قبل بضع سنوات وأنا في سكن الطالبات وكنت جالسة في غرفتي سمعت في الخارج صوت صراخ جماعي، نظرت من الشباك وإذا فتيات السكن المقابل يهربن من السكن الذي يتصاعد منه الدخان. كان هناك حريق.
مش هون الموضوع؛ الموضوع أنّه نظراً لحالة الجزع التي أصابت الفتيات كان عليهنّ أن يهربن بأسرع وقت حاملات أثمن ما يملكن، ولم يكن معهنّ وقت للتفكير.
وكل فتاة كانت في وضع هربت في الوضع الذي كانت عليه، يعني فتاة كانت تسشور شعرها نزلت والسشوار في يدها، أخرى كانت تصلي نزلت في ملابس الصلاة، طالبة طب نزلت وكتابها الضخم في يدها، وأخرى نزلت بغطاء الصلاة على رأسها مع (شورت) قصير.
تذكّرت وأنا أراقبهنّ من شباك غرفتي أنّ من عاش على شيء مات عليه.
تذكّرت أنّ أناساً يموتون فجأة في حادث مريع فلا يستطيعون نطق الشهادتين بل يترنمون لحظة الموت بالأغاني التي أدمنوا سماعها
تذكّرت أنّ أناساً يموتون وهم يصلّون ويقرؤون القرآن لأنهم عاشوا عمرهم كذلك.
تذكّرت رجلاً تعرّض لزلزال فحمل التلفاز وهرب به! صحيح أنه لن يستفيد من التلفاز في الخارج ولكنه كان تصرفاً ناتجاً عن عقله اللاواعي.
تذكرت الفرقة الموسيقية في فيلم التيتانك التي غرقت وهي تعزف.
تذكّرت فرعون الذي حاول أن يؤمن لحظة الغرق فلم يتذكّر حتى اسم (الله) الذي لطالما دعاه موسى إليه، بل قال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل، وصار جبريل يأخذ من طين البحر ويضع في فمه مخافة أن تدركه رحمة الله التي لا يستحقها.
ترى ماذا أعددنا لتلك اللحظة الفجائية المصيرية؟ ماذا لو كانت آخر لحظة في حياتنا؟
في لحظات الذعر الشديد والخطر الفجائي أظنّ أنّ الذي يعمل فينا ويقودنا هو عقلنا اللاواعي، فبماذا ملأناه؟ هل أعددنا قوارب نجاتنا وارتدينا سترنا الواقية وادّخرنا رصيداً كافياً للمواجهة، أم أننا غير مستعدين بعد ومفلسين؟ هل معنا زاد ومصابيح تنير طريقنا في العتمة وتؤنسنا في الوحشة؟
من عاش على شيء مات عليه.. من عاش على الذكر والطاعة مات على الذكر والطاعة، ومن عاش على شيء آخر.. مات على ما عاش عليه.
" قل إنّ صلاتي ونسُكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين 162 لا شريك له وبذلك أمِرتُ وأنا أوّل المسلمين 163" الأنعام
المفضلات