بسم الله الرحمن الرحيم

كلاب مسعورة .. وخنازير مأجورة.."2"


بقلم : د.محمد عباس



اغفر لي يا رب..
اغفر لي..
اغفر لي أنى أتألم..
لأنني بحق جلال ذاتك و أسمائك وصفاتك أخشى أن يتسلل إلىّ الشيطان فيسرى منى مسرى الدم في العروق فيخلط عملا صالح بعمل غير صالح.
اغفر لي ألمي..
لأنني أخشى أن يكون هذا الألم نقص يقين لا يملك نبل النفس اللوامة ولا يجرؤ أن يعبر عن نفسه بتلك الصرخة التي انطلقت من واحد ممن أحسبهم – ولا أزكيه على الله - من أفضل الكتاب والمفكرين المسلمين المعاصرين .. حين استبد به الألم فصرخ:
- أين نصرك.. وعدتنا بالنصر فأين نصرك.. أحيط بنا فأين نصرك..
أحسست بأن الأرض تميد من تحت قدمي.. وبأن الجبال الراسيات توشك أن تنقض.. وانطلق الرجل وقد أخرجه الألم عن جادة الصواب يصرخ..
- نحن العرب قصرنا.. ونستحق ما يحدث لنا.. لكن هؤلاء عبادك في الشيشان و أفغانستان يا رب قد جاهدوا فيك حق جهادك فأين نصرك الذي وعدت به عبادك المؤمنين؟.. انصرهم واجعل منهم المثل كي نحذو حذوهم تقتفى أثرهم ونجاهد فيك كما جاهدوا..
***
كنا في لقاء فكري، وانبرى من بين الحضور من رد على ذلك الرجل فأحسن الحديث، فكفاني مئونة الرد..
لكنني غرقت بعدها في تأمل عميق..
وأحسست أن الألم قد يكون خطيئة إذا تسرب إليه شك في أن النصر قادم .. أو إن خالطته ريبة في أن هذا الذي يحدث فيدمى قلوبنا قد خرج – أستغفر الله العظيم – عن نطاق المشيئة.. أو امتزج به شك أن الشيطان – من جن ومن إنس – معجز الله سبحانه وتعالى عما يشركون.
فاغفر لي ألمي..
لقد أحسست بعد حديث ذلك الرجل أن الألم يمكن أن يكون كبيرة من الكبائر إن شابه شك أو اعتراض..

و أحسست بفداحة الجرأة و بحجم الجرم الذي قد نغفل عنه حين يتجرأ أي واحد منا فيتصدى بعقله لقضية، ثم يجرؤ ليطالب المشيئة الإلهية أن تتحرك وفقا لعقله..
يالها من حماقة أن يتصور أي واحد منا أن تختزل الحكمة الإلهية فلا تتحرك إلا تحت سقف عقله، فيكون ما يراه بإدراكه القاصر عدلا هو ما يطلب من المشيئة الإلهية أن تجريه، وما يراه رحمة هو ما يطلب أن تُسبغ، وما يراه واجب الكينونة هو ما لابد أن يكون.
الطفل الذي يريد أن يتحكم بعقله في تصرفات أبيه يثير الضحك والسخرية ويخشى عليه ذووه إن استمر فيما هو فيه أن يكون مختل العقل..
والتلميذ في المرحلة الإعدادية أو الثانوية لابد أن يوصم بالجهل والغباء الشديد حين يتصور أن رؤيته تلزم أستاذ الجامعة، و أنه يخطئ إن لم فعل ما يتصور الطالب أنه يجب أن يفعله، وتماما كذلك بين الجندي والجنرال.
يحدث هذا عندما يريد العقل الأصغر أن يحيط بالعقل الأكبر، وكلاهما بشري، وكلاهما غير معصوم.. فماذا نقول إذن في عقل بشري يتصور أنه يحيط بالحكمة الإلهية ويطلب منها أن توافق رؤاه.
وماذا نقول في من يقرأ صفحة من رواية فيصدر أحكاما قاطعة دون أن يضع في حسبانه ما قبل هذه الصفحة وما بعدها.. بل وما قبل القبل وما بعد البعد.
الأمر خطأ مطبق وجموح مطلق.. لأن المشيئة الإلهية هي المعيار الذي يجب أن نضبط عقولنا عليه فهي الحق المطلق والعدل المطلق والرحمة المطلقة.. حتى لو خالف أي من ذلك رؤيتنا القاصرة ورؤانا المحدودة..
ولقد كان الله قادرا – لو شاء - أن يجعل أهل الأرض جميعا أمة واحدة تؤمن به فلا تخرج عما قضى به قيد أنملة.
***

هل كان يعجز الله لو شاء أن تشرق الشمس كل صباح فيرسم نورها على صفحة السماء :لا إله إلا الله محمد رسول الله؟!..
لكن..كيف تكون الدنيا دار امتحان وابتلاء وتمييز ومفاصلة إن حدث ذلك..؟!.
ولو أن كل من صلى ومن صام تفوق على كل من لا يصلى ولا يصوم أو لو تلقفت نار جهنم- في الدنيا – غير المؤمنين لانتهت الحكاية.. فسوف يكون الأثر المباشر دافعا للناس جميعا أن يسلكوا ذلك الطريق..
ولو أن كل من جاهد في سبيل الله انتصر على الفور لحق للدنيا أن تنتهي بعد بضعة عقود – أو حتى قرون – من هبوط سيدنا آدم من الجنة.. بضعة قرون أو حتى عقود تتم فيها المفاصلة ويميز الله بين الخبيث والطيب..
ولكن شاءت حكمته جل وعلا أن يكون الامتحان هكذا.. وأن يأخذ الشيطان كل فرصة كي يغري الناس بعبادته، و أن توافقه ظواهر الأمور أحيانا.. حتى تكشف ادعاء الإيمان عند أولئك الذين ما آمنوا إلا ليفوزوا بالدنيا لا بالآخرة..فإن رأوا للفوز بالدنيا سبيلا آخر تنكبوه على الفور..
***
فاغفر لي ألمي..
إذ رب متعبد لله بلسانه معاد له بفعله، ذلول في الانسياق إلى عذاب السعير.
اغفر لي.. فبعزتك وجلالك إني أدرك أن ما يحدث من فساد في الأرض وسفك في الدم وخراب في الذمم وظلم الطواغيت ما يحدث إلا بمشيئتك وقدرك لكن حكمتك تخفى علينا.
اغفر لي..
ولا تضلني بعد إذ هديتني.
***
و أنت تعلم يا علام الغيوب أنني لا أتألم مما يفعله أعداؤك بنا بقدر ما أتألم مما نفعله بأنفسنا.
ولقد رحت – على سبيل المثال - وفى قلبي ألم لا يوصف أتساءل: هل الحضارة الغربية هي الدين الذي يريد ولاة أمورنا ومثقفونا منا أن نجفف منابع الإسلام ونتبعه.. هل هذه الحضارة المجرمة الملحدة هي مصدر زهوهم وتعاليهم وصلفهم وكبريائهم ونظرتهم إلينا بازدراء.. ازدراء شيطان كافر مجرم.. ازدراء كلب مسعور لا يهدأ حتى يعقر الآخرين لينقل المرض المميت إليهم..
أجل.. كلب مسعور..

كلب مسعور ليس له إلا ميزة واحدة.. أنهم في إمبراطورية الشيطان لا يدعون الإيمان.. وهم يروجون للكفر ويعترفون أنهم كفرة ملحدون.. فهذا الاعتراف ميزة ترفع الغربي درجة على
مثقفينا الحداثيين الذين يتبعون ذات الحداثة والنسبية والكفر لكنهم يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان..
ألا إن الواحد منهم أسوأ من كلب مسعور.. إنه خنزير مأجور..
***
عندما كتب إبراهيم سعدة مقاله الرديء في صحيفته- نعم: صحيفته- تخيلت أن مواجهته في الصحف المصرية المعارضة أمر مباح ومتاح.. ولكن الأيام مرت، فإذا بكل الصحف تلتزم صمت القبور، وحاولت أن أسرى عن نفسي بأن معظم الكتاب لا يأخذون إبراهيم سعدة على محمل الجد ولذلك أهملوه، لكن مجموعة من الكتاب الأصدقاء فاجئوني أنهم أرسلوا ردودا إلى كل الصحف المصرية المعارضة بلا استثناء، لكن صحيفة منها لم تجرؤ على المواجهة، وتمسكت بأهداب أمل يتيم، أن هذه الصحف تجاهلت سعدة استصغارا لشأنه، لكنني فوجئت مرة أخري بأن هؤلاء الأصدقاء اتصلوا بتلك الصحف معاتبين على عدم نشر ردودهم، وكان الرد واحدا و إن اختلف التعبير عنه، وكان مجمله أن إبراهيم سعدة أقوي شخص في مصر الآن، أقوى حتى من مؤسسة الرئاسة، لذلك لا يستطيع أحد مواجهته. قلت للصديق الذي أخبرني بذلك أن الحكاية ليست في قوة إبراهيم سعدة بل في ضعف هذه الصحف التي اكتفت بتمثيل دور المعارضة بديلا عن المعارضة، إنها تصرخ ولا تتكلم، تتشنج ولا تتحرك، توهم الآخرين أنها حية وتعارض بينما يسرى بين صفحاتها الدود والعفن، ثم أن ادعاء أن سعدة أقوي من مؤسسة الرئاسة نكتة مضحكة. وفوجئت بالصديق يقول: ليست نكتة وإنما هي الحقيقة، وعندما لاحظ دهشتي واصل قائلا: فلنأخذ من واقعة تاريخية مثلا، وأبطالها هم التتار والخليفة العباسي وابن العلقمى، لقد كانت مكانة ابن العلقمى عند التتار أعلى بكثير من مكانة الخليفة، بل كان هو شفيعه عندهم.
و أخذت ألوك التشبيه المر في بطئ مؤلم..
فالصديق يقصد بالتتار أمريكا.. وبالخليفة العباسي مؤسسة الرئاسة، وبابن العلقمى إبراهيم سعدة..
فاغفر لي يا رب.. اغفر لى ألمي.
***

نوال السعداوى.. يسارية حداثية..
ليس لها أي قيمة فكرية أو أدبية..ذلك أن إسهامها الواضح لم يكن في الأدب بل في نقض الأدب. ومع ذلك، أو علي الأحرى بسبب ذلك دعتها إمبراطورية الشيطان كي تحاضر في الجامعات الأمريكية، ولست أدري ما هو موضوع المحاضرات الذي يمكن أن تلقيه هناك مطبقة للمثل الشعبي عن بائع المياه في حارة السقائين، ذلك أن أي مدير لدار من دور اللهو سيكون أقدر منها على إلقاء المحاضرات عن تعهير المرأة ( يحرفون الجملة فيقولون: تحرير المرأة).
ليس لها أي قيمة سوي الإساءة للإسلام والنيل منه.. لذلك نستطيع أن نفهم لم احتفت بها إمبراطورية الشيطان، لكننا لا نستطيع أن نفهم أبدا لماذا تحتفي بها مصر، ولماذا يستضيف وزير الثقافة مؤتمرها الأخير الذي عقدته في مكتبة القاهرة الكبري، وموضوع المؤتمر كان نكتة لولا أنني تابعت مقدماتها منذ زمان طويل لما صدقت ما تقرأه عيناى. فوسط الأزمة الهائلة التي تلم بالعرب والمسلمين.. وسط الملاحم والفتن والهزائم والدم والأشلاء وحصار الأعداء.. وسط ذلك كله هل تعرفون يا قراء ماذا دفع نوال السعداوى لعقد مؤتمرها الذي ترعاه الدولة؟..
هل تعرفون؟؟.
أقول لكم..
حشفة الرجل وقلفته ..!!.
نعم .. كان الموضوع الذي تداعت له نوال السعداوى وزبانيتها – وسط الكارثة المحيطة بالعالم الإسلامي- هي النداء بمنع اختتان الرجل.
وكان الموضوع الذي تعاطف معه الوزير الفنان فاروق حسنى – بحرارة شديدة، وسط النار المشتعلة في العالم الإسلامي – هو تبني هذا المؤتمر واستضافته..
اكتفى فاروق حسنى بالترحيب الصامت، لم يلق أي بيان نفهم منه سر تبنيه الحار للمؤتمر، مع أن كلمة منه – باعتبار خبراته المزدوجة – كان يمكن أن تجعل الظلام ينقشع عن عقول الظلاميين.. أمثالنا.
***
صلاح فضل.. يساري حداثى..
جاءوا به ى هيئة الكتاب بدلا من سمير غريب..
وهو نوال السعداوي في إهاب رجل..
يقول عن نفسه: لو فُهِمتُ قُتِلتُ.. لا يقولها إلا للمقربين.. وهو يقصد أنه سيقتل لانحرافه عن الدين ولتدميره ثقافة الأمة..
لا يصلى قط..( ترى: من من المسئولين عن الثقافة في مصر يصلى؟!)..
الاسم الشائع له هو : ليس صلاح فضل.. بل كان صلاحا فَضَلّ..
سمعته في الجامعة أنه يشرف على طالبات الدراسات العليا بأسلوب حداثي مما دفع معظمهن إلى خلع الجامعة والدراسة والأدب خلعا بائنا..
وهو شريك في عصابة الإفك التي أقرت رواية الوليمة..
***
جابر عصفور: يساري حداثي آخر، وهو الآخر يحاضر في أمريكا..!!..
رئيس اللجنة التي أقرت رواية الوليمة ودافعت عنها ولجأ في ذلك إلى كذب رخيص.
مرشح لوزارة الثقافة بعد فاروق حسنى.
مرتبه من الحكومة 23000 جنيها شهريا!! أي أكثر من ربع مليون جنيها سنويا.. وياله من ثمن بخس لو باع الإنسان به الدين والوطن!!.
ولو أننا نعيش في دولة حقا لكان جابر عصفور – وليس قيادات الإخوان المسلمين- هو الذي يحاكم أمام محكمة عسكرية.. ولكان الشاهد الأول عليه أستاذا – حقيقيا – كبيرا في الأدب هو الدكتور عبد العزيز حمودة والذي كشف بكتابيه الهامين المرايا المحدبة والمرايا المقعرة كم هي بشاعة الدجل الذي يقود جابر عصفور ثقافة الأمة إليه.
لقد كشف الدكتور حمودة في كتابيه الكثير عن الدجل والزيف والكذب والرشوة بل والعمالة للمخابرات الأمريكية..

ولقد عاد جابر عصفور – الذي لم يجد من يحاكمه- إلى الهجوم على الأزهر وعلمائه بحجة أنهم لا يفهمون الأدب ولا الحداثة..
و بالرغم من كل هذا يظل جابر عصفور هو ربيب الدولة.. ووزير ثقافتها ذي الخبرات المزدوجة.. وزير ثقافتها صاحب مقولة أن الأخلاق نسبية..
***
ما هو المسار الذي يدفع به هؤلاء الناس و أمثالهم مسار الثقافة في مصر..
نجد الإجابة في كتاب بالغ الأهمية للدكتور عبد الوهاب المسيري ( رحلتي الفكرية) يقول فيه:" … والنسبية بدأت تستشري في بلادنا أيضا . ويلاحظ أن كثيرا من المثقفين اليساريين ممن اكتسحتهم النسبية تخلّوا عن عقيدتهم الثورية وعن الإيمان بمقدرة الإنسان على التجاوز( فالتجاوز يفترض اختيارا ، والاختيار يعني مفاضلة ، والمفاضلة لابد أن تستند إلى معايير ثابتة) وأصبحوا من دعاة الأمر الواقع والتطبيع وقبول ما هو قائم ، أي أصبحوا من عمد الرجعية الصلبة. ولكن ، وهذا هو الغريب، يوجد فريق لا يزال متمسكا بقيم مثل الخصوصية القومية المستقلة وضرورة مقاومة إسرائيل، ومع هذا تجده ينطلق من الإيمان بنسبية كل الأشياء ، فمثل هؤلاء غير مدركين أنه إذا كانت حقا كل الأمور نسبية (كما يدعون ) فلا سيل لتفضيل شيء على آخر، فالتغير يكتسح كل شيء في طريقه. فالالتزام في الأدب مثلا يفترض وجود قيم إنسانية ثابتة، لابد أن يدافع عنها الأديب الملتزم ، فإن كانت كل الأمور نسبية ، فالالتزام يصبح مساويا لعدم الالتزام، والدفاع عن الإنسان يصبح مثل الهجوم عليه. وقد حضرت ندوة عقدت ضد التطبيع حضرها ممثلو الأحزاب المصرية، بما في ذلك اليساريون، الذين قدموا ورقة عن الهوية المصرية قالوا إنها كانت فرعونية ثم قبطية ثم عربية ثم حديثة!. وقولهم هذا يؤكد الصيرورة المستمرة، بل وتنتهي الهوية بشيء عام لا لون ولا طعم ولا رائحة له يسمى "حديثة" . فأشرت إلى أنه مع هذه التغيرات المذهلة لم لا نتصور تحول هذه الهوية إلى هوية شرق أوسطية، كما ينادي الصهاينة! أليست كل الأمور نسبية؟ أليست كل الأمور متساوية؟ فاستشاط كاتب الورقة غضبا، وأصدر أصواتا عصبية حيث كان يجلس"..
النسبية إذن – كالحداثة - وجه من وجوه الكفر.. بل أبشع وجوهه..نعم.. تعني الكفر بكل شئ.. بالله وبالأنبياء والكتب المقدسة والأحاديث النبوية الشريفة.. ولا يقتصر الأمر على ذلك.. لأنها تعنى أيضا الكفر بالقومية والوطنية وبأي مرجعية على الإطلاق.. فهي كفر مطلق. والغريب كما قال الدكتور المسيري أن الكثيرين من المثقفين في بلادنا – اليساريين على وجه الخصوص - يتبنونها ثم يدعون أنهم مسلمون مؤمنون بل يتصدون للمسلمين والمؤمنين كي يعلموهم فقه دينهم. كما يدعون أنهم وطنيون يكرهون إسرائيل.. أو يدعون أنهم ضد الشذوذ الجنسي.
وهنا أريد أن أركز علي معني هام لا أريد أن أستطرد فيه كثيرا: وهو أن نسبية القيم تعني في النظرية الأصلية كما هي في الواقع والتطبيق: انعدام القيم.. و أن هذا هو نفس معني الحداثة، وما بعد الحداثة، فكل هذه المسميات في النهاية – كالعلمانية والماركسية- كفر.
***

هل تريدون يا قراء أن تعرفوا المثل الأعلى للثقافة في مفهوم الحداثيين اليساريين؟!
إنها تقليد أمريكا .. أمريكا رائدة الانحطاط التي جعلت من كل شئ بيت دعارة..
فريادة الأمريكيين للانحطاط لم تتوقف عند حد، شوهوا الدنيا ودنسوا العالم وجمعوا شرور الأولين والآخرين، حتى الفن لم يتركوه..
ولقد ظللت – والله- مريضا لمدة أيام بعد أن قرأت الفقرة التالية في كتاب للدكتور عبد الوهاب المسيري ، فمع السطور الأخيرة منها انفجر في قلبي ألم كالنزيف، ودوى الطنين في رأسي، وشعرت بغثيان لا يتوقف، وامتلأت بالفزع والجزع، تقول الفقرة الطويلة:
" وبطبيعة الحال أثرت النسبية في كثير من مجالات الحياة ، خصوصا الفنون. وبدأت في الستينيات عملية التحرر من قيود وحدود الفن ، الأخلاقية والجمالية، وتزايدت معدلات الإباحية والعنف ثم جاوزتهما عملية التحرر ، إذ أصبحت تحررا من أي قيود أو معايير. كان من أهم رواد البارتزان ريفيو في جامعة رتجرز الفنان آندي وورهول الذي كان يوقع في منتصف الستينيات على علب القمامة وعلب الحساء القديمة فتتحول بقدرة قادر إلى أعمال فنية تباع بآلاف الدولارات . وكان له فيلم يسمى "النوم " ، يستمر عرضه لمدة ثلاث ساعات ، عبارة عن شخص نائم يتحرك كل ربع ساعة أو عشر دقائق. كما رأيت فرقة مسرحية في نفس الفترة تسمي نفسها "مسرح الواقعية الراديكالية" ، وكان عنوان المسرحية التي تقدمها هو "أخت فيديل كاسترو" وكانت مليئة بالإشارات الجنسية الطفولية ( من بينها عرض الأعضاء التناسلية ) التي لا تهدف إلى نقل رسالة ، فهدفها الأساسي هو أن تصدم الجمهور . ولكن الأدهي، ولسبب لا أعرفه حتى الآن ، كان الذكور يلعبون دور الإناث ، وكانت الإناث يلعبن دور الذكور . ويتم كل هذا باسم الإبداع والنسبية والحرية. وما حيرني كثيرا هو أن جمهور المتفرجين عبر عن إعجابه الشديد بهذه المسرحية ، التي لا يسمع أحد بها هذه الأيام ، تماما مثلما عبر عن إعجابه بفيلم " النوم ". ظل هذا التيار يتطور إلى أن عبر عن نفسه بشكل مثير في الآونة الأخيرة في أعمال ثلاثة فنانين دفعوا بالنسبية إلى أقص مداها ، إذ أصبحت تعني التحرر من الحدود الإنسانية ذاتها: أولهم اندريه سيرانو . وتعود شهرته إلى "لوحة" بعنوان "فلتتبول على المسيح"، حيت وضع الفنان صورة المسيح على الصليب في البول . وثانيهم هو روبرت مابلثورب ، وهو مصور فوتوغرافي تخصص في تصوير نفسه في أوضاع جنسية شاذة تتسم بالعنف. وثالثهم وأشهرهم هو جويل بيتر ويتكين وهو مصور فوتوغرافي يستخدم أجساد الموتى في أعماله الفنية. ومن أهم أعماله عيد المغفلين، وهو تقليد لأحد الأنواع الفنية الكلاسيكية يسمى "الغرور" موضوعه الأساسي هو الغرور الإنساني وتأكيد أن كل شيء إلى زوال. وكانت اللوحة التي تدور حول الموضوع تأخذ شكل فواكه أو طعام في طبق ، توضع بجوارها جماجم بشرية ، وطائر ميت في طبق لتذكر الإنسان بالموت. ولكن ويتكين طور طريقة التناول وحولها ، إذ كان يضع بدلا هن الجماجم أيادي وأقداما إنسانية حقيقية، وبدلا من الطائر الميت كان يضع جثة طفل ميت (يقال إنه قام "بإبداع " هذا العمل في مشرحة !) . ومن موضوعات ويتكين الأثيرة تصوير الموتى بعد أن يرتدوا بعض الملابس، وصورة رجل يضع مسمارا في قضيبه (فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يتواصل بها مع الآخرين كما يخبرنا الفنان) . وقد أبدع ويتكين لوحتين صورتين شهيرتين: صورة جنين مشوه وقد تم تثبيته على صليب ، ورجل بلا رأس يجلس على كرسي . وحينما تقيأت إحدى المدعوات في حفلة افتتاح أحد معارضه ، قال الفنان : "إن إحدى علامات المرأة الجميلة ، أنها تحتفظ بجمالها حتى حينما تتقيأ!" . وتباع النسخة من صوره بـ 35 ألف دولار.وحياة ويتكين لا تقل وحشية أو نسبية .. وهو يعيش مع زوجته سينثيا وعشيقتها باربرا وينامون في نفس الفراش، وله ابن من سينثيا يسمى كيرسون ( ولنتخيل مشكلة الهوية التي سيواجهها هذا الابن المحظوظ بالتعددية المفرطة المحيطة به ، خاصة إذا عرفنا أن الفنان يعترف أنه يمارس الجنس أحيانا مع موضوعاته ، أي جثث الموتى!) . وهنا يمكن أن نثير قضية الحياة الخاصة للشخصية العامة، هل هي أمر خاص بها وحدها؟ هل إصابة نيتشه بمرض سري أثر على عقله، ولا علاقة له بفلسفته التي خرجت من تحت عباءتها كثير من المذاهب الفلسفية الحديثة؟ ( وقل نفس الشيء عن تيودور هرتزل ، مؤسس الحركة الصهيونية، الذي مات هو الآخر بمرض سري) .."..

هل تقززت أيها القارئ؟.. هل جزعت؟ هل فزعت؟!!..
انتظر، فإنني – والله – ما رويت لك الفقرة الطويلة السابقة كلها إلا رحمة بك، لكي آخذك الهوينى، فلا تروع فجأة بالجزء الباقي من حديث الدكتور المسيري، حيث يقول:
"ويصل هذا الاتجاه الفني فيما يسمى " سنف موفيز" ولا أعرف ترجمة لهذه العبارة، ولكن لعل وصفها يعطي فكرة عن محتواها . وهي أفلام يختلط فيها العنف والجنس بطريقة متطرفة، وكثيرا ما تنتهي ببطلة الفيلم في حالة نشوة جنسية ويتم قتلها في اللحظة التي تقذف فيها . ومثل هذا المنظر يتكرر في الأفلام الإباحية "العادية" ، ولكن في السنف موفيز يتم الذبح بالفعل.
نعم تقتل بطلة الفيلم.
وكان يتم الإعلان عن الفيلم بعبارة "صور في أمريكا اللاتينية ، حيث العمالة رخيصة" . وكل لبيب متوحش بالإشارة يفهم.
ومخرجو مثل هذه الأفلام يدافعون عنها من منظور الإبداع والحرية والثورة . .إلخ وقد قام بعض المثقفين الليبراليين المدافعين عن حرية الرأي المطلق بمظاهرة ضد دور السينما التي تعرض مثل هذه الأفلام. ولكن جريدة وول ستريت جورنال قامت بتعنيفهم لموقفهم هذا ، وبينت لهم أن ما يحدث إنما هو نتيجة طبيعية للموقف النسبي المتسيب من الفن والجنس وإنكار الحدود باسم الحرية المطلقة والإبداع غير المتناهي!"..
فهل تمرض أيها القارئ الآن مثلى؟ وهل تفزع؟ وهل تجزع؟ وهل تتقيأ؟..
كان من أكثر ما آلمنى، فوق المرض، إحساس ذبيح بخيانة تلك الحثالة المنحطة من المثقفين الذين ينادون بالحداثة والنسبية ويعلون الحضارة الغربية وينتقدون الإسلام..
ملأني الإشفاق عليكم يا قراء.. إشفاق لحد الألم..
ملأني لأن تلك الخنازير المأجورة قد خدعتكم طويلا وغررت بكم طويلا.
والكاتب المثقف حقا، يجد أن من واجباته أن يكون عنصر توصيل جيد لقرائه، فهو ينقل لهم الفكر الأصعب بأسلوب أسهل كي يفهموه ويستوعبوه.. وهو قد يظل أعواما يكتب ويفكر كي يعطى لقرائه كتابا يقرؤونه في يوم أو بعض يوم.. وقد يظل يبحث بالأسابيع والشهور كي يلخص بحثه ذاك في مقال يقرأه القارئ في ساعة أو بعض ساعة..
الكاتب المثقف الحقيقي يفعل ذلك..
أما القارئ فهو يستأمن الكاتب على عقله.. و هذا أخطر من المريض الذي يستأمن الطبيب على جسده.. فإن خان الكاتب فإنه يصبح أشد سوءا من طبيب تأتمنه فينقل إليك المرض أو يسرق عضوا من أعضائك..
وهذا هو ما فعلته بنا النخب المثقفة المستغربة المأجورة..
الخنازير المأجورة..
أولئك الذين سوغوا لنا سب الذات الإلهية.. فكل شئ نسبى..
و أولئك الذين حالفوا أعداءنا علينا.. مقابل رشوة بالمال أو الشهرة أو اللذة..
وأولئك هم الذين راحوا يؤيدون أمريكا في حربهم ضد الإسلام والمسلمين..
أولئك الذين عجزوا عن المواجهة فمارسوا الخداع حتى كاد الناس يصدقونهم ويعتقدون أن : "الحداثة من الإيمان" و"أن النسبية من الإسلام" وأن العلمانية " مذهب يجوز التعبد عليه"!!..
أولئك الذين عجزوا عن كشف خبيئة نفوسهم فرحوا يدسون أفكارهم النجسة في صفحات الصحف والمجلات وفى أفلام السينما ومسلسلات التلفاز وفى تغيير مناهج التعليم وفى الرقابة والحظر على خطباء المساجد كي لا يفضحوهم ويكشفوا أمرهم..
وخنزير مأجور من هؤلاء هو الذي نال حظه من " الثلاثين مليون دولار" التي خصصتها أمريكا لرشوة المثقفين كي يناصروا موقف أمريكا ويشوهوا موقف الإسلام.. وطالبان.. و أسامة بن لادن.
أشفقت عليكم يا قراء كثيرا.. ذاك الإشفاق المؤلم.. أشفقت عليكم.. على الألم والعناء الذي أصبح على القارئ أن يكابده حتى يطمئن أن الكاتب الذي يقرأ له ليس خنزيرا مأجورا، أشفقت على من يكابد منكم ليصل إلى الحقيقة بينما من استأمنه على الطريق يضله..أشفقت على من يعانى حتى يطهر نفسه من دنس الخنزير المأجور.. و أشفقت أكثر على من يضلون الطريق فيخسرون الآخرة.

[COLOR="Silver"]***
أشفقت عليكم يا قراء من الكلاب المسعورة والخنازير المأجورة.. وتألمت..
فاغفر لي ألمي يا رب ..

******
***
*



حاشية1
برويز مشرف

أما من أحد ينصح الخائن برويز مشرف، أن يقول له أنه يلقى جزاء سنمار بعد أن باع الدين والأمة والأهل بثمن بخس.. بل بلا ثمن.. وليس ذلك فقط.. فذلك الخائن سيضيع السلاح النووي وقضية كشمير بل وسيضيع باكستان ودولة..هل من أحد ينصحه أنه حتى من خلال الدنيا لا الدين فإن عليه أن يجرب طريقة أخري غير الانبطاح.. إنهم يمتهنونه امتهانا جديرا بخائن ولن يسفر المزيد من الاستسلام إلا إلى المزيد من الامتهان..
أما من أحد ينصحه باتباع وسيلة أخرى.. صحيح أنها سوف تكون صعبة جدا بعد أن ضيع الخائن ما أمامه وما خلفه.. ولكنها ستكون أكرم علي أي حال بل و أقول آمن بالنسبة لباكستان.. هذه الوسيلة تتلخص في رسالة مفتوحة إلى المجرم بوش.. يقول له فيها أنه قد خانه بعد أن اشتراه كعميل وكعبد ولم يعط له الثمن.. و أن ظهره- أي برويز مشرف – الآن للحائط، و أنه لم يعد أمامه سبيل لإنقاذ الباكستان إلا باستعمال السلاح النووي إذا ما تهددتها المخاطر ونفذت أمريكا مؤامرتها الدنيئة عليها من خلال الهند.. و أنه يدرك أن استعمال السلاح النووي قد يؤدى إلى كارثة لن تقتصر آثارها على الباكستان والهند.. و أنه يدرك أن الباكستان بعد حرب نووية لن تكون باكستان مرة أخري..لذلك.. فإنه لكي يكفر عن أخطائه وجرائمه وخيانته قد أودع بالفعل ملفا كاملا بأسرار السلاح النووي و أنه قد أرسله إلى ستين دولة إسلامية.. مع ما يستلزمه من تقنيات ومواد و أجهزة.
ملحوظة1: الآن صح ما اعتقدته عند قيام الخائن مشرف بانقلابه العسكري، فقد كنت واثقا أنه انقلاب أمريكي، و أنهم يعدون خائنا لمهمة مقبلة. خمنت ذلك، لكن خيالي لم يصل إلى الحكاية كلها.
ملحوظة2: عندما قامت باكستان بتفجيرها النووي، كتبت في صحيفة الشعب أناشد الباكستان و أنبهها أن الضمان الوحيد للحفاظ على سلاحها النووي هو أن تعطى أسراره لعديد من الدول الإسلامية.

حاشية 2:
تغيير وزارى

الحماقة العربية التي سمحت لأمريكا بضرب العراق هي التي فتحت قمقم الشيطان ليضرب أفغانستان ويهدد العالم..
والحماقة التي أيدت أمريكا في تغيير حكومة طالبان هي التي ستفتح الباب لأمريكا لتغيير نظام الحكم في أي بلد عربي أو إسلامي..
فترى..
لو أرادت أمريكا تغيير نظام الحكم في مصر..
هل تحتاج إلى حكومة عميلة كحكومة قرضاي؟؟..
أم أن الحكومة الحالية كفيلة بالقيام بكل ما تريده أمريكا ضد النظام.. وضد الأمة.. وضد الدين.. بدون أي تغيير وزاري..؟؟!!..


******
***[/COLOR


استغفر الله العظيم
الله المستعان