ولتعلم -أيها الحبيب- أن باب النوافل باب عريض، فمنها: نوافل الصلاة، ونوافل الصيام، ونوافل الصدقات، ونوافل الأذكار، وغيرها.
فعليك -أيها الحبيب- أن تطعم من هذه العبادات على قدر ما تستطيع، وإياك والحرمان، فالمحروم هو من حرم من طاعة ربه -تعالى-.
واليك -أيها الحبيب- جانبًا من هذه النوافل التي لو زاد العبد من فعلها بعد أدائه للفرائض؛ لازداد قرب هذا العبد من ربه -تعالى-.
فمن نوافل الصلاة:
1- رواتب الفرائض: عن أم حبيبة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) قالت أم حبيبة: فما برحت أصليهن بعد. (مسلم كتاب: "صلاة المسافرين" باب: فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن). وكذا عن أم حبيبة بنت سفيان -رضي الله عنها- أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبَعًا بَعْدَ الظُّهْرِ، حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّار) (أحمد 26651 ).
2- قيام الليل: عن عائشة -رضي الله عنها- (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي بالليل إحدى عشر ركعة يوتر منها بواحد، فإذا فرغ؛ اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلي ركعتين خفيفتين). وتقول عائشة -رضي الله عنها-: (وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره؛ صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) (مسلم كتاب: "صلاة المسافرين" باب: صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض).
3- صلاة الضحى: وقد سألت معاذة عائشة -رضي الله عنها-: كم كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلى صلاة الضحى قالت: أربع ركعات ويزيد ما شاء. بل انظر -أيها الحبيب- إلى أهمية ركعتي الضحى، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى) (مسلم كتاب: "صلاة المسافرين" باب: استحباب صلاة الضحى).
ولأهمية صلاة الضحى كانت وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (أوصاني خليل بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام) (البخاري، كتاب: "الصوم" باب: صيام أيام البيض).
4- سنة الوضوء: عن أبي هريرة رضي الله النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال عند صلاة الفجر: (يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ)قَال: (مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ) (متفق عليه).
من نوافل الصيام:
1- صوم ست من شوال: عن أبي أيوب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) (مسلم وأبو داود والترمذي).
2- صيام شهر الله المحرم: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ: شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ: صَلاةُ اللَّيْلِ) (مسلم وأبو داود والترمذي).
3- صوم عاشوراء: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله:"صَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ"(البخاري ومسلم)، وفي رواية عن أبي قتادة -رضي الله عنه- سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ) (مسلم).
4- صوم شعبان: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ"(متفق عليه)،وفي رواية: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الشَّهْرِ مِنْ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ، وَكَانَ يَقُولُ: (خُذُوا مِنْ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَنْ يَمَلَّ حَتَّى تَمَلُّوا وَكَانَ يَقُولُ:(أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ قَلَّ) (البخاري ومسلم)
5- صوم ثلاثة أيام من كل شهر (سيما الأيام البيض): عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أَوْصَانِي خَلِيلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاثٍ: صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ"(متفق عليه)، وفي رواية عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ) (متفق عليه).
6- صوم الاثنين والخميس: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصوم الاثنين والخميس، فقيل: يا رسول الله, إنك تصوم الاثنين والخميس، فقال: (إِنَّ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ يَغْفِرُ اللَّهُ فِيهِمَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ ، إِلاَّ مُهْتَجِرَيْنِ ، يَقُولُ : دَعْهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا) (مسلم وابن ماجه وأبو داود)، ولفظ مسلم: (تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِي كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وَاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: اترْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)، وفي رواية أخرى عند مسلم: (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ).
التقرب بتلاوة القران:
قال الله -تعالى-: (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)(فاطر: 29).
ويكفيك حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ الم َرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ)(الترمذي كتاب فضائل القران).
التقرب بالأذكار:
ويكفيك قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (الأحزاب: 41 -43).
وقوله -سبحانه-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) (البقرة: 152).
ولقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف نذكر الله -تعالى-، وأن أفضل الذكر كلمة التوحيد، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَفْضَلُ الذِّكْرِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْقَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مِرَارٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ)(متفق عليه).
وعليك كذلك أيها المسلم:(كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمنِ: سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ، سبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ)(رواه البخاري).
التقرب بالدعاء:
ويكفيك في فضله قول ربك -سبحانه-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186).
وقول ربك -سبحانه-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(غافر: 6).
فإن قلنا: كيف ندعوه؟ وعلى أي طريقة ندعوه؟
قلنا: ينبغي لطالب الخير وباغي الرشد أن يلازم من الأدعية النبوية ما تبلغ إليه طاقته.
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سُخْطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ) (مسلم والترمذي).
ولتعلم أيها الحبيب ..
أنه لا انتفاع للإنسان بهذه الأعمال الظاهرة التي نراها صلاحًا؛ إلا بطهارة الباطن، فعمدة الأعمال التي تترتب عليها صحتها أو فسادها هي: النية والإخلاص.
ولا شك أنها من الأمور الباطنة التي لا اطلاع لأحد عليها، فلذا نقول: أنك ـأيها المسلم- لك حدود لا تتعداها وإلا كان طغيانًا على سلطان الرب، فقد نحكم على إنسان من أعماله الظاهرة التي نراها لكن لما كان عمل الباطن مغيب عنا عند ذلك نقول: لا نستطيع أن نحكم لإنسان بأنه ولي إذا أتى إلينا وحي من الله -تعالى- بذلك.
عند ذلك نقول: أنا لست بنبي ولا يوحى إليَّ، فأخشى إن تركت هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أزيغ (تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك)
وختامًا -أيها الحبيب-.. نهمس في أذنيك: أتدري لمن تذهب هذه النذور؟، ولمن تذهب هذه الأموال التي تضعها في صندوق النذور؟ أتراها تذهب إلى هذا الميت المقبور فينتفع بها؟ أم أنها تذهب إلى أبناء هذا الميت المقبور فينتفعون بها؟ فإن لم تكن الأولى أو الثانية، أما فكرت أين تذهب؟ ومن الذي ينتفع بها؟ وهل هي من الصدقات التي يتقبلها الله -تعالى-؟
فالعاطفة -أيها الحبيب-.. قد تدفعك أن تتصدق وتضع أموالاً في هذه الصناديق.
فنقول لك: حسنا أن تتصدق، ولكن تصدق على من يستحق حتى تكون مقبولة عند ربك -تعالى-.
وختامًا نقول لك: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف:110).