتب كتابة فردية في عهد الرسول g والصحابة والتابعين، وحفظت في الكراريس والصحف بجانب حفظها في الصدور، حيث كانت توجد بعض الصحائف التي شاركت الصدور في
    حفظ السنة ومن بين هذه الصحائف صحيفة عبدالله بن عمرو بن العاص التي تُسَمَّى بالصادقة؛ لأنه كتبها عن رسول الله g مباشرة، يقول عبدالله بن عمرو بن العاص لمجاهد: "هذه الصادقة فيها ما سمعته من رسول الله g وليس بيني وبينه أحد"([1]).
    وهي تشتمل على ألف حديث([2])، وكان لسعد بن عبادة الأنصاري صحيفة، ولسمرة بن جندب صحيفة، والصحيفة التي دونت فيها حقوق المهاجرين والأنصار واليهود وعرب المدينة.
    وكان لجابر بن عبدالله الأنصاري صحيفة، ولأنس بن مالك صحيفة كان يبرزها إذا اجتمع الناس، ولهمَّام بن منبه صحيفة تسمى الصحيفة الصحيحة رواها عن أبي هريرة، وكان ابن عباس معروفاً بطلب العلم، وبعد وفاة النبي g كان يسأل الصحابة ويكتب عنهم وكانت تلك الصحف والمجاميع تحتوي على العدد الأكبر من الأحاديث التي دونت في القرن الثالث.
    يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه "رجال الفكر والدعوة": (وإذا اجتمعت هذه الصحف والمجاميع وما احتوت عليه من الأحاديث كونت العدد الأكبر من الأحاديث التي جمعت في الجوامع والمسانيد والسنن في القرن الثالث وهكذا يتحقق أن المجموع الكبير الأكبر من الأحاديث سبق تدوينه وتسجيله من غير نظام وترتيب في عهد الرسول g وفي عصر الصحابة رضي الله عنهم، وقد شاع في الناس حتى المثقفين والمؤلفين أن الحديث لم يكتب ولم يسجل إلا في القرن الثالث الهجري وأحسنهم حالاً من يرى أنه قد كتب ودون في القرن الثاني؟

    وما نشأ هذا الغلط إلا عن طريقين:

    الأولى: أن عامة المؤرخين يقتصرون على ذكر مدوني الحديث في القرن الثاني ولا يعنون بذكر هذه الصحف والمجاميع التي كتبت في القرن الأول؛ لأن عامتها فقدت وضاعت مع أنها اندمجت وذابت في المؤلفات المتأخرة.
    الثانية: أن المحدثين يذكرون عدد الأحاديث الضخم الهائل الذي لا يتصور أن يكون قد جاء في هذه المجاميع الصغيرة التي كتبت من القرن الأول([1]). أ.ه.
    ويقول العلامة مناظر أحسن الكيلاني متفقاً مع الندوي في كتابه (تدوين الحديث): "وقد يتعجب الإنسان من ضخامة عدد الأحاديث المروية فيقال أن أحمد بن حنبل كان يحفظ أكثر من سبعمائة ألف حديث، وكذلك يقال: عن أبي زرعة، ويروى عن الإمام البخاري أنه كان يحفظ مائتي ألف من الأحاديث الضعيفة ومائة ألف من الأحاديث الصحيحة، ويروى عن مسلم أنه قال: جمعت كتابي من ثلاثمائة ألف حديث ولا يعرف كثير من المتعلمين فضلاً عن العامة أن الذي يُكَوِّن هذا العدد الضخم هو كثرة المتابعات والشواهد التي عني بها المحدثون، فحديث: (إنما الأعمال بالنيات) يروى من سبعمائة طريق فلو جردنا مجاميع الحديث من هذه المتابعات والشواهد لبقي عدد قليل([1]) من الأحاديث، وقد صرَّح الحاكم أبو عبدالله الذي يعتبر من المتسامحين المتوسعين أن الأحاديث التي في الدرجة الأولى لا تبلغ عشرة
    آلاف([2])". أ.ه.

    وأنا أرجح هذا الرأي وهو كتابة الحديث في القرن الأول؛ لأن أهل القرن الأول هم حلقة الاتصال بالنسبة لمن بعدهم من أصحاب القرون التالية الذين انتقلت على أيديهم السنة، وأهل العهد الأول وإن كانت الأحاديث المدونة عنهم يظن أنها قليلة إلا أنها صحيحة كلها لا يداخلها شك، إذ لم يكن الكذب أو الوضع قد شاع فيهم كالذين جاؤوا من بعدهم فهم عدول وهم خير القرون وما من شك فيما كانوا عليه في العهد الأول من المنـزلة العالية في الحفظ والضبط، وليس هذا غريباً على قوم انحدروا من أصلاب آباء كانوا قمماً عالية في الحفظ والإتقان، ولكن مع هذا فقد كتب بعضهم الأحاديث فكان وصولها إلى القرون التالية شفاهة وتحريراً وهذا أقوى وأوثق، يقول ابن الصلاح: "ولولا تدوينه

    - أي الحديث- في الكتب لدرس في الأعصر الأخر"([1]).

    ومنذ سنة أربعين من الهجرة بعد وقوع الفتنة وحرب علي ومعاوية -رضي الله عنهما- دبَّت الخلافات السياسية والمذهبية وظهر الوضع في السنة النبوية من الذين لا ثقة فيهم ولا صحبة لهم حقيقية، إلا أن هذه الحركة قوبلت بقوة مؤمنة من علماء السنة الذين حصروا الوضاعين وصانوا سنة نبيهم g سيراً على منهجه الكريم الذي وضعه لهم في الحفاظ على السنة الشريفة، قال g : (من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)([2]).
    وعن أبي هريرة h أن رسول الله g قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)([3]).
    وقد وردت بعض أحاديث تنهي عن الكتابة، منها ما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله g قال: (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)([4]).
    وعن أبي نضرة قال: قيل لأبي سعيد: لو اكتتبنا الحديث؟ فقال: لا نكتبكم، خذوا عنا، كما أخذنا عن نبينا g.([1]).
    وهذا النهي عن كتابة الحديث كان في بدء الدعوة؛ خشية أن يختلط الحديث بالقرآن فيلتبس على بعض الناس، أو أن النهي كان في حق مَنْ يُوثق بحفظه، وخِيف اتكاله على الكتابة؛ ولذا أَذِنَ بالكتابة لمن لا يوثق بحفظه كأبي شاه.
    عن أبي هريرة h : "أن خزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك النبي g فركب راحلته فخطب فقال:((إن الله حبس عن مكة القتل أو الفيل )) قال أبو عبدالله: كذا، قال أبو نعيم وسلط عليهم رسول الله g والمؤمنون ألا وإنها لم تحلَّ لأحد قبلي، ولا تحلُّ لأحد بعدي، وإنها أُحِلَّتْ لي ساعةً من نهار ألا وإنها ساعتي هذه حرام لا يُخْتَلى شوكها، ولا يُعْضَدُ شجرها، ولا تُلْتَقط ساقِطتها، إلا لمنشد فمن قتل فهو بخير النظرين إما أن -يعقل وإما أن يقاد أهل القتيل). فجاء رجل من أهل اليمن -هو أبو شاه- فقال: اكتب لي يا رسول الله فقال: اكتبوا لأبي فلان.."([2]).
    أي الخطبة التي سمعها من رسول الله g أو أن النهي كان عامّاً، وخصَّ بالسماح له من كان كاتباً مُجيداً لا يلتبس عليه الحال بين السنة والكتاب، كعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال أبو هريرة h : "ما من أصحاب النبي g أحدٌ أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبدالله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب"([1]).
    كما كان للنهي عن الكتابة ثمرة عظيمة: هي اتساع المجال أمام القرآن الكريم حتى يأخذ مكانه في الكتابة، ويثبت في صدور الحفاظ، "أو أن النهي كان خاصاً بكتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة والإذن في تفريقهما"([2]).
    أو أن النهي متقدم والإذن ناسخ له عند الأمن من الالتباس. وهو أقرب الآراء. وممن روى عنه كراهة الكتابة في الصدر الأول "عمر،
    وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو موسى، وأبو سعيد الخدري"، وممن روى عنه إباحة ذلك أو فعله: "علي وابنه الحسن وأنس وعبدالله
    بن عمرو بن العاص"([3]).

    قال البلقيني: وفي المسألة مذهب ثالث وهو الكتابة والمحو بعد الحفظ([4]).
    وأرى أن النهي عن الكتابة كان عاماً في بادئ الأمر، وخَصَّ الرسول gبعض الصحابة بالإذن في الكتابة لأسباب منها: أن البعض لا يوثق بحفظه كأبي شاه، ومنها أن البعض كان كاتباً مجيداً لا يلتبس عليه الحال كعبدالله بن عمرو بن العاص، فإنه كان قارئاً للكتب المتقدمة ويكتب بالسريانية والعربية([1]).
    وظل النهي عن الكتابة قائماً حتى كثرت السنن وخيف عليها أن تضيع من البعض فكان الإذن بالكتابة ناسخاً لما تقدم من النهي، ولم يلحق الرسول g بالرفيق الأعلى إلا وكتابة الحديث مأذون فيها.
    وقد هم عمر بن الخطاب h بكتابة الحديث واستشار أصحاب الرسول g، فأشاروا عليه، فطفق يستخير الله في ذلك مدة ثم عدل عن ذلك، روى البيهقي في المدخل عن عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن، فاستشار في ذلك أصحاب الرسول g، فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخير الله فيها شهراً، ثم أصبح يوماً وقد عزم الله له وقال: إني كنت أردت أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبُّوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء أبداً([2]).

    واستمر حال السنة على هذا حتى انتشر الإسلام، واتسعت الفتوحات وتفرق الصحابة في الأقطار ومات الكثير منهم، فدعت الحاجة إلى تدوين الحديث النبوي، وذلك حيث أفضت الخلافة إلى الإمام العادل عمر بن عبدالعزيز فأراد أن يجمع السنن ويدونها؛ مخافة أن يضيع منها شئ، وكان ذلك على رأس المائة الأولى، فكتب إلى بعض علماء الأمصار يأمرهم أن يجمعوا الأحاديث، كما كتب إلى عماله في أمهات المدن الإسلامية، وهكذا أصدر الخليفة العادل أمره إلى أقطار الإسلام: "انظروا حديث رسول الله g فاجمعوه"([1]).

    وكتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (ت117ه). "اكتب إليَّ بما يثبت عندك من الحديث عن رسول الله g، وحديث عَمْرة فإني خشيت دُروسَ العلم وذهابه" وفي رواية: "فإني خشيت دُروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي g، وليفشوا العلم، وليجلسوا، حتى يعلم من لا يعلم؛ فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً"([2]).

    كما أوصاه أن يكتب له بما عند القاسم بن محمد بن أبي بكر كما أمر ابن شهاب الزهري (ت:124ه) وغيره بجمع السنن فكتبوها مستجيبين لأمر الخليفة الذي حفز هممهم وصادف أمره في نفوسهم الاستجابة والقبول، وهكذا أتمَّ الله على يد عمر بن عبدالعزيز تنفيذ رغبة جده عمر بن الخطاب التي عدل عنها خشية التباس السنة بالقرآن الكريم.
    وكان تدوين الإمام الزهري للسنة عبارة عن جمع الأحاديث التي تدور حول موضوع واحد في مؤلف خاص، فكان لكل باب من أبواب العلم
    مؤلف قائم به، فكتاب للصلاة مثلاً، وآخر للصوم، وهكذا وكل مؤلف من هذه المؤلفات تدون فيه الأحاديث المتصلة بموضوعه، ومختلطة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين، وقد أخلص الإمام الزهري نيته وعمله لله في تدوين السنة والتنبيه على العناية بأساليبها.

    أما بعد الإمام الزهري فقد تناول الأئمة رسالته، وأخذوا يكمِّلون ما بدأه فقد كان عمل الزهري بمنـزلة حجر الأساس لتدوين السنة في كتب خاصة، ولكي يوضح الإمام الزهري هذا العمل، ويَسْلم أساس البناء للجيل الذي سيأتي بعده. كان يخرج لطلابه الأجزاء المكتوبة ليرووها عنه.

    وفعلاً فقد بدأ العمل بعده، وتعاون الأئمة والعلماء في المدن الإسلامية: في مكة وفي المدينة وفي البصرة والكوفة والشام وخراسان واليمن وواسط والرَّي، واضطلع الأئمة من أمثال الإمام ابن جريج (ت:150ه) بمكة، والإمام مالك (ت:179ه) بالمدينة، والإمام سفيان الثوري (ت:161ه) بالكوفة وغيرهم بالمهمة الجليلة الملقاة على عاتقهم، فأكملوا ما بدأه الزهري، الذي قام بالتدوين فجمع كل باب في مؤلف خاص كما سبق، فجاء هؤلاء من بعده، فجمعوا أحاديث كل باب من أبواب العلم على حدة، ثم ضموا الأبواب بعضها إلى بعض، فكانت مصنفاً واحداً، وخلطوا الأحاديث بأقوال الصحابة والتابعين.

    أما من جاء بعد هؤلاء الأئمة -من أهل عصرهم- فقد سار على دربهم ونسج على منوالهم إلى أن رأى بعض الأئمة إفراد الحديث وخاصة على رأس المائتين في أوائل القرن الثالث الهجري.. فألفت المسانيد، ثم جاءت طبقة أخرى دَوَّنت السنة في كتب خاصة تحروا في تدوينها الصحيح على شروطهم وأفردت الحديث عن غيره، وجمعته على أبواب الفقه، واختارت الرواة المشهورين بالثقة، وبهذا يتضح أن تدوين السنةَ لم يأخذ وضعه في الظهور والتصنيف تماماً إلا في منتصف القرن الثاني في خلافة بني العباس، وإن كان قد بدأ قبل ذلك.

    وكان لتدوين السنة على هذه المراحل أثره الجليل في حفظها من الدخيل، ومن الكذب على الرسول g، كما كان لتدوين السنة على هذه المراحل أثره حيث سهَّل الطريق للاجتهاد والاستنباط.
    بعد هذا كله أرى أن السنة النبوية كانت تكتب في عهد الرسول g، وأنه وإن وردت بعض الأخبار بالنهي عن كتابتها، فإنَّ إباحة الكتابة كانت جائزة لبعضهم، وكانت آخر ما ترك الرسول g أصحابه عليه، فلم يلحق بالرفيق الأعلى إلا وكتابة الحديث قائمة وقد حفظت في الصحف بجانب حفظها في الصدور، ولم تبق مهملة طوال القرن الأول إلى عهد عمر بن عبدالعزيز، وأحاديث الإذن بالكتابة أكبر شاهد على ذلك. وهكذا كتبت الأحاديث، وحفظ الكثير منها في الصدور من لدن صدورها من الرسول g إلى أن تلقفتها الصدور الواعية، والصحف الأمينة، وتناقلتها جيلاً بعد جيل إلى أن تسلمها منهم أهل القرن الثالث.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    رد بعض الشبه والطعون

    ذهب بعض أصحاب الآراء الجامحة -من الفرق والطوائف- إلى إنكار حجية السنة جملة -متواترةً كانت أو آحاداً- مستندين في ذلك إلى فهمهم السقيم في مثل قوله تعالى: ’وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ‘ [النحل:89]، وقوله تعالى: ’مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ ‘ [الأنعام:38].
    وأصل هذا الرأي الفاسد -وهو: رد السنة والاقتصار على القرآن- أن الزنادقة وطائفة من غلاة الرافضة ذهبوا إلى إنكار الاحتجاج بالسنة والاقتصار على القرآن.. ونسبوا إلى الرسول g أنه قال: (ما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فأنا قلته، وما خالف فلم أقله)([1]).
    كما استدلوا على عدم حجيتها أيضاً: بنهي الرسول g عن كتابة السنة وأمره بمحو ما كتب منها.

    والإجابة عن هذه الشبهة تتلخص فيما يلي:

    أولاً: أن قوله تعالى: ’وَنَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ‘ [النحل:89].

    المراد -والله أعلم-أن الكتاب يبيِّن أمور الدين بالنص الذي ورد فيه، أو بالإحالة على السنة التي تولت بيانه، وإلا فلو لم يكن الأمر كذلك لتناقضت الآية مع قوله تعالى: ’وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ‘ [النحل:44].

    ثانياً: وأما قوله تعالى: ’مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ مِن شَيۡءٖۚ ‘ [الأنعام:38].

    فالكتاب هو اللوح المحفوظ بدليل السياق.’وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَٰٓئِرٖ يَطِيرُ بِجَنَاحَيۡهِ إِلَّآ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ ‘ [الأنعام:38].
    وعلى تقدير أنه القرآن، فالمعنى يحتوي على كل أمور الدين، إما بالنص الصريح، وإما ببيان السنة له.

    ثالثاً: وأما الحديث الذي نسبوه إلى النبي g :
    فزعموا -حسب ادعائهم -أنه يفيد ضرورة عرض السنة على الكتاب، فقد قال فيه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "ما روى هذا أحد يَثْبُتُ حديثه في شيء صغر ولا كبر"([1]).
    وذكر أئمة الحديث: أنه موضوع، وضعته الزنادقة([2]). قال عبدالرحمن ابن مهدي: الزنادقة والخوارج وضعوا هذا الحديث، وهذه الألفاظ لا تصح عنه g عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه، وقد عارض هذا

    الحديث قوم من أهل العلم، وقالوا: نعرض هذا الحديث على كتاب الله قبل كل شئ، ونعتمد على ذلك، قالوا: فلما عرضناه على كتاب الله وجدناه مخالفاً لكتاب الله، لأنَّا لم نجد في كتاب الله أنه لا يقبل من حديث رسول الله g إلّا ما وافق كتاب الله، بل وجدنا كتاب الله، يطلق التأسي به والأمر بطاعته ويحذر من المخالفة عن أمره جملة على كل حال.


    رابعاً: وأما نهي الرسول g عن تدوين السنة:

    فلا يدل على عدم حجيتها؛ لأن المصلحة يومئذٍ كانت تقضي بتضافر كتاب الصحابة، وهم قلة على جمع القرآن الكريم وتدوينه وحفظه أولاً: خشية أن يلتبس بغيره على بعضهم، فنهاهم عن تدوين السنة، حتى لا يكون تدوينها شاغلاً عن القرآن، أو أن النهي كان بالنسبة لمن يوثق بحفظه.

    وأخيراً: فكيف يترك الاحتجاج بالسنة، اقتصاراً على القرآن؟ ولا سبيل إلى فهم القرآن إلا عن طريق السنة الصحيحة التي يعلم بها المفسر أسباب النـزول، والظروف والمناسبات والوقائع الخاصة التي نـزلت فيها آيات القرآن
    الكريم، ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلاَّ عن طريق السنة الصحيحة.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,741
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    17-04-2024
    على الساعة
    12:49 AM

    افتراضي

    الرد على من ينكر الاحتجاج بخبر الواحد

    من الحديث ما هو: متواتر، ومنه ما هو: آحاد.

    فأما الحديث المتواتر: فقد عرَّفه العلماء بأنه: "هو ما نقله من يحصل العلم بصدقهم ضرورة، بأن يكونوا جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم من أول الإسناد إلى آخره".
    ولذا: كان مفيداً للعلم الضروري، وهو الذي يضطر إليه الإنسان، بحيث لا يمكنه دفعه، ويجب العمل به من غير بحث عن رجاله، ولا يشترط فيه عدد معين في الأصح.
    وأما حديث الآحاد: فهو الخبر الذي لم تبلغ نقلته في الكثرة مبلغ الخبر المتواتر، سواء كان المخبر واحداً أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة، إلى غير ذلك من الأعداد التي تشعر بأن الخبر دخل بها في حيز المتواتر.
    وقيل في تعريفه: هو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر، سواء كان الراوي له واحداً أو أكثر.. والتعريفان يتفقان في أن خبر الواحد لا تجتمع فيه شروط المتواتر، فهما متقاربان.
    وقد اتفق جمهور المسلمين -من الصحابة والتابعين وغيرهم- على وجوب العمل بخبر الواحد، وأنه حجة، ويفيد الظن، ومنع من وجوب العمل به بعض الطوائف: كالروافض والقدرية.. وبعض المتكلمين.

    والدليل على وجوب العمل بخبر الواحد ما يأتي:

    أولاً: قال الله تعالى: ’يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ 6‘ [الحجرات:6].

    والنبأ: هو الخبر، وهو نكرة في سياق الشرط فيعم كل خبر، ويدخل فيه الخبر الذي يتعلق بالرسول g قبل غيره، لأهميته، وقد أوجب الله تعالى التثبت فيه لوجود الفسق، فإذا انتفى هذا السبب بأن كان المخبر ثقةً عدلاً قبل الخبر من غير تثبت ولا توقف.

    ثانياً: ورد في السنة الشريفة، ما يدل على قبول خبر الواحد، من ذلك: أن النبي g قال: (نضَّر الله عبداً سمع مقالتي ووعاها وأداها فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه)([1]).
    وفي هذا الحديث يدعو الرسول g لاستماع مقالته وأدائها، ويدعو بالنضرة للقائم بذلك. فيقول: (نضر الله عبداً..) وفي رواية (امرءاً) وكل واحدة من الكلمتين بمعنى الواحد، والرسول g لا يأمر أن يؤدى عنه إلا الذي تقوم به الحجة، فدل ذلك على وجوب العمل بخبر الآحاد.

    وقد تواتر عن الرسول g أنه كان يبعث بكتبه ورسله، ويلزم المسلمين العمل بالآحاد منها.

    ثالثاً: إجماع الصحابة المستفاد من الوقائع الكثيرة التي كانت تحدث وتتواتر عنهم في العمل بخبر الواحد، وكثيراً ما يكون لهم رأي في أمر من الأمور، فإذا جاء خبر عن رسول الله g أخذوا به وتركوا آراءهم، كما كانوا يرجعون إلى بيت النبوة في بعض ما يحتاجون إليه، فيسألون أمهات المؤمنين، رغبة منهم في الوقوف على حكم النبي g في مثل هذه الأمور. وعلى هذا المنهج سار التابعون من بعدهم.
    ومما يشهد للعمل بخبر الواحد: أن الصحابة كانوا يكتفون به فيما ينـزل من أحكام الدين، ولا يطلبون خبراً آخر.

    من ذلك: ما روي عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي g قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة([2]).

    فقد أخبرهم بتحويل القبلة واحد صادق، فلو لم يكن خبر الواحد جائزاً لما تحولوا إلى الكعبة بخبره.


    ([1]) تقدم تخريجه في ص 17

    ([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (8/23) برقم 4490 ـ مع فتح الباري).
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

صفحة 1 من 2 1 2 الأخيرةالأخيرة

كتابة السنة النبوية في عهد النبي والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. نصائح منهجية لطالب علم السنة النبوية
    بواسطة فداء الرسول في المنتدى من السيرة العطرة لخير البرية صلى الله عليه وسلم
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 27-08-2014, 12:38 PM
  2. أهمية النية في السنة النبوية
    بواسطة فداء الرسول في المنتدى من السيرة العطرة لخير البرية صلى الله عليه وسلم
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-10-2012, 12:16 PM
  3. *(*) منابع السنة النبوية ...هاااااااام جدا جدا (*)*
    بواسطة نضال 3 في المنتدى من السيرة العطرة لخير البرية صلى الله عليه وسلم
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 16-02-2010, 08:56 PM
  4. إصلاح ذات البين في السنة النبوية
    بواسطة الحاجه في المنتدى من السيرة العطرة لخير البرية صلى الله عليه وسلم
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-11-2009, 01:00 AM
  5. صحيح السنة النبوية
    بواسطة قابضة على الجمر في المنتدى منتدى الكتب
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 15-05-2008, 09:56 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

كتابة السنة النبوية في عهد النبي والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية

كتابة السنة النبوية  في عهد النبي  والصحابة وأثرها في حفظ السنة النبوية