حروب الوقت الراهن ليست بريئة من الامبريالية الدينية


هل الكتاب المقدس مصدر لشرور العالم؟

قس بريطاني يقول ان ابادة الشعوب في اميركا وافريقيا وقيام دولة اسرائيل مصدره تأويلات من الكتاب المقدس.

ميدل ايست اونلاين
القاهرة – من سعد القرش

يرى قس بريطاني أن بعض تأويلات الكتاب المقدس اكتسبت أبعادا عنصرية حين تم توظيفها استعماريا في ابادة شعوب أخرى بامتداد تاريخي من اميركا الجنوبية الى فلسطين.

وقال القس مايكل بريور ان ترحيل العرب الفلسطينيين عام 1948 صدر عن تفسير "ساذج" للكتاب المقدس ولهذا السبب يطالب باخضاع أي أفكار تدعو إلى تدمير البشر تحت ذرائع الهية لتحليل أخلاقي.

وأضاف في كتابه "الكتاب المقدس والاستعمار" أن البحث اللاهوتي الغربي رغم تشدده في نقد أنظمة الحكم القمعية حول العالم "يترك مساحة كبيرة للصهيونية في حين يجب رؤية الصراع الحديث من وجهة نظر الضحايا" كما طالب بضرورة قراءة الكتاب المقدس من وجهة نظر الكنعانيين في اطار ما وصفه بالمصداقية الاخلاقية.

لكنه أشار إلى أنه لا يهدف الى الهجوم على الكتاب المقدس أو اليهود أو المسيحيين بل يحاول انقاذ الكتاب المقدس كنص مؤسس من استخدامه كأداة لقمع الشعوب واضطهادها.

وتساءل "أليس الله اله محبة... لماذا يجعلون منه قائدا لحملة تطهير عرقي ويصورونه كأنه يرتدي رداء عسكريا ويشن حرب ابادة ويكره الغرباء...".

وصدر الكتاب الذي ترجمته الجزائرية وفاء بجاوي عن "مكتبة الشروق الدولية" في القاهرة هذا الاسبوع ويقع في 211 صفحة كبيرة القطع.

وقال بريور إن الكتاب المقدس يتمتع بسلطة فريدة لدى اليهود والمسيحيين "فهو كلمة الله. إلا أن الكتاب المقدس يثير مشكلة أخلاقية أساسية بالنسبة لمن يقرأه ظاهريا". مشيرا الى ملاحظة المؤرخ البريطاني المرموق أرنولد توينبي حين قال ان استيلاء اليهود على فلسطين قبل نحو 60 عاما انطلق من "نفس الاعتقاد الذي دفع بني اسرائيل لابادة الكنعانيين بأمر من الرب. هو أيضا الذي دفع بالبريطانيين للاستيلاء على اميركا الشمالية وايرلندا الشمالية واستراليا ودفع الهولنديين للاستيلاء على جنوب افريقيا والصهاينة للاستيلاء على فلسطين".

وروى بريور قصته مع تأليف هذا الكتاب قائلا إنه قبل حرب يونيو/حزيران 1967 لم يكن معنيا باسرائيل رغم اعجابه بقدرة اليهود على انشاء دولة واحياء اللغة العبرية لكنه بعد حرب أكتوبر/تشرين الاول 1973 لم يشعر بحماس تجاه إسرائيل.

واستولت إسرائيل في حرب 1967 على هضبة الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية العربية وشبه جزيرة سيناء المصرية التي استعادت مصر قطاعا منها في حرب 1973 ثم استردتها كاملة بشروط بعد معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979 . وانسحبت القوات الاسرائيلية من قطاع غزة في سبتمبر/أيلول 2005.

وقال بريور إنه اكتشف في مطلع الثمانينيات أن سياسة الدولة العبرية تهدف إلى "قيام اسرائيل الكبرى التي كانت الهدف النهائي للصهيونية. وبعد ذلك فهمت البعد الديني للصراع حيث كان الصهاينة يربطون بشكل وثيق بين النشاط الاستعماري ونصوص الكتاب المقدس...تراث الكتاب المقدس بشأن الارض يشجع على إبادة السكان الاصليين".

وأضاف أنه شارك عام 1991 في مسيرة دولية من أجل السلام من القدس إلى عمان لكنها لم تكتمل إذ قبض عليه وأودع السجن مرتين وبدأ يتعرف على تاريخ المنطقة وعندما عاد إلى بريطانيا كتب دراسة عنوانها "الكتاب المقدس.. أداة قمع" بالتطبيق على ثلاثة نماذج لما اعتبره ابادة وهي اميركا اللاتينية وجنوب افريقيا وفلسطين.

ثم بدأ عام 1995 في تأليف هذا الكتاب وانتهى منه خلال فترة اقامته كأستاذ في جامعة بيت لحم وكأستاذ مقيم في المعهد المسكوني للاهوت في الطنطور بالقدس بين عامي 1996 و1997.

وقال ناشر الكتاب عادل المعلم في كلمة على الغلاف الاخير إن كلمة الاستعمار ربما بدت من مصطلحات الماضي حين بسط الاستعمار الغربي نفوذه على كثير من دول الجنوب "قبل ارساء حق التدخل على طريقة المحافظين الجدد الليبرالية" في اشارة إلى اليمين الحاكم في الولايات المتحدة الذي قاد عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 حربا أسقطت نظام طالبان الذي كان يأوي تنظيم القاعدة في أفغانستان. كما شن حربا على العراق وأنهى حكم الرئيس السابق صدام حسين عام 2003 بعد حرب دامت نحو ثلاثة أسابيع تحت ذرائع ثبت عدم صدقها منها أسلحة الدمار الشامل.

وأضاف المعلم أن ترجمة هذا الكتاب تأتي في الوقت المناسب مشيرا إلى ما يتمتع به المؤلف من عقلانية "وما أملته عليه روحه الحرة في وقت نرى فيه الكثيرين يمجدون المجرم ويجرمون الضحية".

وكتب المترجم المصري أحمد الشيخ الذي راجع الكتاب في المقدمة أن المؤلف بريور "ليس مثل رجال الدين الاخرين. انه يمثل بالفعل لحظة شجاعة نادرة لرجل دين فهم بحق معنى العمق الاخلاقي للنصوص المقدسة...نتوقع أن يكون هذا الكتاب الرائد فتحا جديدا في مجال فهم النصوص المقدسة وقراءتها وكذلك الواقع المتأثر بها."

وسجل المؤلف صوت أحد الذين اعتبرهم ضحايا الاستعمار الذي أججته "الامبريالية الدينية" ناقلا عن عالم اللاهوت الفلسطيني نعيم عتيق قوله انه منذ انشاء دولة اسرائيل عام 1948 فسر بعض اليهود والمسيحيين العهد القديم "على أنه نص صهيوني بحت لدرجة أنه أصبح نصا بغيضا بالنسبة للفلسطينيين المسيحيين.

"والسؤال الاساسي الذي يطرحه الفلسطينيون هو.. كيف يمكن النظر الى العهد القديم على أنه كلمة الله من وجهة نظر فلسطيني مسيحي إذا أخذنا بعين الاعتبار الطريقة التي يستخدم بها الكتاب (المقدس) لتبرير السياسة الصهيونية...".

واستعرض بريور في بانوراما تاريخية الطريقة "الاستغلالية" لنصوص الكتاب المقدس في تبرير الغزو بداية من الاستعمار الاسباني والبرتغالي لاميركا اللاتينية مرورا باستعمار البيض لجنوب افريقيا وصولا إلى "غزو الصهاينة لفلسطين" بزعم أن هذه الاعمال التي وصفها بالوحشية مؤيدة الهيا بل أنها أمر من الله.

وشدد على أن أية فكرة تزعم تعاون الله في تدمير البشر يجب أن تخضع لتحليل أخلاقي.

وتساءل "هل الله شوفيني (وطني متعصب) وقومي ولديه هلع مرضي باشعال الحروب..... ان الاعتراف بالعذاب الذي تسبب فيه الاستعمار يلزمنا باعادة دراسة الابعاد الكتابية (من الكتاب المقدس) واللاهوتية والاخلاقية لهذا الموضوع" مشيرا إلى أن هذه المهمة بالنسبة له واجب أخلاقي.

وأصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1975 قرارا باعتبار الصهيونية حركة عنصرية ولكنها ألغت هذا القرار في التسعينيات تحت ضغط اميركي. ثم دعا مؤتمر دربان بجنوب افريقيا في سبتمبر أيلول 2001 الى اعادة تجديد قرار الامم المتحدة لاعتبار الصهيونية حركة عنصرية.

وقارن بريور بين حالة الاوروبيين حين استعمروا اميركا اللاتينية منذ نهاية القرن الخامس عشر وجنوب افريقيا خلال تطبيق سياسة التمييز العنصري من جهة وبين استيلاء اليهود على فلسطين من جهة أخرى قائلا إنه في الحالة الاولى بذل المستعمرون جهودا كبيرة في جمع حجج الكتاب المقدس التي تجعل الغزو والاستيطان شرعيين أما موقف اليهود فكان أكثر سهولة.

وأضاف أن الكتاب المقدس في حالة الصهيونية لعب دورا مهما إذ "أسفر تطبيق الحق الذي وهبه الله للاسرائيليين وتطبيق النبوءة الكتابية عن معاناة لكل منطقة الشرق الاوسط لا سيما أثناء حروب 1956 و1967 و1973 و1982 وخلال الاعتداءات العسكرية المتكررة على لبنان... (بعضهم) اعتبر غزو اسرائيل للبنان عام 1982 هو التطبيق النهائي لنبوءة الكتاب المقدس".

لكن المؤلف أشار ولو من بعيد إلى أن المسألة فيما يخص فلسطين ذات بعد استعماري لا ديني.

فقال على سبيل المثال ان بعض أبرز قادة الصهيونية كانوا ملحدين ومنهم تيودور هرتزل (1860 - 1904) مؤلف كتاب "الدولة اليهودية" الذي لم يكن متدينا لكنه ذهب الى المعبد اليهودي للصلاة واعترف بأن مفهومي "الشعب المختار" و"العودة الى الارض" عاملان فعالان لحشد الرأي العام اليهودي باتجاه أن حل مشكلة اليهود لن يتحقق بدون "استعادة دولة يهودية".

ورغم التباينات في المواقف بين العلمانيين والمتدينين في اسرائيل فانهم يتفقون على أن قيام الدولة ووجود جيش قوي هما الترجمة العملية لنبوءات الكتاب المقدس.

ويتفق في هذا التصور بن جوريون أول رئيس وزراء لاسرائيل والمتدينون الذين يرون في روايات الكتاب المقدس عن الارض أوامر واجبة التنفيذ.

وعلق المؤلف قائلا "الاكثر ايلاما من الناحية الاخلاقية والدينية أن الاساس الايديولوجي في دعم الامبريالية الصهيوينة والعائق الرئيسي أمام احترام حقوق السكان الفلسطينيين يأتي من الدوائر الدينية".