بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه و نستهديه ونستغفره و نتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه و سلم عبده ورسوله .
نبدأ أولاً بالتعرف على أصل كلمة موسيقا ،ثم بأدلة تحريم المعازف والموسيقا،وننتقل بعدها إلى تفصيل الشبهات الشهيرة حول هذا الموضوع وردودها بإذن الله تبارك وتعالى .

الموسيقى لغة كما يعرفها أهل الاختصاص .. لفظ يوناني اخذ عن الإغريق الذين كانوا يقدسون الفنون حيث ينسبونها الى معبوداتهم, ويسمون كل ماله إتصال بالفن ..موسيقى.
وكلمة موسيقى تدل عند الرومان القدماء على معنى واسع ومهم, فقد كان عدد معبوداتهم 9, حيث أطلقوا على كل واحدة منها كلمة " موسا " وتعني الملهمة.. ثم أضافوا كلمة " يقي أو يكي " للدلالة على النسبة فأصبحت موسيقي.. ثم تسربت الكلمة الى الأمم الآخرى على هذا الأساس, وانفرد فن الغناء عن باقي الفنون باستعمال كلمة موسيقى ،ننتقل الآن إلى أدلة تحريمها .

أولاً: أدلة القرآن الكريم:
قال الله تعالى":وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ" لقمان : 6
وإليكم أقوال المفسرين:
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:" والله الذي لا إله غيره هو الغناء (رددها ثلاث مرات)"
وقال ابن عباس رضي الله عنهما:" لهو الحديث : الباطل والغناء" وقال بن عمر" : إنه الغناء " و لاحظوا تعبير رب العباد عن الموسيقا في قوله :" و من الناس من يشتري لهو الحديث" بأن الإنسان يشتريها،كم من الأموال يدفعها الناس ثمناً لسيديات و كاسيتات الفنانين و الفنانات؟بل إن من الأغنياء من يدفع ملايين الدولارات لقاء حفلة لمدة ساعات لإحدى المغنيات و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .
قال الله تعالى:" أ َفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ*وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ*وَأَنتُمْ سَامِدُونَ" النجم : 59-61
قال عكرمة عن ابن عباس:" السمود : الغناء في لغة حمير"حِميَر هي دولة حكمت اليمن بعد سبأ و الله تبارك و تعالى أعلى و أعلم .
قال الله تعالى:"وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا "الإسراء:64
قال مجاهد :" وصوته الغناء والباطل"
قال الله تعالى:" وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا" الفرقان :72
قال محمد بن الحنفية" :الزور هاهنا الغناء"

ثانياً : أدلة السنة:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :"لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِى أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ" رواه البخاري .
والمقصود بالحر الزنا ولاحظوا كيف اقترنت المعازف مع ثلاثة أنواع من الكبائر والعياذ بالله .
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير" صححه الألباني
قال رسول الله :"إن الله حرم علي أو حرم الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام "صححه الألباني .
قال سفيان: فسألت علي بن بذيمة عن الكوبة قال:" الطبل"

ثالثاً: بعض أقوال السلف:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :" الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع"
قال الفضيل بن عياض :" الغناء رقية الزنا"
نأتي الآن إلى شبهات المبيحين وجوابها بعون الله وتوفيقه .

الشبهة الأولى:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وعندي جاريتان [ من جوار الأنصار و الجارية هنا مؤنث الصبي نظيرته في العمر وليست الجارية كما هو متداول ] ، ( وفي رواية: قينتان ) [ في أيام منى ، تدففان وتضربان ] ، تغنيان بغناء ، ( وفي رواية: بما تقاولت ، وفي أخرى: تقاذفت ) الأنصار يوم بُعَاث ]يوم بين الأوس والخزرج في الجاهلية[، [ وليستا بمغنيتين ] ، فاضطجع على الفراش ، وحوّل وجهه ، ودخل أبو بكر [ والنبي متغَشٍّ بثوبه ] فانتهرني ، ( وفي رواية: فانتهرهما ) وقال: مزمارة ( وفي رواية: مزمار ) الشيطان عند ( وفي رواية: أمزامير الشيطان في بيت ) رسول الله [ ( مرتين) ؟ !
فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ( وفي رواية: فكشف النبي عن وجهه ) فقال:] دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيدا ، وهذا عيدنا [ ، فلما غفل غمزتهما فخرجتا " .

الجواب:
أولاً:الجاريتان اللتان كانتا تنشدان لم تكونا في مرحلة البلوغ .
ثانياً:كلمات ما كانتا تنشدان قصائد حماسية ليس فيها كلمات ناشزة .
ثالثاً: لم ينكر رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي بكر رضي الله عنه وصفه لها بـ "مزامير الشيطان"ولم ينكر أيضاً وجود أصل التحريم،ولم يطلق الإباحة على مدار السنة والأيام،لكنه أعلّ استثناءه بأن يومها كان عيد المسلمين .

الشبهة الثانية: حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهما :أن أمة سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم - ورجع من بعض مغازيه - فقالت: إني كنت نذرت إِن ردك الله صالحاً ( وفي رواية: سالماً ) أن أضرب عندك بالدف [ وأتغنى ] ؟ قال:
" إن كنت فعلت ( وفي الرواية الأخرى: نذرت ) ، فافعلي ، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي" .
فضربت ، فدخل أبو بكر وهي تضرب ، ودخل غيره وهي تضرب ، ثم دخل عمر ، قال: فجعلت دفها خلفها ، ( وفي الرواية الأخرى: تحت إستها ثم قعدت عليه ) ، وهي مقَّنعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
" إن الشيطان ليفرق ( وفي الرواية: ليخاف ) منك يا عمر ! أنا جالس ههنا [ وهي تضرب ] ، ودخل هؤلاء [ وهي تضرب ] ، فلما أن دخلت [ أنت يا عمر ] فعلت ما فعلت ، ( وفي الرواية: ألقت الدف)" .

الجواب:
أولاً:لقد استأذنت الأمة قبل أن تبدأ الضرب بالدف،يعني أصل التحريم موجود وهذا كان استثناءاً لضرورة أن رسول الله مبعوث رحمة لجميع العالمين بما فيهم الأبيض والأسود،و العبيد والإماء ،و أكل لحم الخنزير لضرورة شدة الجوع لا يعني إباحته بأي شكل من الأشكال .
ثانياً:لقد توقفت الأمة عن الضرب بالدف عند دخول الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه مما يؤكد أن هذه حادثة عين لا يجوز حملها على الإباحة إطلاقاً ،والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم .

ضوابط الغناء:
أولاً:خلوها من الكلمات المخلة بالعقيدة أو الأخلاق،و لا بأس ببعض الأمثلة على المخالفات العقائدية في الأغاني ...
تقول النصرانية فيروز في القصيدة التي كتبها النصراني الماسوني جبران خليل جبران:
أعطني الناي وغني ... فالغنا سر الوجود
و أنين الناي يبقى ... بعد أن يفنى الوجود
جبران يقول عن الغناء بأنه سر الوجود،والله تبارك وتعالى يقول:"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
ويقول بأن أنين الناي يبقى بعد فناء الوجود،والله تبارك وتعالى يقول:"كل من عليها فان،ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام" .
يقول عبد الحليم حافظ:" لا حسلم بالمكتوب، ولا حرضى أبان مغلوب"والمكتوب هو القدر،والقدر صفة من صفات الله تبارك وتعالى !
و أناشيد الصوفية مليئة بمثل هذه الشركيات والكلمات كما هو معروف عنها ،و نكتفي بمثال على القصيدة التي تسمى بالبردة للبوصيري:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به******سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن آخذا يوم المعاد يدي******صفحا وإلا فقل يا زلـة القـدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها******ومن عـلومـك علم اللوح والقلم
فالبيت الأول يجسد شرك الاستغاثة كما نعرٍفه جميعاً،وأما البيت الثالث،فقوله عن رسول الله بأن من جوده الدنيا وضرتها،ضرة الدنيا هي الآخرة،يصف رسول الله بأن "من "يعني جزء بسيط من جوده "الدنيا وضرتها الآخرة"والله تبارك وتعالى يقول:" إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى * وَإِنَّ لَنَا للآخرة وَالاْولَى " .ٍ
ويقول أيضاً بأن "من "يعني جزء من "علومك علم اللوح والقلم"وعلم اللوح والقلم هو علم الغيب الذي اختص به رب العزة جل شأنه عن جميع خلقه بما فيهم رسول الله ،وأما الأحاديث التي يرويها عن الفتن و الأحداث التي جرت وتجري و ستجري بعده فهي من إخبار الله تعالى له وليست من عنده كما يزعم البوصيري،ولنتذكر قوله تبارك وتعالى على سبيل المثال:" وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ"

ثانياً:خلوها من المعازف على الإطلاق،و استثنى العلماء من استقرائهم للأدلة جواز الدف للنساء،لكن المرأة أمام النساء،وأمام زوجها،و أمام محارمها .

فإن قال قائل:" أنتم تتشددون كثيراً حتى لم يعد لدينا مجال للتنفس ،و ما هو الضرر في الموسيقا إذا سمعتها في بيتي بصوت هادئ دون إيذاء المسلمين؟" يُقال لهذا:"كما أن إيذاء الآخرين حرام،إيذاء النفس أيضاً حرام،لا ضرر ، و لا ضرار،و البدائل و لله الحمد كثيرة جمة وفيرة،لم يمنعك أحد مثلاً من أناشيد العفاسي و أبو عبد الملك و غيرهما كثير" ثم إن المسألة حق و باطل،و إفك و صدق،فصوت هدير موج البحر،و خرير جداول المياه،و الطيور الجميلة حق و صدق،و صوت المعازف على اختلافها باطل و إفك،ثم إننا نستغني بالنزهة القصيرة لسماع أصوات الطبيعة و الطيور الجميلة عن مئات حفلات الطرب و التهريج و الفسق،و نستغني بالورد الطبيعي و إن ذبل بعد بضعة أيام عن الورد الاصطناعي مهما كان جميلاً و متلوناً و ربما يبقى بين أيدينا سنوات عديدة دون أن يصيبه شيء .

و ما كان من صواب وسداد وتوفيق فبفضل من الله وحده لا شريك له،و ما كان من خطأ أو تقصير أو نسيان فمني ومن الشيطان،والله ورسوله صلى الله عليه و سلم منه براء .

وصلى الله على نبينا محمد،وعلى آله و صحبه وزوجاته أمهات المؤمنين،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وسلم تسليماً كثيراً .