د. العودة من كيب تاون: لماذا لا تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة فعلياً وليس نظرياً فقط

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

الرد على مقطع خالد بلكين : الوحي المكتوم المنهج و النظرية ج 29 (اشاعة حول النبي محمد) » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | الإعجاز في القول بطلوع الشمس من مغربها » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لمسات بيانية الجديد 8 لسور القرآن الكريم كتاب الكتروني رائع » آخر مشاركة: عادل محمد | == == | الرد على شبهة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنهما بعمر السادسة و دخوله عليها في التاسعة » آخر مشاركة: محمد سني 1989 | == == | المصلوب بذرة ( الله ) ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | كاهن يعلنها بصدق من داخل الكنيسة : الإسلام أكثر منطقية من المسيحيّة ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | إجابة عن سؤال : من نسب لله الصّاحبة و الولد ؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | Moses PBUH in the river » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | قـُــرّة العُــيون : حلقة 01 » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

    

 

 

    

 

د. العودة من كيب تاون: لماذا لا تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة فعلياً وليس نظرياً فقط

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: د. العودة من كيب تاون: لماذا لا تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة فعلياً وليس نظرياً فقط

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    1,559
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    22-12-2021
    على الساعة
    12:21 AM

    افتراضي د. العودة من كيب تاون: لماذا لا تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة فعلياً وليس نظرياً فقط






    د. العودة من كيب تاون: لماذا لا تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة فعلياً وليس نظرياً فقط؟ (1/2)



    الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك

    الخميس 24 جمادى الأولى 1432الموافق 28 إبريل 2011


    - نمتلك كل مقومات الأمَّة الواحدة التي لا يفتقر إليها الآخرون ومع ذلك نجحوا هم وفشلنا نحن

    - استخدام البلطجة والشبيحة والقناصة في قمع المظاهرات ينم عن جهل بالمتغيرات وانعدام لروح الوطنية

    - لا بدَّ من التغلب على ألوان التفرق الموجودة بين المسلمين

    - المشكلة في أن ينظر الإنسان في الجماعة التي ينتمي إليها على أنها معيار الحق ويزدري الآخرين

    - الحفاظ على الكرامة الإنسانية هو أساس التكليف


    أكَّد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة – الأمين المساعد في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- على ضرورة التغلب على ألوان التفرق الموجودة اليوم بين المسلمين، وإحياء فقه التآلف فيما بينهم بعيدًا عن الصراعات أو النزاعات والمشاحنات أو الوشايات التي تنال من وحدة الأمة الإسلامية، وتضعف قوتها.

    وتساءل الشيخ سلمان - في محاضرة له بعنوان "فقه التآلف" في مدينة "كيب تاون" بجنوب أفريقيا: لماذا لا تكون الأمة الإسلاميَّة أمة واحدة بالفعل، وليس من الناحية النظرية فقط؟!! مشيرا إلى أن الأمة الإسلاميَّة فشلت حتى الآن في تحقيق الوحدة الحقيقية، وذلك على الرغم من أنها تمتلك كل مقومات الأمة الواحدة، مقارنةً بأمم أخرى توحدت على الرغم من عدم توافر مقومات الوحدة لها، ولكنها تغلبت على الصعاب وحققت الوحدة فيما بينها، لافتا إلى أن أبرز مثالين على ذلك، هما (الاتحاد الأوروبي)، والولايات المتحدة الأمريكية.

    وأعرب الشيخ سلمان عن تفاؤله تجاه التحولات الإيجابية التي نشاهدها في العالم العربي، بدءًا بتونس وثورة الياسمين والانفتاح الكبير الذي تشهده هذه الدولة المغاربيَّة الإسلاميَّة العريقة، ومرورًا بمصر حيث تألَّق الحراك الشعبي وتواصل وحقق جزءًا كبيرًا من أهدافه ورسم خارطة طريق للعالم الإسلامي فرح بها الكثير من المهمومين بقضايا الأمة ومستقبلها، ومرورًا أيضًا بما نشهده في ليبيا من حالة مخاض، وإن كان عسيرًا، وقد أشرت يومًا - على سبيل الطرفة - أن حالة الولادة في ليبيا تعثرت واحتاجت إلى عملية قيصريَّة، وقصدت بالقيصرية تدخّل "حلف الناتو" فهم يسمون القياصرة -أحيانًا- ولكن ربما يكون هذا تعبيرًا عن ضخامة المولود ونضجه وأن الثمرة سوف تكون كبيرة وعظيمة.

    وأضاف فضيلته: لا أخفيكم سرًّا أنني كنت قبل سنوات طويلة، وربما يشاركني الكثيرون في هذا الإحساس، نستغرب من صبر الشعب الليبي على وجه الخصوص على قيادته التي فيها الكثير من الغطرسة والحمق والبعد حتى عن الوطنيَّة، بحيث أن ثروة هذا البلد تجدها منثورة في أماكن كثيرة من العالم، ولكن لا تجدها في البلد ذاته، فلا تجد بنية تحتيَّة ولا تعليم ولا إعلام ولا حريات، وكنا نستغرب من صبر الليبيين على مثل ذلك الوضع، وكأن الله تعالى أراد أن يُبيِّن عذرهم من خلال هذه المعاناة التي عاشوها الآن مع حاكم طاغية يضرب شعبه بالقنابل العنقوديَّة، ويرمي المدن التي يقطنها المدنيون براجمات الصورايخ والمدفعية والدبابات! سواء في مصراتة أو الزنتان أو أجدابيا أو غيرها من المدن الليبية، مما يشير إلى انهيار في القيم الأخلاقيَّة، وتكشف أن الذين كانوا يهددون بحرب أهلية يريدون أن يصنعوا حربًا على شعوبهم إما أن يحكموها بالقوة أو يقتلوها ويبيدوها! وعلى سبيل المثال فقد قرأت اليوم تقريرًا عن "صنداي تايمز"، يشير إلى أن هناك الآن حالات من الاغتصاب الجماعي لكتائب القذافي في أكثر من مكان، مما يشير إلى تغلغل هذا السرطان في الجسد العربي، وأن عملية استئصاله والتخلص منه ليست بالأمر الهين أو السهل كما قد يتصور بعض الناس.

    تفاؤل .. ولكن

    وأردف الدكتور العودة، قائلا: وهكذا نستبشر أيضًا بما يجري في اليمن، والتي هي بلد قبلي ومسلَّح، فضلا عن كونه بلدًا ربما ليس على أفضل درجاته من حيث التقدم الحضاري والمعرفي والتقني، فأمورهم مستورة وأوضاعهم الاقتصادية بسيطة ومتواضعة، والكل كان يتوقع أن يحدث شيء ما في اليمن؛ حيث نجد الحوثيين من جهة وتنظيم القاعدة من جهة أخرى، إضافة إلى الأفكار الانفصاليَّة في الجنوب، والقبائل مختلفة، ومع ذلك عندما حدث هذا الحراك الذي يطالب بالتغيير، فإن الشيء العجيب تمثَّل في اختفاء المخاطر الأخرى، وكاد الشعب اليمني أن يتوحّد على هذه المطالب الإصلاحية التغيرية، ولم تقع حرب أهليَّة، ولكن وقع مثلما حدث في مصر ما سموه بـ "البلطجيَّة" أو "القناصة " أو العسكريين بلباس مدني الذين تبيَّن أنهم مدعومون من قوات وجهات حكوميَّة لقتل المتظاهرين، وفي ليبيا سموهم "المرتزقة" الذين جاءوا من أكثر من مكان ليقاتلوا بالمال، كما نجد في سوريا الحراك ذاته، وأن هناك من يتعرضون للمتظاهرين والذين يسمونهم بـ "الشبيحة" وهم جنود بلباس مدني يقتلون المتظاهرين والأبرياء بطريقة تنم عن تجاهل للكرامة الإنسانيَّة وانعدام لروح الوطنية ولحقوق الإنسان، ولا تنمُّ عن وعي بهذه المتغيرات ولا إدراك لطبيعة الحراك الذي يجب أن يكون



    وتابع فضيلته : ولكنني متفائل بهذا الحراك مهما كان هناك من السلبيات والمصاعب والمتاعب وانتهاكات للحريات في العالم العربي مقارنة بالغرب الذي نشاهد فيه قدرًا كبيرًا من الحريات والحفاظ على حقوق الإنسان ومقدرات الأوطان والأموال والعدالة، وعلى سبيل المثال، فإنه يحكى أنه كان هناك اثنان من الإخوة من الصومال خرجوا من بلادهم حيث ذهب احدهم إلى دولة خليجية في حين ذهب الثاني إلى السويد، وبعد عشرين سنة كان الذي ذهب إلى السويد قد حصل على اللجوء ثم الإقامة ثم الجنسية وأصبح هو وملك أو ملكة السويد على قدم المساواة في كل شيء، فيستطيع أن يرشِّح نفسه لرئاسة مجلس الوزراء، أو فيما يتعلق بدوره في المستشفى أو بأي حق من حقوقه حيث يحصل عليه كاملًا غير منقوص، أما أخوه الذي ذهب إلى تلك الدولة الخليجية فبعد عشرين سنة انتهى به المطاف إلى غرفة الترحيل، ولا يعرف حتى إلى أين يُرحّل لأنه لا يوجد بلد في العالم يمكن أن يستقبله!

    الإسلام.. والحفاظ على الكرامة الإنسانيَّة

    واستطرد الشيخ سلمان: إننا نشعر بالغيظ والحزن والحرقة، حينما نرى بلاد العالم كيف حقَّقت قدرًا كبيرًا من التقدم والرقي والنهوض والحفاظ على الكرامة الإنسانية، في حين أننا نحن المسلمون نعاني من التخلف وإهدار كرامة الإنسان، والتي هي معنى عظيم في الإسلام، لافتًا إلى أنه ليس صدفةً أن يكون القرآن الكريم في مكة قبل الهجرة محشوًّا بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) في مطلع الكثير من الآيات، وبعدما هاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة لم يختف هذا الخطاب (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، ولكن جاء إلى جواره خطاب آخر هو : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، مما يؤكد أن الإسلام جاء ليُعزز الكرامة الإنسانية، مشيرا إلى القصة التي رواها مسلم في صحيحه عندما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسًا في أصحابه فمرت عليهم جنازة فقاموا فَقِيلَ يا رسول الله إِنَّهَا جَنَازَة يَهُودِي، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم: «أَلَيْسَتْ نَفْسًا»، وفي رواية: "إن للموت لفزعة"، ولا يمنع أن يكون كلا اللفظين والمعنيين صحيحًا.

    وذكر فضيلته أن الحفاظ على الكرامة الإنسانية هو أساس التكليف، فالله -سبحانه وتعالى- حافظ على كرامتنا وحريتنا ولم يقهرنا على أعظم مطلوب وهو الإيمان، فقال -سبحانه وتعالى- : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) ، وقال -سبحانه وتعالى- : (وَهَدَيْنَاه النَّجْدَيْنِ) ، مشيرًا إلى أن هذا ليس إذنًا شرعيًّا للإنسان بأن يكفر، ولكن الإنسان مأمور بالإيمان، والذي هو أعظم المأمورات، في حين أن الشرك هو أعظم المنهيَّات، ولكن لو كان الإنسان مجبورًا على ذلك لم يكن للأمر معنى ولم يكن بين الناس فرق، فالإسلام جاء ليُكرّس قاعدة عظيمة وهي قاعدة الحرية، حتى قال الله -سبحانه وتعالى- : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّه يَرَى ) فعاتب الله تعالى أبا جهل ومن معه من المشركين بمكة الذين كانوا ينهون الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو أصحابه عن الصلاة، ووبَّخهم على ذلك.

    أوروبا وأمريكا نموذجًا للتوحد

    وأردف الدكتور العودة: إننا نرى اليوم أن أوروبا أصبحت موحدة، حيث أصبح هناك الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، فضلا عن ذلك فقد قامت الدول الأوروبية على اختلاف لغتها وثقافتها بإزالة الكثير من الحدود والسدود والجمارك فيما بينها، وأصبح لهم عملة موحدة وهي "اليورو"، واقتصاد موحد، وأجهزة أمنية متعاونة على الصعيد الداخلي، وحلف "حلف الناتو" على الصعيد الخارجي، ودستور يشبه أن يكون دستورًا موحدًا، إضافة إلى إمكانيات أخرى غير عاديَّة.

    وأضاف فضيلته : وكذلك الأمر فيما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكيَّة، والتي هي عبارة عن خمسين دولة، كل دولة بحجم مجموعة من الدولة العربيَّة والإسلاميَّة، ومع ذلك هي دولة واحدة موحدة بمئات الملايين من البشر، فضلا عن ذلك فإنه يوجد اليوم يتعلق ما يسمى بـ "الشركات العابرة للقارات"، في مجالات النفط أو الكمبيوتر أو السيارات أو الإعلام، والتي على الرغم من أن رأس مال أي منها قد يكون -أحيانًا- مليارات الدولارات، ومع ذلك تشعر بأنها من أجل المنافسة في الميدان وتحقيق المزيد من النجاح ومقاومة الظروف الاقتصادية، بحاجة إلى أن تندمج أو تتحالف مع شركات أخرى.

    متى نتوحد؟!!

    وأوضح الشيخ سلمان: ولذلك نجد أن الاقتصاد والسياسة والتقنية والإعلام أصبح بأيديهم، ولم يكن هذا وليد الصدفة، يقول تعالى: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ولكن من جدهم واجتهادهم، مشيرًا إلى أنه من كمال عدل الله -سبحانه وتعالى- أن الإنسان في هذه الدنيا إذا عمل حصّل نتيجة عمله حتى لو كان كافرًا، وإذا أهمل أو فرَّط أو قصر فلا يحصل إلا على ما قدم، ولو كان ابن الأنبياء ولو ملأ الدنيا ادّعاءً فإنه لن يحصل على شيء إلا إذا عمل له.

    وضرب فضيلته، مثالا لذلك، قائلا: إن الكافر إذا تزوَّج ورتب أموره بشكل جيد سيبني ويكوِّن أسرة، لكن المسلم لو ظلَّ يدعو طول الليل والنهار بأن يزوجه الله ويرزقه الذرية الصالحة ولم يخطُ خطوة عملية ويبحث ويخطب ويُقدّم المهر فإنه لن يحدث شيء! لافتًا إلى أن هذه هي نواميس الدنيا جعلها الله تعالى للعباد كلهم؛ ولهذا فإنه عندما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقال : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَه مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) قال الله تعالى: (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُه قَلِيلًا) أي : في الدنيا، فذكر الله تعالى لهم المتاع في الدنيا، مما يشير إلى أن هذا المتاع للناس كلهم؛ ولهذا قال: (وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) ، فهي متاع للمسلم والكافر والبار والفاجر



    وتساءل فضيلته : لماذا هناك الكثير من ألوان التفرق بين أبناء هذه الأمَّة، والتي يتعدى تعدداها مليار ونصف المليار مسلم، حيث يدخل الإسلام عدد كبير في الإسلام يوميًّا، وعلى سبيل المثال فإن عدد الذين يُسلمون يوميًّا أو أسبوعيًّا في مدينة "كيب تاون" كثر، مشيرًا إلى أن هناك من يتحدث عن تحوُّل وتقبل قوي وشديد للإسلام في هذه البلاد، ومع ذلك يظل السؤال: متى نتوحد ؟!!

    الفرقة.. والاختلاف

    وذكر الدكتور العودة أن حالة الحراك التي يشهدها العالم الإسلامي هي بشرى خير، مشيرا إلى أن أعظم خطر يهدد هذا الحراك، كما يُهدِّد أي مشروع إسلامي هو خطر التنازع، وليس الاختلاف؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قال: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ولم يقل: "ولا تختلفوا" ولكن قال -سبحانه وتعالى- : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) ، وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة أن بين التفرق والاختلاف فرقًا، يقول تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا) مما يشير إلى أن التفرق مذموم كله حتى التفرق الجسدي، فإذا أمكن أن نكون مجموعة واحدة فإن ذلك يكون أفضل من أن نكون مجموعتين، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سافر بأصحابه ينزلون تحت الأشجار الواحد والاثنان والثلاثة فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ في هَذِه الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَة إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ»، فكان الصحابة -رضي الله عنهم- بعد ذلك إذا سافروا اجتمعوا وتقاربوا حتى لو وُضع عليهم بساط لوسعهم، ولا يتفرقون؛ ولهذا قال هنا -سبحانه وتعالى- : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا).

    وأردف فضيلته: ولكن عندما جاء ذكر الاختلاف قال -سبحانه وتعالى- : (وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ) ، مما يشير إلى أنه ليس كل اختلاف مذمومًا، ولكن الاختلاف المذموم هو الاختلاف على الكتاب، واختلاف مبناه على الهوى أو العصبيَّة أو التقليد الفاسد، أما الاختلاف المبني على اجتهاد ورؤية ونظر، فهذا لا بأس به بل لا بدَّ منه، لافتًا إلى أن فضيلته على طول ما جالس الكثيرين من الدعاة والمخلصين والشباب والعلماء وطلبة العلم إلا أن فضيلته لم يجتمعْ مع أحد منهم إلا ووجد أنه ينعي ويذم الاختلاف ويتشكّى منه، ولكن هذا لا يعني أنه على صواب، لأنه ربما يذم الاختلاف وهو يريد من الناس أن يجتمعوا على رأيه هو ونظرته وأسلوبه، مما يشير إلى أنه هو من أهم أسباب الاختلاف، وذلك لأن الناس ما اجتمعوا على من هو خير منك وأفضل، فكيف لهم أن يجتمعوا عليك.

    ألوان من التفرق

    ثم انتقل الدكتور العودة إلى الحديث عن ألوان التفرُّق التي تعاني منها الأمَّة الإسلامية، لافتا إلى أن بعضها طبيعي ولكنه قد يتطوَّر أحيانًا بسبب سوء التعامل، أو سوء النفسيات والقلوب، مشيرًا إلى أن هناك العديد من ألوان التفرق، منها:

    1 - الخلاف بين المذاهب الفقهية : المالكي أو الشافعي أو الحنفي أو الحنبلي أو غيرها من المذاهب، موضحا أنه من الطبيعي أن يكون هذا الخلاف موجودًا، وهو موجود بالفعل منذ ألف وثلاثمائة سنة، ولكن المشكلة تكمن في أن يتطور هذا إلى اختلاف أو صراع أو كره أو جدل طويل عريض لا فائدة منه، لافتًا إلى أن هذا ليس مطلوبًا ولا كان الأئمة يرضونه، موضحًا أن العلاقة بين الأئمة كانت من أبدع وأحسن ما يكون، وفي هذا درس لأتباعهم أن يكونوا إخوة في الله متحابين حتى لو كانت مذاهبهم شتى.

    2 - الاختلاف بين الشعوب والقوميات : ومن ذلك الاختلاف بين الشعوب العربيَّة، حيث نجد أن هناك من يقول هذا مصري وهذا سعودي وهذا يمني وهذا مغربي وهذا صومالي وهذا سوداني وهذا جزائري، وكذلك القوميات، حيث نجد من يقول أيضًا: هذا عربي وهذا تركي وهذا كردي وهذا فارسي وهذا أفغاني وهذا إفريقي، مؤكدًا أن هذه الاختلافات بين الشعوب والقوميات موجودة وقائمة وهي جزء من سنة الله -سبحانه وتعالى- كما قال ربنا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى)، ولكن لا بدَّ وألا يكون لها تأثير على وحدة الأمة الإسلاميَّة، وكما يقول الشاعر :

    الناسُ مِن جِهَة التِمثالِ أكفاءُ
    أَبوهُمُ آدَمُ وَالأُمُ حَوّاءُ

    فإن يَكُن لَهُمُ مِن أَصلِهِم شَرَفٌ
    يُفاخِرونَ بِه فَالطينُ وَالماءُ

    ما الفَضلُ إِلا لِأَهلِ العِلمِ إِنَّهُمُ
    عَلى الهُدى لِمَنِ اِستَهدى أَدِلّاءُ

    وَضِدُّ كُلِّ اِمرِئٍ ما كانَ يَجهَلُه
    وَالجاهِلونَ لِأَهلِ العِلمِ أَعداءُ

    وأكَّد فضيلته أن الإسلام لم يقيِّم الناس بالشكل أو اللون، فلا فرق بين عربي ولا عجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى، مشيرًا إلى أنه على الرغم من ذلك فإن هناك من يقيِّم الناس أو يدعي أن الإسلام يقيمهم على أساس اللون أو العرق أو القوميَّة وهذا خطأ كبير، على سبيل المثال، فقد حدثنا أحد الشباب في "كيب تاون"، حيث قال لي : لقد جانا شخص قبل فترة، وهو شاب ربما ليس لديه علم شرعي أو معرفة صحيحة، فقال لهم : إن الجنة لا يدخلها إنسان أسود اللون فيقول إنه: صدّق هذا الكلام وتأثر به وجلس ليالي لا ينام الليل ! فقلت له : إن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قال لبلال بن رباح وهو من الحبشة يومًا من الأيام : « يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَه في الإِسْلاَمِ، فإني سَمِعْتُ دَفَّ نَعليكَ بَيْنَ يَدَى في الْجَنَّة»، أي : سبقتني بالدخول، هذا في الرؤية، والرؤية حق، فقال بلال : (مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي أَنِّى لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا في سَاعَة لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّى)، وهذا ما يسمى بسنة الوضوء، وهي أنه كلما توضَّأ الإنسان صلى ركعتين، وكما يقول الشاعر :

    ما بيننا عرب ولا عجم
    مهلًا يد التقوى هي العليا

    خلوا خيوط العنكبوت لمن
    هم كالذباب تطايروا عميا

    وطني كبير لا حدود له
    كالشمس تملأ هذه الدنيا

    في إندونيسيا فوق إيران في
    الهند في روسيا وتركيا

    آسيا ستصهل فوقها خيلي
    وأحطم القيد الحديديا

    ولقد كان لقمان من الحبشة، يقول تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَة أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) وربما النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول : (إن آل بني فلان لَيْسُوا بِأَوْلِيَائِي) أي : ناس من قرابته من قريش (إِنَّمَا وَلِيِّي اللَّه وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)، وكما يقول الشاعر :



    أبو لهب في النار وهو ابن هاشم
    وسلمان في الفردوس من خرسان

    فلا تحسب الأنساب تنجيك من لظى
    ولو كنت من قيس وعبد مدان !

    وأوضح الشيخ سلمان أن هذه ثقافة، والتي هي موجودة عندنا بالفعل، يجب أن نحاربها ونصححها ونعرف أن الإنسان لا يحاسب يوم القيامة بشكله ولا بلونه أو بجنسه أو عرقه أو جسده، ولكن كما قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أَتْقَاكُمْ) ، فالكرم هو التقوى! يقول تعالى: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ)، مما يشير إلى أن النسب والقرابة لا ينفعان الإنسان يوم القيامة ولكن ما ينفعه هو عمله، مؤكدًا أن هذه المعاني يجب أن تتحوَّل من كلمات جميلة تُقال باللسان إلى ثقافة وأسلوب حياة وطريقة في التعامل، فلا يحكم الإنسان على أحد يقابله لأول وهلة من شكله ولا بساطته ولا تواضعه، فربما يكون فقيرًا في أسمال بالية وهو من أولياء الله الصالحين، وربما يكون من ورثة جنة النعيم، وفي المقابل فإنه يمكن أن يكون هذا الإنسان عظيمًا في نظر الناس وهو لا يساوي عند الله تعالى جناح بعوضة، وفي هذا حديث صحيح ورد عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم



    3 - الخلاف القبلي: حيث ينبغي التخلي عن الخلاف والتنازع بين القبائل، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ في أُمَّتِي أَرْبَعًا مِنَ الْجَاهِلِيَّة لَيْسُوا بِتَارِكِيهِنَّ، الْفَخْرُ بِالأَحْسَابِ وَالاِسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَة عَلَى الْمَيِّتِ»، فالطعن في أنساب الناس أو الافتخار بالأحساب مما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه أنه باقٍ، مشيرًا إلى أن هذا ليس تشريعًا له، ولكنه ذم وإخبار بأنه باقٍ ومتغلغل في نفوس كثير من العرب ويجري منهم مجرى الدم، وأن الخلاص منه صعب، لافتًا إلى أن الذين يعيشون في بيئات عربية يعرفون هذا جيدًا، حيث نجد أن العصبية والعنصرية والنسب هي أمور لا جدال عليها ولها تأصيل وتنظير وبحث واهتمام، بل هناك من يؤجِّج هذه النار ويقوِّيها ويسندها ويدعمها لغرض أو لآخر.

    الجماعات الإسلاميَّة

    4 - تفرُّق الجماعات والأحزاب: حتى أننا نجد الجماعات الإسلامية بكافة المسميات والأحزاب والاتجاهات بعضها بجانب السياسة، وبعضها في جانب الدعوة، وبعضها في جانب التربية، وبعضها في جانب القتال والمقاومة، إلى غير ذلك من التجمعات والتفرّق، مؤكدًا أنه لا تثريب على الإنسان أن يكون مع جماعة أو مجموعة أو حزب يتعاون معهم على البرّ والتقوى، فهذا ليس محرمًا ولو كان فيه هدى ورشد ونضج فهو داخل في عموم قوله تعالى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ، وقوله سبحانه وتعالى: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) ، ولكن الإثم والتثريب هو ينظر الإنسان إلى الجماعة أو المجموعة التي ينتمي إليها على أنها معيار الحق والصواب وأن يزدري ما عند الآخرين، وأن يكون ولاؤه بدلًا من أن يكون للأئمة يصبح لهذه الجماعة حتى أن الإنسان ربما لا يرتاح وينسجم ويتحدث إلا مع جماعته وربما يوافقهم على الخطأ ويرد على من انتقدهم بشيء، وهو لم يحققْ في دخيلة نفسه أن يكون دائمًا مع الحق، في حين أن سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- في المدينة المنورة كان يسكن مع اليهود ويتعايش معهم كما هو معروف، وفي يوم من الأيام قال أحد اليهود: والذي فضّل موسى على العالمين فلطمه المسلم، وقال: والذي فضّل محمدًا على العالمين فشكا اليهودي المسلم إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسأله: لماذا تلطمه؟ قال: لأنه قال كذا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ، فإن النَّاسَ يُصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْه الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَة مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ»، حيث نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى فضيلة لموسى عليه الصلاة والسلام، وإن كان النبي عليه السلام هو أفضل الأنبياء، ولكنه نهى الصحابة عن الجدل الذي من شأنه أن يوجد خلافًا أو حزازة؛ ولهذا قال: «لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ».

    وأردف الدكتور العودة: وكذلك حينما قال بعض اليهود : إنكم تقولون (مَا شَاءَ اللَّه وَشَاءَ مُحَمَّدٌ)، فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك وقال: «قُولُوا مَا شَاءَ اللَّه ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ» أي : أخذ الحق من أناس يساكنهم من أهل الكتاب من اليهود، وردَّ على بعض المسلمين الخطأ الذي ارتكبوه ولو كانوا من أتباعه، وهذا يعطي درسًا إلى أن الإنسان وإن كان ضمن مركز إسلامي أو مدرسة أو مسجد أو جماعة أو حزب أو طائفة أو ما شاء الله، فالمسميات والمظلات -التي تُظلِّل الناس من وهج الشمس وتعينهم على العمل والسعي- كثيرة، لكن عليه أن يدرك أن الخطر كل الخطر هو أن يتحول الأمر إلى عصبيات وعنصريات، أو أن يتطوَّر إلى قتال ونزاع ومشكلات الله تعالى أعلم بها.

    فقه التآلف

    وأوضح الشيخ سلمان أن "الأمة" في القرآن الكريم، وردت في معانٍ كثيرة، منها:

    1 - الإمام والقدوة : كما قال -سبحانه وتعالى- : (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّة قَانِتًا لِلَّه حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، وكذلك بعض الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا يقولون: " إن معاذ بن جبل كان أمة قانتًا لله حنيفًا ولم يك من المشركين " تأسيًا بأسلوب القرآن الكريم، مما يشير إلى أن الأمَّة معناها الإمام، كما يجوز أن يكون المقصود في الآية الكريمة أن إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- كان بمثابة أمَّة وحده، ويُبعث أمة وحده لأنه لم يكن في وقته مسلم غيره أول الأمر، فاعتبر بمثابة أمَّة كاملة لأنه يمثل اتجاه الخير، وهذا دليل ألا يستوحش الإنسان من الغربة، ومن قلة الأتباع أو الأنصار أو الأعوان، مع أن هذه الأمة أمة خير، وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أُمَّتِي هَذِه أُمَّة مَرْحُومَة»، وقال -صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُه خَيْرٌ أَمْ آخِرُه»، وذكر أن أتباعه هم أكثر الأمم حتى قال -صلى الله عليه وسلم: «وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّة» فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ: «ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّة» فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ: «شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّة» فَكَبَّرْنَا، فهذه الأمة موعودة أن تكون نصف أهل الجنة، وأن خمسين بالمائة من المهتدين والراشدين وسكان جنات النعيم هم من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم، فهنيئًا له بهم، وهنيئًا لهم به



    2 - وقت أو أجل : أو فترة كما قال -سبحانه وتعالى- في قصة يوسف : (وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّة أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِه فَأَرْسِلُونِ) أي : بعد فترة بعد زمن، وذلك على القول الراجح من أقوال المفسرين.وقيل : عن المعنى بعد نسيان، ولكن المعنى الأول أفضل (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) أي : بعد فترة أو مدة، مما يشير إلى أن الأمة تطلق ويُقصد بها زمان أو وقت، ولعل هذا مرتبط بأن كل أمة لها أجل، وكل قوم أو أناس أو دولة لهم أجل؛ ولذلك ربنا -سبحانه وتعالى- يقول : (وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَلٌ) مثلما للإنسان أجل ويموت، فإن الدول كذلك يكون لها آجال، فليس هناك دولة تعمر مدى الحياة، وعلى سبيل المثال، فإن دولة الخلفاء الراشدين عمرت ثلاثين سنة « الْخِلاَفَة في أُمَّتِي ثَلاَثُونَ سَنَة » حديث صحيح، ودولة بني أمية عُمرت مائة سنة تقريبا إلى 132هـ، وكذلك الأمر فيما يتعلَّق بدولة بني العباس، ودولة الأتراك العثمانيين.. وهكذا الدول والأمم والحضارات والشعوب اليوم، لافتًا إلى أن ادِّعاء أحد الفلاسفة الأمريكيين بنهاية التاريخ هو ادِّعاء وهمي، فالتاريخ ليس له نهاية إلا بقيام الساعة، ولكن تكون هناك تحولات وتغيرات بإذن الله تعالى، وهذه التغييرات تكون بحسب حراك الناس وجهدهم، وعلى ذلك فإن الإنسان قد يولَد ويموت على عهد شخص واحد أو دول لم تتغير ولكن هذا لا يعني أن التاريخ توقف، بل يأتي زمان تنسى هذه الأشياء حتى كأنها لم تُذكر مثلما قال القائل:

    ملَكْنا أقاليمَ البِلادِ فأذْعَنَتْ
    لَنا رَغْبَة أو رَهْبَة عُظَماؤها

    فلما انْتَهَتْ أيّامُنا عَلِقَتْ بِنا
    شَدائِدُ أيامٍ قَليلٍ رَخاؤُها

    وصِرْنا نُلاقي النّائِباتِ بأوْجُه
    رِقاقِ الحَواشي كادَ يَقْطُرُ ماؤُها

    إذا ما هممنا أن نَبوحَ بما جَنَتْ
    علينا اللّيالي لمْ يَدَعْنا حَياؤُها

    فالأمة تأتي إذًا بمعنى الوقت أو الزمن.

    وَإِنَّ هَذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّة وَاحِدَة

    3 - الطريقة أو الأسلوب: أو نمط الحياة والعيش الذي يعيش عليه أناس، وهذا يسمى أمة أيضًا لأن هذه الطريقة أو هذا الأسلوب يكون قدوة لأولادهم وأحفادهم من بعدهم، كما قال -سبحانه وتعالى: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ)(الزخرف: من الآية22)، أي : وجدناهم على طريقة أو أسلوب (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (الزخرف: من الآية22)، (وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزخرف: من الآية23) فهم قدوة لهم سواء كانت هذه الطريقة حقًّا أو باطلًا خيرًا أو شرًّا، مما يشير إلى أن الأسلوب والمنهج يُعبر عنه أيضًا بأنه "أمَّة".

    4 - الجماعة أو القوم : أو الطائفة من الناس مثلما قال -سبحانه وتعالى- في قصة موسى : (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عليه أُمَّة مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) ، أي : وجد جماعة أو طائفة من الناس حتى لو قلّوا فقد يسمى الملايين بالأمَّة، كما قد يسمى الأفراد القلائل بالأمَّة أيضًا.

    5 - الجماعة المتفقون: والمتحدين على الدين الواحد، كما نقول : "هذه الأمة"، ولقد سمانا الله -سبحانه وتعالى- أمة في القرآن الكريم في سورتين، هما : سورة المؤمنون، وسورة الأنبياء، وهما سورتان متجاورتان، يقول تعالى: (إِنَّ هَذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) ويقول أيضًا : (وَإِنَّ هَذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) فحدَّد سبحانه أن هذه الأمة أمة واحدة حتى وإن اختلفت شرائعها، فأمة موسى وأمة عيسى وأمة شعيب وأمة محمد -صلى الله عليهم وسلم- كلهم أمَّة واحدة على الإيمان والهدى والخير وإن اختلفت شرائعهم؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : « الأَنْبِيَاءُ إِخْوَة مِنْ عَلاَّتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ..»، وعلى ذلك فإن العقيدة لا تختلف، فعقيدة الأنبياء السابقين هي عقيدة محمد -صلى الله عليه وسلم- في الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والبعث والجنة والنار، وغير ذلك من المعاني، ولكن الذي يختلف هو التشريع، وقوله -صلى الله عليه وسلم: (الأَنْبِيَاءُ إِخْوَة مِنْ عَلاَّتٍ) أي : مثل الإخوة لأب، أمهاتهم شتى كل واحد له أم تخصه، فهذه الأم هي الشريعة، لكن أبوهم واحد والمقصود به المعنى العقدي وهو الإيمان بالله -سبحانه وتعالى، وهذا على سبيل التشبيه، لافتًا إلى أنه في كلا السياقين حذرنا الله -سبحانه وتعالى- من التنازع والاختلاف فقال : (وَإِنَّ هَذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّة وَاحِدَة وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) ، ثم قال : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) ، فحذَّر من التفرق والتحزُّب بقوله (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ)، والفرح (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ)




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2010
    المشاركات
    1,559
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    22-12-2021
    على الساعة
    12:21 AM

    افتراضي د. العودة من كيب تاون : لماذا لا تكون الأمة الإسلاميَّة أمة واحدة فعلياً وليس نظريا 2




    د. العودة من كيب تاون : لماذا لا تكون الأمة الإسلاميَّة أمة واحدة فعلياً وليس نظريا فقط؟!(2/2)



    الكاتب: الإسلام اليوم/ أيمن بريك



    الخميس 24 جمادى الأولى 1432الموافق 28 إبريل 2011


    ثم انتقل الدكتور سلمان العودة إلى الحديث عن حق المسلم على أخيه، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم والسنة النبوية اعتنيا بحق المسلم على أخيه المسلم، والذي يمكن أن نقسمه إلى أربعة أقسام:

    القسم الأول : الحقوق القلبيَّة: وهي تلك المتعلقة بالمحبة والعطف والرحمة وحسن الظن وطيب القلب لأخيك المسلم، وأن تكون قلوبنا صافية على إخواننا المسلمين، وأن تتعاهد قلوبنا دومًا وأبدًا، بحيث أنه مثلما يتوضَّأ الإنسان لصلاته في اليوم والليلة خمس مرات، فإنه كذلك يتعاهد قلبه بنوع آخر من الوضوء والتطييب، وألا يسمح لأي إحساس سلبي، مشيرًا إلى أن الكلام في مثل هذه الأمور قد يكون سهلًا ولكن معالجة القلب من ذلك أمر في غاية الصعوبة، وذلك لأن الإنسان في مختلف مراحل العمر يلتقي بأناس منهم من يسيء إليه، ومنهم من يخطئ عليه أو يظلمه أو يتجاهله أو يسيء الظن به، ثم لا تزال هذه الأمور تتجمع حتى تفسد القلب، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما قال في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: «يَدْخُلُ الْجَنَّة أَقْوَامٌ أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَة الطَّيْرِ»، أي: مثل قلب العصفور، موضحًا أن أحسن ما قيل في تفسير هذا الحديث أن تكون قلوبهم نقية بسيطة صافية بعيدة عن التعقيد والظنون، مشيرًا إلى أن بعض الناس يظنُّ أنه من الذكاء أن تظن بهذا كذا وأنه قال كذا ويقصد كذا أو لا يقصد وما أشبه ذلك، بينما الغفلة من المعاني المهمَّة، ولذلك قال الإمام الشافعي -رضي الله عنه: "الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل" أي : ليس أحمقًا أو جاهلاً ولكنه متغافل.

    وقيل للإمام أحمد -رحمه الله: إن فلانًا يقول إن التغافل تسعة أعشار العقل، فقال الإمام أحمد -رحمه الله: بل هو العقل كله.

    وأضاف فضيلته أن التغافل هو ألا تضع كل شيء على بالك، وألا تفسر تصرفات الناس، ولكن احملهم على أحسن المحامل، ولا تسمح لهذه الجوهرة النفيسة التي أعطاك الله تعالى وهي القلب بأن يدخلها الحقد أو الحسد أو البغي أو سوء الظن، أو أن يستوطنها أي من ذلك بأي حال من الأحوال، وإذا قُدّر وكُتب أن شيئًا من ذلك أصابك عجِّلْ بغسيله فورًا لأنه مثل الشجرة إذا اقتلعتها من أول وهلة تستطيع بإصبعين أن تقتلعها، لكن لو تركتها يومين وثلاثة امتدت جذورها، ولو تركتها شهرًا أو شهرين أو سنة أو سنتين لربما لا تستطيع أن تزيلها إلا بالحفر وبغير ذلك من الوسائل، مشيرًا إلى أنه على الإنسان أن يقوم بعملية غسيل لقلبه من هذه الأمور على مدار الساعة، حتى وإن اختلف الإنسان مع أحد فإنه عليه ألا يسمح بأن يقع في قلبه حقد على أحد، لافتًا إلى أن هناك من يقول إنني لا أستطيع أن أسامح أو أغفر لمن شتمني أو أذاني أو ظلمني، وهؤلاء أُذكرهم بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد الصحابة عندما سمعه يحلف على شخص يطالبه بدَيْن ويقول: والله لا أسامحك عن هذا الدين، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لهم: «أَيْنَ الْمُتَألي عَلَى اللَّه لاَ يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ؟» فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَه أَي ذَلِكَ أَحَبَّ. أي : الشخص المدين، له ما شاء، إن شاء أن أضع عنه نصف الدين ويسدد الآن، وإن شاء أن أُنظره وأمهله فترة إضافيَّة، فكن أنت ذلك الرجل أيضًا، ولا تتألى أن تفعل الخير، وسامح، وسيكون الأمر من حظك ونصيبك إن شاء الله.

    من أهل الجنة

    وذكر الشيخ سلمان بالقصة التي رواها الطبراني وغيره بأسانيد لا بأس بها أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان جالسًا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال -صلى الله عليه وسلم: « يدخل عليكم الآن رجل من أهل الجنة »، وبعد قليل جاء رجل من الأنصار تقطر لحيتُه من أثر الوضوء، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص وهو شاب عنده طموح وتطلُّع إلى العلم، ليس العلم الذي يماري به السفهاء أو يجادل به العلماء، ولكن العلم الموصل إلى النجاة في الدار الآخرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص قد قرأ قول الله تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّه بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)



    فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت، قال: نعم، فبات معه ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعارَّ انقلب على فراشه ذكر الله وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعْه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث، وكدت أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين والدي هجرة ولا غضب، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات: «يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة»، فطلعت ثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت قال: فانصرفت عنه، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشًّا، ولا أحسده على ما أعطاه الله إياه إليه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، هي التي لا نطيق، أي : صعبة، وإنه ليسير على من يسَّره الله عليه.

    كلام طيب

    القسم الثاني : الحقوق اللسانيَّة : والتي منها ردّ السلام، وتشميت العاطس، وكف الأذى، كما يقول الشاعر :

    فَلا يَنطِقَن مِنكَ اللِسانُ بِسَوأَة
    فَكُلُّكَ سَوءاتٌ وَلِلناسِ أَلسُنُ

    أي : فلا تتكلم في مسلم بغيبة أو نميمة أو سب أو شتم أو تقولها في وجهه، حتى بعض الناس إذا اغتاب أحدًا وقلت له: لماذا تقول ؟ قال : لو كان في وجهه لقلتها له، وعلى سبيل المثال، ففي إحدى المرات قالها أحد الإخوة، قلت له: إن كانت في ظهره فهي غيبة، وإن كانت في وجهه فإن هذا ليس جيدًا، اللهم إلا أن تكون نصيحة تتلطَّف فيها بالأسلوب المناسب، لافتًا إلى أن سؤال المسلم على أخيه المسلم هو من الحقوق اللسانيَّة، وكما يقال :

    كَيفَ أَصبَحتَ كَيفَ أَمسَيتَ
    مِمّا يَنبتُ الوُدَّ في الفُؤادِ الكَريمِ

    مؤكدًا على ضرورة أن يعوِّد كل منا لسانه على الطيب من الكلام سواء مع الأهل، أو الزوجة، أو الأولاد، أو مع القريب، أو البعيد، وكذلك مع الموافق، أو المخالف، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فإن الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ اتَّقِ اللَّه فِينَا فإنمَا نَحْنُ بِكَ فإن اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا»، فالاستقامة مدارها على القلب، يقول تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) ، واللسان هو المغراف الذي يغترف من القلب ويعبر عما فيه، ولذلك فإنه من المهمّ ضبط اللسان، واكتساب العادات الحسنة الحميدة في اللسان بالابتسامة، والقول الطيب، فالله عز وجل ذكر في القرآن الكريم القول المعروف، يقول تعالى: (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا) والقول السديد، يقول تعالى: (وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) والقول البليغ، يقول جل وعلا: (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا) ، إلى غير ذلك من المعاني العظيمة.

    وأوضح فضيلته أن هذا يؤكِّد أننا ينبغي أن نعوّد ألسنتنا على الكلام الطيب، والذي يكون بالمجان ولا يكلِّف الإنسان شيئًا لكن أثره عظيم، وفي الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر قصة الرجل الذي يدخل الجنة بكلمة من رضوان الله: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَة مِنْ رِضْوَانِ اللَّه مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لَه بِهَا رِضْوَانَه إلى يَوْمِ الْقِيَامَة وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَة مِنْ سَخَطِ اللَّه مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عليه بِهَا سَخَطَه إلى يَوْمِ يَلْقَاه»، وعلى سبيل المثال، فإنه عندما يكون لدى الإنسان فاتورة مجانية فإنه يكثر من الكلام حتى ربما يصيبه التعب، فما بالنا إذا كان جزاء الكلمة الطيبة التي تطيب بها خاطر أحدًا أو تسأل عن حاله أو تعبر عن مشاعر إيجابية عندك ربما تُدخلك الجنة أو ترفع منزلتك فيها، مما يدعونا إلى أن نتوسع في استخدام الكلام الطيب الجميل.

    ولفت الدكتور العودة إلى أنه يوجد حديث يجمع ما بين القلب واللسان وهو حديث عظيم رواه البخاري في صحيحه ضرب فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- المثل للمنفق والبخيل، فضرب المثل للمنفق الكريم بإنسان عليه جبه أو ثوب طويل وهذا الثوب يسحب من تحته فإذا مشى هذا الثوب من ورائه يمسح أثره، ومثَّل الإنسان البخيل بإنسان عليه ثوب ضيِّق ولا يستطيع أن يلبسَه جيدًا، فكلما حاول أن يوسعه لا يتسع وربما انشقَّ هذا الثوب لأنه غير لائق عليه، موضحًا أن البخل ليس بالمال فقط وإنما البخل بالكلام الطيب وبشاشة الوجه كما قال العربي:

    أَضاحك ضَيفي قَبلَ إِنزال رحله
    وَيُخصَب عِندي وَالمَحَلُّ جَديب

    وَما الخَصبُ للأَضياف أَن يَكثُر القِرى
    وَلَكِنَّما وَجه الكَريم خَصيب

    فقوله: (وَجه الكَريم خَصيب) أي : أن مجرد الوجه الطيب والبشاشة والبِشر هو معنى عظيم، واللسان هو تعبير عن ذلك أيضًا، لذا فإنه يجب علينا أن نعوِّد ألسنتنا على الكلام الحسن الطيب وأن نستدعيه من الآخرين.

    أَنْفِقْ أُنْفِقْ عليكَ

    القسم الثالث: الحقوق الماليَّة: ومنها: الزكاة، والصدقة، وإيثار الآخرين ومواساتهم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُه جَائِعٌ إلى جَنْبِه»؛ ولذلك قال سبحانه: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ *لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)، وقال: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) فهذه الحقوق الماليَّة تكون للقريب والبعيد، بدءًا من الإنفاق على الأهل والأولاد، ثم إطعام المساكين وفقراء المسلمين خاصَّة عندما يكون هناك أزمة أو نازلة أو مصيبة، وكذلك المشاريع الخيريَّة، مثل بناء مسجد أو مركز أو دار أيتام أو مدرسة فهذا من المعاني الرائعة، مشيدًا بالاكتفاء الذاتي للمسلمين في جنوب أفريقيا فيما يتعلَّق بالنواحي الماديَّة، وهي ميزة يتميزون لم أجدها في أي بلد آخر في العالم مما زرته، وعلى سبيل المثال فإنني عندما أمرُّ على مسجد ويعجبني أو أصلي فيه أسأل الشباب: من بنى هذا المسجد؟ يقولون: بناه أهل الحي بجهودهم الذاتية، كما رأيت أن المسلمين في المساجد التي صلينا فيها يوم الجمعة يأتون بأكياس يحملونها بين الخطبتين ويمرون على المصلين يدفع هذا راند وهذا عشر راند وهذا مائة راند ثم تكون هذه للمدرسة أو للفقير أو للمسجد، مؤكدًا أن هذا العمل عمل رائع ويستحق الإشادة



    وأضاف فضيلته: كما أن نفس الأمر ينطبق على الجالية العربيَّة الموجودة في جنوب أفريقيا، مشيرًا إلى أن تسميتها "جالية" هو من باب التسامح، وإلا في الواقع هم أصحاب وطن، وعلى سبيل المثال، فقد أعجبني أحد الشباب الأسبوع الماضي، حيث كان معي وقال لي: إنه جاء إلى هذا البلد وليس معه إلا ثيابه، ولكنه الآن يخرج الزكاة كما قام بالحج هو ووالدته وأن عنده الخير الكثير، وهو ما يذكِّرنا بقصة عبد الرحمن بن عوف في المدينة، فقد كان قريش أهل تجارة، فلما هاجروا إلى المدينة تركوا أموالهم، وعندما هاجر عبد الرحمن بن عوف إلى المدينة قال له سعد بن الربيع وقد آخى بينهما النبي -صلى الله عليه وسلم- : اختر أجمل زوجتي أطلقها حتى تتزوجها وخذ من مالي ما شئت! قال له: "بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على سوق المدينة"، وبعد أسبوعين قابله النبي -صلى الله عليه وسلم- وَعليه درع زَعْفَرَانٍ فَقَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم- « مَهْيَمْ » فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، قَالَ: «مَا أَصْدَقْتَهَا؟" قَالَ: وَزْنَ نَوَاة مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: «أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاة» حيث أصبح تاجرًا كبيرًا، وكذلك الكثير من الصحابة رضوان الله عليهم مثل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وغيرهم، حيث كان المال في أيديهم ولم يكن في قلوبهم، لافتًا إلى أن فضيلته ألقى قبل عشرين عامًا محاضرة بعنوان "دلوني على السوق" دعا فيها إلى التجارة والعمل، وعدم التكاسل.

    وأشار الدكتور العودة إلى أن هناك قاعدة ربانيَّة تقول: «أَنْفِقْ أُنْفِقْ عليكَ»، يقولها سبحانه في الحديث القدسي: «قَالَ اللَّه تَبَارَكَ وَتعالى يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عليكَ»، (أنفق ولا تخشى من ذي العرش إقلالًا)، حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لبلال باعتدال لكن قدر ما تعطي، كما أنني قابلت الكثير من التجار الكبار، حيث يحدثونني كلهم أنهم بقدر ما يعطون شيئًا من الغد تأتي أحيانًا فرص تجارية أو أرباح أو مكاسب لم تكن تخطرُ لهم على بال.

    ليْسَ الْوَاصلُ بِالْمُكافئ

    القسم الرابع : الحقوق البدنيَّة : ومنها أن تعين صانعًا أو تصنع لعاجز أو أخرق أو تدلّ ضالًا أو تساعد محتاجًا أو تحمل عنه فهذه الحقوق البدنيَّة التي ورد فيها الكثير من النصوص، مشيرًا إلى أنه ينبغي على المسلم أن يستحضر هذه القائمة من الحقوق ولا يربط إعطاء الناس حقوقهم بقوله إنهم لم يؤدُّوا حقوقي؛ مشيرًا إلى أن الأمر ليس مكافأةً على فعل، يقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ الْوَاصلُ بِالْمُكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها"، أي أن الإنسان إذا أحسن إليه الآخرون وقام هو برد هذا الإحسان فهذا ليس فيه مزية، ولكن المزية أن يكون الإنسان قدوةً حسنة حتى في مجتمع أو أسرة أو مجموعة أو بيئة تبخس بعض الحقوق.

    اختلافهم رحمة

    وفيما يتعلَّق بالاختلاف، قال الشيخ سلمان: إن الاختلاف بين الناس باقٍ كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز، يقول تعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ)، كما أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى ذلك المعنى أيضًا، بل لا يزداد الأمر إلا اتساعًا، موضحًا أن الاختلاف وقع بين أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال عمر بن عبد العزيز: "ما يسرُّني أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا"؛ لأنهم لو لم يختلفوا لكان اتفاقهم حجة، أما إذا اختلفوا فاختلافهم رحمة؛ ولهذا قال العلماء: "اختلافهم رحمة، واتفاقهم حجَّة"، مما يشير إلى أن اختلاف الصحابة واختلاف الأئمة رحمة، بل ألّف بعضهم كتابًا سماه "رحمة الأمة باختلاف الأئمَّة"، وبنى هذا الكتاب على حديث يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو (اختلاف أمتي رحمة)، وهذا ليس بحديث صحيح، وليس له إسناد معروف، ولكن معناه صحيح أن الاختلاف المبني على حجة واجتهاد لا بأس به، وقد يكون رحمة لأن الناس لا يسعهم قول أو مذهب واحد، ولذلك علينا أن نتقبل الاختلاف، موضحا أن هناك ألوان من الاختلاف، منها



    1 - اختلاف تنوع : ومثاله : أن يكون هناك أناس مشغولين ببناء المساجد، وآخرون مشغولون بالجوانب السياسيَّة، وفئة ثالثة مشغولة بالعلم والتعليم الشرعي، وفئة رابعة مشغولة بالتقنية، ونحن نعرف أن الإنجازات الحياتيَّة لا يمكن أن يقوم بها إنسان واحد أو مجموعة واحدة، وكل إنسان ميسَّر لما خُلق له، فهذا طبيب، وهذا مهندس، وهذا طيار، وهذا عسكري، وهذا تاجر، وهذا خطيب، وهذا عالم، وهذا داعية، وهذا بسيط ربما مهمَّته تنظيف الشوارع، وقد يكون عند الله أفضل منهم كلهم جميعًا، فالفضيلة بالتقوى.

    2 - اختلاف تضاد: وهو أن يكون هناك أناسٌ يرون شيئًا وآخرون يرون ضده، ومثاله : أن يرى شخص أن هذا العمل مباح، والآخر يرى أنه محرّم، بل قد يرى شخص أنه واجب وآخر يرى أنه محرّم، مشيرًا إلى أنه إذا كان هذا مبنيًّا على دليل شرعي فإنك لا تستطيع أن تعاتبه، لكن إذا كان مبنيًّا على هوى أو نوع من العصبية أو منع الآخرين من الحق، وأن يتحول إلى عدوان فلا شكَّ أن هذا يكون مذمومًا، موضحًا أن مبنى الأمر على الاجتهاد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الحديث: «إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَه أَجْرَانِ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَه أَجْرٌ»، حيث يكون الإنسان في هذه الحالة بين أجر وأجرين، وعندما يعطي الله أجرًا لمن يجتهد فإن هذا يكون دعوةً للناس إلى أن يجتهدوا بحسب وسعهم، وألا يُثرّب أحدهم على الآخر، فربما يكون لشخص أجران لأنه اجتهد وأصاب، لكنه لا يحجر على الآخر الذي يجتهد ويخطئ والذي في النهاية يحصل على أجر الاجتهاد، فاحمد الله على ما فضلك ولا تحاول أن تطيح بالآخرين أو تحتقرهم أو تسبّهم أو تسيء النية أو تتوقع أنهم قصدوا الخطأ، لافتًا إلى أن هناك كلمة جميلة للإمام الشافعي -رضي الله عنه- يقول فيها: "ليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فأصابه"، مؤكدًا على ضرورة أن نحسن الظن بالآخرين، مشيرًا إلى أنه في يوم من الأيام كان الإمام الشافعي -رضي الله عنه- مريضًا وجاءه الربيع أحد تلاميذه يعوده، فقال له: يا إمام قوّ الله ضعفك! فقال له الشافعي: يا ربيع تدري أنك تدعو عليَّ بهذه الكلمة؟ قال: يا إمام ما قصدت إلا الخير، قال: أنا أعلم لو دعوت عليَّ أنك لا تريد إلا الخير، ولكن لا تقل ذلك، فلو قوَّى الله ضعفي لقتلني، أي: زاد ضعفي، ولكن قل: "شفاك الله" أو ما أشبه ذلك من المعاني، ولكن في النهاية يبقى حسن الظن بالناس.

    اختلاف الصحابة

    وأوضح الدكتور العودة أن الصحابة -رضي الله عنهم- والذين هم القدوة والأمة، حيث قال الله -سبحانه وتعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، وقد حمل عمر -رضي الله عنه- هذه الآية على أن المقصود بها الصحابة لأنه قال: (كُنْتُمْ) أي: في الماضي، ومع ذلك فقد كان بين الصحابة من الاختلافات الشيء العظيم، وعلى سبيل المثال، فقد كان عمر -رضي الله عنه- وابن مسعود لهما رأي أن الإنسان الذي يسافر وتصيبه الجنابة ولا يجد الماء أو يكون الماء شديد البرد، لا يتيمَّم أبدًا حتى يجد الماء ثم يغتسل ويقضي ما عليه من الصلوات، خلافًا لبقية الصحابة، وتكاد أن تكون الأمة أجمعت بعد ذلك على خلاف قول عمر وابن مسعود، وأن الإنسان إذا أجنب ولم يجد الماء أو برد عليه الماء تيمم مثل الوضوء تمامًا، واستدلّوا بظاهر القرآن الكريم قال -سبحانه وتعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ) ، حيث المقصود بالملامسة في هذه الآية الجماع، (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا).

    وتابع فضيلته أن جماهير الأمَّة على أنَّ التيمُّم يرفع الحدث الأصغر والأكبر، بخلاف عمر -رضي الله عنه- وابن مسعود، حيث رَأيَا أنه لا يرفع الحدث الأكبر، وهذا القول من عمر ظاهره مخالف لنص القرآن الكريم، وقد أجمع الصحابة وأجمعت الأمَّة على خلافه، ومع ذلك يظلُّ عمر هو عمر بجلالته وعظمته وقدره، ولم يُنقل أن أحدًا من الصحابة نال من عمر ولو بشطر كلمة بسبب هذا القول، ومع ذلك ما قبلوا منه هذا القول لأنهم يرون أن القرآن حاكم على هذا القول، وظاهر القرآن قوي في مخالفته، فأخذوا بما دلت عليه النصوص القوية الصحيحة الصريحة ولم يأخذوا بقول عمر لأنه رجل عظيم، وفي الوقت ذاته حفظوا مقام عمر -رضي الله عنه- وعظَّموه وبجَّلوه وقدّروه كما قدّره النبي -صلى الله عليه وسلم، وهذه هي روح الصحابة التي نريد أن نقتدي بها.

    اختلاف عائشة والصحابة

    وضرب الشيخ سلمان مثالا آخر قائلا: إن عائشة الصّدّيقة -رضي الله عنها- خالفت الكثير من الصحابة في مسائل، منها: مسألة مرور المرأة بين يدي المصلي، حيث يرى بعض الصحابة أن مرور المرأة بين يدي المصلي يُبطل الصلاة، في حين أنكرت عائشة -رضي الله عنها- ذلك وقالت: "شبهتمونا بالكلاب والحمر، والله إني كنت أنام بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجلاي إلى قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي، وإذا قام بسطت رجلي" والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح فهي لا تراه، فردَّت عليهم أن مرور المرأة لا يُبطل الصلاة، وكذلك خالفت الصحابة في مسألة عذاب الميت و«إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِه عليه»، حيث ردَّت على عمر وابن عمر، كما ردت على ابن عمر في عمرة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى ألّف العلماء في ذلك كتبًا، منها ما ألفه الزركشي بعنوان "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة".

    وأكَّد فضيلته أن هذا دليل أيضًا على مكانة المرأة ودورها في التعليم والتعلم والأخذ والاجتهاد والتفقه، مشيرًا إلى أن هذا -مع الأسف- غاب في كثير من البيئات الإسلاميَّة، حيث صودرت مكانة المرأة وأصبحت المرأة فقط للولادة أو لرعاية الأطفال أو للبيت.

    أدب الخلاف

    واختتم الدكتور العودة محاضرته بالحديث عن أدب الخلاف، مشيرًا إلى أن هذا الأدب يجب أن يُدرَّس للشباب والكبار والصغار، مثلما يدرسون علم الحساب أو الرياضيات أو اللغة، حيث يجب أن يكون هناك مقرر اسمه "أدب الخلاف" يتعلمه الكبير والصغير، لافتًا الانتباه إلى أن هناك بعض الأخلاقيات التي يجب التحذير منها فيما يتعلق بأدب الخلاف، منها



    1 - الحدّة: في الخلاف، فبعض الناس يقولون: "من لم يكن معي فهو ضدي"، وهذا خطأ، موضحًا أنه يروى عن عيسى -عليه الصلاة والسلام- كلمة رائعة وجميلة، حيث يقول: "من لم يكن ضدي فهو معي"، أي أن الناس كلهم معي إلا من كان ضدي وحاربني، وذلك على خلاف مقولة "من لم يكن معي فهو ضدي"، فربما يخالفني إنسان في نقطة واحدة فأعتقد أنه تحول إلى خصم أو عدو.

    2 - الفرعيَّة: حيث وجدت أن كثيرًا من الخلافات التي تعصف بطلبة العلم والمجموعات الإسلاميَّة هي خلافاتٌ في الفروع، سواء في الصلاة، أو الزكاة، أو الصوم، أو الحج، أو المسائل الفقهيَّة، أو الاجتهادات، حيث نجد أن كثيرًا من الأسئلة تدور حول هذه الفروع، والتي ربما يكون قد اختلف فيها الصحابة كما اختلف فيها الأئمَّة، والأدلَّة فيها كثيرة ، وأن الإنسان بحثها في الفقه وأخذ بقول، لكن المشكلة تكمن في أن يعتبر الإنسان أن الرأي الذي أخذ به يجب على الناس جميعًا أن يأخذوا به، وأن يكون مدعاة للجدل والقيل والقال والخلاف، وهي أمور لا تستحق كل هذا، فلن يجتمع الناس على هذه الفروع.

    3 - عدم حفظ مقامات: الناس الذين تختلف معهم، ودائمًا يقولون: "الأخلاق إنما تبين في وقت الاختلاف"، أي أن الإنسان يتعامل مع من هم أصدقاؤه بأريحيَّة، لكن الرجولة تبين في تعاملك مع من تختلف معهم، وعلى سبيل المثال، فإن بعض الناس إذا اختلف مع شخص مستعد أن يطيح به، أو يسبه، أو يشتمه، كما أنني أقرأ أحيانًا في الإنترنت في بعض المواقع أنه مات أحد العلماء فتجد شبابًا يكتبون في الإنترنت: "فلان مات فإلى جهنم وبئس المصير" والعياذ بالله!

    4 - التكفير: مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: « وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلاَّ حَارَ عليه»، فإذا كفّره فهو الأحق بالكفر والأحق بالنار، ومع ذلك تجد الكثير من المسلمين بمجرد ما يقع الاختلاف يسارعون في التكفير، مع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يُكفّر أحدًا بعينه ممن ثبت لهم أصل الإسلام مع وجود من قالوا: (اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ)، وكذلك مع وجود المنافقين الذين يُظهرون الإسلام ويُبطنون الكفر، ووجود حدثاء عهد بإسلام ربما يجهلون الكثير حتى من أصول الدين، ومع ذلك فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُشرّع لنا ولا أمرنا الله في القرآن ولا في السنة بأن نلاحق الناس بالتكفير.

    5 - القتل: أو استحلال دم من تختلف معهم أو يختلفون معك، فربما عندما تُكفّرني لا يكون هناك مشكلة وإن كان هذا أمرًا مؤلمًا، ولكن يقول الإنسان أتحمل، ولكن المصيبة هي عندما يتحوَّل التكفير إلى استحلال الدم والعرض والقتل، أو غير ذلك، وعلى سبيل المثال، فقد قال أحدهم ذات مرة: أستحل زوجته! فهذا الإنسان ربما حتى تفكيره جنسي، فأول ما فكَّر فيه زوجته! حيث ضاقت الدنيا كلها عليه إلا زوجة فلان، وهذا يوضح كيف وصلت الأمور في الإطاحة بالحقوق إلى هذا الحد؟! مؤكدًا أن التقاتل بين المسلمين في أكثر من مكان هو أمر عار علينا نحن المسلمين جميعًا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ»، فهذا أمر فعلًا فظيع وشنيع، ويجب أن نعلن النكير عليه بكل وسيلة، ونبرأ إلى الله -تبارك وتعالى- من هذا المعنى، فالإنسان يتساءل دائمًا: ماذا يمكن أن يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكثر مما قال لنا في حفظ مقامات الأخوة والتقارب والتآخي والحفاظ على العلاقات والمحبة وعدم التكفير أو القتل؟! لافتًا إلى أنه ليس هناك لغة أو أسلوب في اللغة العربيَّة إلا استخدمه النبي -صلى الله عليه وسلم- لتحذيرنا من تكفير أو قتل من نختلف معهم، حتى قامت الحجَّة علينا جميعًا.

    تعميق معاني الأخوَّة

    وفي النهاية دَعَا الشيخ سلمان إلى ضرورة تعميق معاني الأخوة والحب في الله، وأن ندعو لإخواننا بظهر الغيب، وأن نذكرهم ونثني عليهم بخير، مشيرًا إلى أننا لن نعدم جانبًا من الخير نثني على إخوتنا فيه أبدًا، ونحن بذلك سنكون مفاتيح للخير، ومغاليق للشر، وستكون مجالسنا تلك المجالس التي يباهي الله تعالى بها ملائكته لأنها مجالس يُذكر فيها الصالحون، وعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، يقول تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّه وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّه وَرَسُولَه أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَة مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، ثم قال -سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ) ، فلتكونوا من أهل هذه الآية: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفٌ رَحِيمٌ).

    وأضاف فضيلته: إننا نريد أن نغير من أنفسنا وألا يكون هذا مجرد كلام نقوله ثم ننساه، ولكن نريد أن يتحول هذا إلى سلوك في الحياة، وثقافة، وأسلوب في العمل، وخلق نبيل نتواصى به ونحاول أن نكون قدوةً حسنة فيه للآخرين الذين نعتقد أنه ينقصهم




د. العودة من كيب تاون: لماذا لا تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة فعلياً وليس نظرياً فقط

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. صوراً حصرية للقاء الشيخ العودة بطلاب وطالبات كيب تاون
    بواسطة نعيم الزايدي في المنتدى منتديات الدعاة العامة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-05-2011, 03:31 PM
  2. د.العودة: نسبة المسلمين في أي بلد تحسب بمدى تأثيريهم وليس بعددهم
    بواسطة نعيم الزايدي في المنتدى منتديات الدعاة العامة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-04-2011, 07:16 PM
  3. أحوال الأمة الإسلامية
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-01-2010, 02:00 AM
  4. لماذا يسوع وليس بطرس ؟! ولماذا يسوع وليس بولس؟!
    بواسطة om miral في المنتدى منتدى نصرانيات
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 07-12-2009, 01:08 PM
  5. دواء الأمة الإسلامية
    بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28-10-2009, 08:20 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

د. العودة من كيب تاون: لماذا لا تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة فعلياً وليس نظرياً فقط

د. العودة من كيب تاون: لماذا لا تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة فعلياً وليس نظرياً فقط