البشرية


************************************************** ***


الحمد لله الذى لا يُؤدّى شكر نِعْمة من نِعَمه إلا بنعمةٍ منه .
والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد بن عبد الله النبى الأمى أرسله سبحانه وتعالى
رحمةً للعالمين وإماماً للمتقين وخاتماً لجميع الأنبياء والمرسلين . وتوّجه الله بتاج الجمال
وزينه بأشرف الخصال وألبسه لباس الكمال .
وصلى اللهم وسلم على مفاتيح الهدى ومصابيح الدجى قادة الحق وسادة الخلق
أحباء الله وأولياؤه وخيرته من خلقه وأصفياؤه رسل الله وأنبياؤه .
وارض اللهم عن آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أزواجه الطاهرات أمهات
المؤمنين والمؤمنات وعن الصحابة والتابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين .
.....
لقد خلقنا الله من نفس واحدة هى سيدنا آدم عليه السلام خلقها الله من التراب والطين
ومن الصلصال والحمأ المسنون . من هذه النفس خلق الله منها أمنا حواء
فأصبح هناك ذكراً وأنثى . منهما جاء عالم البشر أجمعين
يقول رب العالمين :


( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ )


فالنشأة الأولى لسيدنا آدم من التراب والطين ونشأتنا جاءت من الماء المهين .
يقول رب العرش العظيم :


(وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ )


هذا الماء جعل الله منه نطفة ثم خلق من النطفة علَقة ومن العلقة مُضغة ومن المضغة عظاماً
وتلك العظام كساها الله لحماً وصورنا فأحسن صورنا فتبارك الله أحسن الخالقين .
.....
وأشهدنا الله على أنفسنا بأنه الله لا إله إلا هو ربٌ لكل العالمين .
فكانت تلك هى الفطرة التى فطرنا الله عليها لكى نطيع أوامره ولا نعصاه ولكى نؤمن
بملائكته وكتبه ورسله حتى نقى أنفسنا من العذاب والعقاب فى يوم الحساب .
يقول جل شأنه :


( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا .. أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ )
...
وقدّرالله علينا الموت
...
وشرع الله لنا الزواج ليأتى منه التناسل وتتعاقب الذرية فنكون خلائف فى الأرض
يخلف بعضنا بعضاً نستخلف من كان قبلنا ويستخلفنا من يأتى بعدنا .
.............
ولقد قضى الله فى علمه وعدله فى حكمه أن لا يعذب أحداً من عباده حتى يبعث إليهم
رسولاً لئلا يكون للعباد حجة على الله . يقول عز وجل :


( رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )
..
فأرسل الله إلى البشرية الأنبياء والمرسلين على مر القرون والأزمان .
كانوا لهم مبشرين ومنذرين يدعونهم إلى عبادة الله وألا يشركوا أحداً مع الله
ويذكرونهم بفطرتهم التى فُطِروا عليها فى وحدانية الله .
وأيّد الله كل نبىٍ من أنبيائه بآيةٍ ومعجزة إذا ما انتهت رسالته انتهت معها معجزته وآيته .
وأوجب سبحانه وتعالى على كل قوم أو أمة فى زمنها ووقتها أن تتبع النبى المرسل لها .
..
هذه الأمم والأقوام منهم من صدقوا بأنبيائهم ورسلهم ولم يعبدوا غير الله ولم يتخذوا إلهاً مع الله
فاجتباهم الله فى الدنيا وهداهم إلى هداه فعاشوا فى رغد وصفاء وسعادة وهناء .
ولهم فى الآخرة جنة الخلد والنعيم . لا خوف عليهم ولاهم يحزنون .
..
ومنهم من أعماهم الشيطان فعبدوا غير الله وكفروا بوحدانية الله وكذبوا أنبياءهم ورسلهم
واختاروا الباطل والضلال وآثرواالكفر على الإيمان .
هؤلاء أنزل الله بهم عذابه وعقابه وصبّ عليهم لعنته وأصابَهم بنقمته . فأهلكهم الله فى الدنيا .
ولهم فى الآخرة النار والجحيم وعذاب السعير .
وما قصّه الله لنا عنهم فى كتابه العزيز لهو عبرة واعتبار لأصحاب العقول وأولى الأبصار .
فهؤلاء الأقوام كانوا أقوى منا آثاراً وأكثر أموالاً وأعتى جسماناً وبنياناً وأطول أعماراً .
...............
مرت العصور وتوالت الدهور . وتعاقبت الرسالات وتدرجت الأديان .
وبلغ دين الله أجله المعلوم عند الله وبلغت رسالة الإسلام موعدها المحتوم فى علم الله .
إصطفى الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ليكون هو الخاتم لأنبياء ورسل الله .
وبعثه سبحانه وتعالى إلى الناس كافة .
وأيده الله بآيةٍ ومعجزة فأنزل عليه كتاب كريم وقرآن حكيم .
وقضى جل شأنه أن تكون هذه الآية والمعجزة محفوظةٌ إلى يوم الدين لأنها ستظل هى
البشير والنذير لكل إنسان أو جان فى أى زمان أو مكان .
لذا :
فإن كل من وُلِد أو يولد من بعد مبعث نبى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
يُعدّ من أمته مكلفٌ ومخاطبٌ برسالته .
..
وأمر الله كافة عباده أن يتبعوا رسالة الإسلام وإلا باءوا بالبطلان والخسران . فقال عز وجل :


( وَمَن يَبْتغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )


فالإسلام هو آخر الأديان وهو الدين الذى ارتضاه الله لكافة الإنس والجان .
وشريعته التى أنزلها الله يلزم اتباعها والتصديق والإيمان بها لأنها آخر الشرائع .
..
وكما أوجب الله على الأمم السابقة أن تتبع النبى المرسل لها فى وقتها وزمنها فقد أوجب الله على
كافة الأمم والعالمين أن يتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه آخر نبى وآخر رسول .
وإلا كان جزاؤهم ( فى الآخرة ) نار جهنم يصلونها وبئس المصير .
ولولا كلمةٌ من الله سبقت بإمهالهم وتأخير العذاب عنهم إلى يوم الدين لعاجلهم الله
بعذابه ولأخذهم بعقابه أخْذَ عزيز مقتدر .
يقول تبارك وتعالى لنبى الله صلى الله عليه وسلم :


( وَيَسْتعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ )
..
فمن بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرسالة :
فإن أى إنسان فى أى زمان أو مكان قد بلغه دين الإسلام . أو بلغه القرآن . أو بلغه ذكر
نبى الله عليه الصلاة والسلام : فكفر وأشرك بالله أو تعالى واستكبرعن دين الله :
فهؤلاء قد استحقوا النار والحريق وسيحشرون فى نار جهنم خالدين فيها صماً لا يسمعون
بكماً لا ينطقون عمياً لا يبصرون .
...
ولقد وصفهم الله بأنهم : شر الخلق والبرية .. فقال جل شأنه :


( إِن الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِجَهَنمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ )
................
.................................................. ....


فلا يحسبنّ أى إنسان فى أى زمان أو مكان أن الله قد خلقه عبثاً فى هذه الحياة
يُترك فلا يُؤمر ولا يُنهى
يعصى ويخالف ما أمره الله ويمرح ويرتع فى ملك الله يبتغى ديناً غير دين الله .
يبلغه كتاب الله . ويبلغه دين الإسلام . وذكر نبى الله عليه الصلاة والسلام فيكفر أو يشرك
ويظن أنه ناجٍ من عذاب الله . يقول عز وجل :


( أَفَحَسِبْتمْ أَنمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً )
..
ولا يحسبن من أطلقوا لبغيهم العنان وقالوا عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
ما قالوا دون علم أو سلطان لايرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً ويعيثون فى الأرض فساداً
بأنهم لن يحاسبوا أو يعاقبوا .


يقول جل شأنه : ( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى )
..
ومن لم يكتفوا بكفرهم ويقتصروا على شركهم فهاموا يصدّون عن دين الله ويحاربون ما أنزل الله
ويقترفون الظلم والقتل والبغى سوف يزيدهم الله عذاباً فوق عذابهم وجزاءً وعقاباً على جزائهم . يقول تبارك وتعالى :


( الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ )
.......................

ولا يحسبنّ من آمن بدين الله ومَنّ الله عليه بنعمة الإيمان واتباع دين الإسلام :
بأن قول لاإله إلا الله سيدنا محمد رسول الله دون طاعة أو عمل كافية لدخول الجنة .
فلكى ينجينا إيماننا يجب أن نطيع الله فيما أوجبه علينا وأوكله إلينا من فروض وتكاليف
فمن اجترح السيئات ليس كمن آمن وعمل الصالحات .
يقول جل شأنه فى كتابه ومحكم آياته :


( أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )

فالأعمى ليس كالبصير والظل ليس كالحرور والظلمات ليست كالنور
وليس هناك إيمان بلا طاعة أو عمل . والإيمان إن لم يكن مُنجياً فهو غير مُجدياً .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى .. فقالوا يا رسول الله : ومن يأبى قال :
من أطاعنى دخل الجنة ومن عصانى فقد أبى )

إبليس اللعين قد آمن بالله رباً . وآمن بالله خالقاً . وآمن بالله عزيزاً وقاهراً . وآمن بيوم
البعث واللقاء . ولكنه عصى الله ولم يطعه فأخرجه الله من الجنة . يقول عز وجل :

( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ )

( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) .. (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ )

( قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )

..................
سبحانه وتعالى برّأ البرايا صنوفاً وضروباً وقسّمها فِرقاً وشعوباً واختص منها بنى الإنسان
بالألباب والأفهام وفضلهم على الجمادات والأنعام فخلق لهم عقول وقلوب وأعين وآذان
ليفقهوا ويتدبروا ولكى يبصروا ويتبصروا وليعلموا أن الله خلقهم لعبادته ولكى يبلوهم
فيما آتاهم وليرى أيهم أحسن عملا .
..

سوف يجازى كل إنسان عما فعل واحتقب وسيحاسب عن كل ما كسب واكتسب
وإن كان العباد قد نسوا أعمالهم فالله لم ينساها وإن لم يحصوا أفعالهم فالله قد أحصاها .

************************************************** ****


سعيد شويل