من أخبار الخليفة عمر بن عبد العزيز










كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم: أما بعد :
فإن الله تبارك اسمه وتعالى جده ابتلاني بما ابتلاني به من أمر عباده وبلاده وأسأله أن يحسن عوني وعاقبتي وعاقبة من ولاني أمره وقد رأيت أن أسير في الناس بسيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن قضى الله ذلك واستطعت إليه سبيلا فابعث إلي بكتب عمر وقضائه في أهل القبلة وأهل العهد فإني متبع أثره وسائر بسيرته إن شاء الله وأسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى.
فأجابه سالم:
أما بعد:فإن الله عز وجل خلق الدنيا لما أراد أن يخلقها له فجعل لها مدة قصيرة كأن ما بين أولها وآخرها ساعة من نهار ثم قضى عليها وعلى أهلها الفناء فقال { كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون } لا يقدر أهلها منها يا عمر على شيء حتى تفارقهم ويفارقونها بعث بذلك رسوله وأنزل كتابه ضرب في ذلك الأمثال وضرب فيه الوعيد ووصل به القول وشرع فيه دينه وأحل الحلال وحرم الحرام وقص فأحسن القصص وجعل دينه في الأولين والآخرين دينا واحدا فلم يفرق بين كتبه ولم يختلف رسله ولم يبدل قوله ثم إنك يا عمر لست تعدو أن تكون رجلا من بني آدم يكفيك ما يكفي رجلا منهم في الطعام والشراب فاجعل فضل ذلك فيما بينك وبين الرب الذي توجه إليه شكر النعم فإنك قد وليت أمرا عظيما ليس عليك أحد دون الله عز وجل قد أفضى فيما بينك وبين الخلائق إن استطعت أن تغنم نفسك وأهلك وألا تخسر نفسك وأهلك يوم القيامة فافعل فإنه قد كان قبلك رجال عملوا ما عملوا وأحيوا وأماتوا ما أماتوا حتى ولد في ذلك رجال ونشؤوا فيه وظنوا أنها السنة فسدوا على الناس أبواب الرخاء فلم يسدوا منها بابا إلا فتح الله عليهم فيه باب بلاء فإن استطعت ولا قوة إلا بالله أن تفتح على الناس أبواب الرخاء فافعل فإنك لن تفتح منها بابا إلا سد الله الكريم عنك باب بلاء ولا يمنعك من نزع عامل أن تقول لا أجد من يكفيني عمله فإنك إذا كنت تنزع لله وتستعمل لله أتاح الله لك أعوانا فأتاك بهم وإنما قدر عون الله إياك بقدر نيتك فإن تمت نيتك تم عون الله الكريم إياك وإن قصرت نيتك قصر من الله العون بحسب ذلك واعلم أنه كان قبلك رجال عاينوا هول المطلع وعالجوا نزع الموت الذي منه كانوا يفرون فانشقت بطونهم التي كانوا لا يشبعون بها وانفقأت أعينهم التي كانت لا تنقطع لذتها واندقت رقابهم غير موسدين بعدما تعلم من تظاهر الفرش والمرافق والسرر والخدم فصاروا جيفا في بطون الأراضي تحت مهادها والله لو كانوا إلى جانب مسكين لتأذى بريحهم بعد إنفاق ما لا يحصى عليهم وعلى خواصهم من الطيب كل ذلك إسرافا وبدارا عن حق الله فإنا لله وإنا إليه راجعون ما أعظم الذي ابتليت به وأفظع الذي سيق إليك!
أهل العراق أهل العراق,أبرهم منك منزلة من لا فقر بك إليه ولا غنى بك عنه فمن بعثت من عمالك إلى العراق فانهَهُ نهيا شديدا شبيها بالعقوبة عن أخذ الأموال وسفك الدماء إلا بحقها المال المال يا عمر والدم الدم,فإنه لا نجاة لك من هول جهنم من عاملٍ بلغك ظلمه ثم لم تغيره وانهَ من بعثت من عمالك أن يعملوا بمعصية الله وأن يحكموا بشبهة وأن يحتكروا على المسلمين بيعا فإنك إن اجترأت على ذلك أُتيَ بك يوم القيامة ذليلا صغيرا وإن تجنبت عنه عرفت راحته في سمعك وبصرك وقلبك.
كتبت تسألني أن أبعث إليك بكتب عمر وبقضائه في أهل القبلة وفي أهل العهد وإن عمر رضي الله عنه عمل في غير زمانك وعمل بغير رجالك وإنك إن عملت في زمانك على النحو الذي عمل فيه عمر بن الخطاب في زمانه بعد الذي قد رأيت وبلوت,رجوت أن تكون أفضل عند الله منزلة من عمر بن الخطاب,فقل كما قال العبد الصالح ( وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب ).
أخبار أبي حفص عمر بن عبد العزيز - (ج 1 / ص 70)