البابا بندكت في خدمة الرئيس جورج بوش / أوري أفنيري (*)

21-9-1427 هـ

بصفتي يهودي ملحد، أنا لا أنوي أن أكون طرفا في هذا النقاش. من أنا لأتتبع منطق البابا. غير أني غير قادر على التزام الصمت حيال مقطع واحد من خطابه، متعلق بي كإسرائيلي يعيش بجوار خط الجبهة في "حرب الحضارات".

لكي يثبت انعدام وجود المنطق في الإسلام، يدعي البابا أن النبي محمد قد أمر أتباعه بنشر دينه بقوة السيف، وهذا أمر غير منطقي، على حد تعبير البابا، لأن الروح هي مصدر الإيمان وليس الجسد، وكيف يمكن للسيف أن يؤثر على الروح؟



منذ أن كان قياصرة روما يقذفون بالمسيحيين إلى الحلبة، فريسة للأسود، مرت العلاقات بين القياصرة ورؤساء الكنيسة بتقلبات كثيرة.

لقد حوّل القيصر قستنطين الأكبر، الذي ارتقى السلطة عام 306 - قبل 1700 سنة بالضبط - الدين المسيحي إلى دين الإمبراطورية، التي كانت تضم أرض فلسطين أيضا. مع مرور الزمن انقسمت الكنيسة على ذاتها بين فرعيها الشرقي ("الأرثوذكسي") والغربي ("الكاثوليكي")، وقد طالب البطريرك الغربي، الذي أصبح البابا فيما بعد، من القيصر الاعتراف بسلطته العليا.

لقد تصدرت النزاعات بين القيصر والبابا، في العديد من الأحيان، مركز تاريخ أوروبا وجزأت الشعوب. لقد عرفت هذه النزاعات مدا وجزرا. كان هناك قياصرة أقالوا البابا أو نفوه وكان باباوات أقالوا أو نفوا القيصر. أحد القياصرة، وهو هاينريخ الرابع، "ذهب إلى كانوسا"، حيث وقف هناك حافي القدمين على الثلج لمدة ثلاثة أيام متواصلة أمام مقر البابا حتى وافق الأخير على إلغاء النفي الذي فرضه عليه.

غير أنه كانت هناك فترات طويلة عاش فيه القياصرة والباباوات بسلام أحدهم مع الآخر. نحن نشهد في الفترة الحالية انسجام يثير الدهشة، بين البابا الحالي، بندكتوس السادس عشر، والقيصر الحالي، جورج بوش الثاني،. علينا أن ننظر، على هذه الخلفية، إلى خطاب البابا الذي أثار ضجة عالمية: أنه يندمج مع الحملة الصليبية التي يقودها بوش ضد "الفاشية الإسلامية"، في إطار "صراع الحضارات".

في خطابه الذي ألقاه في جامعة ألمانية، أراد البابا، المائتان الخامس والستين، أن يثبت أن هناك فرق جوهري بين المسيحية والإسلام: فبينما ترتكز المسيحية على المنطق، فإن الإسلام ينكره. بينما يرى المسيحيون منطقا في أعمال الله، ينكر المسلمون أية منطق في أعمال الله.

بصفتي يهودي ملحد، أنا لا أنوي أن أكون طرفا في هذا النقاش. من أنا لأتتبع منطق البابا. غير أني غير قادر على التزام الصمت حيال مقطع واحد من خطابه، متعلق بي كإسرائيلي يعيش بجوار خط الجبهة في "حرب الحضارات".

لكي يثبت انعدام وجود المنطق في الإسلام، يدعي البابا أن النبي محمد قد أمر أتباعه بنشر دينه بقوة السيف، وهذا أمر غير منطقي، على حد تعبير البابا، لأن الروح هي مصدر الإيمان وليس الجسد، وكيف يمكن للسيف أن يؤثر على الروح؟

لتدعيم أقواله، اقتبس البابا أقوالا أدلى بها قيصر بيزنطي بالذات، وهو من أتباع الكنيسة الشرقية المنافسة. في أواخر القرن الرابع عشر روى القيصر عيمانوئيل الثاني عن نقاش أجراه، على حد زعمه (هذا الأمر مشكوك فيه) مع مثقف فارسي مسلم مجهول. وفي خضم النقاش قال القيصر بخشونة (على حد قوله) أمام شريكه في الحديث:

"أرني شيئا جديدا أتى به النبي محمد، وسترى أشياء سيئة وغير إنسانية فقط، مثل أمر نشر دينه بقوة السيف."

تثير هذه الأقوال ثلاثة أسئلة: (أ) لماذا قالها القيصر؟ (ب) هل هي صحيحة؟ و(ج) لماذا كررها البابا الحالي؟

عندما سجل عيمانوئيل الثاني هذه الأقوال، كان مليكا على إمبراطورية آفلة. لقد ارتقى السلطة عام 1391، حيث كانت قد تبقت محافظات قليلة من الإمبراطورية العظيمة. لقد هدد الأتراك باحتلال هذه المناطق أيضا في أي لحظة.

في تلك الفترة، كان الأتراك قد وصلوا إلى ضفاف الدانوب. لقد احتلوا بلغاريا وشمال اليونان وهزموا الجيوش التي أرسلتها أوروبا مرتين، بهدف إنقاذ القيصرية الشرقية. في عام 1452، بعد بضع سنوات فقط من موت عيمانوئيل، احتل الأتراك عاصمته القسطنطينية (اسطنبول اليوم) وأدوا إلى نهاية الإمبراطورية التي دامت أكثر من ألف سنة.

في أيام حكمه، تجول القيصر عيمانوئيل في عواصم أوروبا طلبا للمساعدة. لقد وعد بتوحيد الكنيسة من جديد. لا شك في أن كتب القصص عن نزاعاته الدينية ليثير حفيظة أوروبا ضد الأتراك وليقنعها بالخروج إلى حملات صليبية جديدة. كانت نيته سياسية، وما كانت اللاهوتية إلا لخدمة السياسة.

إن الأمور، من هذه الناحية، تتوازى مع احتياجات القيصر الحالي، جورج بوش، فهو أيضا يحاول توحيد العالم المسيحي ضد "محور الشر" الإسلامي. إضافة إلى ذلك فإن الأتراك أيضا يطرقون باب أوروبا وفي هذه المرة بوسائل سلمية. من المعروف أن البابا يعارض القوى التي تطالب بانضمامهم إلى الاتحاد الأوروبي.

هل هناك حقيقة في ادعاء القيصر عيمانوئيل؟

لقد شكك البابا ذاته بأقواله. كلاهوتي جدي له سمعته، لا يمكنه أن يسمح لنفسه بتزييف ما هو مكتوب. لذلك ذكر أن النبي محمد قد منع في القرآن بشكل واضح نشر الدين بقوة السيف. لقد اقتبس عن سورة البقرة، الآية 256 (صحيح أن البابا لا يخطئ ولكنه أخطأ هنا: لقد قصد الآية 257. لقد جاء فيها: "لا إكراه في الدين!").

كيف يتجاهلون قولا بسيطا وقاطعا إلى هذا الحد؟ يدعي البابا أن هذه الآية قد كتبت في بداية طريق محمد، بينما كان ما زال يفتقر إلى القوة، ولكن مع مرور الوقت، أمر باستخدام السيف من أجل الدين. لا يوجد لمثل هذه الوصية أي ذكر في القرآن. صحيح أن النبي محمد قد دعا إلى استخدام السيف في معاركه ضد خصومه من القبائل - المسيحيين واليهود - في شبه الجزيرة العربية، عندما أسس دولته، غير أن هذا كان عملا سياسيا وليس دينيا، معركة على الأرض وليس على بسط الدين.

يسوع المسيح قال: "تعرفونهم من ثمارهم." علينا أن ننظر إلى تعامل الإسلام مع الديانات الأخرى حسب اختبار بسيط: كيف تصرفوا خلال أكثر من ألف سنة، بينما كانت القوة بين يديهم، وكان بمستطاعهم "نشر دينهم بقوة السيف". هم لم يفعلوا ذلك.

لقد سيطر المسلمون على اليونان مئات السنين. هل اعتنق اليونانيون الإسلام؟ حل حاول أي شخص إدخالهم في الإسلام؟ على العكس، لقد شغل اليونانيون وظائف كبيرة في الحكم العثماني. كما أن شعوب أوروبا المختلفة مثل البلغاريين، الصرب، الرومانيين، الهنغاريين، الذين عاشوا فترات طويلة تحت حكم الأتراك، قد تشبثوا بدينهم المسيحي. إن أحدا لم يجبرهم على اعتناق الدين الإسلامي، وظلوا مسيحيين متدينين.

لقد أسلم الألبان وكذلك البوسنيون، ولكن لا أحدا منهم يدعي بأنهم قد أكرهوا في ذلك. لقد اعتنقوا الدين الإسلامي ليكونوا محببين إلى السلطة وليتمتعوا بخيراتها.

في عام 1099 احتل الصليبيون القدس وذبحوا سكانها المسلمين واليهود من دون تمييز، وكانت هذه الأمور تنفذ باسم يسوع طاهر النفس. في تلك الفترة، وبعد 400 سنة من احتلال المسلمين للبلاد، كان ما زال معظم سكان البلاد من المسيحيين. طيلة كل تلك الفترة لم تجرى أية محاولة لفرض دين محمد على السكان. بعد أن طرد الصليبيون من البلاد فقط، بدأ معظهمم بتبني اللغة العربية واعتناق الدين الإسلامي - وكان معظم هؤلاء هم أجداد الفلسطينيين في أيامنا هذه.

لم تُعرف أية محاولة لفرض دين محمد على اليهود. لقد تمتع يهود أسبانيا، تحت حكم المسلمين، بازدهار لم يسبق له مثيل في حياة اليهود حتى أيامنا هذه تقريبا. شعراء مثل يهودا هليفي كانوا يكتبون باللغة العربية، كذلك الحاخام موشيه بن ميمون (الرمبام). كان اليهود في الأندلس المسلمة وزراء، شعراء علماء. لقد عمل في طلليطلة المسلمة مسلمون، يهود ومسيحيون معا على ترجمة كتب الفلسفة والعلوم اليونانية القديمة. لقد كان ذلك "عصر ذهبي" بالفعل.

كيف كان لهذا أن يحدث كله، لو كان النبي محمد قد أمر أتباعه "بنشر الإيمان بقوة السيف"؟

ولكن المهم هو ما حدث لاحقا، حين احتل الكاثوليكيون أسبانيا من أيدي المسلمين، فقد بسطوا فيها حكما من الإرهاب الديني. لقد وقف اليهود والمسلمون أمام خيار قاس: اعتناق المسيحية أو الموت أو الهرب. وإلى أين هرب مئات آلاف اليهود، الذين رفضوا تغيير دينهم؟ لقد استقبل معظمهم على الرحب والسعة في الدول الإسلامية. لقد استوطن "يهود الأندلس" من المغرب في الغرب وحتى العراق في الشرق، من بلغاريا (تحت حكم الأتراك آنذاك) في الشمال وحتى السودان في الجنوب. لم تتم ملاحقتهم في أي مكان. لم يواجهوا هناك أي شيء يضاهي تعذيب محاكم التفتيش، لهيب المحارق، المجازر والطرد الذي ساد في معظم الدول المسيحية حتى حدوث الكارثة.

لماذا؟ لأن محمد قد منع بشكل واضح ملاحقة "أهل الكتاب". لقد تم تخصيص مكانة خاصة في المجتمع الإسلامي لليهود وللمسيحيين. لم تكن هذه المكانة مساوية تماما، ولكنها كادت تكون كذلك. كان يتوجب علهم دفع جزية خاصة، ولكنهم قد أعفوا من الجيش مقابلها - وهذه الصفقة كانت مجدية جدا لليهود. يقولون أن الحكام المسلمين قد عارضوا محاولات إدخال اليهود في الإسلام حتى بالوسائل اللطيفة، لأن هذا الأمر كان منوطا بخسارة عائداتهم من الضرائب.

كل يهودي مستقيم، يعرف تاريخ شعبه، لا يمكنه إلا أن يشعر بالعرفان تجاه الإسلام، الذي حمى اليهود طيلة خمسين جيلا، في الوقت الذي كان العالم المسيحي فيه يلاحقهم وحاول في العديد من المرات إجبارهم على تغيير دينهم "بالسيف".

قصة "نشر دين محمد بالسيف" هي أسطورة موجهة، جزء من الأساطير التي نشأت في أوروبا أيام الحروب الكبيرة ضد المسلمين - إعادة احتلال أسبانيا من قبل المسيحيين، الحروب الصليبية وملاحقة الأتراك، الذين كادوا يحتلون فيينا. أشتبه في أن البابا الألماني يؤمن هو أيضا بهذه الأساطير إيمانا تاما. هذا يعني أن زعيم العالم المسيحي، وهي لاهوتي مسيحي هام بحد ذاته، لم يبذل جهدا في التعمق في تاريخ أديان أخرى.

لماذا صرح بهذه التصريحات علنيا؟ ولماذا الآن بالذات؟

لا مناص من النظر إلى الأمور على خلفية الحملة الصليبية الجديدة التي يخوضها بوش ومؤيدوه الإنجيليون، وحديثه عن "الفاشية الإسلامية" و"الحرب العالمية ضد الإرهاب"، بينما يتم توجيه كلمة "الإرهاب" إلى المسلمين. إن هذا الأمر بالنسبة لمن يوجه بوش هو محاولة ساخرة لتبرير الاستيلاء على مصادر النفط. هذه ليس المرة الأولى التي تلبس فيها المصالح الاقتصادية الجرداء قناعا دينيا، وهذه ليست المرة الأولى التي تتحول فيه حملة نهب إلى حملة صليبية.

يندمج خطاب البابا بشكل جيد في هذه المساعي. ولا أحد يعرف ما هي النتائج الممكنة.




(*)قلم / أوري أفنيري -مؤلف وناشط يهودي ورئيس كتلة السلام في إسرائيل