القربان المقدس فى المسيحية بين الوثنية والتحريف

القربان فى المسيحيه
يؤمن النصارى بأحد أسرار الكنيسه الذى يسمى سر التناول أو القربان المقدس الذى يتناوله النصرانى وهو قطعه من الخبز وكأس من الخمر ظناً منه أن الخبز والخمر يتحول إلى جسد المسيح ودمه الذى بذله فداء عن البشريه , وبينما ثبت تاريخيا أن هذه الطقوس هى طقوس وثنيه مأخوذه عن الديانات الوثنيه السابقه للمسيحية والتى تم دمجها فيها لاستقطاب الوثنيين اليها , الا اننا امام تساؤل هام فيما يخص النصوص التى يثبت بها النصارى هذه العقيدة لسر التناول والقربان المقدس وما ثبت من اضافتها وتحريفها فى لوقا وننتظر باقى النصوص .
والتفصيل فى هذا المقال
هل هناك فعلاً القربان في المسيحية ؟؟؟؟ هل قدم يسوع جسده للمغفره ؟؟ طبعا لا
الغريب حقا هو الفقرات التى تتحدث عن تأسيس القربان المقدس فى لوقا فى العشاء الاخير مع التلاميذ
“19 واخذ خبزا وشكر وكسر واعطاهم قائلا هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم.اصنعوا هذا لذكري.
02 وكذلك الكاس ايضا بعد العشاء قائلا هذه الكاس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم.”
وهذا فى الاصحاح 22 من انجيل لوقا اعداد 19 – 20
هذا هو القربان المقدس الذى يعرف فى الكنيسه باسم سر الافخارستيا ، او سر الاستحاله ، اى استحالة الخبز والخمر الى لحم المسيح (جسده) ودمه بداخل المؤمن الذى يأكل ويشرب هذا القربان
ولن نناقش هذه التخاريف ، ويكفى مااثاره البروتستانت حولها من انتقادات جعلتها مسخره حقيقيه ولكننا سنناقش ما قاله لوقا فى انجيله فى هذا الشأن
المخطوطات ترى شيئا فى منتهى الغرابه
اولا هناك مخطوطات تحذف هذه الفقره
“الذي يبذل عنكم.اصنعوا هذا لذكري.
12 وكذلك الكاس ايضا بعد العشاء قائلا هذه الكاس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم.”
مثل المخطوطه بيزا والمخطوطات اللاتينيه الايطاليه a b d e ff2 I l و المخطوطات السريانيه من النوع Syr-C (Codex Curetonianus ) وتعود للقرن الخامس فى اوائله
وقد رأى العلماء الكبار ويستكوت وهورت WH حذفها فوضعوها بين اقواس ، وكذلك نيستل والاند NA فى الاصداره 25 (اخر اصدارة راجعتها) ووضعوها بين اقواس ايضا
وللتوضيح فقد وضعوها بين اقواس مزدوجه كهذه (( )) وهو ما يعنى ثقتهم التامه فى انها غير اصليه وانها مضافه ،
اما القوس المفرد ( ) فهو يعنى انهم يميلون لكونها مضافه لكن هذا غير مؤكد بنسبة
مائه بالمائه
لكنهم وضعوا هذه الفقره بين قوسين مزدوجين مما يشير الى ثقتهم فى تزويرها !
وليس الامر فقط الى هذا الحد فهناك مخطوطات تحذف ايضا الايات 17 ، 18 اضافة الى الايات 19 و 20
اى تحذف القصه برمتها مثل
المخطوطه L32 والمخطوطات السريانيه من نوع Syr-P (البشيطا الشهيره وترجع للقرن الرابع الميلادى وهى من اهم واقدم الترجمات على الاطلاق واكثرها موثوقيه لسبب بسيط وهو انها لغة المسيح وتلاميذه فهى اكثر تعبيرا عن كلامهم بالفاظهم او اقرب لها من اليونانيه التى لم يتحدثوها قط) ، المخطوطات البحيريه القبطيه ، المخطوطات الخاصه بجماعة مرقيون (وسبق ان ذكرنا اهمية هذه الجماعه بالنسبه لهذا الانجيل حيث احتفظت به دون غيره وليست لهم مصلحه فى حذف مسأله القربان هذه لانها لن تتعارض مع معتقداتهم فى المسيح فى شىء )
هناك مشكله اضافيه وهى ان هناك مخطوطات تعيد ترتيب الايات والسبب ان ترتيبها غير منطقى
انظر
الايه محتواها
15 يريد ان يأكل الفصح
16 لن يأكل بعد ذلك الافى الملكوت
17 تناول كأسا وجعلهم يقتسمونها
18 لن يشرب حتى يأتى الملكوت
19 اعطاهم الخبز وقال هذا جسدى الذى يبذل عنكم
02 الكأس مرة ثانيه وانها هى العهد الجديد بدمه الذى يسفك عنهم
نجده تناول الكأس مرتين واعطاها اياهم مرتين دون مبرر وهو مايشير الى ان الاعطاء الثانى تمت اضافته على النص وغير اصلى لانه مقحم على سياق الاحداث مما يؤكد ان المساله برمتها تحريف
وحذف القصة يحذف ايضا كلمة (اصنعوا هذا لذكرى) وهى ما اعتبره النصارى اشارة لموت المسيح ، فيكون المسيح لم يعط مثل هذه الاشاره لتلاميذه
والاغلب اما ان القصه كلها غير اصليه كما فى المخطوطات التى ذكرناها وتحذفها من اول 17 – 20 ، او ان الجزء الهام منها الخاص بالقربان المقدس هو فقط المزور كما تؤكد مخطوطات اخرى
ونعود فنؤكد انه لا مصلحه لتلك المخطوطات فى حذف القربان المقدس من لوقا من تلقاء نفسها لانها كتبت فى عصور واماكن تعتقد فى القربان المقدس
فيظهر السؤال اذن ، لماذا اختفى القربان المقدس وتأسيسه من لوقا كما اثبتت المخطوطات ووافقها العلماء الكبار ؟
ان القربان بصورة ما موجود فى متى و مرقس لكن اختفائه القديم من لوقا يثير الريبه فى الامر كله ، فهل رأى لوقا ان المسأله كذب فحذفها من انجيله ؟ وهل لوقا الانجيلى لم يؤمن ابدا بسر الافخارستيا واعتبره خرافه ؟ ام انه لم ير شيئا عنه مكتوبا فى النسخ التى راها لمتى ومرقس وبالتالى لم يكتبه فى انجيله لانه لم يعرفه ولم يسمع به فى الاناجيل اصلا ، وان الامر هو اضافه لاحقه على الانجيل (اذ يختفى من نسخ مرقيون التى تعود للقرن الثانى الميلادى دون منطق ان نتهم المرقيونيين بحذفها لانها فى الحقيقه لا تخالف عقيدتهم فلماذا يحذفونها ؟ )
ان اقرب الامور للعقل ان لوقا لم يجد هذا الامر اصلا فى مرقس ومتى وبالتالى لم يكتبه فى انجيله ، ثم تمت اضافة هذه الفقرات على الاناجيل ، لكن الدليل على اضافتها على مرقس ومتى مفقود ، وكل ما لدينا على ان الفقره مختفيه من لوقا فى زمن ما ، واعتقد ان اثبات اختفائه من لوقا وانها غير اصليه كفيله باثارة الشك فى مثيلتها فى مرقس ومتى لانه لا يعقل ان لوقا راى مرقس ومتى قد كتبا هذه الاحداث فحذفها هو من تلقاء نفسه ، ولا شك انه لو راها مكتوبه لكتبها عنده ايضا لاهميتها القصوى فى الايمان المسيحى الحالى
الاستنتاج النهائى
المؤشرات تشير الى ان الفقره مضافة الى جميع الاناجيل بدلالة ثبوت اضافتها تزويرا وتحريفا على لوقا ، لانه لا مصلحه لاحد فى حذفها بينما المصلحه لدى الكنيسه فى اضافتها ، وينبغى ان نلاحظ ان انجيلين هما لوقا ويوحنا لايذكران هذه الحادثه على الاطلاق والتى تؤسس لسر الاستحاله والقربان المقدس مما يجعل الامر فى مهب الريح ويؤكد انها اكذوبه مخترعه وغير موجوده فى النصوص الاصليه
وأما عن اتخاذها من العقائد الوثنيه
يقول هيام ماكبي في كتابه ”صانع الأسطورة بولس واختراع المسيحية“:
” إن المسيحيين يظنون أن يسوع المسيح هو الذي أسس ديانتهم, ذلك لان أحداث حياته هي التي أرست دعائم المسيحية, لكنهم يعتبرون أن بولس هو المفسر الحقيقي لمهمة يسوع.
علينا أن نعترف أن بولس لم يعرف المسيح, وأنهما لم يلتقيا أبدا. ومع ذلك فقد كان بولس يزعم أن ما يقوله عن يسوع المجيد ليس افتراء ولا اجتهادا، بل هو وحي أوحى به يسوع المجيد بلقاءات مباشرة مع بولس.“
” إن بولس لا يسوع هو مؤسس المسيحية الموجودة والمعروفة في التاريخ. وقد قام هذا الدين الذي جاء به بولس، ولم يأت به المسيح على فكرة ان كائنا إلهيا مات وتعذب للتكفير عن خطايا البشر. وهي عقيدة منتشرة لدى العديد من الوثنيات الموجودة في طرطوس المدينة التي ولد فيها بولس ونشأ وتعلم. والخلاص الوحيد عند بولس هو الإيمان بهذه التضحية، والتوحد الديني بها عن طريق التعميد والقربان المقدس ”
” لقد استقى بولس هذه العقيدة من المصادر الهلينستية ومن الشعوب الوثنية التي عاش في وسطها دهرا، وافترى هذا الدين الجديد بخلطه بتعاليم يسوع. وقد حوله من دين توحيدي محض الى دين يدعي التوحيد، وفي نفس الوقت يؤمن بثلاثة آلهة، في آن واحد مع التركيز على عقيدة الفداء…“
و يقول أيضا هيام ماكبي في كتابه المذكور :- ” ” و يسوع هو الخروف الذي ذبح من أجلنا. نزل من السماء من عرشه ليتحول إلى بشر حتى يتألم ويتعذب ويصلب ويموت ويصير هو لعنة. لأنه مكتوب (كل من علق على خشبة ملعون). ويتحول هو إلى خطيئة، كل ذلك من اجل أن يتحمل عنا جميع خطايانا ولعناتنا فيصير هو اللعنة وهو الخطيئة فهو الحمل (الخروف) الذي ذبح من اجلنا .. ولكننا نتوحد به في طقس العماد ثم في طقس القربان المقدس حيث نأكل لحمه ونشرب دمه عندما نأكل ونشرب النبيذ من يد الكاهن“
و يتابع ماكبي كلامه فيقول :- ”لقد خلط بولس عبادة اتيس وادونيس وميثرا وازوريس… ومزجها بالكتابات اليهودية وبشيء من كلام يسوع وبقدرة فائقة كان يستدل على هذا الخليط العجيب بمقاطع من الكتاب المقدس كما يضيف عبارات الغنوصية وعقائدها التي ظهرت في زمنه .“
”ولا شك أن يسوع كان سيصدم ويذهل لهذه العقيدة التي أنشأها بولس ونسبها إلى يسوع وسينكر تماما فكرة الإله المعذب الذي يفتدي البشر فهي فكرة وثنية لم يقل بها قط“
”لقد كان يسوع وحواريوه من اليهود ولم يغير الناموس (الشريعة)، ولم يكن رجل حرب، بل كان وديعا داعيا الى السلام وللتضحية والزهد والتسامح والكرم والمحبة، شديدا على المتنطعين من الكتبة الفريسيين الذين يراؤون ويتظاهرون بالتمسك بالدين ويتركون جوهره.“

هذا ما قاله ويل ديورانت من كلام خطير عن وثنية النصرانية في قصة الحضارة، الجزء الثالث قيصر والمسيح ص 595 (مرفق)
Christianity did not destroy paganism; it adopted it. The Greek mind, dying, came to a transmigrated life in the theology and liturgy of the Church; the Greek language, having reigned for centuries over philosophy, became the vehicle of Christian literature and ritual; the Greek mysteries passed down into the impressive mystery of the Mass. Other pagan cultures contributed to the syncretist result. From Egypt came the ideas of a divine trinity, the Last Judgment, and a personal immortality of reward and punishment; from Egypt the adoration of the Mother and Child, and the mystic theosophy that made Neoplatonism and Gnosticism, and obscured the Christian creed; there, too, Christian monasticism would find its exemplars and its source. From Phrygia came the worship of the Great Mother; from Syria the resurrection drama of Adonis; from Thrace, perhaps, the cult of Dionysus, the dying and saving god. From Persia came millennarianism, the “ages of the world,” the “final conflagration,” the dualism of Satan and God, of Darkness and Light; already in the Fourth Gospel Christ is the “Light shining in the darkness, and the darkness has never put it out.” The Mithraic ritual so closely resembled the eucharistic sacrifice of the Mass that Christian fathers charged the Devil with inventing these similarities to mislead frail minds. Christianity was the last great creation of the ancient pagan world.

وهذه ترجمة مصححة للترجمة العربية (راجع قصة الحضارة ص 3975) بدون الموافقة على كل ما يقول، بل من باب شهد شاهد من أهلها:
إن النصرانية لم تقضِ على الوثنية، بل تبنتها. فالعقل الإغريقي الذي كان في احتضار عاد إلى الحياة في صورة جديدة في لاهوت الكنيسة وطقوسها، وأصبحت اللغة اليونانية التي ظلت قروناً عدة صاحبة السلطان على السياسة أداة الآداب والطقوس النصرانية، وانتقلت الطقوس الإغريقية الخفية إلى طقوس القداس الغامضة المهيبة، وساعدت ثقافات وثنية أخرى على إحداث هذه النتيجة الجامعة للمتناقضات. فجاءت من مصر أفكار الثالوث المقدس (بل الشركي)، والحساب الأخير، وأبدية الثواب والعقاب الشخصي، ومنها جاءت عبادة أم الطفل والطفل، والاتصال الصوفي بالإله، ذلك الاتصال الذي أوجد الأفلاطونية الحديثة واللاأدرية وطمس معالم العقيدة النصرانية. ومن مصر أيضاً استمدت الأديرة نشأتها والصورة التي نسجت على منوالها. ومن فريجيا جاءت عبادة الأم العظمى، ومن سوريا أتت دراما بعث أدونيس (من موته). وربما كانت تراقيا هي التي بعثت للنصرانية بطقوس ديونيشس، الإله (عندهم) الذي يموت ليخلص (الآخرين). ومن بلاد الفرس جاءت عقيدة الألف عام وعصور الأرض، واللهب (الصراع) الأخير ، وثنائية الشيطان والله والظلمة والنور. فمنذ عهد الإنجيل الرابع يصبح المسيح نوراً “يضيء في الظلمة، والظلمة لم تطفئه“. ولقد بلغ التشابه بين الطقوس المثراسية والقربان المقدس في القداس حداً جعل الآباء النصارى يتهمون الشيطان بأنه هو الذي ابتدعه ليضل به ضعاف العقول. (وباختضار) إن النصرانية كانت الاختراع العظيم الآخير للعالم الوثني القديم. (انتهى)