لا ترفع شعارًا قبل أن تكون أهلاً له!

من نحن؟

توصيفنا في القرآن الكريم:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
[آل عمران: 110].


فهل نحن كذلك؟

في قرآننا الكريم أخبار الأمم السالفة كلها، وقصص الأنبياء التي سبقتْ، وفي كل منها عرضٌ متكامل
لقصص الأقوام الغابرة مع أنبيائهم، وأنواع الهلاك والدمار الذي استأصلهم، وقصص الطواغيت ومآلهم،
وأهل الكتاب وزيغهم، وكفر هؤلاء وجحود أولئك، والفساد والإفساد.

لم يسرد القرآن الكريم هذه القصصَ للإمتاع فحسْب، ولم يُنزلها ربُّ العباد على رسول خير الأمم - صلى الله
عليه وسلم - للتسلية ونقل الأخبار؛ بل هي جزء من شريعة أنزلتْ على أمة اختزلت الأمم فكانتْ خير أمة
"أُخرِجتْ للناس".


ولكن بثلاثة شروط :

1- الأمر بالمعروف.

2- والنهي عن المنكر.

3- والإيمان بالله.



وإذا كان لنا أن نَربِط بين أمة اختزلت الأمم - ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ - وبين شروط الخيرية لهذه الأمة،

نقول :

أرسل الله الأنبياء إلى أقوامهم لتصحيح مسار حياةٍ فَسَدتْ باستشراء أمراض اجتماعية وعقائدية؛
منها ما شهدتْها البشرية من قبل، ومنها ما لم تشهدها، وكل رسول أو نبي أرسل لقومه خاصة:

قوم نوح :

تفَشَّت القبورية بعد سيدنا آدم، بعد أن عمد الناس إلى تقديس الصالحين بعد موتهم؛ لينتهي الأمر إلى تصويرهم
أوثانًا ومن ثَمَّ عبادتهم، وكان هذا أول عهد البشرية بالقبورية وعبادة الصالحين، أول عهد البشرية بالشرك:

﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]؛

الشرك بالله.


قومُ هودٍ عاد ٌ:

تقديس القوة البشرية، وعبادة الحضارة:

﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ
مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15]؛


الاستكبار ونكران الخالق وقدرته، حتى آخر لحظة في حياتهم؛ لحظات وقوع العذاب،
ظنوا أنه لا قوة كونية، أو أرضية، أو سماوية يمكن أن تسبِّب لهم الهزيمة حتى لحظة وقوع العذاب:

﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
[الأحقاف: 24].



قومُ صالحٍ ثمودُ:

شرك وامتداد لقوم عاد؛ من حيث الاستكبار والاغترار بالقوة والمنعة:

﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا
وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف: 74].



قوم شعيب:

تطفيف الميزان والمكيال.


قوم لوط:

انحراف الفطرة البشرية وظهور الفاحشة الكبرى لأول مرة في تاريخ البشرية:

﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 28].


موسى وفرعون:

التأله، وعبادة الذهب، والقوة المادية، والسلطان:

﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ *
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ﴾
[الزخرف: 51 - 53].



سيدنا عيسى لبني يهود:

تصحيح مسار عقيدة لقوم شذوا عن "شريعتهم" وحرفوها، وفسدوا وأفسدوا، وامتهنوا قتل الأنبياء والصالحين.



سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للبشرية كافة :

فكانت أمته أمة التبليغ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بشريعة تخاطب كل شرائح البشرية :


• إلى الذين يقدِّسون الصالحين ليَصِلُوا بتقديسهم درجة الشرك.


• إلى مَن اتخذوا من قوى الطبيعة آلهةً يعبدونها من دون الله.


• إلى مَن عبدوا الإنسان وقوته، وقدَّسوا الأقوياء


﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ [فصلت: 15].


• إلى مَن يمتهنون تطفيف الكَيْل والميزان في التعاملات، والأحكام، والشهادة؛ أصحاب المكاييل المتعددة.


• إلى مَن ينكرون الحق ويعبدون "الأنا".


• إلى عبَّاد الذهب والمادة، إلى المتألِّهين عبيد المُلْك والسيادة والعروش.


• إلى أصحاب العقيدة الزائغة الذين يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً، الذين يؤمنون ببعض الكتاب
ويكفرون ببعض، الذين يحتالون على الله - أمثال أصحاب السبت - باسم الدين.


• والذين يستعبدون الناس باسم الدين، والذين يتخذون رجال الدين أربابًا من دون الله:

﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 31]؛

فيمتثلون لأمرهم ونهيهم، وهم مغمضو الأعين.



ولكن هل نستحق فعلاً أن نكون أمة التبليغ لكل هؤلاء؟


كيف لنا أن نستحق التوصيف القرآني، وفينا كلُّ الأمراض السابقة العقائدية والاجتماعية، الروحية والأخلاقية؟


أمة التبليغ هي الأمة التي تعرف ما هو المعروف وما هو المنكر؛ فتُقر المعروف وتنكر المنكر؛
لتكون أهلاً "للأمر" بالمعروف، "والنهي" عن المنكر.


تعرف : يحصل لها العلم بما هو المعروف، وما هو المنكر؛ بدراسة شريعتها كما نزلت قرآنًا وسنة،
لا كما اتفقتْ على تفسيرها الأهواء.


تطبِّق : فتقر المعروف، وتنكر المنكر على أرضها كما تنص عليه الشريعة، لا كما تفرضه المصالح.


تبلِّغ : عندما تتمكَّن من نفسها تصبح مستحقة لعملية "التبليغ" للناس؛ وبذلك تستحق توصيف القرآن الكريم:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].


اللهم استخلفنا ولا تحرمنا؛ فذنوبنا كثيرة، وإن كنا لا نستحق، فخذ بيدِنا حتى نستحق.



منقول