تفسير الإنجيل بالقرآن (7)
(تعرض الشيطان للمسيح)
النص الأول:
" وقاد الروح يسوع إلى البرية ، ليجرب من إبليس ، فبعد أن امتنع يسوع عن تناول الطعام أربعين نهارًا وأربعين ليلة ، جاع . فجاء إليه المُجربُ وقال له : أن كنت ابن الله فقل لهذه الحجارة أن تصير أرغفة خبز . لكن يسوع أجابه : يقول الكتاب : لا يعيش الإنسان على الخبز وحده ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله . ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة ، وأوقفه على قمة الهيكل . وقال له : إن كنت حقا ابن الله ، فارم بنفسك من هنا . فالكتاب يقول : يوصى الله ملائكته بك ؛ وبأنهم سيحملونك على أياديهم لئلا ترتطم قدمك بحجر . فأجابه يسوع : يقول الكتاب أيضا : لا تمتحن الرب إلهك . ثم أخذه إبليس إلى جبل عال ، وعرض أمام عينيه كل ممالك العالم وعظمتها . ثم قال له : سأعطيك هذه كلها إن سجدت لى . فقال له يسوع : ابتعد يا شيطان ، فالكتاب يقول : ينبغى أن تعبد الرب إلهك وأن تسجد له وحده ".

(متى :4-10:1)
النص الثانى:
" واقتاد الروح يسوع إلى البرية وحده. وبقى هناك أربعين يوما فى مواجهة تجارب الشيطان . كان هناك مع الحيوانات البرية ، وكانت الملائكة تخدمه " (مرقس : 1- 13-12)
النص الثالث:
قال الشيطان ليسوع:" إن كنت حقا ابن الله ، فارم بنفسك من هنا إلى أسفل ، لأنه مكتوب : يوصى الله ملائكته بك لكى يحرسوك. وإنهم : سيحملونك على أياديهم ، لئلا ترتطم قدمك بحجر ، فأجاب يسوع وقال له : مكتوب أيضا : لا تمتحن الرب إلهك . ولما استنفذ إبليس كل محاولة لإغراء يسوع ، تركه إلى أن تحين فرصة ثانية "

(لوقا :4- 13:9)
كما ترى الأناجيل الأربعة تباينت فى ذكر تجربة الشيطان للمسيح ، فذكرها متى مطولة ، وذكرها مرقس مجرد خبر بغير تفصيل يذكر ، وذكرها لوقا بنصف أخبار متى ، ولم تذكر عند يوحنا مطلقا .
وعليه ، فإن الأناجيل مرويات لأصحابها ، وليست نصا سماويا ، ولا ترجمة لنص سماوى أيضا.
فإن الترجمة ، لا تقتضى حذف أو إضافة كالذى نراه فى الأناجيل.
وهذه القصة بصورها الثلاث :
وفى هذه النصوص عدة دلالات على بشرية المسيح وعدم ألوهيته بالنظر إليها من الوجهة الإسلامية والعقلية .
بخلاف أنها مستحيلة أيضا من الناحية الإنجيلية – المخترعة – أيضا .
أولا: عند متى الروح يقود المسيح ليجرب من إبليس ، من الروح ، الروح القدس عند المسلمين هو جبريل ، والملائكة لا تعين فى فتنة أحد ، ولا تعمل لصالح الشيطان ، وإن كان الروح ، هو الله بمفهوم النصارى ، فالله قدم الله للشيطان حتى يفتنه عن الإيمان بنفسه ؟!
ثانيا: قول المسيح أن الإنسان يعيش بكلمة الله لا بالخبز فقط ، فيها

* إقرار المسيح أنه إنسان مجرد ، يحتاج إلى الطعام .
* أنه يعيش بأمر الله لا بالخبز وحده ، فهو يستمد حياته من الله ، لا من نفسه ، ولو كان إلها ، قال أنه لا يحتاج إلى شىء يحيا به .
* أنه ليس هو الله ، حيث نسب بقاؤه لله ، فدل على أن الله غيره ، لا هو.
ثالثا: عند متى ولوقا أن إبليس طلب من المسيح أن يلقى نفسه من على الجبل وأن الملائكة ستحرسه إن كان ابن الله ، وفيه دلالة أن الملائكة تعمل بأمر الله لا بأمر المسيح ، مما يدل على بشريته المحضة .
وكون الملائكة تحفظه ، ولا يحفظ هو نفسه ، دليل على عدم ألوهيته أيضا ، وخلوه من الله ، وخلو الله منه ، فلا هو فيه إله ، ولا الله فيه.
رابعا: بعدها قال المسيح " لا تمتحن الرب إلهك " بيان واضح بعبودية المسيح لله ، وتأدب المسيح مع ربه ، حيث لا يعمل عملا يختبر الله به .
خامسا : يختلف متى مع يوحنا بعد ذلك ، حيث يقول متى " استنفذ إبليس كل محاولاته" بينما يكمل متى محاولات إبليس وهو يغرى المسيح بالملك ، لو أنه سجد له، فقال له المسيح " ابتعد عنى يا شيطان ، فالكتاب يقول : ينبغى أن تعبد الرب إلهك وأن تسجد له وحده "
وفى ذلك عدة أمور :
* دلالة أن الإنجيل ليس محفوظا من التبديل ، حيث يثبت متى ما نفاه يوحنا من كون إبليس استنفذ كل محاولاته .
* إغراء إبليس ليسوع بالملك ، دليل على عدم ملك المسيح ، حيث كيف يتم إغراء أحد ، بما يملكه ؟
أعنى إذا كان المسيح هو الله أو ابن الله ، يكون مالكا لكل الخليقة ، فكيف يتم إغراؤه بما هو تحت ملكه أصلا ؟!!
* الإله لا يغريه أحد ، ولا يغرى بشىء ، وعرض الإغراء على المسيح يدل على بشريته .
* لو كان المسيح هو الله أو ابن الله ، لوجب أن يبين أنه مالك الملك ، لكنه لم يعترض على وعد إبليس له بالملك ، وإنما اعترض على طلبه أن يعبده .
* يزيد المسيح الأمر بيانا ، حيث يصرح أن السجود لله وحده ، وبذلك يقرر عبوديته لله وحده سبحانه .
* فى نص مرقس ، أن الملائكة كانت فى خدمة المسيح ، والبشر فقط هو الذى يحفظ بالملائكة ، أثناء الفتن ، أما الإله فلا حاجة له إلى غيره حتى يخدم .
* وأخيرا إنما الشيطان يغرى البشر بمعصية الله ، أما أنه يغرى الله بمعصية نفسه ، فهذا كلام لا يقوله عاقل ولا مجنون ؟ إنما يقوله اليهود والنصارى فقط.
قال عز وجل ، عن الشيطان يتعرض للناس :
{ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82-83]
{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأعراف:200]
بين البشر وإبليس عداوة معروفة السبب للمسلمين والنصارى .
ومنذ الأزل والشيطان قائم على غواية العباد ، ولكن لم يخطر ببال أحد أن الشيطان يقوم على غواية الله ، وأنه يحرض الله على نفسه ؟!!
فكون الشيطان يجرب المسيح دلالة على بشرية المسيح وعدم ألوهيته .
لأنه لا يمكن للشيطان أن يتعرض لله .
وغير ذلك الشيطان وظيفته الوحيدة أن يأمر الإنسان بمعصية الله ، فإذا قام الشيطان بغواية الله ، فهل سيأمره بمعصية الإنسان ؟ أو يأمره بمعصية نفسه؟
وإذا عصى نفسه ، هل سيُدخلُ نفسه النار ؟!!
الحمد لله على نعمة الإسلام أولا ، ثم نعمة العقل ثانيا .
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم