الأرض قطعة مربعة وثابتة لا تدور في الكتاب المقدس

بقلم : حميد النابلسي .

لقد قامت الكنيسة رمز مقاومة الحرية العقلية والفكرية بتعذيب كوبرنكوس بأبشع وأشنع الطرق ، ثم تصفيته وفصل رقبته عن جسده ، وهذا لأنه كان موهبة فكرية هائلة وقال بأن الأرض تدور حول الشمس ، وفي وقت لاحق له بفترة زمنية قصيرة تقوم الكنيسة من جديد بتعويق القفزة العلمية وتجريم وإدانة أبو الميكانيكا الحديثة والعلوم التجريبية في اكتشاف قوانين الحركة والجاذبية ...؛ ألا وهو جاليليو ذائع الصيت الذي كتب له أن يكون أهم شئنا ، و الذي أيد كوبرنيك وأثبت أن الأرض كوكب صغير يدور حول الشمس مع غيره من الكواكب وأن كل من قال بأن الأرض مركز الكون، وأن الشمس وغيرها من الكواكب تدور حولها فهو واهم .

وكان هذا سببا كافيا في إثارة إغضابات وإسخاطات رجال الدين اللاهوتيين ، حيث اعتبروا نظرياته خطرا يتهدد دينهم و طعنا في يقينهم الذي يقول بأن الأرض مربعة وثابتة لا تتزحزح و الشمس وبقية الكواكب تدور حولها ، وهكذا اجتاحه بهتانهم وطغيانهم ولحقه أذاهم ، وتم كبح آرائه تحت سطوت رجال الدين وقهرهم ورفضهم للمواهب الفكرية ولأي كلام لم يرد فيه نص يؤيده في الأناجيل كلها ، وبخاصة إذا كان ذاك الكلام يتعارض مع ما جاء فيها .

وإذا ما نظرنا في نصوص أناجيلهم و كتابهم المقدس فإنا نجد فيها كثيرا من المتناقضات التي تتعارض مع الحقائق العلمية الكونية ، ومن بينها تلك النصوص التي تسببت في إعدام ونفي أبرز وأشهر عالمان فلكيان في القرن السادس عشر، والتي تقول أن الأرض قطعة مربعة ومسطحة بلا أدنى انحناء ، وذات أربعة زوايا و ثابتة لا تتحرك ولا تتزحزح عن مستقرها .

والشاهد : ما رواه لنا يوحنا في رؤاه حيث يقول :وَبَعْدَ هَذَا رَأَيْتُ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ، (( رؤيا يوحنا الإصحاح 7 العدد 1 ))

وفي حزقيال : ''. قَدْ جَاءَتِ النِّهَايَةُ عَلَى زَوَايَا الأَرْضِ الأَرْبَعِ.'' (( الإصحاح 7 العدد 2 )) .

وأما عن ثبوتها وجمودها واستقرارها بلا أدنى حركة فيعلنه [ مزمور 104 : 5 ]

'' الْمُؤَسِّسُ الأَرْضَ عَلَى قَوَاعِدِهَا فَلاَ تَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ. ''

فما في هذه النصوص هو الذي خَلَّى أفراد الديانة المسيحية يعتقدون لزمن طويل أن الأرض لا تدور وهي قطعة مربعة شاسعة ذات أربع زوايا مثل ملعب كرة القدم وإذا ما وصلوا إلى حد أطرافها فان مصيرهم سيكون هو السقوط في الفضاء بلا رجعة ، وأن السماء قبة زرقاء تقف على أربعة أعمدة مركزة في أصل الأرض كما سيق في سفر أيوب .

"اعمدة السموات ترتعد وترتاع من زجره." (( ايوب 11:26))

'' من زجر الله ترتعش أعمدة السماء وترتعد من تقريعه، بقوته يهدئ هيجان البحر وبحكمته يسحق رهب ((أيوب26:11)) ''

'' هُوَ الَّذِي يُزَعْزِعُ الأَرْضَ مِنْ مُسْتَقَرِّهَا فَتَتَزَلْزَلُ أَعْمِدَتُهَا.'' (( ايوب 6:9))

إن هذا الكتاب المدعو مقدس هو الذي حول المؤمنين به إلى أغوال وكلاب مسعورة تنهش أجسام العلماء صباح مساء ، إذ أنه يخبرهم بأشياء على هكذا مغالطات ، ولذلك كان رجال الدين المسيحيون يحرمون الرياضيات والهندسة والجغرافية ويرفضون كل العلوم ، ويأخذونها بمبدأ أن ما لم يأت به نص في الكتاب المقدس فهو باطل ويظل محض افتراء لا يمكن للكنيسة أن تنقاد له أو تنظر فيه بل تضع ثقل العقاب على أعتاق كل من زعم خلاف قداسته وصدقه المطلق .

ولذلك تم قمع ورفض مشروع كوبرنيك وضربت رقبته بحد السيف ، ومن بعده جاليليو الذي سحب من ناصيته إلى محكمة التفتيش وهو شيخ كبير حتى طرح أمام أقدام القاضي ، حيث خيره هناك بين أمرين اثنين لا ثالث لهما ألا وهما إما أن يقر ويعلن أنه مخطئ ويتراجع عن كل آرائه ويتوب من جميع هرطقاته ويعلن أن تليسكوبه أحول ويتوهم أشياء لا وجود لها وإما أن يواجه أبشع وأشنع أنواع العذاب .

وما كان منه المسكين إلا أن أعلن أنه مذنب وأن عقله عقل مضاوي فاسد حيث جاء باكتشاف بليد تم تحطيمه بنصين مقدسين ليس فيهما ثمة ذرة خطئ .

ثم تم نفيه مباشرة بعد اعترافه إلى قرية بعيدة مكث فيها ثمانية سنوات ومات .

وهكذا ظل رجال الدين المسيحيين يخطئون في حق العباقرة والمفكرين لعصور طويلة ؛ والسبب في ذلك وهو أنهم جعلوا عقولهم مجرد صناديق فهم يكدسون فيها ما هب ودب من نصوص إنجيلية هوجاء من دون أن ينظروا إليها بنظرة تمعنيه دقيقة ، واضعين رؤوسهم على وسادة اليقين الخرافي الذي يحوي كثيرا من الأساطير والخرافات و الهرطقات و المغالطات ، زاعمين أن الكتاب الذي بين أيديهم قطعة مقدسة كاملة الصدق سقطت عليهم من السماء ، و إذا كان ثمة من خطئ فهو موجد داخل عقول العلماء وليس داخل كتابهم .

ومع الرغم من كل هذه المصائب و التخبطات والفضائح التي أسقطهم فيها دينهم الأهوج الذي يرى العلوم هي عدوه الأول ، نجدهم يوجهون أقلام اللوم و ألسنة الطعن صوب القران الكريم الذي كان ولا زال وسيظل إلى أن تقوم الساعة يحث ويحض على القراءة و العلم و التفكر و التأمل و التمعن و التدبر في ملكوت السماوات والأرض ، والذي رفع العلماء درجات على الجهال وجعلهم في أرفع مرتبة ، وأعلى منزلة . حيث قال : ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [سورة المجادلة : الآية 11] وقال بكل بساطة : ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [سورة الزمر : الآية 9] بل كل آياته تصف لنا الكون واتساعه ، وتعدد شموسه وأقماره ، وتكويرها وجريانها وسباحتها في أفلاكها ، وأن خالق هذا الكون قدر لشمس وللقمر نضاما دقيقا ومحكما سيرهما ، وقدر بذلك حساب الفصول السنوية والأشهر والأيام والليالي ، وسخر ذلك كله من أجل أن يحيى الإنسان فوق الأرض ـ الكوكب الوحيد في الكون الذي فيه حياة ، والذي لو كان اقرب من الشمس بقليل أو أبعد منها لما كانت هناك حياة البتة ، كما تحدث القران أيضا عن كروية الأرض و دورانها حول محورها وأنها ممددة ومسطحة للماشي والساكن فوق سطحها وأن مائها أخرج منها وكذا أقواتها ، وتحدث عن بطون وأعماق بحارها وتزحزح قاراتها ، وتعدد مشارقها ومغاربها.

وكذلك نجدهم يتهمون علمائنا بالتخلف والجهل وهم الذين أناروا أوربا وأخرجوها من الظلمات إلى عالم الفكر والعلم والإبداع ، وهاهو ابن الشاطر المتوفى عام 777هـ. والذي برع في علوم الهندسة والحساب والفلك ، وكذا في ابتكاره لعديد من الآلات مثل الإسطرلاب ، وصنعه آلة لضبط وقت الصلاة تدعى "البسيط" وتأليفه لعديد من الكتب التي تحوي نظريات فلكية ومعلومات جديدة ، يصحح نظرية بطليموس التي ترى خطأ أن الأرض هي مركز الكون، وأن الأجرام السماوية تدور حول الأرض ، حيث قال أن الأرض والكواكب المتحيرة هي التي تدور حول الشمس بانتظام، و القمر يدور حول الأرض. وعلل ذلك بقوله: "إنه إذا كانت الأجرام السماوية تسير من الشرق إلى الغرب، فالشمس إحدى هذه الكواكب تسير، ولكن لماذا يتغير طلوعها وغروبها ؟ وأشد من ذلك أن هناك كواكب تختفي وتظهر سموها الكواكب المتحيرة . لذا الأرض والكواكب المتحيرة تدور حول الشمس بانتظام، والقمر يدور حول الأرض ".

وفي هذا دلالة واضحة على أن اكتشاف كوبرنكوس لم يكن اكتشافا ولكن احد أشكال التلاؤم والتطابق مع أقوال ابن الشاطر التي سطرها في كتبه قبل كوبرنكوس بمأتي عام .

ولهذا السبب قال برفسور جل : “ليس من المحتمل بشكل مستقل أن كوبرنيكوس طور أفكار الطوسي وابن الشاطر معا ذلك أن ابن الشاطر كان استمرارا لمدرسة المراغة. لكن الأرجح أن كوبرنيكوس أخذ عن ابن الشاطر من دون أن يعزو ذلك إليه”.

وقال فهد عامر الاحمدي : في عام 1970م (وتحديداً بعد وفاة كوبرنيكوس بـ 427عاماً) اكتشف باحث يدعى ديفيد كينج أن كوبرنيكوس سرق معظم أفكاره من العالم العربي ابن الشاطر المتوفى عام 777هـ. وبعد ثلاثة أعوام (ثبتت التهمة) حين عثر على مخطوطات عربية نادرة ء من بينها معادلات ابن الشاطر في جامعة كراكو التي درس فيها كوبرنيكوس!!

وكان ابن الشاطر الدمشقي يعمل مع مجموعة كبيرة من علماء الفلك في مرصد مراغة (شرق بغداد) ووضع تصوراً لنظام الأجرام السماوية مشابهاً للنظام الذي أعلنه كوبر نيكوس بعد 150عاماً.. ليس هذا فحسب بل إن كوبرنيكوس نقل (بطريقة كربونية) الرسوم الإهليليجية للكواكب التي وضعها ابن الشاطر وأصدرها في كتابه المشهور "دوران الأجسام السماوية". أما نماذجه الخاصة بالكاكب العليا ودوران القمر فكانت متطابقة بشكل ريب مع النماذج التي وضعها العلماء المسلمون في مرصد مراغة (.. مما دعا المؤرخ نويل سويردلو إلى وصف كوبرنيكوس بأنه آخر تلامذة مدرسة مراغة)!!

انتهى .

وهكذا نسب اكتشاف ابن الشاطر المبدع ظلما وجهلا إلى كوبرنكوس وساد الإعتقاد بأنه هو أول من وصل إلى هذه الحقيقة العلمية .

ثم إن من أعظم الأسباب التي ساعدت العلماء المسلمين على تحقيق ذاك التقدم في علم الفلك وكذا العلوم الأخرى ألا وهي الآيات الفلكية والحسابية القرآنية ، حيث أزالت عنهم كثيرا من الإشكالات حول الكون عندما يذكر فيها ولأول مرة في التاريخ أن الشمس كوكب مكور يجري ويسبح في فلكه وليس عبارة عن قرص جامد بدون حركة وكذا دوران الأرض حول محورها أمام الشمس وكرويتها في زمان ساد فيه الاعتقاد بأن الأرض مسطحة وثابتة و جميع المدارات والأشياء عبارة عن دوائر.