الخرفان حتى يوهموا أتباعهم أنهم عندهم الكثير ليقولوه ضد الاسلام بيستشهدوا بتفاسير و كتب تاريخ و ان كانت ضد الأخاديث الصحيحة بل و القرآن و العقل ...و في بعض الأحيا بيقوموا بالكدب و التدليس على المفتين أو القص من فتواهم ...و ختى لو كاوا نقلوا أقوال المفتون كما هي فالجواب هو

زاد المعاد في هدي خير العباد
للإمام العلامة شيخ الإسلام
محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى

ابن قيم الجوزية

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً} [الأحزاب: 36]. فقطع سبحانه وتعالى التخيير بعد أمره وأمر رسوله، فليس لمؤمن أن يختار شيئاً بعد أمره صلى الله عليه وسلم، بل إذا أمر، فأمرُه حتم، وإنما الخِيَرَةُ في قول غيره إذا خفي أمرُه، وكان ذلك الغيرُ مِن أهل العلم به وبسنته، فبهذه الشروط يكونُ قولُ غيره سائغَ الاتباع، لا واجب الاتباع، فلا يجب على أحد اتباعُ قول أحد سواه، بل غايتُه أنَّه يسوغ له اتباعُه، ولو تَرَكَ الأخذ بقول غيره، لم يكن عاصياً للّه ورسوله. فأين هذا ممن يجب على جميع المكلفين اتباعُه، ويحرم عليهم مخالفتُه، ويجب عليهم تركُ كل قول لقوله؟ فلا حكم لأحد معه، ولا قولَ لأحد معه، كما لا تشريع لأحد معه، وكلُّ من سواه، فإنما يجب اتباعُه على قوله إذا أمر بما أمر به، ونهى عما نهى عنه، فكان مبلغاً محضاً ومخبراً لا منشئاً ومؤسساً، فمن أنشأ أقوالاً، وأسس قواعدَ بحسب فهمه وتأويله، لم يجب على الأمّةِ اتباعُها، ولا التحاكم إليها حتى تُعرَض على ما جاء به الرسولُ، فإن طابقته،ووافقته،وشهد لها بالصحة، قُبِلَتْ حينئذٍ، وإن خالفته، وجب ردُّها واطِّراحُها، فإن لم يتبين فيها أحدُ الأمرين، جُعِلَتْ موقوفة، وكان أحسنُ أحوالها أن يجوزَ الحكمُ والإِفتاء بها وتركه، وأما أنه يجب ويتعين، فكلا، ولما.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخِيرته من خلقه، وسفيرُه بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله اللّه رحمةً للعالمين، وإماماً للمتقين، وحجةً على الخلائق أجمعين. أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أقومِ الطرق وأوضح السُّبل، وافترض على العباد طاعتَه وتعزيره وتوقيره ومحبته، والقيام بحقوقه، وسدَّ دون جنَته الطرق، فلن تفتح لأحد إلا من طريقه، فشرح له صدرَه، ورفع له ذِكْره، ووضع عنه وِزره، وجعل الذِّلَةَ والصَّغار على من خالف أمره......

فصل
ومن هاهنا تعلم اضطرار العباد فوقَ كل ضرورة إلى معرفة الرسول، وما جاء به، وتصديقه فيما أخبر به، وطاعته فيما أمر، فإنه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا، ولا في الآخرة إلا على أيدي الرسل، ولا سبيلَ إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلا مِن جهتهم، ولا يُنال رضى اللّه البتة إلا على أيديهم، فالطَّيِّب من الأعمال والأقوال والأخلاق، ليس إلا هديهم وما جاؤوا به، فهم الميزانُ الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم تُوزن الأقوال والأخلاق والأعمال، وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال، فالضرورة إليهم أعظمُ مِن ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها، فأي ضرورة وحاجة فُرِضَت، فضرورةُ العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير. وما ظنك بمن إذا غاب عنك هديُه وما جاء به طرفةَ عين، فسد قلبُك، وصار كالحوت إذا فارق الماء، ووضع في المِقلاة، فحال العبد عند مفارقة قلبه لما جاء به الرسل، كهذه الحال، بل أعظمُ، ولكن لا يُحِسُّ بهذا إلا قلب حي و
* مَا لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إِيلاَمُ *
وإذا كانت سعادةُ العبد في الدارين معلقةً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيجِب على كلَ من نصح نفسه، وأحب نجاتها وسعادتها، أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه مَا يَخْرُجُ به عن الجاهلين به، ويدخل به في عِداد أتباعه وشِيعته وحِزبه، والناس في هذا بين مستقِل، ومستكثِر، ومحروم، والفضلُ بيد اللّه يُؤتيه من يشاء، واللّه ذو الفضل العظيم

-***