الحلف والأيْمان المنعقدة


الأيْمان:
جمع يمين ، وهو اليد المقابلة لليد اليسرى ، وسمي بها الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه ، وقيل : لأنها تحفظ الشئ كما تحفظه اليمين.

اليمين ثابتة بالكتاب والسنة :
فمن الكتاب: قول الله : (واحفظوا أيمانكم). وقوله : (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها)
ومن السنة المطهرة : قول النبي محمد صلي الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا) ". وقوله : "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت".

حكمة مشروعية اليمين:
شرع الله عز وجل اليمين لتأكيد الأمر المحلوف عليه، وذلك لحمل المخاطب على الثقة بكلام الحالف، أو لتقوية الطلب من المخاطب، وحثه على فعل شيء أو تركه، أو لتقوية عزم الحالف نفسه على فعل شيء يخشى إحجامها عنه، أو ترك شيء يخشى إقدامها عليه.

ومعنى اليمين في الشرع :
تحقيق الأمر أو توكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته .
أو هو عقد يقوي به الحالف عزمه على الفعل أو الترك .
واليمين والحلف والابلاء والقسم بمعنى واحد .
اليمين لا تكون إلا بذكر الله أو صفة من صفاته : ولا يكون الحلف إلا بذكر اسم الله أو صفة من صفاته سواء أكانت صفات ذات أو أفعال.كقوله : والله وعزة الله وعظمته وكبريائه وقدرته وإرادته.

حفظ اليمين بثلاثة أمور:
(1)عدم كثرة الحلف. (2)عدم الحنث إلا فيما كان واجباً. (3)إخراج الكفارة بعد الحنث.
قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ـ89 المائدة } .

شرط اليمين :
ويشترط في اليمين : 1- العقل . 2- والبلوغ . 3- الإسلام . 4- إمكان البر .
5- الاختيار فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه

- يشترط بالحالف :أن يكون من أهل التكليف، فيشطرت فيه : الإسلام والبلوغ والعقل؛ فالمسلم هو المخاطب بالتكليف الشريعة دون غير المسلم، والطفل لا يكون منه اليمين الشرعية التي تترتب عليها الأحكام من إلزام وإثم وكفارة. ولا يكون من المجنون؛ لأنه غير مسئول عن تصرفاته.
- يشترط بالحلف : أن تكون يمين مقصودة بإرادة الحالف دون إكراه أو تهديد بالإيذاء البدني أو النفسي والمعنوي مما يغلب الظن بوقوعه. وأن تكون من نية صادقة فلا يمكن أن تعتبر قسما إن كانت مقروءة من غير نية خالصة

- يشترط بالمحلوف عليه : أن يكون طاعة أو عمل مستحب.

- يشترط بالمحلوف به : أن يكون ب (الله) أو باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته، ولا يحل الحلف بالآباء والأمهات والأمانة والشرف.
قال رسول الله :"لا تحلفوا بابائكم ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد، ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقين".

- ركنها : اللفظ المستعمل فيها .

حكم اليمين :
وحكم اليمين أن يفعل الحالف المحلوف به فيكون بارا . أو لا يفعله فيحنث ، وتجب الكفارة .

أقسام اليمين: تنقسم الأيمان أقساما ثلاثة
1 - اليمين اللغو .
2 ـ اليمين المنعقدة .
3- اليمين الغموس .

اليمين اللغو :
اللغو هو السَّقَط وما لا يُعتّد به من كلام وغيره ، ولا يُحصَل منه علـى فائدة ، ولا نفع وهي الحلف من غير قصد اليمين ، كأن يقول المرء : والله لتأكلن ، أو لتشربن ، أو لتحضرن . ونحو ذلك . لا يريد به يمينا ولا يقصد به قسما ، فهو من سقط القول . فعن السيدة عائشة أم المؤمنين قالت أنزلت هذه الآية : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ) . في قول الرجل : لا والله . وبلى والله . وكلا والله . رواه البخاري مسلم وغيرهما .

وحكم هذا اليمين :
أنه لا كفارة فيه ، ولا مؤاخذة عليه .

اليمين المنعقدة :
هي اليمين التي يقصدها الحالف ويصمم عليها ، فهي يمين متعمدة مقصودة ، وليست لغوا يجري على اللسان بمقتضى العرف والعادة .
وقيل : اليمين المنعقدة هي أن يحلف على أمر من المستقبل أن يفعله أو لا يفعله.

وحكمها : وجوب الكفارة فيها عند الحنث
يقول الله تعالى : ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم – 225البقرة ).
ويقول: ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الإيمان ، فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون 89 المائدة ) .

اليمين الغموس :
وتسمى أيضا : الصابرة - وهي اليمين الكاذبة التي تهضم بها الحقوق ، أو التي يقصد بها الغش والخيانة ، وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم . وتجب التوبة منها . ورد الحقوق إلى أصحابها إذا ترتب عليها ضياع هذه الحقوق . يقول الله سبحانه :( ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم . فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم )-النحل آية 94,
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خمس ليس لهن كفارة : الشرك بالله ، وقتل النفس بغير حق ، وبهت مؤمن ، ويمين صابرة يقطع بها مالا بغير حق ) . وروى البخاري عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الكبائر : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس ).

وعلى هذا فالحنابلة ً قصروها على الحلف كاذباً على ماض . والحنفية والمالكية فاليمين الغموس عندهم : هي الكاذبة عمدا في الماضي أو الحال أو الاستقبال ، كأن يقول : والله ما فعلت كذا ، وهو يعلم أنه فعله ، أو : والله ما لك علي دين ، وهو يعلم أن للمخاطب دينا عليه .

وحكمها :
إختُلف أهل العلم فى كفارتها فمنهم قال بأن لا كفارة لها لأنها أعظم من أن تكَفََّر ومنهم من قال بأن فيها كفارة .

كفارة اليمين
تعريف الكفارة :
الكفارة صيغة مبالغة من الكفر ، وهو الستر ، والمقصود بها هنا الأعمال التي تكفر بعض الذنوب وتسترها حتى لا يكون لها أثر يؤاخذ به في الدنيا ولا في الآخرة .

كفارة اليمين المنعقدة إذا حنث فيها الحالف : 1 – الإطعام.2 – الكسوة. 3 - العتق على التخيير .
فمن لم يستطع فليصم ثلاثة أيام . وهذه الثلاثة مرتبة ترتيبا تصاعديا - أي تبدأ من الأدنى للأعلى ، فالإطعام أدناها ، والكسوة أوسطها ، والعتق أعلاها .
يقول الله تعالى : ( فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم ، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون -( المائدة آية 89

حكمة الكفارة :
الحنث خلف وعدم وفاء ، فتجب الكفارة جبرا لهذا.

والإطعام :
لم يرد نص شرعي في مقدار الطعام ونوعه ، وكل ما كان كذلك يرجع فيه إلى التقدير بالعرف ، فيكون الطعام مقدرا بقدر ما يطعم منه الإنسان أهل بيته غالبا - لا من الأعلى الذي يتوسع به في المواسم والمناسبات ، ولا من الأدنى الذي يطعمه في بعض الأحيان . فلو كانت عادة الإنسان الغالبة في بيته أكل اللحم والخضروات وخبز البر فلا يجزئ ما دونه ، وإنما يجزئ ما كان مثله وأعلى منه ، لان المثل وسط ، والأعلى فيه الوسط وزيادة . ، لقوله تعالى : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) .واشترط الفقهاء أن يكون العشرة المساكين من المسلمين إلا أبا حنيفة ، فإنه جوز دفعها إلى فقراء أهل الذمة . ولو أطعم مسكينا عشرة أيام ، فإنه يجزئ عن عشرة مساكين عند أبي حنيفة . وقال غيره : يجزئ عن مسكين واحد .

وإنما تجب كفارة الإطعام:
على المستطيع ، وهو من يجد ذلك فاضلا عن نفقته ونفقة من يعول.

الكسوة :
وهي اللباس . ويجزئ منها ما يسمى كسوة . وأقل ذلك ما يلبسه المساكين عادة - لان الآية لم تقيدها بالأوسط ، أو بما يلبسه الأهل ،

تحرير الرقبة :
أي إعتاق الرقيق وتحريره من العبودية إذا كنت تملكه , و الرقيق في هذا العصر يكاد يكون معدوم .

الصيام عند عدم الاستطاعة :
فمن لم يستطع واحدة من هذه الثلاث ، وجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام . فإن لم يستطع لمرض أو نحوه - ينوي الصيام عند الاستطاعة ، فإن لم يقدر ، فإن عفو الله يسعه . ولا يشترط التتابع في الصوم . فيجوز صيامها متتابعة ، كما يجوز صيامها متفرقة .

ملحوظة:
(1) لما كانت الرقبة في هذا العصر تكاد تكون معدومة، فأنت بالخيار بين أمرين:
أولهما: الإطعام، وهو أن تجمع عشرة مساكين وتغديهم أو تعشيهم، أو تعطي كل واحد كيلو ونصف تقريباً من البر أو الأرز أو الذرة أو غير ذلك من أوسط قوت البلد الذي تطعم منه أهلك، وجوز جماعة من أهل العلم دفع الطعام نقداً إلى المسكين بدل دفعه إليه إذا كان ذلك أنفع له وأصلح.

والثاني: الكسوة، وتجزئ بإعطاء كل مسكين ثوباً يغطي عورته، وتصح صلاته به، فإن عجزت عن الإطعام والكسوة صمت ثلاثة أيام، وبهذا تبرأ ذمتك، هذا عن كفارة اليمين.

(2) وكفارة النذر، فهي مثل كفارة اليمين أيضاً ,إلا أنه لا يجوز للشخص أن يكفر عن النذر إلا إذا عجز عن الوفاء به إذا كان نذره نذر طاعة.

(3) يعتبر التبرع لموائد الرحمن في شهر رمضان الكريم، والتي تقام في مصر مجزئاً عن الكفارة إذا كان المتناولون لهذه الموائد مساكين، ويفون بالعدد المشترط في الكفارة.

(4) يمكن إخراج المال بدلاً من الإطعام والكسوة ، لو كانت القيمة أنفع للفقراء، فلا بأس بها عند جماعة من أهل العلم.

(5) الجهة التي تصرف إليها الكفارة فهم المساكين.

(6) قيمة الطعام أو الكسوة، ليست محددة بل تختلف من بلد إلى بلد، ومن وقت لآخر، والوصول إلى معرفتها سهل والحمد لله، وذلك بأن تسأل عن قيمة كيلو ونصف من الطعام في بلدكم ثم تعطي قيمته للمساكين.

(7) من حلف على يمين ووجد غيرها خيرا منها فلا يف بيمينه بل يفعل الخير ويكفر عن يمينه ’ قال رسول الله صلي الله غليه وسلم :"من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" .
ـــــــــــــــــــــ
- فقه السنة الشيخ سيد سابق رحمة الله عليه.
- الفتوى: (23614) التصنيف: أحكام اليمين عن إسلام ويب(مركز الفتوي).
- الموسوعة الفقهية الكويتية - (7 / 282) .
- موسوعة الفقه الإسلامي للتويجري .