الأميّ والأميّون
الأميّة لفظ يطلق بشكل عام على الإنسان الذي لا يعرف القراءة والكتابة ، ولقد اختار الله عزوجلّ رسوله سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم أميّاً بهذا المعنى حتّى لا يظنّ أحد من الناس أنّ هذا القرآن من عنده عليه الصّلاة والسّلام . " وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون " ( العنكبوت 48 ) وقد تعني الأميّ بأنها نسبة إلى أهل مكة ( أم ّ القرى ) والرّسول أمّي بهذا المعنى ، " الذين يتبعون الرّسول النبيّ الأمّيّ " ( الأعراف 157 ) لكنّ الأمّية بالمعنى الخاص تطلق على الذي لا يلمّ بعلم من علوم عصره ، فمثلاً الشخص الذي لا يعرف في يومنا هذا كيفية استخدام الحاسب الإلكتروني (الكمبيوتر) هو أمّي بعلم الحاسب ، والجدير بالذكر أنّ المنظّمة العربيّة للتربية والثّقافة والعلوم قد أصدرت كتاباً بعنوان : ( نحو محو الأميّة العلميّة ) تذكر فيه المبادئ الأساسيّة لكثير من العلوم المعاصرة . والأمّيون اسم عرف به العرب في الجاهليّة لأنّهم كانوا لا يهتمّون بالعلوم الكونيّة رغم أنّهم بلغوا من الأدب والفصاحة والبلاغة درجة عظيمة لم تصل إليها أمّة من قبلهم ، ونحن لا ننسى قيمة المعلّقات ، أو سوق عكاظ الذي كان موسماً تعرض فيه القبائل العربيّة إنتاجها الفكري والأدبي بالإضافة إلى عمليّات البيع والشراء ، ولقد جاء القرآن الكريم ليتحدّى العرب بما يملكونه من قدرات أدبيّة وبلاغيّة حتّى يعلموا أنّ هذا القرآن هو من عند الله ، قال الله تعالى : " وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله " ( البقرة 23 ) ولكنّه من ناحية ثانية قد منّ على العرب بأن أشار لهم إلى مبادئ العلوم الكونيّة الأساسيّة ودعاهم إلى التّفكير والـتأمّل ، قال الله تعالى : " قل انظروا ماذا في السّموات والأرض " ( يونس 101 ) ومن هذا يتّضح لنا المعنى الخاص للأميّة ، قال الله تعالى : " هو الذي بعث في الأميّين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " ( الجمعة 2 ) وبذلك أصبح العرب من بعد الإسلام يهتمّون بالعلوم الكونيّة فبرز منهم علماء كبار أصبحوا محطّ احترام الأمم إلى يومنا هذا ، وكأنّ الإسلام جاء ليمحو الأميّة العلميّة عند العرب . ورحم الله البوصيري عندما قال في قصيدة البردة :
كفاك بالعلم في الأمّيّ معجزة في الجاهليّة ، والتّأديب في اليتم
من كتاب "خواطر علمية من كتاب الله تعالى لمؤلفه محمد صفوح الموصللي دمشق